إن الأمة اليوم يوم تنفصم روابطها مع القرآن ومع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ستكون أمة ظالمة لنفسها؛ لأنها ستجلب الويلات لأبنائها على كل الأصعدة، وهناك سمات وعلامات فيها تعرف الأمة الظالمة لنفسها وسنمر سريعًا على بعض هذه السمات والعلامات لننظر إلى أنفسنا ونعرف مواضع أقدامنا ..
الحمد لله المتفرد باسمه الأسمى والمختص بالملك الأعز الأحمى الذي ليس من دونه منتهى، ولا ورائه مرمى، الظاهر لا تخيلاً ووهمًا، الباطن تقدسًا لا عدمًا.. وسع كل شيء رحمة وعلمًا، وأسبغ على أوليائه نعمًا، وبعث فيهم رسولاً من أنفسهم أنفثهم عربًا وعجمًا، وأذكاهم محتدًا ومنما، وأشدهم بهم رأفة ورحمة حاشاه ربه عيبًا ووصمًا، وذكاه روحًا وجسمًا، وأتاه حكمة وحكمًا، فآمن به وصدقه من جعل الله له في مغنم السعادة قسمًا، وكذب به وصدف عنه من كتب الله عليه الشقاء حتمًا، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى.. صلى الله عليه صلاة تنمو وتنمى وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا..
معاشر الصالحين: تجدني محاصرًا بآهات المظلومين وصيحات المضطهدين وأنات اليتامى ودموع الثكالى، تجد لأصواتهم وآلامهم صدى يتردد في قلبي فلا يطاوعني الحديث إلا عنهم، ولا يسعفني القلم إلا في الكتابة عنهم وعن معاناتهم؛ لعلني في ذلك أجد بعض التبريد في النار المشتعلة في الصدر من دوالي صور القتل والقهر، وذلك أبسط ما يمكن أن نشارك به إخواننا في زمن تداعى فيه الأعداء بتعاون مع المنتسبين الأدعياء، تداعوا جميعًا لقطع أواصل الأخوة فجعلوا بين المسلمين الحدود والقيود والموانع والصدود، أما حدود الله فتعدوها وتجاوزوها..
أجدني مضطرًا للحديث عنهم لا اضطرار إكراه، ولكن اضطرار من لا يجد إلى النصرة سبيلاً ولا إلى الإعانة دليلاً..
يقول الله (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) نعم، المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ولاية تتخطى الحدود وتتحدى القيود، ولاية تصمد أمام كل عوامل التفريق والتحريش والفتنة والتجهيش، ولاية هدفهم امتثال أمر الله وتنفيذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: "وكونوا عباد الله إخوانًا".
يقول ربنا (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) تأملوا رعاكم الله في هذا التحذير (إِلَّا تَفْعَلُوهُ) يعني إن لم تتحدوا في موجهاتهم كما يتحدون في موجهاتكم، إن لم توالوا بعضكم كما يوالون بعضهم تكن فتنة في الأرض وفساد كبير..
نتيجة مدمرة عياذًا بالله الفتنة والفساد الكبير، وما نعيشه اليوم لا يخرج عن هذين الأمرين فتنة في الأرض وفساد كبير..
فتن محيرة وألوان من الفساد مكدرة، فتنة في التنظيم وفساد في التسيير، فتنة في التوصيف وفساد في التوظيف..
وأخطر ما في الفتنة أيها الأحباب أنها -أي الفتنة - أنها تتشوف لأهلها بآنق منظر وأزين ملبس تجر لأهلها أذيالها وتعيدهم تتابع على الذات حتى ترميهم في حموات أمواجها، تعيدهم الكذب وتمُنيهم الخدع، وبعد ذلك تتخلى عنهم خاذلة لهم وتتبرأ منهم معرضة عنهم قد سلبوا أجمل لباس دينهم واستنزلوا عن أحصن معاقل دنياهم وفي ذلك من الفساد ما لا يخفى..
معاشر الأحباب: إننا نرى فتنًا عظيمة نتجت عن ضياع معاني الأخوة الإسلام وإلا فلماذا يترك شعب مؤمن ضحية مؤامرات وضحية التحالفات وضحية مصالح..
لماذا يترك فريسة في أيدي أعداء الله وأعداء رسوله من الروافض الذين يسبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين ويكفرون المسلمين.
إنها الشام أيها الأحباب وما أدراكم ما الشام، الشام التي أشاد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغب في سكناها ودعا لها..
الشام أرض البطولة والأمجاد، هذه الأرض تترك اليوم للذين لا يرقبون في مؤمن إِلاً ولا ذمة..
أرض البطولة هذه عبراتي *** تهدى إليكِ وهذه حسراتِ
دهمتك من عصب الزمان بطانة *** أفاقة منهومة الشهوات
لا تستقر على الثرى أحداقهم *** إلا على العدوات والغارات
كانوا على الإسلام منذ قيامه حربا *** وكانوا مبعث النكبات
وإليكم معاشر الأحباب طائفة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يظهر فيها بجلاء فضل الشام وفضل أهلها..
أولاً: الدعاء لها، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم بارك لنا في شامنا.. اللهم بارك لنا في يمننا " رواه الترمذي وصححه الألباني.
هذا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو للشام، فهل ندعو لها ولأهلها وهم يواجهون الظلم والقهر والبغي؟!
وعن أبي حوالة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سَيَصِيرُ الأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا أَجْنَادًا مُجَنَّدَةً: جُنْدًا بِالشَّامِ، وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ، وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ ، فقَالَ ابن حَوَالَةَ: خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ – يعني اختار لي - إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ، فقَالَ: عَلَيْك بِالشَّامِ، فَإِنَّهَا خِيرَةُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَرْضِهِ، يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فأما إن أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ، - غدركم جمع غدير وهو مكان تجمع الماء - فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى توكل – وفي رواية " فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَكَفَّلَ" لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ. رواه أبو داود وابن حبان والحاكم وصححه الألباني.
تأملوا رحمكم الله في قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن الله تكفل لي بالشام وأهله"، جملة يستفاد منها حبه صلى الله عليه وسلم للشام وأهله وحرصه عليهم.
وفيها إشارة إلى أن أهل الشام في كنف الله وفي رعاية الله، وأن من ظلمهم وبغى عليهم فإن الله يتولى هلاكه والانتقام منه وفي هذا بشارة إلى قرب هلاك ظالمهم الذي استباح دمائهم وقتل أطفالهم وانتهك أعراضهم وهدم مساجدهم ودمر بيوتهم.
وهذا حديث آخر يؤكد نفس المعنى، فعن زيد بن ثابت قال، قال صلى الله عليه وسلم يوم ونحن عنده "طوبى للشام.. طوبى للشام إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها" رواه الترمذي وابن حبان وصححه الألباني.
وعن عبد الله بن عمرو رض الله عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيَارُ أَهْلِ الْأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إِبْرَاهِيمَ..." ومهاجر إبراهيم هو الشام لما غادر العراق متوجهًا إلى الشام، "... وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ، تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ، وَتَحْشُرُهُمْ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ" رواه أبو داوود وصححه الألباني.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إِنِّي رَأَيْتُ أَنَّ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي، فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلا وَإِنَّ الإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ بِالشَّامِ" رواه الطبراني والحاكم وصححه الألباني.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يوم الملحمة الكبرى-يعني تجمعهم – فسطاط المسلمين، بأرض يقال لها الغوطة، فيها مدينة يقال لها دمشق، خير منازل المسلمين يومئذ " والغوطة فيها دمشق وهي التي تسمى اليوم بريف دمشق، "... فيها مدينة يقال لها دمشق خير منازل المسلمين يومئذ" رواه الحاكم وصححه الألباني.
وعن سالم بن عبدالله عن أبيه رضي الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم "سيخرج عليكم في آخر الزمان نار من حضر موت – أي في اليمن – تحشر الناس "، بما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: "عليكم بالشام". رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
وعن قرة بن إياس المزني قال، قال صلى الله عليه وسلم: " إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة " والحديث صححه الألباني.
وعن أوس بن أوس الثقفي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ينزل عيسى ابن مريم عليهما السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق".
وبلاد الشام هي معقل المسلمين في الفتن، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى لله عليه وسلم: " إذا وقعت الملاحم بعث الله من دمشق بعثًا من الموالي أكرم العرب فرسًانا وأجودهم سلاحًا يؤيد الله بهم الدين" أخرجه ابن ماجة وحسنه الألباني.
من هنا أيها الأحباب يتبين لنا فضل هذه الديار ديار الشام ومكانتها عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم، فهل تستفيق الأمة من هذا السبات ! وهل تنظر الأمة بمنظار الشرع إلى ما حولها من القضايا؟! وهل تبتعد عن هذه الأيديولوجيات والنظريات التي لا تغني ولا تسمن من جوع..
وهل تعود الأمة إلى طريق العلم الصالح النافع لتخرج من هذا الوحل وحل الجهل والشهوات والشبهات، فالناس رجلان: عالم يرعى ومتعلم يسعى، وغير ذلك هامل نعام وراتع أنعام.
يقول صل الله عليه وسلم: " الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلا ما أريد به وجه الله وعالما أو متعلمًا" والعلم لا يصطاد بالسهام ولا ينال بالأفلام ولا يقسم بالأزلام ولا يرى في المنام، وإن ما يتوسل إليه بافتراش المدر واستناد الحجر وركوب الخطر، وإدمان السهر وكثرة النظر فهو طائر لا يخدعه إلا قنص اللفظ ولا يعلقه إلا شرك الحفظ..
إن كل مسلم مطالب بالوقوف مع هؤلاء المظلومين في سوريا حكاما ومحكومين وعلماء وهيئات كلا من موضعه وبحسب مُكنته واستطاعته..
أما أن ترى المذابح والقتل والترويع وهدم المساجد والكفر الصراح، ولا تتحرك النفوس ولا تتوحد الجهود فأخشى والله أن يعم الله الأمة بعذاب وليس بعد الذل عذاب..
جعلني الله وإياكم ممن ذكر ونفعته الذكرى، وأخلص لله عمله سرا وجهرا.. أمين..أمين والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله الذي جعل الأخوة على الإيمان معلمًا وجعل التناصر لها دليلاً وعليها ميسما، والصلاة والسلام على من جعل الأخوة أس بناء المسلمين فكان أول ما بدأ بها أن آخى بين الأنصار والمهاجرين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين قال الله عنهم (رحماء بينهم) ومن صار على نهجهم واقتفى بأثرهم إلى يوم الدين، أما بعد:
معاشر الصالحين: إن الأمة اليوم يوم تنفصم روابطها مع القرآن ومع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ستكون أمة ظالمة لنفسها؛ لأنها ستجلب الويلات لأبنائها على كل الأصعدة وهناك سمات وعلامات فيها تعرف الأمة الظالمة لنفسها وسنمر سريعًا على بعض هذه السمات والعلامات لننظر إلى أنفسنا ونعرف مواضع أقدامنا.
من أبرز سمات الأمة الظالمة لنفسها محبة النعم ونسيان المنعم، قال سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ). جاء في تفسير ابن كثير عند هذه الآية:"أي فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله بكم".
من العلامات كذلك التعلق بالأسباب من دون التوجه الحقيقي لمسبب الأسباب: إن من أعظم المصائب التي ابتلينا بها في هذا العصر هو أن قسمًا كبيرًا من أفراد الأمة يلجأون في قضاء حوائجهم إلى الأسباب فقط مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوجه الناس إلى الله عز وجل في قضاء حوائجهم.
وقد جعل الله طريقين لقضاء الحوائج: طريق عادي بأسلوب مادي لجميع البشر مؤمنين وكافرين، وطريق إيماني هو فقط للمؤمن الذي يعلم أن قضاء الحاجات من الله سبحانه وتعالى وبالأعمال التي يرضى عنها الله سبحانه وتعالى.
فربنا سبحانه له عطاءات، عطاء ربوبية.. وعطاء إلوهية، عطاء الربوبية: هو عطاء لخلق الله جميعا (كُلاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا).
وعطاء الألوهية : وهو عطاء غيبي مخصص لمن آمن بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولاً..
ولو ترسخ هذا المعنى عند الأمة ما لجأت مثلا إلى الربا، وما لجأت إلى مخالفة أوامر الله وما تجرأت على ذلك، فالتعلق بالمسبب لا يعني ترك الأسباب ولكن يعني الوقوف عند مراد المسبب وموافقته سبحانه فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر.
من سمات الأمة الظالمة لنفسها كذلك: الانغماس في الشهوات والملذات، قال تعالى (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).
وقد أورد المؤرخون أن من أسباب انهيار الدولة العباسية انغماسها في الشهوات والملذات، قال ابن كثير في البداية والنهاية " وجاء الانهيار تحقيقًا لسنن الله تعالى في الحياة البشرية، ودخل التتار بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية عام 656هـ، فذبحوا الخليفة المعتصم، وذبحوا المسلمين، وأحرقوا كتب العلم التي كانت تعمر بها بغداد، وألقى معظمها في نهر دجلة، وكانت تضم أعظم تراث العالم في ماضيه وفي حاضره" ا هـ رحمه الله
وقد أجمع المؤرخون على أن السبب في هذه النكبة هو الغفلة والترف، والاستهانة بتعاليم الإسلام، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) حاشاه سبحانه وتعالى.
وكذلك الأندلس انهارت لما انغمست في الشهوات وانمحى الوجود الإسلامي من تلك البقعة من الأرض التي كانت مركزا للعلم والحضارة ردحا كبيرا من الزمان.
من السمات كذلك للأمة الظالمة لنفسها: ترك السنة والاستخفاف بها، قال سبحانه وتعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) أي عن أمر رسوله صلى الله عليه وسلم (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي فليحذر أولئك المخالفون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، المستخفون بأوامره، الناعتون سنته بالرجعية وعدم مسايرة العصر، فليحذروا أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم..
وما أكثر صور المخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والاستخفاف بسنته في دنيانا اليوم ونتيجة لذلك ها هي الفتن قد استعرت ومظاهر العذاب قد اتضحت.
من السمات كذلك: التشبه باليهود والنصارى وباقي المشركين وقبول أحكامهم، إننا أيها الأحباب إذا قمنا بمقارنة اليوم بين مجتمعنا الإسلامي والمجتمعات الأخرى نجد صعوبة في تمييز أكثر المسلمين في لباسهم وطعامهم وعاداتهم حتى أصبحنا مشابهين لهم تقريبًا في أشياء كثيرة، قال الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ..) وقال (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ).
وقد كان أحد أهم أسباب ضعف المسلمين في الأندلس اضطراب مفهوم الولاء والبراء والحب في الله والبغض في الله.
من سمات الأمة الظالمة لنفسها كذلك الفرقة والتشرذم، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرضى لكم ثلاثة ويكره لكم ثلاثة، فيرضى لكم أن تعبدون ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال..." وما أكثر قيل وقال في مجتمعاتنا وحياتنا.. والحديث أخرجه مسلم.
إن أكثر ما نعاني منه اليوم الفرقة واختلاف وكثرة الفرق والطرق وكثرة الأهواء.. وكلٌّ فَرِح بما لديه وكلّ يدعي أنه على الحق والحق له ميزان واضع لا يتغير "كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بفهم سلف الأمة".
ما أحوج المسلمين إلى الرجوع إلى هذا الميزان والتواضع أمامه والتسليم والانقياد له مع ترك المكابرة والمعاندة، قال الله (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
من السمات كذلك: حب الدنيا والنشاط الكلي من أجلها، قال صلى الله عليه وسلم: "والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتكم " رواه البخاري.
وهل صرف الناس عن كتاب الله إلا حب الدنيا وعبادتها، وهل أوقع الناس في الربا إلا حب الدنيا، وهل نشبت الخلافات وتمكنت العداوات إلا بسبب حب الدنيا فحب الدنيا رأس كل بلاء وسبب كل انهيار وذلة..
قال صلى الله عليه وسلم "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما الأكلة إلى قصعتها "، قالوا: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: " بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن " قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال "حب الدنيا وكراهية الموت " أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
ونتيجة لما سبق يمكن القول بأن الأمة إسلامية إذا اتصفت بهذه المسالب فإنها تكون ظالمة لنفسها وبالتالي لا تملك النصاب الديني للاستفادة من النصرة الغيبية، وتكون عرضة لتسليط الأعداء المنكرين للمنهج الإلهي والمحاربين له وبالتالي لا يكون لها العزة ولا التمكين ولا الاستخلاف ولا الكرامة ولا العلو وهذا هو واقع الحال وإن كانت ولله الحمد بدأت تظهر بعض بوادر الأمل.
معاشر الأحباب: إن ما يقع في سوريا من أحداث إنما هو والله أعلم توطئة وتمهيد للملاحم الكبرى التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم والتي سيكون الجزء الأكبر والأعظم منها بأرض الشام..
إننا نعيش مرحلة انتقالية شأنا أم أبينا، مرحلة تتغير فيها الأمة على كل الأصعدة وجدانيا وسياسيا واقتصاديا والأهم من ذلك دينيا، وما نراه من فيئة ورجوع إلى الدين واصطلاح مع الله دليل على هذا التحول الكبير..
إذًا فنحن ندخل مرحلة أخرى في حياتنا وتاريخنا وهذا يحتم علينا أن نعد أنفسنا لنواكب هذه التحولات العظمى والتغيرات الكبرى كيف سندخل هذه المرحلة والتي يبدو أنها ستكون حافلة بالأحداث الكبرى..
فهل نحن رجال المرحلة؟ أم هو الانتكاس والارتكاس؟ هل ستتغير الأمة لتسير على هدي القرآن أم ستبقى في غيها وانهيارها؟
لا يليق بالأمة وهي على أبواب هذه التحولات الكبرى والتي ربما تكون مقدمة للملاحم الكبرى التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم.. لا يليق بها أن يكون بها واحد يعاني والآخر يغني.. لا يليق بالأمة أن يكون فيها واحد يذبح وآخر يشطح، واحد ينحر والآخر يسكر ويسهر، واحد يبكي ويئن من ظلم الجاني والآخر يبكي لأنه لم ينجح في الكرة والأغاني !!
إنها مرحلة تحتاج إلى رجال بمعنى الرجولة، رجال عابدون ذاكرون مواظبون على المساجد طلاب علم صادقون.. رجال يحسون بمعاناة أمتهم ويساهمون في حل مشاكلها ورفع الضيم عنها..
أما ما نراه في سوريا فإننا نبرأ إلى الله منه، نبرأ إلى الله من تلك الدماء المسفوكة، نبرأ إلى الله من كل ظالم متجبر لا يؤمن بيوم الحساب، نبرأ إلى الله بالمساجد تهدم، نبرأ إلى الله من أطفال تذبح، نبرأ إلى الله من تخاذل المسلمين، نبرأ إلى الله من هذه الدماء ونسأل الله ألا يأخذنا بها..
ولا يسعنا معاشر المسلمين إلا أن ندعو لإخواننا فهذا الذي نملك وقد قال العلماء: " إذا انقطعت الأسباب كان الدعاء بنفسه سببًا" .
اللهم إنا نسألك باسمك الأعظم الذي إذا سئلت به أعطيت وإذا استنصرت به نصرت أن تفرج عن إخواننا في الشام.. اللهم فرج همهم...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي