القبر أول منازل الآخرة

محمد بن أحمد السماعيل
عناصر الخطبة
  1. القبر أول منازل الآخرة .
  2. حال العبد في قبره .
  3. عذاب القبر وأسبابه .
  4. المنجيات من عذاب القبر . .
اهداف الخطبة
  1. موعظة المؤمنين عن القبر ونعيمه وعذابه
  2. بيان أسباب عذاب القبر للتحذير منها
  3. بيان المنجيات من عذاب القبر

اقتباس

أيها المسلمون.. إن عذاب القبر حق ووعد صدق، وإنه روضة من رياض الجنة للمؤمنين، أو حفرة من حفر النار للمجرمين.

 

 

 

الحمد لله الذي لم يزل قائماً بشؤون الخليقة على أحسن نظام، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، فهو الملك العظيم القدوس السلام، وأشهد أن إلا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه البررة الكرام.

أما بعد..

فيا عباد الله.. اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعلموا –رحمكم الله تعالى- أن الموت حق على العبيد لا مفر منه ولا محيد،(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران: من الآية185].
وإن أول المنازل التي ينزلها العبد بعد موته، وبعد خروج روحه ومفارقته للأهل الأحباب، القبر، فالقبر أول منازل الآخرة.

كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى حتى يبلل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج فما بعده أشد منه".

ويقص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه ما يحصل للعبد بعد وضعه في قبره، وانصراف الناس فيقول عليه الصلاة والسلام: "إذا قبر الميت أتاه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول المؤمن: ربي الله فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله. فيقولان له: وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت. فينادي منادٍ من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة، وألبِسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من رَوحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره. وأما الفاجر أو الكافر فإذا سأله الملكان: من ربك؟ وما دينك؟ وما نبيك؟ قال: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فيضربانه بمطرقة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنس والجن، ولو سمعوها لصعقوا، فينادي منادٍ أن كذب عبدي فأفرشوا له من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، فلا يزال معذباً إلى أن تقوم الساعة".

أيها المسلمون.. إن عذاب القبر حق ووعد صدق، وإنه روضة من رياض الجنة للمؤمنين، أو حفرة من حفر النار للمجرمين.
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أناساً تعذب في قبورها بسبب فعل بعض الذنوب والمعاصي.

رأى عليه الصلاة والسلام رجلاً مضطجعاً وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي عليه بالصخرة لرأسه فشق رأسه فيتدحرج الحجر هاهنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا؟ فقيل له: إن الرجل الذي يشق رأسه بالحجر هو الذي يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة، يفعل به ذلك إلى يوم القيامة.

ورأى عليه الصلاة والسلام رجلاً مستلق لقفاه وآخر قائم عليه بكلّوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيقطع شدقيه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيفعل به مثل ما فعل في الجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ما هذان؟ فقيل له: إن الرجل الذي يُقطَّعُ شدقه إلى قفاه، الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، يفعل به إلى يوم القيامة.

ورأى عليه الصلاة والسلام تنّوراً فيه لغط وأصوات، وفيه رجال ونساء عراة يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب صاحوا.
فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء ما شأنهم؟ فقيل له: إنهم الزناة والزواني.

ورأى عليه الصلاة والسلام نهراً أحمر مثل الدم، وفيه رجل يسبح وعلى شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة، فيفتح له فاه فيلقمه حجراً، فينطلق فيسبح ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه فتح له فاه فألقمه حجراً. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك الرجل. فقيل له: إنه آكل الربا، هذا عذابه في البرزخ، أجارنا الله من عذاب القبر.

هذه أيها المسلمون أمثلة لمن يعذبون في قبورهم ممن ارتكبوا بعض الذنوب والمعاصي.
فاتقوا الله تعالى وخافوا من عذابه، واعلموا أن مما ينجي العبد من عذاب القبر الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، والمحافظة على صلاة الجماعة.

ومما ينجي من عذاب القبر الاستشهاد في ساحة القتال، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، و يأمن من الفزع الأكبر، ويحلى حلية الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه".
ومما ينجي من عذاب القبر قراءة سورة تبارك الذي بيده الملك، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر".

ومما ينجي أيضاً الاستعاذة بالله من عذاب القبر دبر كل صلاة، فقد قال الأمين عليه الصلاة والسلام: "إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتة المسيح الدجال".

فتوبوا –رحمكم الله تعالى- إلى ربكم جل وعلا ما دمتم في زمن الإمهال، وتقربوا إليه بما استطعتم من صالح الأعمال؛ لتسعدوا في الدنيا والآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الواقعة:88-96].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي