الأرض اليوم مليئة بأنواع الظلم والجور والبخس، منها ما هو واضح صارخ الوضوح، ومنها ما هو دون ذلك، فالظلم مراتب ودرجات والنفس من قديم الزمان وما زالوا يطالبون بالعدل والإنصاف بشتى الطرق فلا شيء يطفئ الغضب ويرد الابتسامة مثل العدل. والمؤمن الذي يريد النجاة هو الذي يجتنب الظلم ويخافه أشد الخوف ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فبقي أن ذكرنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أوقف حد القطع في السرقة عام الرمادة أي عام المجاعة لورود شبهة الاضطرار.
ولقد جاء في الحديث الحسن قوله صلى الله عليه وسلم: "ادرؤوا الحدود بالشبهات"، فإذا اشتبه أمر الإنسان وأشكل حاله هل هو عالم أم جاهل؟ هل هو متأول معتقد حله أم لا؟ هل هو مرغم أم مختار؟ كل هذا التمحيص من أجل درء العقوبة قدر المستطاع..
ولذلك لما جاء ماعز بن مالك ليعترف للنبي صلى الله عليه وسلم بالزنا وهو محصن، أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يستوضح حتى يزول الاشتباه في تحقق الزنا من عدمه، فجعل عليه الصلاة والسلام يقول: "لعلك قبّلت أو غمزت أو نظرت"؟ قال: لا يا رسول الله. بل لما أقاموا عليه الحد وأحس مسّ الحجارة خرج يشتد قفز من مكانه يجري فلقيه أحد الصحابة فنزع له بوظيف بعير – عظم بعير – فقتله، فلما أُخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه"!!
فالشريعة حكيمة رحيمة تفرّق بين مرتكبي الجريمة بأنواعها متعمدًا وبين مرتكبيها عن طريق الخطأ أو الجهل أو الإكراه أو الاضطرار..
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم حثَّ على العفو قبل وصول القضية إلى الحكام تجنبًا للحد، يقول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر في الجامع الصحيح: "تعافوا بالحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب"، تصالحوا فيما بينكم قبل أن تصل إلى الحاكم.
ففي الشريعة كمال الرحمة وفي حدود الله تعالى كمال العدل لا كما يزعم الحاقدون قطع للأيدي وللرءوس.
معاشر المسلمين: في شأن الكفر والفجور أذن الله تعالى للظلم أن يكون متاحًا في الأرض لمن أراده خُلقًا وسلوكًا أو منهجًا، فالله تعالى جعل الخير والشر في متناول كل يد ورتّب على اختيار أحدهما أي الخير أو الشر رتب على ذلك الثواب وعلى الآخر العقاب، وابتلى الناس على هذا الأساس (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا).
والأرض اليوم مليئة بأنواع الظلم والجور والبخس، منها ما هو واضح صارخ الوضوح، ومنها ما هو دون ذلك، فالظلم مراتب ودرجات والنفس من قديم الزمان وما زالوا يطالبون بالعدل والإنصاف بشتى الطرق فلا شيء يطفئ الغضب ويرد الابتسامة مثل العدل.
والمؤمن الذي يريد النجاة هو الذي يجتنب الظلم ويخافه أشد الخوف، صح في المسند وفي السنن من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: "ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيته قط إلا رفع طرفه إلى السماء وقال: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ".
ولقد كان من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما أرسله اليمن أن قال له: "واتقِ دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب.." أخرجه البخاري.
وفي صحيح الترغيب أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".
ومجتمع لا يقيم العدل لا بركة فيه، في سنن ابن ماجه من حديث جابر قال: لما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرة البحر، قال: "ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة"، قال فتية منهم: بلى يا رسول الله، بينا نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قُلّة من ماء فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثم دفعها فخرّت على ركبتيها فانكسرت قُلتها فلما ارتفعت التفتت إليه، فقالت: سوف تعلم يا غُدُر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك غدًا عنده، قال يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدقت صدقت، كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم".
إننا نرى الحروب والمآسي مستمرة في أنحاء متفرقة من العالم، أناس يموتون وأناس يُقهَرون ويعذبون بلا ذنب ويضطهدون وآخرون يشردون، ومنهم من يسارعون الجوع والعطش والأمراض.
أما الظَّلَمة المسئولون المتسببون في هذا البؤس والقهر فهم يواصلون حياتهم بلا أدنى تأنيب ضمير، وينعمون بنوم هادئ على أسرة دافئة، ويأكلون أطايب الطعام ويشربون، هذا هو الشأن إذا نظرت إلى كثير من أنحاء العالم اليوم سوف ترى أن العدل قد أصبح مجرد أداة تحركها فئة قليلة مسيطرة حسبما استقرت مصالحهم فلا عدل إلا بتحقيق تلك المصالح.
فقد أصبح العالم يُدار بمجموعة عصابات تلتف مصالحها المادية والاستراتيجية ولو على حساب قتل الأبرياء لا يهم، عالم غربي يزعم أنه متحضر، ويدعي توقير الحريات والعدالة والإخاء والمساواة والحقوق بأنواعها، ولكننا لم نرى منه من قبل وما زلنا نرى واقعًا لهذه الشعارات إلا لما فيه مصلحة لحكوماتهم وشعوبهم وخاصة في مواقفهم من الدول المستعمرة والمستضعفة.
ويكفي أن فرنسا التي تعد ثورتها المشهورة من أوائل من تبنت تلك الشعارات، شعارات الحرية والعدالة قد قتلت مليون ونصف مليون مدني من المسلمين الجزائريين الذين كانوا يطالبون بالحرية واستقلال بلادهم، إنها الوحشية التي لا نظير لها، والظلم الذي يحرق تلك الشعارات حرقًا.
أما فلسطين وأهلها فإن تاريخ ظلم الغرب فيها مخزي وعريق، وقف على ذلك أنهم يتشدقون بالعدل ما دام يحقق مصالحهم..
بل حتى في أخص حقوق الإنسان، رئيس فرنسا ساركوزي عنده مشكلة مع التيار اليميني المتشدد الذي يذهب بحقده إلى حد منع العرب بالتحديد من الجنسية الفرنسية فحتى يصلح ما بينه وبين أنصار ذلك التيار قام بإعلامه المشهور بالحرب على النقاب، وأصدر تشريعًا يقضي بمنعه في الأماكن العامة، وقال: إنما فعلت هذا لأن في النقاب دلالة على إهانة المرأة وفيه تحطيم لشخصيتها!! هكذا قال في خطابه أمام البرلمان الفرنسي.
يقول أحد أعضاء البرلمان الفرنسي "البرقع مضادّ للهوية الفرنسية، وعندما تغطي المرأة وجهها فأنا الضحية، قالوا لما وكيف؟ قال: لأنها تخفي وجهها عني ولا تريد أن أعرفها.." هكذا يقول.
إنهم يضعون العدل حسب معاييرهم، وقد وضعوا للعدل محكمة وصنّفوها بحسب ما يشتهون، وجهّزوا المخارج لاستخدامها عند الحاجة فلا بد أن يقف العدل إذا تعارض مع أطماعهم ويخرج بعد ذلك للموقف بدهاء ومكر.
وليس موقف تلك المحكمة من السودان وقضية دارفور بالرغم من الأخطاء والتقصير إلا دليلاً على زيفها وحيفها، واختلال ميزان العدل لديها، وليس الموقف البشع لروسيا والصين في شأن إخواننا في سوريا منا ببعيد، وقبله مواقف أمريكا والاتحاد الأوروبي من فلسطين عبر التاريخ والموقف من العراق..
وعلى كل حال فإنها طبيعة الإنسان مهما ظهر لنا بمظهر التمدن والكياسة والأناقة.. هي طبيعة الإنسان أين كان إذا انحرف وفقد حس المراقبة والمحاسبة..طبيعته إذا اختلت لديه عقيدة الإيمان باليوم الآخر.
وهنا ندرك حجم الفراغ الذي يشكّله غياب الإسلام عن قيادة العالم، انظروا كيف يلغي الإسلام كل وشيجة وكل مصلحة في سبيل تحقيق العدل ولا شيء سواه.
يقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) قال: قوامين بصيغة المبالغة والتأكيد، أي الزموا القيام بالقسط واجتنبوا الإخلال به في أي حال (شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) تعزيزًا للمراقبة الذاتية يقول..
ويقول جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا) لا يحملنكم الهوى والعصبية وبُغض الناس أين كانوا على ترك العدل (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) تربية للناس على الإيمان بالغيب واستشعار قدرة الله تعالى وإحاطته (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
فغياب الإسلام عن صناعة الأحداث العالمية جعل العالم يتخبط في غياهب الظلم والجور وجعل قيادته في أيدي من لا يؤمنون باليوم الآخر ويستهترون بأية نفس إنسانية خارج حدود شعوبهم، فنسأل الله فرجًا قريبًا..
معاشر الإخوة: هناك صراع محتدم في النفس بين العدل والظلم يصل هذا الصراع ذروته عندما يختبر في الواقع الحي الملموس، وهو في الأصل صراع بين الحق والباطل.
فمثلا: كل شخص يرفض الرشوة ويقر نظريًّا بأن أخذ الرشوة أمر غير أخلاقي، ولكن حين يواجهه عرض مُغْرٍ للرشوة، فإنه إن لم يثبته الله فسوف يبدأ يختلق التبريرات منتهك المبدأ الذي كان قد أقره نظريًّا، وقل مثل ذلك في العدل فقد يحمد الإنسان العدل ويعظّمه فإذا واجه موقفًا يشق فيه عدل؛ إما لكونه على نفسه أو يضر مصالحه الشخصية أو يضر من يحب حاذ عن العدل.
ولذلك كان التأكيد على التزام الموقف العادل ضمن بنود البيعة الأولى على الإسلام بيعة العقبة الأولى بين الرسول والأنصار فقد جاء في حديث عبادة بن الصامت: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول بالعدل أينما كنا ولا نخاف في الله لومة لائم".
فالعدل له هيبته ومكانته لماذا؟ لأنه موصول برضوان الله تعالى، ولذلك كان موقف سعد بن معاذ رضي الله عنه من مواليه بني قريظة منسجمًا مع تلك البيعة، مع أنهم كانوا حلفاءه الذين يستفيد منهم على مدى سنين عديدة كان موقفه موقفًا عادلاً لا يعتريه حيف ولا هوى ولا مصلحة شخصية، ففي المسند لما خان بنو قريظة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب حاصرهم فاشتد عليهم فقيل لهم: "انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم".
فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر فأشار إليهم أنه الذبح، وقد ندم أبو لبابة على ذلك ندمًا شديدًا وتاب توبة صادقة، وقصته معروفة.
الحاصل أنهم قالوا ننزل على حكم سعد بن معاذ؛ لأنه حليفهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "انزلوا على حكم سعد بن معاذ"، فنزلوا وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ فأُتي به وقد حفَّ به قومه، فقالوا يا أبا عمر: حلفاءك ومواليك وأهل النكاية ومن قد علمت..
يكررون ذلك وهو لا يرجع إليهم شيء ولا يلتفت إليهم حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه، فقال: "قد آن لي أن لا أبالي في الله لومه لائم"، فقال صلى الله عليه وسلم: "يا سعد! إن هؤلاء نزلوا على حكمك". قال سعد: "فإني أحكم فيهم أن تُقتل مقاتلتهم وتُسبى ذراريهم.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل".
إنه العدل في الإسلام الذي لا تنتابه الميول ولا الأهواء، لا مع الأقرباء ولا مع الموالي ولا مع الأصحاب..
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل العدل، وأن يثبتنا عليه..
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن القرآن يربينا على العدل، قال عز وجل: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا...) إلى قوله تعالى: (.... وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى)
فمما حرم ربنا علينا أن لا نقول بالعدل لميل أو مصلحة، بل إن هذا مما بايع عليه النبي الصحابة كما ذكرت من قبل.
وفي حديث عبادة بن الصامت لما فرغ صلى الله عليه وسلم من الآيات السابقة (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) إلى قوله (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) قال بعد ذلك: "فمن وفى بتلك الآيات فأجره على الله، ومن انتقص منهن شيئًا فأدركه الله به في الدنيا كانت عقوبة ومن أخره إلى الآخرة فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه". صححه أحمد شاكر
وهذا ما ربى صلى الله عليه وسلم صحابته ألا يؤثر على قولهم بالعدل أي ميل..
جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه دينًا فاشتد عليه حتى قال له الأعرابي للرسول صلى الله عليه وسلم: "أحرّج عليك إلا قضيتني، فانتهره الصحابة وقالوا له: "ويحك أتدري من تكلم"؟ قال: إني أطلب حقي.. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هلا مع صاحب الحق كنتم"، ثم أرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها: "إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتنا تمرنا فنقضيك"، فقالت: نعم، بأبي أنت يا رسول الله.. قال: فأقرضته فقضى الأعرابي وأطعمه، فقال الأعرابي: "أوفيت أوفى الله لك"، ثم قال -عليه الصلاة والسلام- لأصحابه: "أولئك خيار الناس"، يعني الذين يوفون الناس حقهم: "إنه لا قُدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع"، لا يستطيع أن يطلب حقه وهو خائف.
فمحبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم جعلتهم يميلون معه، ولو بإنكارهم على أسلوب ذلك الأعرابي، فبادرهم النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: "هلا مع صاحب الحق كنتم".
إنه العدل الذي ينبغي أن ينظر إليه كما ينظر إلى الفرائض والواجبات..
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سألتْ أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله، ثم بدا له فوهبها لي، فقالت: لا أرضى حتى تُشهِد النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي وأنا غلام فأتى بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ألك ولد سواه"؟ قال:نعم، قال: "أفعلت هذا بولدك كلهم"؟ قال: لا، قال: "لا تشهدني على جور، اتقوا الله واعدلوا في أولادكم".
أسأل الله أن يثبتنا على صراطه المستقيم، وأن يهدي قلوبنا وألسنتنا للعدل أينما كنا..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذلّ الشرك والمشركين..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي