أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلال

بركات أحمد بني ملحم
عناصر الخطبة
  1. المال زينة وفتنة وابتلاء .
  2. المال وسيلة لنيل الرضا أو السخط .
  3. خطر المال الحرام .
  4. خطر تضييع الأغنياء حق أموالهم .
  5. العبادة مربوطة بخلق الكرم والسماحة .
  6. الترغيب في الإنفاق (قصة أبي الدحداح) .
  7. من فضائل الصدقة .

اقتباس

الإنسان بالمال يستطيع أن يتحصل على رضا الله، وبه يستطيع أن يتحصل على سخط الله، والإنسان بالمال يستطيع أن ينال ويرتقي أفضل المنازل، وبه يستطيع أن يتحصل على أخبث المنازل، فإذا أدى حق ماله فقد استبرأ لدينه وعرضه فعنه صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "لا تزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عنْ أربع ،ٍ وذكر منها وعنْ مالهِ مِنْ أيْنَ أخذهُ وفيما أنْفَقَهُ". هل اكتسبه بالحلال أم بالحرام؟ وأين أنفقه في اللهو والترف وحطام الدنيا ولم يؤد حقه أم في وجوهه المشروعة؟

الخطبة الأولى:

إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العلي العظيم وطاعته.

يقول الله -سبحانه وتعالى- في محكم كتابه: (وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة:102].

عباد الله: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بلال فوجد عنده صبراً من تمر فقال: "ما هذا يا بلال؟" فقال: تمر أدخره، قال: "ويحك يا بلال! أوَما تخاف أن يكون له بخار في النار؟ أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً".

نعم يا عبد الله يا من تدخر الملايين ولا تؤدي حقها، تدخر العقارات والمجوهرات لا تمرة ولا تمرتين وكأنك ستخلد في الدنيا المال مال الله، المال زينة الحياة الدنيا (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) [الكهف:46].

المال فتنة وابتلاء (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التغابن: 15] "لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال".

المال الذي بين أيدينا هو مال الله أنزله الله علينا يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه إن الله -عز وجل- قال: "إنا أنزلنا المال لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو كان لابن آدم واد لأحب أن يكون له ثانيًا ولو كان له واديان لأحب أن يكون إليهما ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ثم يتوب الله على من تاب".

عباد الله: الإنسان بطبيعته يحب المال حبا شديدًا (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) [الفجر:20] والذي نراه أن الإنسان يصل الليل بالنهار ليتحصل على المال، ولا يملأ جوفه إلا التراب، فعندما يوضع في القبر ويهال التراب على وجهه ويدخل جوفه ويبدأ الدود باستئصال أعضائه فإذا به خلال ساعات جيفة تنفر الكلاب من رائحتها فعندها يعلم الحقيقة.

الإنسان بالمال يستطيع أن يتحصل على رضا الله، وبه يستطيع أن يتحصل على سخط الله، والإنسان بالمال يستطيع أن ينال ويرتقي أفضل المنازل، وبه يستطيع أن يتحصل على أخبث المنازل، فإذا أدى حق ماله فقد استبرأ لدينه وعرضه فعنه -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عنْ أربع ،ٍ وذكر منها وعنْ مالهِ مِنْ أيْنَ أخذهُ وفيما أنْفَقَهُ". هل اكتسبه بالحلال أم بالحرام؟ وأين أنفقه في اللهو والترف وحطام الدنيا ولم يؤد حقه أم في وجوهه المشروعة؟

يُسْأَلُ الإنسانُ منْ أينَ جَمَعْتَ هذا المالَ إنْ كانَ أخذَهُ من حَلالٍ وصَرَفَهُ في حلالٍ في غَيْرِ معصيَةِ اللهِ، ليسَ عليهِ عُقوبَةٌ، بلْ إنْ صَرَفَهُ في طاعةِ اللهِ في نَفَقَةِ أهلِهِ وفي الصَّدَقَاتِ ونحوِ ذلِكَ يكونُ هذا المَالُ الذي جَمَعَهُ منْ حلالٍ وصَرَفَهُ في طاعةِ اللهِ ذُخراً كبيراً في الآخِرَةِ.

أما إنْ جَمَعَهُ مِنْ حَرامٍ فالوَيْلُ لهُ ثُمَّ الوَيْلُ، وإن وصرفَهُ في الصَّدَقَاتِ لا يَقْبَلُ اللهُ منهُ، فاللهُ لا يقبلُ منَ الصَّدقاتِ إلا ما كان من مالٍ حلالٍ.

ثم بعضُ الناسِ يجمعونَ المالَ من حرامٍ يكونُ عندهُم مالٌ كثيرٌ ثم يموتونَ ويتركونَ هذا المالَ لأهليهِم وأقارِبِهِم، هذا الشخصُ ترك وَبَالاً عليْهِ، هؤلاءِ أهلُهُ ينتفِعونَ بهِ أما هو يُؤاخَذُ عليهِ في الآخِرةِ؛ لأنَّهُ مالٌ حرامٌ جَمَعَهُ لهم من طريقٍ حَرَامٍ ثم تركهُ لهم وذهبَ للقاء الله.

عباد الله: إذا ضيع الأغنياء حق أموالهم فستعيش أمتهم بالضنك والهم والغم وستحرم المطر بسببهم "ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا"، ثم يعذبون بهذا المال في الآخرة: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [آل عمران:180].

ورسول الله يقول: "‏من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثِّل له ماله يوم القيامة شجاعًا أقرع له ‏‏زبيبتان ‏ ‏يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه ‏يعني بشدقيه، ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك ثم تلا (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [آل عمران:180] ".

عباد الله: حق المال أن يؤتى منه الفقراء والأيتام، حق المال أن يُزكى ويُتصدق منه، حق المال أن يتاجر به مع الله يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أُعيد عليها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى جنة وإما إلى نار"، ويقول للمرأة لما رأى على ابنتها سكتين من الذهب "أتعطين زكاة هذا؟" قالت: لا، قال: "أيسرك أن يسوّرك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار

نعم -عباد الله- هذه هي نتيجة الشح والبخل الهلاك بالدنيا والآخرة، فكما قال رسول الله: "ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه"، وقال: "اتقوا الشحَّ؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم..."، وشر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبداً" إذا وجد الشح ضعف الإيمان إن لم يعدم وإذا غاب الشح وجد الإيمان.

عباد الله: فكثير من الناس يفصل بين العبادة وبين إنفاق المال فتجده يصلي ويصوم، ولكن الشح والبخل يسري ويجري فيه مجرى الدم إذا أراد أن يتعامل مع الآخرين عاملهم بالمفهوم المادي لا بالمفهوم الأخلاقي، ولا بمفهوم التسامح والكرم والبذل والعطاء، ولكن تحت مفهوم خذ حقك وأعطني حقي بعيدًا عن التسامح ناسيًا قوله -صلى الله عليه وسلم-: "رحم الله امرأ سمحًا إذا باع، وسمحا إذا اشترى".

فديننا دين تسامح ومعاملة والدين المعاملة -نعم خذ حقك- وأعطني حقي إذا استوت الحال، أما كثير من الناس يملك المال الطائل، ولكن عند الحقوق تجده بعيدًا عن التسامح وبعيدًا عن الكرم والبذل وهذه المعاني الزكية وتجده يأكل على الأجراء حقهم تحت مسمى الشطارة والكياسة والفطنة، ويخلط ماله بالحرام دون رضا من أصحابه وبالحياء.

قدوتنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما جاءه المشرك زيد بن سعنة يطلبه دينًا له على رسول الله، قال زيد بن سعنة: فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاث خرج رسول الله ومعه أبو بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- في نفر من أصحابه، فلما صلى على الجنازة ودنا إلى الجدار ليجلس إليه أتيته، فأخذته بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ قلت له: يا محمد ألا تقضيني حقي؟ إنكم قوم مطل، ونظرت إلى عمر فرماني ببصره، فقال: يا عدو الله: أتقول لرسول الله ما أسمع؟ وتصنع به ما أرى؟ فو الذي نفسي بيده لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك. ورسول الله ينظر إلي في سكون وتؤدة"، فقال: "يا عمر أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا؛ أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التقاضي، اذهب به يا عمر فأعطه حقه، وزده عشرين صاعًا من تمر". قال زيد: فذهب بي عمر فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعاً من تمر، فقلت: ما هذه الزيادة يا عمر؟ قال: أمرني رسول الله أن أزيدك، قلت: يا عمر، لم يكن من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفت في وجه رسول الله حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، وقد خبرتهما، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، رحم الله زيداً.

نعم -عباد الله- دخل زيد الإسلام بخلق وحلم وسماحة رسول الله فلم يعامله على أساس خذ حقك وأعطني حقي بل على أساس "اذهب به يا عمر فأعطه حقه، وزده عشرين صاعا من تمر" إنها سماحة الإسلام والرسالة السماوية التي جاء بها رسول الله، دين متكامل وشامل لكل نواحي التعامل. كيف لا ورسول الله يقول فيما يرويه عن ربه: "يا بن آدم أَنفق أُنفق عليك" ، ويقول: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها".

نعم -يا عبد الله- لك ما أكلت فأفنيت وما لبست فأبليت، وما تصدقت فأبقيت فما تصدقت به هو الرصيد والاستثمار كيف لا ورسول الله يقول: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".

فالإنسان في قبره بحاجة إلى صدقة وإلى عمل صالح يقربه إلى الله، فلن ينفعه إلا ما قدم من خير للآخرين لن تنفعه مؤسسته ولا شركته ولا مشروعه ولا رصيده في البنوك بل ما كان في البنك المركزي الأخروي فقط هنا الاستثمار والادخار والتوفير، رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ذات يوم لأصحابه: "أيكم مالُ وارثهِ أحب إليه من مالهِ؟" قالُوا: يا رسول الله، ما مِنا أحد إلا مالُهُ أحب إليه. قال: "فإن مالهُ ما قدم ومال وارثه ما آخر" نعم فما أبقيت لورثتك فليس لك بل لهم، فهذا الفاروق عمر يقول: أمرنا الرسول بصدقة فوافق ذلك مالاً عندي فقلت: اليوم أسبقك يا أبا بكر، فجئت بنصف مالي، فإذا بأبي بكر يأتي بماله كله فقلت: لا أسابقك بعد اليوم.

أبو الدحداح ثابت بن الدحداح -رضي الله تعالى- عنه كان له نبأ عجيب.. روي: أنه كان هناك في زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان غلام يتيم من الأنصار كان له بستان ملاصق لبستان رجل، فأراد الغلام أن يبني جداراً يفصل بستانه عن بستان صاحبه، فلما بدأ يبني هذا الجدار اعترضته نخلة في طريق هذا الجدار فذهب إلى صاحبه، وقال: يا أخي عندك نخل كثير في بستانك فلا يضرك أن تعطيني هذه النخلة التي اعترضت جداري إذ هي من نصيبك لو كانت من نصيبي لأقمت الجدار وأدخلتها فيه لكن المشكلة أنها من نصيبك ولا يستقيم الجدار حتى أدخلها في نصيبي.

فقال: صاحبه لا ولله لا أعطيك النخلة فقال: يا أخي ما يضرك أعطني النخلة أو بعني أيها، قال: لا فذهب هذا اليتيم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أن بستاني بجانب بستان فلان وأني أردت أن أبني جداراً في وسط البستان فاعترضتني نخلة لا يستقيم الجدار إلا إذا أدخلتها في نصيبي لكنها يا رسول الله من نصيب صاحبي، وقد سألته أن يعطيني إياها فأبى يا رسول الله فاشفع لي عنده أن يعطيني النخلة.

فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ادعوه إلي"، فلما جاء حتى مثل بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- التفت إليه -صلى الله عليه وسلم- وقال: "قد كان بستانك بجانب بستان صاحبك، وأراد هذا اليتيم أن يبني جداراً بفصل بستانه عن بستانك فاعترضته نخلة هي من نصيبك"؟ قال: نعم، قال: "فأعط هذه النخلة لأخيك"، قال: لا، فأعاد عليه الصلاة والسلام الطلب ثلاث والرجل يرفض. فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أعطه النخلة ولك بها نخلة في الجنة"، قال: لا، بعد ذلك سكت الرسول ماذا يقول أكثر من ذلك سكت..

كان من بين الصحابة الحاضرين (أبو الدحداح) -رضي الله عنه-، فلما رأى هذا العرض نخلة في الدنيا بنخلة في الجنة "ونخلة الجنة منها ما يسير الراكب 100 عام لا يقطعها" فلما سمع أبو الدحداح ذلك لم يصبر على ما سمع ثم قال: يا رسول الله أرأيت إن شريت نخلة هذا ثم أعطيتها لفلان يكون عندي نخلة في الجنة؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "نعم يكون عندك نخلة في الجنة".

أبو الدحداح بدأ يفكر ماذا عنده من الأموال يستطيع أن يغري بها صاحب النخلة ليستخرجها منه إلى ملكه، ثم يعطيها لذلك اليتيم بدأ يفكر فتذكر أن له بستانًا يتمناه أكثر تجار أهل المدينة بستان فيه 600 نخلة وبئر وبيت. فقال أبو الدحداح: يا فلان يا صاحب النخلة قال: ما تريد قال: تعرف بستاني الذي في المكان الفلاني بستان كامل تعرف البستان قال: نعم أعرفه وهل يجهله أحد بستانك فيه تمر طيب هل يجهله أحد قال: يا فلان خذ بستاني كله وأعطني هذه النخلة.. خذ بستاني كله بما فيه من شجر وبئر وبيت وغير ذلك وأعطني هذه النخلة..

لكن الرجل نظر إلى أبي الدحداح ثم التفت على الناس فإذا هم يشهدون على هذا البيع. فقال: نعم أخذت البستان وأعطيتك النخلة، فالتفت أبو الدحداح -رضي الله تعالى- عنه إلى اليتيم، ثم قال: يا فلان النخلة مني إليك خذها وذهب فأخذها.. ثم التفت أبو الدحداح إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله الآن أصبح عندي نخلة في الجنة؟، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "كم من عذق رداح لأبي الدحداح في الجنة" أي: كم من عذق رداح: مليء بالثمر لأبي الدحداح في الجنة.

يقول أنس راوي الحديث: ما قالها مرة ولا مرتين ولا ثلاث مازال -صلى الله عليه وسلم- يكررها-: "كم من عذق رداح لأبي الدحداح في الجنة..." حتى خرج أبو الدحداح..

أبو الدحداح بعد ما تم البيع ذهب إلى البستان ليُخرج بعض أغراضه منه.. فلما حرك باب البستان ليدخل فإذا بصوت زوجته وأولاده يلعبون داخل البستان أراد أن يفتح الباب ليدخل ما تحملت نفسه يدخل إليهم ويقول ما عندنا بستان هذا البستان الذي نجمع من الأموال سنين عديدة حتى نشتريه أو حتى يبقى لأولادنا من بعدنا الآن يذهب عنا بطرفة عين ما تحمل أن يخرج أولاده من هذه السعة إلى الضيق..

حرك الباب.. حرك الباب ما استطاع أن يدخل فصاح بأعلى صوته وهو خارج البستان. قال: يا أم الدحداح. -أم الدحداح داخل البستان تعجبت ما دخل أبو الدحداح اليوم هذا بستانه العادة أنه يدخل!!- قالت: لبيك يا أبا الدحداح. قال: اخرجي من البستان. قالت: أخرج من البستان؟!! قال: نعم لقد بعته. قالت: بعته.. بعت البستان يا أبا الدحداح؟!! بعته لمن؟! قال: بعته لربي بنخلة في الجنة. قالت: الله أكبر.. ربح البيع يا أبا الدحداح.. ربح البيع يا أبا الدحداح لا تدخل.. ما تدخل.

ثم أخذت أطفالها تخرجهم لما وصلوا إلى باب البستان أوقفتهم ثم فتشت جيوبهم، فمن كان معه شيء من الثمر أخرجته ثم وضعته في البستان، وقالت: هذا ليس لنا هذا لله رب العالمين.

أحد أطفالها الصغار جائع أخذ تمرة ووضعها في فمه يأكلها وهو خارج فأوقفته ثم فتحت فمه وأخرجت هذه التمرة ووضعتها قالت: هذا ليس لنا، هذا لله رب العالمين.

يا أصحاب الأموال يا من تملك العقارات والأراضي تاجر مع الله هذه هي التجارة الرابحة، يا من تأكل أموال الناس بالباطل اتق الله هذه الدنيا زائلة لك ما أكلت فأفنيت وما لبست فأبليت، وما تصدقت فأبقيت فما تصدقت به هو الرصيد والاستثمار الأخروي عند الله، قال: بعته لربي بنخلة في الجنة.

قالت: الله أكبر.. ربح البيع يا أبا الدحداح.. ربح البيع يا أبا الدحداح فليكن هذا شعارك!! أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً

الخطبة الثانية:

عباد الله: يكون الرجل في ظل صدقته يوم القيامة يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يكون كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الخلائق". وذلك يوم تكون الشمس ارتفاع ميل من الخلائق يوم الحشر، وكل يسبح في عرقه حسب عمله، فصاحب الصدقة يكون مستظلاً في ظل صدقته يومئذ.

نعم -عباد الله- سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله منهم: "رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه"، وقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا يُخْرِجُ رَجُلٌ شَيْئًا مِنَ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَفُكَّ عَنْهَا لَحْيَيْ سَبْعِينَ شَيْطَانًا". رواه الإمام أحمد وابن خزيمة، وصححه الألباني. نعم وكما قال -صلى الله عليه وسلم-: "صدقة السر تطفئ غضب الرب"..


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي