يتألم المسلم لما يرى من كثرة القتلى والشهداء في بلاد سوريا. نعم ! وحق للمسلم أن يحزن، لكن مما يسلّي المسلم أن يتذكر ما أعده الله للشهداء في سبيله من منازل عالية وحياة كريمة كاملة، فالموت في الجهاد حياة أبدية ..
الحمد لله وحده صدق وعده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل وكان حقا علينا نصر المؤمنين. وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله أفضل المجاهدين وأنصح العباد أجمعين صلوات ربي وسلامه عليه وعلى الآل والصحب ومن لنهجهم اقتفى وبهداهم اهتدى.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله ولا تغرنكم الحياة الدنيا بزخرفها ولهوها ولعبها، فما الدنيا إلا ظل قرب زواله، وزرع حان حصاده، والآخرة خير وأبقى للذين يتقون، أفلا تعقلون.
أيها المؤمنون: قلوب المؤمنين وأبصارهم متوجهة إلى بلاد الشام يتابعون أخبار الثورة المباركة ضد النظام النصيري الظالم الذي فعل بالمسلمين ما لم يفعله اليهود ولا من سبقه من الظلمة المستبدين.
وإن قلوب المؤمنين تعتصر ألما وأسى من شدة المأساة مئات الآلاف من المشردين وألوف من الجرحى، وألوف الشهداء وألوف من الأيتام والأرامل، ومازالت أرض سوريا المباركة تسقى بدماء الشهداء الزكية.
وما من يوم يمر إلا وأعداد الشهداء يتجاوز المائة وما دماء الشهداء إلا وقود للثورة وما هي إلا سلم لتحقيق النصر.
إن طغاة النصيرية لن يوقف آلة دمارهم إلا رفع راية الجهاد من رجال يحملون أرواحهم على أكفهم غايتهم قتال لإعلاء كلمة الله (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) [التوبة: 14].
عباد الله: يتألم المسلم لما يرى من كثرة القتلى والشهداء في بلاد سوريا. نعم ! وحق للمسلم أن يحزن، لكن مما يسلّي المسلم أن يتذكر ما أعده الله للشهداء في سبيله من منازل عالية وحياة كريمة كاملة، فالموت في الجهاد حياة أبدية، قال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 169- 171].
بعد معركة بدر كان الناس يقولون لمن يقتل في سبيل الله فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها فأنزل الله: (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ) [البقرة: 154]، قال الحسن: إن الشهداء أحياء عند الله تعالى، تُعرض أرزاقهم على أرواحهم، فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض النار على آل فرعون غدوة وعشية فيصل إليهم الوجع.
استمعوا رعاكم الله إلى أمنية رسول الله روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ولوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل».
إنه الشوق للجنة. ذلك الذي جعل الصحابي خيثمة وابنه سعد رضي الله عنهما يتنافسان على الخروج إلى الجهاد في غزوة بدر قال خيثمة لابنه سعد: إنه لا بد لأحدنا أن يقيم فآثرني بالخروج وأقم مع نسائك، فأبى سعد، وقال: لو كان غير الجنة آثرتك به، إني لأرجو الشهادة في وجهي هذا فاستهما فخرج سهم سعد فخرج فقُتل ببدر.
يا للشهيد كأنه ملك *** دنياه شامخة وأخراه
لله در أبيه من بطل *** كالكوكب الدري تلقاه
مسك الجنان يفوح من دمه *** والبدر يسطع من محياه
في الأرض ندفنه وفي قمم *** الفردوس عند الله محياه
ليلاه حوراء الجنان إذا *** كل امرئ شغفته ليلاه
هذا الشهيد ألست تعرفه *** العز بين يديه والجاه
العز في كنف العزيز ومن *** عبد العبيد أذله الله
إخوة الإيمان: أرواح الشهداء في جوف طير خضر لها قناديل معلقة تحت العرش تسرح في الجنة حيث شاءت الشهادة صفقة رابحة مع رب كريم (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 111] الله أكبر ما أعظمه وأجله من تبايع؟! الله المشتري، والثمن جنات النعيم.
وقد ربح هذه البيعة الصحابي الجليل حارثة بن سراقة رضي الله عنه، وكان قُتل يوم بدر أتت أمه إلى رسول الله، وقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء؟ قال: «يا أم حارثة! إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى». رواه البخاري.
إن في الجنة مئة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، ومن راح روحة في سبيل الله كان له بمثل ما أصابه من الغبار مسكًا يوم القيامة وقال صلى الله عليه وسلم: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه الذي كان يعمله، وأُجري عليه رزقه، وأمن الفتان» رواه مسلم.
عباد الله: عندما تتعلق قلوبنا بالدنيا ومتاعها، وعندما نركن للدنيا حبًّا في الحياة وكراهية للموت، فإن الدنيا لا تساوي شيئًا أمام الجهاد في سبيل الله، والاستشهاد في سبيله، قال صلى الله عليه وسلم: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها» رواه البخاري.
إن الشهيد قد استعلى على محبوباته، وتغلب على شهواته، واسترخص الحياة في نيل شرف الشهادة في سبيل الله.
الشوق للشهادة دعا الصحابي ابن أم مكتوم رضي الله عنه وهو ضرير أعمى لا يبصر أن يقول: أي رب !! أنزل عذري فأنزلت (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) [النساء: 95] فله عذر بعدم الجهاد، لكن هل جلس بعد ذلك في بيته، أو ركن إلى الدنيا ومتاعها، كلا بل كان يغزو ويقول: ادفعوا إليَّ اللواء فإني أعمى لا أستطيع أن أفر، وأقيموني بين الصفين.
يا مسلمون: المسلم لا يحزن عندما يرى كثرة أعداد الشهداء، فقد اختارهم الله واصطفاهم للشهادة.. لكن المحزن أن يقف العالم متفرجًا على مشاهد القتل والتدمير.. المحزن أن الرافضة أخزاهم الله يصرحون بدعمهم بالرجال والمال ولا زالت دول مسلمة كثيرة مترددة أو صامتة.. المحزن انشغال شباب أهل السنة والجماعة بترهات وتفاهات لا تستحق عليها أمة الإسلام النصر، المحزن أن دولتين كافرتين وقفت أمام دول العالم الإسلامي بأسره بل والعالم أجمع ضد نصرة أهلنا في بلاد الشام.
عندما تنقل لنا وسائل الإعلام صور جثامين الشهداء، فإن مما يصبّر المؤمن أن يتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للشهيد عند الله ست خصال: يُغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويحلى حلية الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانًا من أقاربه». رواه ابن ماجه والترمذي وأحمد وصححه الألباني.
(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 140- 142].
إخوة الإسلام: من ذا الذي يدخل الجنة ثم يحب أن يرجع إلى الدنيا؟ هل يمكن أن تقع هذه الأمنية؟ ومن ذا الذي يتمنى أن يرجع لدار نعيمها منغّص؟ الجواب يرويه لنا الإمامان البخاري ومسلم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد؛ يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة».
أيها المؤمنون: من فاته الجهاد ونيل شرف الشهادة فليعن المجاهدين في سبيل الله، ويمد يد العون والإغاثة لأهل المجاهدين وأسرهم، جاء في الحديث المتفق عليه: «من جهّز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا» أي بقضاء حوائج أهل المجاهد ومساعدتهم والإنفاق عليهم.
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله، فقال عليه الصلاة والسلام: «لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة مخطومة» رواه مسلم.
عباد الله: وقد ذكر جمهور العلماء أنه في وقت الحاجة والمسغبة يجوز تعجيل وتقديم إخراج الزكاة، فيتقدم إخراجها لعام أو عامين، وإخراج الزكاة وقت الحاجة أفضل من إخراجها في رمضان.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ) [الصف: 10- 14].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي