هذا الكتاب كلُّه تجسَّدَ سُلُوكاً وجهاداً، عبادةً وقيادةً، تشريعاً ومعاملةً وسياسةً، في مسلك النبيِّ الخاتم -صلى الله عليه وسلم-، فكان بهذا قديرا على تغيير الدنيا إلى وضعٍ آخَرَ، وإلى وجهة أخرى؛ وجَديرٌ بأتباعه إذا اعتنقوا القرآن، وفهموه، وتثَّقفوا منه، وعاشوا في وجوده، أن يقوموا بتلك الرسالة، وأنْ يؤدُّوا ما عليهم لله ..
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن محمداً رسول الله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
أما بعد: فقد قال ربنا تبارك اسمه وصفا للكتاب للعزيز: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [الزمر:23].
معنى أن القرآن متشابه في هذه الآية: أن معانيه متماثلة على كثرة السور، وأن المحاور التي يدور عليها متقاربة، وإن تعددت الآيات وطالت. وليس معنى التشابه هنا ما يقابل المحكم في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ...) [آل عمران:7].
المقصود بالمتشابه في آية سورة الزمر أن معاني القرآن الكريم -على كثرتها- تدور على مبادئ معروفة محدودة، وأغراض معينة واضحة، ولذلك فإن في الإمكان القول بأنها متشابهة. وأظننا في الجمعة السابقة أوضحنا أن القرآن الكريم دارت آياته الكثيرة على أربعة معان: وصف القرآن الكريم للكون، وحديثه عن المادة وآفاقها وقواها وأسرارها؛ تاريخ الماضين وسرد قصصهم؛ اليوم الحاضر وما فيه من تكاليف، وما يقع على الناس من أعباء؛ مشاهد القيامة وما إلى ذلك مما يتصل بالحساب من ثواب وعقاب.
معنى المثاني: الازدواج في الجمع بين أمرين، فالقرآن الكريم في تربيته للنفوس، وفى توجيهه للأمم يجمع بين مصلحتي الروح والجسد، بين منطقي الفكر والعاطفة، بين مصلحتي المعاش والمعاد، بين الوعد والوعيد، بين الرغبة والرهبة.
قلت: إننا في هذا الشهر نتحدث في السيرة الشريفة، في النبوة الخاتمة وصاحبها -عليه الصلاة والسلام-، وقد بدأت بالحديث عن القرآن؛ لأن نبينا -صلى الله عليه وسلم- كان قرآنا حيا في مسلكه، في خلقه، في شمائله، في عبادته، في جهاده، في حربه، في سلمه، في سفره، في إقامته، في انتصاره، في انهزامه، في صحته، في مرضه، في خلوته، في جلوته، في شؤونه كلها.
صحّ عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها سئلت عن خُلق رسول الله فقالت للسائل: ألست تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قالت: فإن خلق نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كان القرآن.
المعنى الذي شاع لهذا الحديث أنه ما من خير جاء في القرآن، أو بر، أو فضل، أو محمدة، إلا والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد تخلَّق بذلك، وظهر به، واصطبغت نفسه بحقيقته، وما من شر أو مرذول من السلوك والعمل حذَّر القرآن منه ونهى عنه إلا ابتعد النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه، وكان أبعد ما يكون عن اقترافه، أو القرب منه. هذا هو المعنى الشائع للحديث، كأن الحديث يجعل دائرة القرآن في شمائل النبي وسيرته لا تتعدى الأخلاق.
في تأملي للسيرة، وفى تأملي لآفاق النبوة، وجدت أن الحديث يمكن أن يكون أوسع دائرة، وأرحب آفاقا، يمكن أن يكون المعنى المقصود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قرآنيا في حياته كلها.
كيف كان قرآنيا في حياته كلها؟ ذكرت لكم أن القرآن الكريم -في العنصر الأول فيه- عرف رب العالمين عن طريق آثاره في الكون، وإبداعه في الخلق، فهو يعرِّف الله جل جلاله فيقول: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [الروم:48]، (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) [غافر:61]، (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [غافر:64]، (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) [غافر:79-80].
هنا نجد أن الوصف لله سبحانه وتعالى هو بتوجيه الأنظار إلى أسمائه الحسنى، وصفاته العُلى، في كتاب الكون المفتوح، وفى هذا العالم الذي يسر لنا كل ما فيه، وسخرت لنا سماواته وأرضه.
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الجانب من القرآن شديد الحس بالوجود الإلهي، ومعنى "خلقه القرآن" في هذه الناحية: أنه ما ينظر إلى شيء إلا ويرى الوجود الأعلى مسيطرا عليه، نافذا فيه، واضحا من خلاله، يتضح هذا في ذكره لله، واستشعاره مجده ونعمه ووجوده.
فالله -جل شأنه- في كل شيء زمانا ومكانا، وقبل أن نشرح الزمان والمكان أجيء بآية من سورة الأنعام تقول: (قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؟ قُلْ لِلَّهِ) [الأنعام:12]، فهذه الآية تتحدث عن المكان، والآية التي بعدها تتحدث عن الزمان، قال تعالى: (وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الأنعام:13].
ملاحظة هذه المعاني زمانا ومكانا كانت تظهر في حياته -صلى الله عليه وسلم- نوعا من التسبيح والتحميد والتمجيد والذكر والشكر، لم يعرف مثله في حياة بشر آخر، كان إذا أصبح قال: "أصبحنا وأصبح الملك لله، والحمد لله لا شريك له، لا إله إلا هو وإليه النشور" "أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، وسنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين" "اللهم ما أصبح بى من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر".
وكان يحمد ربه قائلا: "يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك"؛ إلى آخر هذه التسبيحات والتحميدات التي لهج بها لسانه، وعمر بها جنانه، وتحركت بها عواطفه، وتركها في تراثه نورا يقود الناس إلى ربهم، يربطهم به أوثق رباط.
كان في شعوره بهيمنة الله على الكون ينظر إلى القريب والبعيد فلا يرى إلا قدرة الله وجلاله، ينظر إلى الهلال وقد بدا فيقول: "اللهم أهِلَّه علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربى وربك الله"، كان إذا نزل المطر حسر ثوبه حتى أصابه من المطر، فإذا سئل قال: "لأنه حديث عهد بربه تعالى". وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: " كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا عصفت الريح قال: اللهم إنى أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به، وإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سرى عنه، فعرفت ذلك في وجهه، قالت عائشة: فسألته، فقال: لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا".
كان إذا رأى قرية يريد دخولها قال: "اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها"، هذا هو تجاوب النبي مع ما في القرآن من وصف للكون.
النظر العادي يرى الشمس تطلع ويراها تغيب، يرى الريح تعصف ويراها ترقد فلا يهتز. أما نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقلبه مرتبط بمن سخر الشمس والقمر، وبمن شق الأرض عن النبات، وبمن أدار القمر هلالا ثم عاد كالعرجون القديم، إلى آخر ما في ذلك من مظاهر الكون.
كان ارتباطه بالقرآن تطبيقا، هو يقرأ القرآن وشعوره وهو يقرأ أنه مع الكون، يعرف رب الكون من خلال صفحات هذا الكون الكبير. هذه ناحية، وهى معرفة الكون وأسراره وآثاره جل جلاله في ملكوته الضخم، وتجاوب النبي -صلى الله عليه وسلم- معه.
الناحية الثانية: تاريخ الماضين وسرد قصصهم، تاريخ الحياة، تاريخ الناس منذ ظهروا على ظهر هذا الكوكب وبدأ نشاطهم يملأ الأرجاء، إن هذا التاريخ يصور مدنيات ظهرت وبادت، وقرى عمرت بالإيمان وبالفجور ثم حصدت وعادت إلى ربها ليسألها عما قدمت وأخرت، هذا التاريخ يحكيه القرآن الكريم ليعيش نبينا -صلى الله عليه وسلم- وهو يتلاقى معه.
في سورة الأنعام نقرأ قوله تعالى- وهو يصف عمل المرسلين بين الناس-: (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) [الأنعام:48-49]، ثم يجرى رب العالمين على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- هذا الكلام: (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ * وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأنعام:50-51].
ثم يقول الله له بعد جدال مع المشركين: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنعام:52].
هذا كلام يوجه به النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يتعامل مع المشركين في مكة، لكن لا جديد تحت الشمس، وما يقع له في مكة وقع مثله لأول المرسلين نوح، قال تعالى: (... وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ * وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ * وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [هود:29-35].
القصة واحدة، والقضية واحدة، والتلاقي بين الموضوعين ظاهر، إلا أننا نجد القرآن الكريم وهو يذكر قصة نوح قبل الطوفان يتجاوز العصور الطويلة بعد الطوفان إلى عهد البعثة المحمدية، ثم في أثناء سرد قصة نوح تجيء آية: (أم يقولون افتراه)، وهى كلام عن موقف المشركين في مكة مع النبي الخاتم -صلى الله عليه وسلم- وهو يؤسس عقيدة التوحيد، ويطارد خرافات الوثنية.
تجيء هذه الآية- أثناء الحديث عن نوح- فتنقل الماضي كله إلى حاضر الناس، وتنقله إلى يومنا هذا، وهى تشير إلى أن الإنسان الكبير الذي كان خلقه القرآن كان فعلا يعيش مع ماضي الإنسانية ومع حاضرها، وأن موقفه ممن كذبوه وآذوه وتربصوا به هو موقف الأنبياء من قبل، وأن النتيجة واحدة.
ولذلك قال الله في آخر السورة: (وكُلَّاً نقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ، وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ * وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [هود:120-123].
كان خلقه القرآن، كان مع القرآن في وصفه للكون، كان مع رب الكون وهو يبدى مظاهر قدرته وحكمته في العالم الذي نعيش فيه. كان خلقه القرآن، كان مع القرآن في سرده قصص الأولين، وفى عرضه لما أصاب أولئك الأولين من خير أو شر، من نصر أو هزيمة، من عقاب أو عفو، كان مع هذا التاريخ يعيش فيه، ويبقى معه.
فهو قرآن يتحرك؛ لأنه مع القرآن في وصفه لله عن طريق التدبر في آفاق الملكوت، ومع القرآن الكريم في وصفه لفعل الله بخلقه وهو يحكى التاريخ القديم، وما تضمن من قصص يجب أن نلتفت إليها، وأن نستفيد منها؛ فإن قصص الأولين ليست مقطوعة عن حاضر العالم.
من علماء المادة من اعتبر الزمن بُعدا رابعا مع الطول والعرض والعمق، ونظرية النسبية تشير إلى هذا، وقد كتب أحد الأطباء في كتاب "الإنسان ذلك المجهول" ما يؤكد هذه الحقيقة؛ وقد أشار بعض المفسرين عندنا إلى أن الزمن بُعد رابع في حياتنا، لأننا نجيء بعد أسلافنا، ونحن نحمل رسالتهم، ونتبنى قضاياهم، ونسير إلى أهدافهم، ونقر ما فعلوا، وندافع عنه، فنحن مسؤولون عما قدموا وأخروا.
وهذا صحيح، وبهذا فسر العلماء قوله تعالى لبنى إسرائيل في المدينة: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) [الفرقان:49-50].
بعض الناس يقول: ما لليهود في المدينة والنجاة من فرعون وأهله؟! الصلة مقطوعة. لا، الصلة قائمة، ما داموا يتبنون عقائد آبائهم، ويسيرون وفقها، ويدافعون عنها، وينشرون حضارتها، فهم مسؤولون ومؤاخذون؛ والواقع أن الإنسانية تشبه رجلا في الخمسين أو الستين من عمره، إنه يجب أن يتذكر ماضيه، فهو مسؤول عما كان في شبابه، وما فرط منه في أيامه الأولى، وينبغي أن يعتبر بما كان منه.
ولذلك فإن قصص القرآن الكريم -في الحقيقة- إنما يشير إلى هذا البعد الرابع في كيان الأمم وفى شخصيتها، عندما يحكى القرآن لنا ما كان؛ لأن ما كان ليس غريبا علينا، إنه يعنينا أتم العناية، فيجب أن نكترث به، وأن نلتفت إليه، وأن نستفيد منه، والرجل العظيم القرآني النزعة الذي حمل هذا القرآن كان يمثل هذه المعاني.
أما المعنى الثالث وهو اليوم الحاضر وما فيه من تكاليف، فإن القرآن الكريم يأمر وينهى، يعلم ويربي، يعظ ويذكر؛ لنسير وفق مراد الله لنا، ووفق ما خط لمحيانا على ظهر الأرض، ورب العالمين لا يستفيد من طاعات الناس شيئا، ولا يضره من معاصي الناس شيئا، إنما يفعل ذلك لمصالح العباد أنفسهم: (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ) [النحل:30].
والواقع أن الناس -الآن وقبل الآن- قسمان: قسم يريد أن يحيا وفق هواه، ما يتجه بتوجيه الله له، إنما يريد أن ينبعث من رغباته ومن شهواته، ومن أهوائه وآرائه، لا يبالى بشيء، وقسم يستمع إلى هدايات الله، ويرى أن فيها مصلحته ورحمته، وأن من الحكمة أن يعيش وفق الخط الذي أمره الله أن يستقيم عليه.
حاضر الناس أو ما هم عليه في معتقداتهم وفى أعمالهم وفى أحوالهم كلها كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- صورة جيدة له، فهو فيما يصيبه من خير أو شر يرى أصابع القدر في كل شيء، هناك ناس -كما وصف الله-: (فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الحج:11].
رأينا نبينا -صلى الله عليه وسلم- في أشد الساعات تعبا له يستقيم لقدر الله، ويرجو من الله الرضا. في هزيمة "أُحد" كان المصاب شديدا، وكان الجرح عميقا، وكان الألم مستوليا على المؤمنين غما بغم، ومع ذلك فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- في أعقاب المعركة قال لأصحابه: "استووا حتى أثنى على ربى"!.
المتنبئ لما أغضبه سيف الدولة قال:
فَإِنْ يَكُنِ الفِعْلُ الَّذِي سَاءَ وَاحِدَاً *** فَأَفْعَالُهُ اللَّائِي سَرَرْنَ أُلُوفُ
نحن نكبر نبينا -صلى الله عليه وسلم- عن أن نضرب له مثلا من موقف شاعر مع ممدوحه، ولكننا نقرب مثلا صغيرا ليعلم الناس أن الموصولين بالله يشغلهم ما يحسون به من رفد الله ومجده، وما يشغلهم من تسبيحه وحمده؛ إن ذلك كله يخفف من آلام الحياة إذا أحاطت بهم، بل لعل ما يشغلهم أولا وآخرا هو إرضاء الله.
في غزوة "الخندق" ظل القتال أمدا غريبا حتى ذهبت العصر، فكان حزن النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها شديدا، وقال: "ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا، شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس".
أما المعنى الرابع، وهو اليوم الآخر وما يتصل به، فإن اليوم الآخر ذكر في القرآن وفى السنة كثيرا، والموت ذكر في القرآن وفى السنة كثيرا، وينبغي أن يعرف شيء في هذه النواحي، لماذا؟ لأن الناس تظن أن الدين هدم للدنيا، أو أن الدين يبنى الآخرة على أنقاض الأولى، أو أن المتدينين نظرتهم تشاؤمية انسحابية، هكذا يتصور الناس الدين، وهذا غير صحيح.
الواقع أن السبب في كثرة كلام الله -جل جلاله- عن الدار الآخرة هو كسر غرور الناس بالدنيا، فإن انشغال الناس بحاضرهم، واحتباسهم في آلامهم وآمالهم الحاضرة، يكاد يذهلهم ذهولا مطلقا عن اليوم الذي ينتظرهم، فيريد الله أن يبين لأي إنسان ليستطيع في لحظة أن ينتقل من صحراء الجزيرة إلى أنهار النعيم في لحظة شهادة! لحظة وحيدة سريعة تنقله من دار ليس فيها إلا الشظف إلى دار أخرى فيها النعيم المقيم، والرحيق المختوم! هذا نوع من المعادلة، في علم الطبيعة يقولون: إن ذراع المقاومة مع المقاومة يعادل ذراع القوة مع القوة.
فالتعادل لابد منه لكي يكون هناك توازن، والناس يفقدون توازنهم عندما يعبدون الأولى وينسون الآخرة، فلابد من إعادة التوازن، ولو أن إنسانا آثر الآخرة ونسي الأولى لكان مخطئا، فإنه ما يستطيع أن يكوِّن آخرته إلا من نجاحه في دنياه، وما يستطيع أن ينصر دينه إلا بامتلاكه للدنيا، وفهمه لقوانينها، وتسخير هذا الفهم أو الملك لنصرة الحق وتأييده، ما بد من هذا؛ وعلى ضوء ذلك نفهم قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إن قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها".
لماذا يغرسها والآخرة تقوم؟ لأن الغرس طلب للآخرة؛ لأن الغرس عبادة تضمن الآخرة، لأن الغرس يغني المؤمنين عن ملء أيديهم إلى طلب معونة الكافرين، لأن الغرس هنا ضمان للأولى، ثم مع الإيمان تسخير لهذه الضمانات في إعزاز المؤمنين وإعفافهم.
وكان نبينا -صلى الله عليه وسلم- إذا قرأ القرآن يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ يتعوذ. ورووا أنه كان في الصلاة يوما فتأخر فسئل بعد ذلك فقال: " لقد رأيت في مقامي هذا كل شيء وُعِدته، حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم، ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا حين رأيتموني تأخرت".
ذا إحساس إنسانٍ الروحانيةُ الفَّوارةُ تغلب على شخصيته أحيانا فتكاد تسلخه عن الإهاب الآدمي؛ ليرى ما لا يستطيع الآخرون أن يروه، وهو نبي ملهم، وإنسان يُحدَّث من السماء! هذا في نظري معنى: " كان خلقه القرآن".
معنى كان خلقه القرآن: أنه في حياته على ظهر الأرض وبين آفاقها وأرجائها، وتحت السماء الرحبة، ومع تاريخ الحياة والأحياء على امتداده الطويل، وفى زحام الأحياء الذي يلهي بمشاغله ومتاعبه، وفى هذه النهايات التي ننتظرها حصادا لحياتنا على ظهر الأرض، كان يتجاوب مع القرآن الكريم.
القرآن كتاب مشحون بفنون من الثقافات التي تتصل بالظاهر والباطن، واليوم والغد، والدنيا والآخرة، والأخلاق والمسالك، والنيات والظواهر.
إن هذا القرآن، إذا تجاوب إنسان معه، صاغه صياغة جديدة في أحواله كلها، ثم يمشي المؤمنون بعد ذلك على منهج نبيهم -صلى الله عليه وسلم- وقد أجرى الله على لسانه: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:162-163].
هذه هي النبوة الخاتمة، وتلك صلتها بالقرآن في معانيه التي تتشابه أو التي تزدوج، هذا هو كتابنا الذي يجمع بين التربية والتعليم، بين الرغبة والرهبة، بين الوعد والوعيد، بين الخوف والرجاء، بين الدنيا والآخرة، بين الروح والجسد، بين العقل والعاطفة؛ هذا الكتاب الذي تشابهت معانيه وهو يصف ملكوت الله، وحياة الأولين، ومستقبل الآخرين.
هذا الكتاب كلُّه تجسَّدَ سُلُوكاً وجهاداً، عبادةً وقيادةً، تشريعاً ومعاملةً وسياسةً، في مسلك النبيِّ الخاتم -صلى الله عليه وسلم-، فكان بهذا قديرا على تغيير الدنيا إلى وضعٍ آخَرَ، وإلى وجهة أخرى؛ وجَديرٌ بأتباعه إذا اعتنقوا القرآن، وفهموه، وتثقفوا منه، وعاشوا في وجوده، أن يقوموا بتلك الرسالة، وأنْ يؤدُّوا ما عليهم لله.
الحمد لله (الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) [الشورى:25-26].
وأشهد أن لا إله إلا الله، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً رسول الله، إمام الأنبياء وسيد المصلحين. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
أما بعد: فهذا تقويم السنة الميلادية المقبلة، وجدت دسا فيه، وإهانة لديننا، وافتياتا على نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وأنا لا أريد شيئا أكثر من الدفاع، وإلقاء شعاع من الضوء على ما في هذا من غش.
هذا التقويم الذي أصدرته مؤسسة الأهرام التجارية، وأظنها تتبع القطاع العام، في 28 صفر سنة 1401 هـ أو في 4 يناير سنة 1981 م كتبت في ظهر الورقة الأولى ما يأتى: قال محمد -صلى الله عليه وسلم-: " انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، وقال المسيح -عليه السلام-: "أحِبُّوا أعداءَكم، أحْسِنوا إلى مبغضيكم، باركُوا لاعِنِيكُم، وصَلُّوا لأجل الذين يسيئون إليكم".
هذا كلام يحتاج إلى تعليق هادئ، فأما حديث: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" فتتمته ما يأتى: قال رجل: يا رسول الله! أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره". هذا معنى الحديث، فجاء الكاتب وأخذ الجزء الأول، كما يجيء إنسان ويقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة)! وأين (وأنتم سكارى)؟ المهم: لا تقربوا الصلاة!.
وبعد أن بتر الحديث، وأفهَمَ الناس أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- رجل يقول لأتباعه: انضم إلى أخيك معتديا أو معتدى عليه، قال عن المسيح إنه قال: "أحبوا أعداءكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، باركوا لاعنيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ".
أما أن المسيح قال هذا فليس بكثير على نبي التسامح والمحبة أن يقول هذا، ولكنه أيضا قال كلاما آخر، ففي الإصحاح العاشر من إنجيل: "متى" يقول: "لا تظنوا أنى جئت لألقي سلاما على الأرض، ما جئت لألقي سلاما، بل سيفا". وفى الإصحاح الثاني عشر من إنجيل "لوقا" يقول: "جئت لألقى النار على الأرض".
صاحب مؤسسة الأهرام التجارية أراد أن يوهم الناس فاختار حديثا وبتره على طريقة:
مَا قَالَ رَبُّكَ وَيْلٌ لِلْأُلَى سَكِرُوا *** بَلْ قَالَ رَبُّكَ وَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَا
منطق السكارى والحشَّاشين ينتقل إلى مؤسسة الأهرام التجارية فتقول: محمد يأمر الناس بأن ينضموا إلى إخوانهم ظالمين ومظلومين. هذه واحدة.
في 6 يناير و7 يناير، وهو ميلاد السيد المسيح عند الأقباط، جاء الكاتب بأبيات لأحمد شوقي:
وُلِدَ الرِّفْقُ يَوْمَ مَوْلِدِ عِيسَى *** والــمُرُوءاتُ والهُدَى والحَيَاءُ
وَازْدَهَى الكَوْنُ بِالوَليدِ وَضَاءَتْ *** بِسَنَاهُ مِن الثَّرَى الأرْجَاءُ
وَسَرَتْ آيةُ المسِيحِ كَمَا يَسْـ *** ـرِي مِن الفَجْرِ فِي الوُجُودِ الضِّيَاءُ
هذا كلام صحيح، ونحن نؤيده، فإذا أردت أن تتحدث عن ميلاد محمد -صلى الله عليه وسلم- بعد أن تحدثت عن ميلاد عيسى -صلى الله عليه وسلم- فماذا تقول؟ كان يمكن أن تنقل عن شوقي، نقلت له أبياتا في مدح عيسى -صلى الله عليه وسلم- انقل من شوقي البيت الأول حتى من الهمزية:
وُلِدَ الهُدَى فَالكائِنَاتُ ضِيَاءُ *** وَفَمُ الزَّمَانِ تَبَسُّمٌ وَثَنَاءُ
لا، لم يقل هذا، بل قال ما يأتي: في يوم الاثنين الموافق 23 إبريل سنة 571م كان مولده -مولد مَن؟ الحقد طفح، ما قدر أن يقول: مولد محمد- كان مولده في بيت أمه السيدة آمنة بنت وهب بعد وفاة أبيه عبد الله بن عبد المطلب، في هذا اليوم الثاني عشر من ربيع الأول يحتفل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بمولده -صلى الله عليه وسلم-.
هذا هو الذي قيل، نحن نعفو وندعو للعفو، لكن نقول للدولة: من أخطأ يؤدَّب، ولا ينبغي أن يُتْرَكَ مُبَشِّرٌ يشتغل بمنطق السكارى أو منطق الحشاشين ليتناول صاحب الرسالة ودين الأمة بهذه الطريقة.
إننا أهل سماحة، وقلت: إنني -فقط- أدفع عن نبينا وعن أمتنا، وأوضح أننا نكره العدوان، ولكننا نرفض من الآخرين أن يستغلوا طيبتنا في النَّيل منا، وإهانة ديننا ونبينا -عليه الصلاة والسلام-، وسننتظر ما يصنعه المسئولون مع مؤسسة الأهرام التجارية التي رأت أن تشتغل بالتبشير على آخر الزمان!.
"اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر".
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10].
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي