عظمة الله تعالى

مراد كرامة سعيد باخريصة
عناصر الخطبة
  1. العظمةُ صفةٌ لله عز وجل .
  2. تأملات في أسماء وصفات إلهية دالة على قداسة الله تعالى وعظمته .
  3. وجوب معرفة الله تعالى معرفةً باعثةً لمحبته وتعظيمه .
  4. خُفوت تعظيم الله تعالى في نفوسنا .
  5. طمأنينة القلب العارف بالله تعالى .

اقتباس

إنَّ في القلب شعثاً لا يلمُّه إلا الإقبالُ على الله، وفيه وحشة لا يُزيلها إلا الأنس بالله، وفيه حزن لا يُذهبه إلا السرور بمعرفة الله، وفيه قَلَقٌ لا يُسَكِّنُه إلا الاجتماع عليه، والفرار منه إليه، وفيه نيران حَسَراتٍ لا يُطفئها إلا الرضا بأمر الله، وفيه فقر وفاقة لا يسدها إلا ذكرُ الله، وصِدْقُ الإخلاص له -جل جلاله- ..

إنَّ من أسماء الله الحُسنى اسمَ العظيم، ومن صفاته العلى صفة العظَمة، فهو -جل جلاله- العظيم الذي له جميع معاني العظمة والتبجيل والكبرياء، المُعَظَّم في قلوب عباده وأوليائه وخواص خلقه.

فسبحان من خضعت لعظمته الرقاب، وذلت لجبروته الصعاب، ولانت لقدرته الشدائد الصلاب! خضع كل شي لأمره، ودان كل شيء لحكمه، والكل تحت سلطانه وقهره؛ كل شيء دونه فلا شيء أعظم منه: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [البقرة:255].

علم الملائكة المقربون عظمته فخافوه، وأذعنوا له وعظَّموه، فلم يستنكفوا عن عبادته، ولم يستكبروا، يقول الله -جل جلاله-: (وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء:19-20]، (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء:27-28].

فلا إله إلا الله العظيم الحليم! لا إله إلا اللهُ رب العرشُ العظيم! لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش الكريم!.

سبحانك ربنا ما أعظمك! سبحانك ما عظمناك حق عظمتك، وما عرفناك حق معرفتك، وما قدرناك حق قدرك! (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر:67].

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنّ الله يطوي السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك! أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأراضين السبع، ثم يأخذهن بيده الأخرى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟".

والله لو علم العباد ما لله من العظمة ما عصوه، ولو علم المحبون ما لله من الجمال والكمال ما أحبوا غيره، ولو عرف الفقراء غنى الرب -سبحانه وتعالى- ما رجوا سواه، فسبحانه -جل في علاه- هو سلوة الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الخائفين! (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الذاريات:50-51].

سبحانه -جل جلاله- كل يوم هو في شأن: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن:29]، يغفر ذنباً، ويكشف كرباً، ويفرِّج هماً، ويهدي ضالّاً، ويُرشد حيرانَ، ويغيث لهفانَ، ويجزي محسناً، ويقبل تائباً، ويرفع أقواماً، ويضع أقواماً، يحيي ميتاً، ويميت حياً، ويشفي مريضاً، ويعافي مبتلىً، ويقيل عثرة، ويستر عورة، ويجيب داعياً: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:26].

سبحان الله العظيم الذي أتته السماء والأرض طائعة، وتطامنت الجبال لعظمته خاشعة، ووكفت العيون عند قراءة كلامه دامعة! عبادته شرف، والذلّ له عزّة، والافتقار إليه غنى، والتمسْكن له قوة.

(قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِين * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصلت:9-11].

(لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الشورى:4-5].

(قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) [المؤمنون:86-89].

سبحان من أحاط علمه بالكائنات، وعلم النهايات، واطّلع على النيات، قد أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، يعلم ما في الضمير، فلم يغب عن علمه الفتيل ولا القطمير، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى:11].

يعلم ما كان وما يكون الآن وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، لا تسقط ورقةٌ إلا بعلمه، ولا تقع قَطرة إلا بعلمه، ولا تعقد نية إلا بعلمه، ولا تقال كلمة إلا بعلمه، ولا تخطى خطوة إلا بعلمه، ولا يخط حرف إلا بعلمه، يعلم الحيَّ والميت، والرطب واليابس، والحاضر والغائب، والسر والجهر، والبادي والخافي، والكثير والقليل، يعلم السرائر، ويطلع على الضمائر، فالنجوى عنده جهر، والسرّ عنده علانية: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر:19].

(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [الأنعام:59]، (وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [يونس:61]، (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَار) [الرعد:10]، (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الأنعام:103].

وسع سمعه الأصوات فلا يشغله صوت عن صوت، ولا تختلط عليه لغة بلغة؛ بل يسمع جميع الأصوات على اختلاف اللهجات واللغات: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف:80].

سبحان الله العظيم الذي يبدئ ويعيد، وينشئ ويبيد، يفعل ما يشاء ويحكم بما يريد، (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) [البروج:14-16]، الحي الذي لا يموت، والقيوم الذي لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام! (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ) [البقرة:255].

له النعمة وله الفضل, وله الثناء الحسن, له الملك كله، وله الحمد كله, وله الشكر كله، شملت قدرته كل شيء, ووسعت رحمته كل شيء, ووصلت نعمته إلى كل حي: (وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [القصص:70].

لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لا صاحبة له ولا ولد، كل شيء هالك إلا وجهه, وكل ملك زائلٌ إلا ملكه، وكل ظل ٍ قالصٌ إلا ظله, وكل فضلٍ منقطع إلا فضله، لن يطاع إلا بإذنه, ولن يعصى إلا بعلمه، يُطاعُ فيشكر، ويعصي فيغفر.

إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل:40]، هو الأول الذي ليس قبله شيء, والآخر الذي ليس بعده شيء, والظاهر الذي ليس فوقه شيء, والباطن الذي ليس دونه شيء.

ولو أن الخلق كلهم، إنسهم وجنهم, كانوا على أتقى قلب رجل منهم ما زاد ذلك في ملكه شيئا, ولو أنهم كانوا على أفجر قلب رجل ٍ منهم ما نقص ذلك من ملكه شيئا، ولو أن أهل سمواته وأرضه, انسهم وجنهم, وحيهم وميتهم، ورطبهم ويابسهم, قاموا في صعيد واحد فسألوه فأعطى كلا ً منهم ما سأل ما نقص ذلك من ملكه شيئاً.

ولو أن أشجار الأرض كلها, من بدايتها إلى نهايتها أقلام, والبحر وراءه سبعة أبحر, مداداً لتلك الأقلام ما نفدت كلمات الله: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [لقمان:27-28].

يقول الله -جل جلاله- مبيناً عظمته وجلاله: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [النمل:59-64].

الخطبة الثانية:

الحمد لله منزل القرآن رحمة للعالمين، ومناراً للسالكين، وحجة على العباد أجمعين.

الحمد لله الذي لا يدوم غيره، ولا يرجى إلا خيره، ولا يخشى إلا ضيره، ولا يعول إلا عليه.

الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره، وعلم مورد كل مخلوق ومصدره، واثبت في أم الكتاب ما أراده وسطَّره، فلا مقدم لما أخره، ولا مؤخر لما قدمه، ولا ناصر لمن خذله، ولا خاذل لمن نصره، ولا هادي لمن أضله، ولا مضل لمن هداه.

الحمد لله الذي يسمع خفي الصوت ولطيف الكلام، ويرى ما في داخل العروق وبواطن العظام.

الحمد لله ذي العرش والجبروت، والمُلك والملكوت، الحي الذي لا يموت.

والصلاة والسلام على رسول الله، خير خلق الله، مَن اصطفاه ربه واجتباه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.

عباد الله: يجب علينا أن نتعرف على الله؛ لأن عظمة الله -جل جلاله- لن تأتي في قلوبنا إلا إذا تعرفنا على الله؛ ولهذا فإن ثلثَ القرآن آيات تُعرف بالله، وتُذكِّر بعظمة الله، وتَذْكُر أسماء الله وصفاته، وكثير من الآيات في كتاب الله الكريم مختومة باسم من أسماء الله أو صفة من صفاته.

بل أمرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن نتعرف على الله فقال -صلى الله عليه وسلم- : "تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة".

وليس المقصود من معرفة الله أن نُقر بوجوده، فإن هذا المعرفةَ الإجمالية يشترك فيها جميعُ الخلق، فالخلق كلهم، انسهم وجنهم، مؤمنهم وكافرهم، يقرون في نفوسهم بوجود الله؛ وإنما المقصود أن نتعرف على الله معرفةً تورث في قلوبنا خشيةَ الله ومحبتَه وتعظيمه، قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) [فاطر:28].

لقد خفتت عظمة الله في قلوبنا، وعظُمَت الماديات والمحسوسات في نفوسنا، فرأينا وسمعنا مَن يستهزئ بالله، وبشعائر الله، ورأينا مَن يتطاول على دين الله، ومَن يسُبُّ الله، ومن يزدري أحكام الله، ومن يبارز الله بالمعاصي جهاراً نهاراً !.

ضعفت عظمة الله عندنا فعصينا أوامره، وتجاوزنا حدوده، وأشركنا به، وطلبنا الرزق من غيره، وتركنا التوكل والاعتماد عليه -سبحانه وتعالى-.

يقول الله -جل جلاله- مبيناً عظمته: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا) [مريم:90]، ويقول -سبحانه وتعالى-: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) [نوح:13-14]، أي: مالكم لا تعظمون الله حق عظمته؟.

فلنحذر من أن نجعل الله -جل جلاله- أهون الناظرين إلينا، يقول أحد السلف: لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.

عباد الله: إنَّ في القلب شعثاً لا يلمُّه إلا الإقبالُ على الله، وفيه وحشة لا يُزيلها إلا الأنس بالله، وفيه حزن لا يُذهبه إلا السرور بمعرفة الله، وفيه قَلَقٌ لا يُسَكِّنُه إلا الاجتماع عليه، والفرار منه إليه، وفيه نيران حَسَراتٍ لا يُطفئها إلا الرضا بأمر الله، وفيه فقر وفاقة لا يسدها إلا ذكرُ الله، وصِدْقُ الإخلاص له -جل جلاله-!.

(وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا * وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى * وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى * وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى) [النجم:43-55].
 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي