الغلول: هو الأخذ من فيء المسلمين أو غنائمهم قبل قسمتها، ومن ذلك الاستئثار بشيء من موارد المسلمين أو الأخذ من بيت مال المسلمين بغير طريق مشروع، وقد فسر صلى الله عليه وسلم قول الله: (يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، فيما رواه البخاري ومسلم، قال: قام فينا رسول الله ذات يوم فذكر الغلول، وعظم أمره
الحمد لله الذي بطاعته يعز المؤمنون وبمعصيته يذل الخائنون، أحمده سبحانه وأشكره، عليه توكلت وإليه أنيب. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يكرم ويغني بالحلال من استغنى به وإن قل، ويهين ويعذب بالغلول دنيا وأخرى من غل، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين وحجة على الناس أجمعين، فبلغ رسالة ربه خير بلاغ، وأدى أمانة الله خير أداء، قال فيما قال مخاطباً من ولى شيئاً من مال المسلمين: "أيها الناس من عمل لنا منكم عملاً فكتمنا منه مخيطاً فما فوقه فهو غلول يأتي به يوم القيامة" فقام رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله اقبل مني عملك قال: "ماذا؟" قال: سمعتك تقول: كذا وكذا قال: "وأنا أقوله من استعملناه على عمل فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذه وما نهى عنه انتهى" رواه مسلم.
وقال: "أدوا الخيط والمخيط، وإياكم والغلول، فإن الغلول خزيٌ على صاحبه يوم القيامة"، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وعلى كل من سار على نهجه، واتقى الله في مال أمته، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال:27].
عباد الله إنّ دين الإسلام السماوي الحنيف جاء بتعليمات؛ كريمة مثلى من سار عليها عز في دنياه وسعد في أخراه، ومن تلكم التعليمات حفظ مال المسلمين حمايته وتحرى الحق والعدل في مصرفه، يقول تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [آل عمران:162].
يقول بعض المفسرين في سبب نزول هذه الآية: إنّه فُقِدَ من غنائم بدر قطيفة حمراء فقال من قال: أخذها رسول الله، فأنزل الله (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) أي ما الغلول من صفات الأنبياء ولا يكون نبياً من غل، وبعد هذه البراءة لنبيه جاء تعالى بحكم عام (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
والغلول: هو الأخذ من فيء المسلمين أو غنائمهم قبل قسمتها، ومن ذلك الاستئثار بشيء من موارد المسلمين أو الأخذ من بيت مال المسلمين بغير طريق مشروع، وقد فسر صلى الله عليه وسلم قول الله: (يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، فيما رواه البخاري ومسلم، قال: قام فينا رسول الله ذات يوم فذكر الغلول، وعظم أمره حتى قال: "لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة وعلى رقبته بعير له رغاء فيقول: يا رسول الله أغثْني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحكم يجيء يوم القيامة وعلى رقبته فرس له حمحمة فيقول: يا رسول الله أغثْني. فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة وعلى رقبته شاة لها ثغاء، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة وعلى رقبته نفس لها صياح، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة وعلى رقبته رقاع تخفق فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة وعلى رقبته صامت فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك". المراد بالصامت: النقود والأعيان.
وروى أحمد بسند صحيح عن عبد الله بن شقيق أنه أخبره من سمع رسول الله لما قيل له بوادي القرى:
استشهد مولاك أو غلامك قال: "بل يُجَرُّ إلى النار في عباءة غلها".
فاتقوا الله –عباد الله اتقوا الله في مال يتعلق به حق أرامل وأيتام ومرضى ومقعدين ونحوهم، جانبوا التحيل عليه وامتطاء الكذب وشهادات الزور للحصول على شيء منه، وإيَّاكم والاغترار بأعمال الناس التي لا مبرر لها شرعاً، فإن ما أخذ من غير طريق مشروع سُحْتٌ وحرام، وجدير بالمسلم أن يرتفع بنفسه وأولاده عن التغذي بالحرام، فأكلة الحرام إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً.
يقول صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة جسد غذي بحرام" اتقوا الله يا من ائتمنكم الله على شيء من مال المسلمين، فإنَّما هو أمانة في أعناقكم سَتسألون عن مورده ومصرفه أمام مطلع على المغيبات، فاتقوا الله؛ بطاعة الله فيه وبتحري الحق والعدل في مصرفه، وبترك الأخذ منه بغير وجه شرعي، فإن تقواه في ذلك من أقوى العوامل في رضا رعيتكم وبقاء سلطانكم، وفوق ذلك كله فوزكم برضا الله عنكم؛ وإن عدم تقواه في ذلك بضياع ماله والأساءة والجور والمحاباة في مصرفه، أو الاستئثار به من أقوى العوامل في غرس البغض والعمل على الإطاحة بسلطان الجائر، وأشّر من ذلك وأعظم هو سخط الله وغضبه، على المضيعين ماله والغالِّين منه والمتخذينه دولة بين الأغنياء والمحاسيب منهم؛ يقول تعالى بعد أن نهى عن الغلول: (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [آل عمران:162]، ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة".
أقول قولي هذا وأسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى أن يوفق القائمين على شؤون المسلمين لما يرضيه، وأن يغفر لنا وللمؤمنين و المؤمنات، إنه غفور رحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي