وأسوأ ما تمخضت عنه هذه الانهزامات أنها أفقدت كثيرا من المسلمين ثقتهم بأنفسهم، واعتصامهم بدينهم، واحترامهم لتراثهم، فظن كثير منهم أن ما عند الآخرين خير مما عنده، وجعلت الكثير من المسلمين يرنو ببصره إلى دول العالم التي قويت، وشعوبها التي ارتقت واغتنت، ينظر إليها وكأنها مثل أعلى، أو كأنها الشيء الذي يُتَأَسَّى به، ويُنقل خير ما فيه -أو ما فيه كله- إلى بلادنا! ..
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن محمداً رسول الله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
أما بعد: فسنعود اليوم بمشيئة الله تعالى إلى التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، كنا قد ألقينا نظرات عجلى على سورة البقرة، ثم اعترضتنا مناسبة الهجرة فقضينا معها ثلاثة أسابيع، والآن نعود إلى سورة آل عمران -بعد سورة البقرة- لنلقي عليها نظرات عجلى؛ نستبين فيها الهدايات التي أودعها الله في تضاعيف الوحي المبارك، وننتفع بهذا الخير الذي خصنا الله به نحن المسلمين، ولعلنا نقدِّرُه ونرتفع إلى مستواه، ونكون أهلا لفقهه وتبليغه.
قلنا في نظرة سريعة إلى هذه السورة إنها يمكن أن تنقسم قسمين: قسم يتضمن مناقشات لأهل الكتاب، وهذا القسم ينتظم تقريبا نصف السورة الأول؛ أما القسم الثاني الذي يشيع في نصفها الأخير فهو التعليق على هزيمة "أحد"، واستخلاص العبر مما أصاب المسلمين فيها من مآس ونكبات.
ونحن نستعين الله عز وجل لننظر في هذه السورة على نحو آخر يقترب من عرضنا الأول لها، ولكنه قد يضيف جديدا إلى هذا العرض. بدأت السورة -بعد حروف الهجاء المقطعة- بقول الله جل شأنه: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [آل عمران:2]، وصَف رب العالمين نفسه بثلاث صفات: أنه "لا إله إلا هو" أي لا شريك له، فما عداه عبد خاضع لجلاله، محتاج إليه. وأنه "الحيّ": أي أن حياته من ذاته، يفيض الحياة على غيره، وغيره لا حياة له من ذاته، وإنما يكسب حياته من الله جل جلاله. وأنه "القيوم" أي أن العالَم علوه وسفله، عرشه وفرشه، ما نراه ومالا نراه، إنما يقوم لأن الله يمده بتيار الوجود، فإذا انقطع هذا التيار -لأن الله قطعه- فإن وجود العالم يتلاشى تلقائيا، ويستخفي، ويتحول إلى صفر وعدم مطلق.
الأوصاف الثلاثة للذات الأقدس ترد على أهل الكتاب من يهود ونصارى، وأيضا ترد على المشركين أنفسهم. ولكي نلقى نظرتنا ونحن نعرف ما يشيع في السورة من أولها لآخرها، ولكي نستكشف المحور الذي تدور عليه السورة، نوجه النظر إلى كلمة تكررت سبع أو ثماني أو تسع مرات في هذه السورة، وهي مفتاحها، هذه الكلمة هي: " آيات الله".
تكررت -فيما أذكر- على النحو الآتى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ)، (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ)، (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ)، (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ، وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ)، (لَيْسُوا سَوَاءً، مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ)، (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ).
فكلمة "آيات الله" تكررت في هذه السورة فيما قرأت من آيات وفيما لم أقرأ؛ لأني لم أستوعب إلا على عجل على هذا النحو. نريد أن نتعرف على معنى كل آية من الآيات التي قرأناها، وما المقصود أولا بـ"آيات الله"؟. إن الظاهر من كلمة "آيات الله" مع استعراضها في سورة آل عمران أنها تعنى القرآن الكريم على أنه الوحي الالهي المصون المبرأ الذي كتب الله له الخلود، فما تستطيع بتة أن تقول الآن: إن لله في القارات الخمس وحيا خالصا مأمونا يُطمأن إلى صدقه وصفائه وخلوصه ونقائه إلا في هذا المصحف المصون!!.
وكلمة "آيات الله" ترددت في هذه السورة تردُّ على أنواع من الخلق، وأنواع من الشُّبَه، و لكي نعرف -بالضبط- كيف فتحت السورة بالكلام عن الله، وكيف أن النقاش بدأ مع أهل الكتاب في النصف الأول من السورة، وكيف ختمت السورة بالكلام عن آيات الله.
ولكي نعرف هذا نعود بالنظر مرة أخرى إلى أول السورة. ذكر رب العالمين أنه تعهد الأمم السالفة بوحي لا شك فيه: (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) [آل عمران:3-4].
الفرقان: الفارق بين الحق والباطل، وهو هنا الكتاب الذي استوعب ما في الصحف الأولى التي نزلت على إبراهيم وموسى وعيسى، وفى الوقت نفسه جدد هداية الإنسانية بما أفرد الله به محمدا -صلى الله عليه وسلم- من وحي خاص، زاد به على غيره، وكفل به معاش الناس ومعادهم ما بقي على ظهر الأرض بشر يحتاج إلى هدى.
الناس تتصور كلمة " الكفر " على نحو يحتاج إلى شيء من الإيضاح. الوثنيون سُموا كفارا، هل معنى أن الوثنيين كفار أنهم كانوا ينكرون الله؟ لا، كان الوثنيون يؤمنون بالله، ولكنهم -كما حدَّث القرآن عنهم-: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [يوسف:106]، نحن نتصور أن الكفر هو إنكار الألوهية ، إن إنكار الألوهية من أصلها كفر لا شك فيه، لكنه كان قليلا في الدنيا قديما، وإن كثر في عصرنا هذا كثرة شنيعة؛ أما الاعتراف بالألوهية فكان موجودا في الديانات القديمة أرضية كانت أو سماوية، فالمشركون يؤمنون بأن الله موجود، و بأنه الخالق، و بأنه الرازق، وبأنه مدبر الأمر، وبأنه مالك السمع والبصر، وما فكر أحدهم في أن حجرا خلق أو رزق، تلمح هذا في قوله تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ؟ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ. فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ؟ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ؟) [يونس:31-32].
كان هؤلاء يؤمنون بأن الله هو الخالق الرازق المدبر، لكنهم اعتقدوا أن هذا الإله لا يُتَوَصَّلُ إليه مباشرة، لابد من شفعاء، ولابد من وسطاء، وهؤلاء الشفعاء الوسطاء هم الآلهة الصغرى التي تعتبر في نظرهم مفتاحا للإله الكبير! وقد كذَّب القرآن الكريم هذا كله: (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا، لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ! مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) [الكهف:26]، (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ؟ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا) [الكهف:102]، هذا كفر الوثنيين من عبيد الأصنام.
وهناك كفر من نوع آخر، هو كفر أهل الكتاب، وكفر أهل الكتاب من يهود ونصارى جاء من ناحية أخرى، فتصور اليهود -مثلا- للألوهية كان تصورا شائنا فيه غض من عظمة الله، وفيه تشبيه له بالبشر، وفيه جراءة عليه، وفيه افتيات على حقه، هؤلاء يرون أن الله صارع إسرائيل، وظلت المصارعة طول الليل، وكاد الإله يهزم لولا أن شيئا من الاحتيال في اللعب جعله يكسر حُقَّ إسرائيل ويتغلب عليه.
وهؤلاء يرون أيضا أن الله كان يتمشى في الجنة، وما كان يدرى ما وقع من آدم عندما أكل من الشجرة حتى أخبره آدم. وذكر "سفر التكوين" الذي ذكر القصتين السابقتين أن الله ندم بعد أن خلق آدم؛ لأنه ما كان يدرى أنه سيكون على هذه القساوة أو الشقاوة! فهؤلاء كان جهلهم بالله غليظا بحيث جعلهم يتصورونه على نحو لا يليق.
وتعبير القرآن في سورة آل عمران: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) فيه تكذيب لهذه الصور كلها، وعندما قال الله في سورة آل عمران: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ * هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران:5-6]، إنما كان يرد على هذه التصورات التي شاعت فيما يوصف الآن بأنه "توراة"، وما يعطى عنوان "الكتاب المقدس"! والواقع أن هذا الكلام ما جاء على لسان موسى، ولا أنزله الله على قلب أحد من خلقه، لأن هذا الكلام باطل في وصف الألوهية تماما.
إذن فالآية الأولى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) [آل عمران:4]، تتناول أصحاب الديانات الأرضية والسماوية كلهم، لماذا؟ لأنهم إما أشركوا بالله، وإما وحدوه على نحو طائش، والإسلام يرفض هذا كله.
الديانة الأخيرة قبل الإسلام، وهى النصرانية، جعلت الله أجزاء، وجعلت جزءا منه يوصف بأنه ولد له، وهذا الولد هو كذلك إله معه!: (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ!) [الزخرف:15]. كل هذا رفضته الآية الأولى في السورة عندما قالت: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) [آل عمران:4]،
هذا المعنى انضم إليه شيء ينبغي أن يعرف، وهو أن الباطل في عصور كثيرة قد ينضم إليه ما يقويه وما يزينه، وما يجعل له في القلوب رهبة، وما يجعل له في أنحاء المجتمع سطوة؛ وربما ازدان الباطل بأشياء تجعل له أبهة وفخامة، في أحيان كثيرة يستعين المبطلون على فراغهم العقلي بالمظاهر الحسية الضخمة، فتكون بيوت العبادة أشبه بالحصون الشامخة، والقلاع الضخمة، تعويضا عن فراغ العقيدة، مما يجعلها مقبولة عقلا! لكن القرآن الكريم ناقش هذا الاتجاه عندما قال المشركون في الرد على رجال الإسلام وحملة دعوته: نحن خير منكم مسكنا، وأعظم وأفخم ناديا!: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا: أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) [مريم:73]، عندما قالوا هذا كان الجواب الإلهى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا) [مريم:74]. أي: أن المنظر الحسن، والأثاث الفخم، والقلاع الشامخة، لا قيمة لها إذا كانت تخدم خرافة، أو كان ما تحتها شيئا لا وزن له في ميدان العقل، وهنا لا قيمة للمال، ولا قيمة للجمال، ولا قيمة للمنظر؛ لأنه لا خير فيه!.
وهنا تجد سورة آل عمران تحدثت عن هذا في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ * كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ؛ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [آل عمران:10-11].
كان آل فرعون أصحاب أموال طائلة، وقصور شامخة، ومظاهر فارهة، فماذا حدث؟ دعا موسى عليهم فقال: (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهمْ، وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ، فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) [يونس:88]، فضاع كل هذا، وقيل في تراثهم الذي حرموا منه وضاع منهم: (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) [الدخان:25-29].
إن مُصَلَّىً علي شاطئ ترعة يُوَحَّدُ الله فيه أفضل من مبنى يطاول السحب يشرك بالله فيه! الأمر ليس أمر فخامة في المظهر، (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ، إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) [التوبة:55].
آية أخرى في سورة آل عمران ذكرت فيها كلمة "آيات الله" وهي: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) [آل عمران:21-22]، فآيات الله هنا رد على اليهود وحدهم، ولكن كما قال العلماء: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
الكلام هنا- فعلا- عن اليهود، لماذا؟ لأنهم هم الذين قتلوا الأنبياء، قتلوا زكريا ويحيى، وهمــُّوا بقتل عيسى ومحمد، ولكن الله نجى نبييه كليهما عيسى ومحمدا، فما قتل أحدهما برغم المؤامرة التي دبرها اليهود وأحكموا خطتها، والآية هنا تقول إنهم ضموا إلى محاولتهم قتل الأنبياء بذل الجهود لقتل كل من يأمر بالعدل: (ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس) والذين يقتلون من يأمر بالقسط من الناس إنما يمثلون أنظمة إجرامية، والأنظمة الإجرامية قد يكون اليهود قد بدؤوا بها أو اخترعوها أو شجعوا عليها، لكنها بغير شك انتشرت في القارات الخمس، ووجد حكام كثيرون استطاعوا -من إملاء القدر لهم- أن يصدروا الأوامر بقتل الأبرياء، وأن يستحلوا دماءهم، وأن يملأوا بالترويع والقلق والرهبة والجزع نفوس من حولهم، وهؤلاء ينطبق عليهم ما انطبق على اليهود في هذه الآية عندما بين رب العالمين أن ما يطلبه هؤلاء من عزة لهم بهذا القتل، ومن كبرياء وجبروت بهذا الإرهاب، لابد أن ينتهي إلى فشل، قال جل شأنه: (أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين).
أي: إن الناصرين يعجزون عن أن يدفعوا عنهم، أو أن يردوا قدر الله إذا دهمهم، فإن قدر الله عندما يفجأ الجبابرة يجيئهم من حيث لا يحتسبون، فقد يحصنون السقف، وقد يحصنون الجدران؛ لأنهم يظنون أنه من هنا قد يجئ الفزع الذي يخافونه، ولكن عندما يريد الله فإنه يزلزل الأرض نفسها: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) [النحل:26].
ونمشى مع كلمة "آيات الله" في سورة آل عمران، فنجد هذه الآية: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) [آل عمران:70]، والظاهر من النظر في هذه الآية وما سبقها أنها تتجه إلى اليهود والنصارى معا؛ ذلك لأنه قبل هذه الآية اتجه القرآن إلى اليهود والنصارى فقال لهم: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ، أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟ * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ؟ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [آل عمران:64-67].
وتمضى بنا الآيات إلى أن تجيء هذه الآية: (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ، وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ) [آل عمران:108]، كلمة "آيات الله" هنا جاءت بعد توجيه سديد للمسلمين بأن تكون منهم أمة تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؛ وبعد أن تضمن هذا التوجيه السديد للمسلمين أمرا أن يعتصموا بحبل الله، وألا يتركوا أسباب الفرقة تمزقهم، فإن الفرقة هنا ربما ردتهم إلى الكفر، وكثير من أسباب الفرقة قد يعود إلى أسباب خلقية، وقد يعود إلى أسباب دينية.
فأما الفرقة لأسباب دينية فقد نهى الإسلام عنها في أول السورة عندما قال: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ، وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا، وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [آل عمران:7]، أي: إن القرآن تضمن جملة من الآيات المحكمة، هذه الجملة هي أساس القرآن كله، لماذا؟ لأنها هي التي تضمنت العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق، وجميع الشرائع المتصلة بالخلق والسلوك، وتنظيم الدولة، وتنظيم المجتمع، فليس في هذا كله آية متشابهة.
إذن، أين تقع الآيات المتشابهة؟ تقع عند وصف الله جل شأنه، وهذا طبيعي، فإن وصف الله اكبر من أن تكون عقولنا المحدودة أهلا لإدراك كنهه، واستيعاب جوهره، ولهذا فإن الكلام يجيء متشابها؛ الراسخون في العلم يدعون هنا أن يهديهم الله، وأن يجمع شملهم، وألا يفرق كلمتهم: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) [آل عمران:8-9].
وقد حاول بعض علماء المسلمين قديما أن يدخل في ميدان العقائد بالفكر العقلي المجرد، وحاول أن يشرح الآيات المتشابهات بطريقة تقربها للعقل الإنساني، فماذا حدث؟ حدث أن قال قائلهم:
نِهَايَةُ إِقْدَامِ العُقُولِ عِقَالُ *** وَغَايَةُ سَعْيِ العَالَمِينَ ضَلالُ
وَلَم نَسْتَفِدْ مِنْ بَحْثِنَا طُولَ عُمْرِنَا *** سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ قِيلَ وَقَالُوا
وكَمْ مِنْ جِبَالٍ قَد عَلَا شُرُفَاتِهَا *** رِجَالٌ فَبَادُوا والِجبالُ جِبَالُ!
هذا فيما يتصل بالعقائد، أو الخلاف من أجل العقيدة، أما الخلافات الأخرى فالذي تكشَّف لي من استقراء أحوال الناس أنها إما أن ترجع إلى بلاهة فكرية، وإما أن ترجع إلى رذيلة خلقية، وهذا ما يقع بين كثير من المسلمين، فإن بعضهم بعقل أبله يريد أن يضخم أحكاما صغيرة في الإسلام ليجعلها عقائد، و بالتالي يحمل على غيره إذا لم يفعلها. شيء آخر، بعض الناس -فعلا- يستغل الخلاف ليفرض نفسه، لعله مجنون بحب الظهور، لعله مجنون بانتقاص الآخرين والتهجم عليهم، وكثير من الذين يتاجرون بالخلافات من هذا النوع، وكلهم تنطبق عليه الآية الكريمة من سورة آل عمران: (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ، وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ * وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) [آل عمران:108-109].
ولنا إن شاء الله عودة أخرى إلى سورة آل عمران. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله (الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) [الشورى:25-26].
وأشهد أن لا إله إلا الله، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً رسول الله، إمام الأنبياء وسيد المصلحين. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
أما بعد: عباد الله: أُوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، واعلموا أن الأمة الإسلامية أصيبت منذ قرن من الزمن بانهزامات عسكرية وسياسية وحضارية جعلتها في مكانة رديئة، وأغرت بها غيرها.
وأسوأ ما تمخضت عنه هذه الانهزامات أنها أفقدت كثيرا من المسلمين ثقتهم بأنفسهم، واعتصامهم بدينهم، واحترامهم لتراثهم، فظن كثير منهم أن ما عند الآخرين خير مما عنده، وجعلت الكثير من المسلمين يرنو ببصره إلى دول العالم التي قويت، وشعوبها التي ارتقت واغتنت، ينظر إليها وكأنها مثل أعلى، أو كأنها الشيء الذي يُتَأَسَّى به، ويُنقل خير ما فيه -أو ما فيه كله- إلى بلادنا!.
وبداهة هذه النظرة قوَّاها المستعمرون من شرق وغرب؛ لأن أحب شيء إليهم أن يتعاملوا مع أناس لا يحترمون أنفسهم ولا تراثهم، ولا يكرمون ما لديهم من تعاليم، ولا يرتبطون بما ورثوا من تراث.
كان هذا المعنى موجودا منذ قرن في بلادنا، وقد غذَّاه -كما قلت لكم- رجالُ الاستعمار، على اختلاف صنوفهم. وقد وجدتُّ -وأنا أتتبع هذا الغزو الثقافي- أن خطط الغزاة في منتهى الدهاء، وأن مكرهم عميق، وأن الأشخاص الذين يعملون لهم من فئات شتى، فيهم ملوك، وفيهم أدباء، وفيهم يساريون، وفيهم صحافيون.
المهم أن يأخذ الغزو الثقافي طريقه، ويصل إلى هدفه، فمثلا: من عشرات السنين حكى التاريخ أن الخديوي إسماعيل -وهو ملك- قال: أريد أن أجعل "مصر" قطعة من أوربا! لو أنه يقصد بالكلمة أن ينقل المصانع، أو أن ينقل العلم، لكان هذا الاتجاه محمودا له، مشكورا عليه، لكن الرجل حلس شهوات، وصاحب أهواء، وكانت غرائزه متنزية متطلعة منفلتة، لا ضابط لها، فكان أول ما جعل "مصر" قطعة من أوربا أنه بنى هنا دار "أبرا"!.
إن "اليابانيين" أرادوا أن تكون بلادهم أيضا قطعة من أوربا، فماذا صنعوا؟ استقدموا المصانع، وجاءوا بعلماء مبرزين في الميدان العلمي، فكانت النتيجة أن أخذوا طريقهم الصحيح إلى التقدم؛ أما نحن فأخذنا طريقنا إلى الانحراف، ولا شك أن من وراء هذا الحاكم الذي قال: أريد أن أجعل "مصر" قطعة من أوربا كثير ممن علموه الهزل، وممن قادوه إلى هذا الطريق.
جاء أديب مشهور وكتب في كتاب له عن "مستقبل الثقافة في مصر" يقول: نريد أن نأخذ حضارة الغرب كلها، خيرها وشرها، حلوها ومرها، ما يذم منها وما يمدح، ما يحمد منها وما يعاب.
هذا معناه إفناء الشخصية الإسلامية، وجعل "مصر" قطعة من أوربا، ولكن كان المسخر قبل ملكا، ثم جاء المسخر بعد ذلك أديبا، والآن يجيء -فعلا- من يكتب في الغزو الثقافي ممن يصطنعون اليسارية، ماذا يقصد؟ لا يقصد إلا تمييع الشخصية الإسلامية، وجعل أمتنا ذنَبا لغيرها في كل مجال.
لقد وجدت أن الغزو الثقافي في خطته واحدة، ولكنه يغير الأشخاص، مرة ملك، مرة رئيس جمهورية، مرة عميد كلية، مرة صحفي، مرة شيخ طوائف، والقاسم المشترك بينهم جميعا أنهم يزهدوننا في قوانين الله، يزهدوننا في أحكام الشريعة، يزهدوننا في أصول العقيدة، يزهدوننا في قيم الإيمان، يزهدوننا في مكارم الأخلاق، يزهدوننا في أصول العبادة وشعائر الإسلام.
هذا هو الخط الذي جمع أولئك كلهم، أريد أن أوجه النظر إلى أن الغزو الثقافي يستأنف طريقه بألف حيلة، ولكننا كما علمنا نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "لا يُلدَغُ المؤمن من جحر واحد مرتين". لقد لُدِغنا من هذا الجحر، فيجب أن نصحوا، وألا نلدغ مرة أخرى، افتحوا عيونكم، ستجدون كلاما غامضا، وكلاما غريبا، وكلاما لا هدف له، ونوعا من التشبث المقصود منه جعل الأجيال المتعلمة في بلادنا تدور في دوامة لا آخر لها, والمهم إبعاد الإسلام عن الطريق، عن النهضة، عن التشريع، عن العلم، عن المعرفة، عن التقاليد.
ونحن مستمسكون بديننا، ولا نريد -خصوصا بعد معركة رمضان- أن ندع الزمام تتحرك به أيدٍ عميلةٌ للغزو الثقافي، افتحوا عيونكم! فإن مستقبل الإسلام مرهون بالسنوات القادمة التي تقع بعد "معركة رمضان".
هناك من سيحاول إبعاد الإسلام عن كل شيء، ولكننا سنضرب على يديه، ونفرض دين الله؛ استجابة لجماهير هذه الأمة التي ترفض الإلحاد، وترفض الانحراف، وترفض الاتجاهات المادية، وترفض أن يهمل دينها في تشريع أو في قانون.
"اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر".
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10].
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي