ما أحوجنا إلى معرفة المعجزات ونحن في زمن أعجب فيه الناس بالماديات واغتروا بالحضارات حتى أسندوا كثيراً من الأمور الكونية إلى غير الله وعظموا الحقير وحقروا العظيم وانبهروا بالقاذورات الغربية التي يعلم أهلها ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون
الحمد لله رب البريات واضع الأرض ورافع السماوات ومؤيد رسله بالمعجزات وجاعلها بين الخلق آيات بينات وبراهين ساطعات. وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله كثير المعجزات ودائم الصالحات ورفيع المقامات صلى الله عليه وسلم كلما ازداد بالحق إيماناً وبالباطل عصياناً.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون اتقوا الله الذي خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها، وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج، يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون. إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولاتزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور.
واعلموا أن طاعتكم لا تزيد في ملك الله شيئاً، وأن معصيتكم لا تنقصه شيئاً وإنما هي أعمالكم يحصيها لكم ثم يوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ومن رحمته بكم أنه نوع الصالحات ويسر الطاعات وضاعف الحسنات فاشكروه على هذه العطاءات واستبقوا الخيرات وشمروا إلى الجنات واتبعوا الرسالات وزيدوا في رصيد الحسنات وتجنبوا الآثام والسيئات وأيقنوا أن المؤمن يزداد إيماناً بالكلمة الطيبة يقولها من رضوان الله فيكتب الله بها رضوانه إلى يوم يلقاه وكم من كلمة فتحت لصاحبها الجنة وكم من كلمة فتحت لصاحبها النار.
والمؤمن يزداد إيماناً بالفعل الطيب الذي يطيب به باطنه ليكون صاحب قلب سليم ويطيب بها ظاهره ليكون من السابقين إلى الخيرات والمؤمن يزداد إيماناً بالتعامل الحسن ليكون من أهل البر والبر يهدي إلى الجنة ويكون ممن أحبه أهل السماء فصلوا عليه ودعوا له واستغفروا له ووضع له القبول في الأرض. والمؤمن يزداد إيماناً بآيات الله التي تدل على وجود الله فيخافه ويرجوه ويراقبه ويتقه فلا يراه حيث نهاه ولا يفقده حيث أمره، وتدل على ربوبية الله الذي خلق فسوى والذي على قدر فهدى والذي أخرج المرعى والذي يقول للشيء كن فيكون، وتدل على ألوهية الله فهو الذي لا إله غيره ولا معبود بحق سواه وهو الذي تصرف له الحياة كلها.
ومن آياته التي أيد بها رسله المعجزات التي أعجز بها الخلق فهي براهينه التي برهن بها على صدق رسله وحججه التي أحق بها الحق وأبطل بها الباطل، وسلطانه الذي أظهره به دينه على الدين كله ولو كره المشركون وقد فتح الله بهذه المعجزات قلوباً غلفاً قد استحوذ الشيطان عليها حتى حجبها عن كل خير وأوقعها في كل شر وفتح بها أعيناً عمياً قد استولى عليها الهوى ليهوي بها في كل رذيلة ويمنعها من كل فضيلة، فتح بها آذاناً صماً قد سدها الباطل حتى رأت الباطل حقاً والحق باطلاً.
وبهذه المعجزات دخل النور إلى قلوب مظلمة وبها لانت القلوب القاسية و بها صغر الكفر واندحر، وعلا الإسلام وظهرت المعجزات منّة من الله على رسله وكرامة منه لأوليائه. ولعلي أن أحدثكم عن بعض معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهي معجزات يتعمق بها الإيمان إلى أعماق القلوب ويصل بها إلى كل ذرة من الجسد فيزداد العبد إيماناً بالله تعالى ويزداد محبة لرسوله صلى الله عليه وسلم فيحبه أكثر من نفسه ووالده وولده والناس أجمعين ويزداد تصديقاً به ليكون خلفه في الدنيا باتباعه والسير على طريقه وخلفه في الآخرة يوم أن يكون مع الصديقين ويزداد إعجاباً به فيقلده ولا يقلد غيره ويفتخر به ولا يفتخر بسواه ويتعلم منه ولا يتعلم ممن ليس على ملته.
وما أحوجنا إلى معرفة المعجزات ونحن في زمن أعجب فيه الناس بالماديات واغتروا بالحضارات حتى أسندوا كثيراً من الأمور الكونية إلى غير الله وعظموا الحقير وحقروا العظيم وانبهروا بالقاذورات الغربية التي يعلم أهلها ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ويتمتعون بالدنيا (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مَتَاعٌ) [الرعد: 26]، (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) [الزمر: 8].
ولذا كان لزاماً أن نعرف المعجزات الربانية التي تدل على عظمة الخالق وصدق الرسول وضعف المخلوقات فمن هذه المعجزات: المعجزات القولية التي أسكتت البلغاء وأعجزت الفصحاء ألا وهو القرآن الكريم الذي عجز العرب عن الإتيان بمثله وعجزوا عن معارضته حتى قال أعداؤه عنه: "إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمورق وإنه يعلو ولا يعلى عليه وأنه ليس من كلام البشر ولا من السحر ولا من الشعر ولا من الكهانة" جعله الله معجزة لرسوله في كل زمان ومكان، أهله هم أهل الله وخاصته، يرفع الله به أقواماً ويضع به آخرين تأثرت به الملائكة يوم أن باتت تستمع إلى قراءة أسيد بن حضير ولو بقى يقرؤه لأصبح الناس يرونهم لا يستترون منهم، وتأثرت به الإنس إذ سمعوه فأسلموا أمثال عمر بن الخطاب الذي سمعه فأسلم وقد كان قبله من أقسى الناس قلباً عمر بن الخطاب الذي سمعه فأسلم وقد كان قلبه من أقسى الناس قلباً حتى قال الناس لو أسلم حمار الخطاب لم يسلم عمر بن الخطاب، فأصبح بالقرآن صاحب القلب اللين والدمعة السيالة وتأثرت به الجن إذ خرجوا من بلادهم في اليمن ليعرفوا السبب الذي حيل بينهم وبين خبر السماء فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي صلاة الفجر فتأثروا بقراءته ورجعوا إلى قومهم منذرين، وبقوا على إسلامهم حتى ماتوا قال الله تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) [الاحقاف:29]، (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ) [الحشر: 21]، وهو حفظ للمؤمن من أعدائه فقد ورد في حديث أبي هريرة أنه قال حرست زكاة الفطر فجاءني الشيطان ثلاث ليالي وقال لي في آخرها: "إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي".
وورد أن هرقل قال لقومه: لماذا يغلبكم المسلمون؟ قالوا: فرسان النهار ورهبان الليل أناجيلهم في صدرهم –أي قرآنهم في صدورهم يحفظونه يقبلون علينا ولهم دوي كدوي النحل. والقرآن أمن من الانحراف إذ هو هداية وهو أمن من العذاب إذ هو رحمة ومجالسه رحمه وهو أمن من المرض إذ هو شفاء فهلا بقيت هذه المعجزة في واقع المسلمين ليعجزوا بها الشيطان ويعجزوا بها الهوى والشهوات والشبهات ويعجزوا بها الأعداء (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [قّ:37].
ومن المعجزات الفعلية وهي معجزات تحدى بها الأطباء في طبهم والأغنياء في غناهم وأهل الفلك في فلكهم وأهل التنجم والسحر في تنجيمهم وسحرهم وطوع الله له الكون ليعمل معه في الدعوة ويظهر لهم خير ملة، وعمه الله وحفظه من أعدائه الذين يريدون إطفاء نور الله والله متم نوره ولو كره الكافرون.
ومن هذه المعجزات التي تحدى بها الأطباء حادثة شق الصدر وقد حصل له في الصغر وفي الكبر، فأما في الصغر فإنه لما تغرب في ديار بني سعد وأخذته حليمة السعدية لإرضاعه كان يرعى بهماً وعمره أربع سنوات خلف البيوت فجاءه ملكان فأضجعاه الأرض ثم شقا صدره واستخرجا قلبه فشقاه واستخرجا منه علقة سوداء هي حظ الشيطان منه ثم غسلاه ورداه مكانه ثم ردا صدره حتى التأم وقام في الحال وفي رواية أن أحد الملكين قال للآخر زنه بواحد أو عشرة أو مائة من أمته ثم قال لو وزنته بأمته لوزنهم وشق صدره كذلك لما عرج به إذ قول: " نزل علي جبريل فشق صدري ثم استخرج قلبي فغسله بماء زمزم ومعه صحن من ذهب مملوء حكمه فحشا به قلبي ثم أعاده وأعاد صدري ثم ركبت معه على البراق"
وإنها معجزة عظيمة كيف يشق صدره بلا تخدير وبلا معدات طبية وبلا غرفة عمليات وفي لحظة يعود كما كان –إن هذه العملية في عصرنا عملية صعبة تستغرق أشهراً وقد لا تنجح وقد تنجح هل الطب يستطيع أن يعمل مثل هذا؟ لا شك أنه لا يستطيع فسبحان القادر العظيم. ومنها أن قتادة بن النعمان شارك في عزوة أحد فأصيب في إحدى عينيه حتى سالت على خده وخرجت من مكانها فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره فردها إلى مكانها في الحال فكانت أحسن من الصحيحة ولا شك أنه عمل يعجز عنه الأطباء في لحظة واحدة ومن ذلك أن علي بن أبي طالب أحس بالرمد في عينيه فلما طلبه يوم خيبر قالوا: يشتكي عينه فجيء به يقاد لا يبصر شيئاً فتفل في عينه ومسحها فبرئ وما كان به شيء.
ومنها قصة عبد الله بن عتيك عندما قتل أبا رافع اليهودي ثم سقط فانكسرت رجله فجاء يعرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعصبها ومسحها فبرئ وما كان به شيء وانظر لأهل الكسور اليوم يلازمون الأسِرَّة عدة أشهر حتى يبرءوا ومن هذه المعجزات بركته التي ظهرت في كثرة الطعام وكثرة الشراب الذي يشارك فيه ويدعو عليه ويبرك ليطعم الناس ويشربون وفيه تحدي الأغنياء الذين يستعبدون الناس بأموالهم، ومن ذلك طعام جابر يوم الخندق إذ ذبح عناقاً ومعه من شعير فدعا أهل الخندق وصدرهم وهم أكثر من ألف ومثله أهل الصفة شربوا جميعاً وزاد وهذا يدل على أن الفضل من الله وأن الرزق في السماء وأن من يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب وأن العبرة ليست بكثرة المال وإنما العبرة بالبركة فكم من قليل مبارك وكم من كثير لا بركة فيه، وأن الله يحفظ النعم بالصالحين وأن الرسول صلى الله عليه وسلم مبارك في جميع أحواله.
ومن هذه المعجزات التي تحدث بها علماء الفلك ورد بها على المنجمين وأبطل بها عمل السحرة نزول الغيث عند طلبه ليبين أن نزوله لا يتقيد بنجم معين ولا بفضل معين ولا بتوقع معين ومن ذلك أن أعرابياً دخل عليه المسجد فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل ادع الله أن يغيثنا فدعا ربه فنزل الغيث أسبوعاً كاملاً حتى دعا في الجمعة الثانية أن يكون على الضراب والآكام ومنابت الشجر.
ومنها أن الصحابة احتاجوا للوضوء عدة مرات فاستدعى إناء فيه قليل من الماء فوضع يده فيه فأخذ الماء ينبع من بين أصابعه حتى امتلأ الإناء وشربوا وتوضئوا. ومنها أنهم فقدوا الماء يوم الحديبية فتفل في بئر ليس فيها إلا القليل ورمى فيها برمح ودعا ربه فأخذ الماء يفور وفي هذا الاعتماد على الله وحده والثقة بما عنده وأنه يقول للشيء كن فيكون، وأن الماء الذي ينبع من آثار الأنبياء ماء مبارك يروي العطش ويسد الجوع ويبرئ المرض بإذن الله فها هي زمزم من أثر إسماعيل وقيل من أثر جبريل وها هو أيوب يضرب برجله الأرض فيتداوى ظاهره وباطنه وها هو الماء المبارك الذي يفوق ماء زمزم ينبع من بين أصابع الرسول صلى الله عليه وسلم..
وفي هذا بيان أن النجوم ليست سبب نزول الغيث بل هو بيد الله متى شاء أنزله ومتى شاء رفعه ومن معجزاته التي أبطل بها عمل السحرة الذي يدعون علم الغيب ما حصل مع عمير بن وهب الذي جلس مع صفوان بن أمية في الحجر وتعهد صفوان بأولاد عمير وتعهد عمير بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم ومضى عمير إلى المدينة وأطلع الله رسوله بأمرهما فأخبره فهذا خبر الرب تعالى وليس خبر الجن والذين يَدْعون إلى الشرك والكفر.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله ومن هذه المعجزات النبوية أن الله تعالى طوع له الكون ليطيعه الناس ويتبعوه ومن ذلك انشقاق القمر فإن قريشاً طلبوا آية وتعهدوا بالإسلام فأراهم القمر ليلة البدر منشقاً فأعرضوا وقالوا سحر مستمر، فقال العقلاء لو سحركم لم يسحر غيركم اسألوا من بأقطار الأرض فسألوهم فأخبروهم أنهم رأوه منشقاً وسخر له الريح يوم الأحزاب عندما جاءه الأعداء من فوقهم ومن تحتهم وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الجناجر وزلزل المؤمنون زلزالاً شديداً وضاقت الضائقة على المسلمين فسخر الله الريح لتزلزل الأرض من تحت أقدامهم ولتقوض خيامهم وتكفئ قدورهم حتى رحلوا منهزمين لم يغزوا المدينة بعدها وطوع له الأرض إذ انزوت وتقاربت له حتى رآها كلها وأخبر أن نبوته ستصل إلى ما رأى وسخرها يوم ثبتت تحت أقدام المؤمنين يوم بدر وتزلزلت بالكافرين وطوع له الجبال إذ تزلزل أحد ثم ثبت، وطوع له الأشجار إذ حن الجذع لمفارقته وسكن عندما أمسكه، وجاءت شجرة تخد الأرض حتى وقفت أمامه، وطوع الحجر الذي كان يسلم عليه وطوع له البعير الهائج ليسجد بين يديه فإن أطاعته هذه الجمادات فحري بالمسلم أن يطيعه وإن عرفت هذه الجمادات أن يصدقه وأن يطيعه فيما أمر وأن يجتنب ما عنه نهى وزجر. ومن هذه المعجزات أن الله عصمه من الناس وحفظه من كيدهم ومن ذلك حفظه عند الهجرة وقد تآمر المشركون على قتله، وحفظه من اليهود الذين أرادوا قتله، وحفظه من المنافقين، وحفظه من عامر بن الطفيل وحفظه من دعنور المحاربي والله يدافع عن المؤمنين ويحفظ الموحدين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي