وأجمل منك لم تر قطّ عيني

إبراهيم بن صالح العجلان
عناصر الخطبة
  1. محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم .
  2. شوق المحبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
  3. شمائل النبي صلى الله عليه وسلم .
  4. صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم الخَلقية والخُلقية .
  5. فوائد الحديث عن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم .

اقتباس

لَقَدْ أَعْطَى اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- نَبِيَّهُ محمدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَالَ الخُلُقِ وَجَمَالَ المَنْظَرِ، حَتَّى تَلَأْلَأَتْ بِذَلِكَ وَسَامَتُهُ، وَتَأَلَّقَتْ قَسَامَتُهُ، وَلَمَعَتْ زَهْرَتُهُ؛ فَكَانَتِ العُيُونُ لاَ تَمَلُّ مِنْ طَلْعَتِهِ، وَلاَ تَكَلُّ مِنْ طَلَّتِهِ، إِذَا غَابَ سَوَادُهُ عَنْ أَصْحَابِهِ اشْتَاقَتْ أَبْصَارُهُمْ لِرُؤْيَتِهِ، وَحَنَّتْ قُلُوبُهُمْ لِلْأُنْسِ بِهِ، كَمْ قَالَ قَائِلٌ مِمَّنْ رَآهُ وَاللهِ: "مَا رَأَيْتُ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ" ..

الحَدِيثُ عَنِ العُظَمَاءِ حَدِيثٌ لاَ يُمَلُّ، وَمَجْلِسٌ لاَ تَعْرِفُهُ السَّآمَةُ، كَيْفَ إِذَا كَانَ المُتَحَدَّثُ عَنْهُ هُوَ حَبِيبَ رَبِّ العَالَمِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فَالحَدِيثُ عَنْهُ حَدِيثٌ تَشْتَاقُ لَهُ النُّفُوسُ وَتَطْرَبُ لَهُ القُلُوبُ وَتُصْغِي مَعَهُ الآذَانُ، كَيْفَ لاَ وَقَدْ قَذَفَ اللهُ مَحَبَّتَهُ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ حَتَّى تَغَلْغَلَتْ فِي وِجْدَانِهِمْ وَجَرَتْ بِهِ عُرْوَتُهُمْ، وَاسْتَقَرَّتْ سُوَيْدَاءُ قُلُوبِهِمْ.

وَإِنَّ مِمَّا فَطَرَ اللهُ بِهِ النُّفُوسُ البَشَرِيَّةُ أَنَّهَا إِذَا أَحَبَّتْ شَيْئًا أَحَبَّتْ رُؤْيَتَهُ لَيْسَ لِمَرَّةٍ بَلْ مَرَّاتٍ وَكَرَّاتٍ فَكَمْ قَالَ مِنْ قَائِلٍ مِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ: "لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنِيَّ مِنْهُ"!

فَيَا مَنْ حُرِمْنَا فِي الدُّنْيَا رُؤْيَتَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَا مَنْ قَدَرُنا أَلاَّ نُكحِّلَ الأَعْيُنَ بابْتِسَامَتِهِ وَالتَّلَذُّذِ ببشاشته ، تعالوا نطربُ الأسماعَ بصِفَاتِهِ الخِلْقِيَّةَ الَّتِي وَصَفَهَا لَنَا مَنْ رَآهُ:

وَصَفُوا لَنَا جِسْمَهُ وَرَسْمَهُ بِكُلِّ دَقَائِقِهِ وَتَفَاصِيلِهِ حَتَّى إِنَّ الوَاقِفَ عَلَى نَعْتِهِمْ لَكَأَنَّمَا يَرَى مُحَمَّدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَا آذَانُ أَصْغِي، وَيَا قُلُوبُ تَجَمَّعِي، وَيَا نُفُوسُ تَشَوَّقِي لِحُرُوفٍ قَلِيلَةٍ مِنْ وَصْفِ سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: لَقَدْ أَعْطَى اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- نَبِيَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَالَ الخُلُقِ وَجَمَالَ المَنْظَرِ، حَتَّى تَلَأْلَأَتْ بِذَلِكَ وَسَامَتُهُ وَتَأَلَّقَتْ قَسَامَتُهُ وَلَمَعَتْ زَهْرَتُهُ.

فَكَانَتِ العُيُونُ لاَ تَمَلُّ مِنْ طَلْعَتِهِ، وَلاَ تَكَلُّ مِنْ طَلَّتِهِ، إِذَا غَابَ سَوَادُهُ عَنْ أَصْحَابِهِ اشْتَاقَتْ أَبْصَارُهُمْ لِرُؤْيَتِهِ، وَحَنَّتْ قُلُوبُهُمْ لِلْأُنْسِ بِهِ، كَمْ قَالَ قَائِلٌ مِمَّنْ رَآهُ وَاللهِ: "مَا رَأَيْتُ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ".

بَلَغَ العُلَى بِكَمَالِهِ *** كَشَفَ الدُّجَى بِجَمَالِهِ
حَسُنَتْ جَمِيعُ خِصَالِهِ *** صَلُّوا عَلَيْهِ وَآلِهِ

رَأَتْهُ أُمُّ مَعْبَدٍ عَجُوزٌ أَعْرَابِيَّةٌ، فَقَالَتْ تَصِفُهُ -وَهِيَ لاَ تَعْرِفُهُ-: "رَأَيْتُ رَجُلاً ظَاهِرَ الوَضَاءَةِ، مَلِيحَ الوَجْهِ وَسِيمًا قَسِيمًا، إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الوَقَارُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ عَلاَهُ البَهَاءُ، أَجْمَلَ النَّاسِ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْسَنِهِمْ مِنْ قَرِيبٍ".

وَأَجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي *** وَأَكْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ
خُلِقْتَ مُبَرّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ *** كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَشَاءُ

عِبَادَ اللهِ: الوُجُوهُ تُخْبِرُ بِمَا وَرَاءَ أَصْحَابِهَا، وَرُبَّمَا عَرَفَ النَّاسُ صِدْقَ الرَّجُلِ وَخُلُقَهُ مِنْ خِلاَلِ التَّفَرُّسِ فِي قَسَمَاتِ وَجْهِه، وَقَدِيمًا قَالَتِ العَرَبُ: "الوُجُوهُ مَرَايَا تُريكَ أَسْرَارَ البَرَايَا"!

رَأَى وَجْهَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ عَنْهُ: "هَذَا وَجْهٌ مُبَارَكٌ".

وَحِينَمَا قدم النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِينَةَ انْجَفَلَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَأَسْرَعُوا، وَكَانَ فِيمَنِ انْجَفَلَ عَبْدُاللهِ بْنُ سَلامٍ أَحَدُ أَحْبَارِ اليَهُودِ، قَالَ عَبْدُاللهِ: "فَلَمَّا تَأَمَّلْتُ وَجْهَهُ وَاسَتَثْبَتَّهُ عَلِمْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ".

وَصَدَقَ القَائِلُ:
لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبَيَّنَةٌ *** كَانَتْ بَدِيهَتُهُ تَأْتِيكَ بِالخَبَرِ

كَانَ وَجْهُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَلَأْلَأُ إِشْرَاقًا وَيَتَأَلَّقُ صَفَاءً، قَالَ عَنْهُ البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقًا".

وَيَقُولُ أَبُو الطُّفَيْلِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "كَانَ مَلِيحَ الوَجْهِ"، وَكَانَ وَجْهُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الاسْتِدَارَةِ أَقْرَبَ مِنْهُ إِلَى الطُّولِ، وَكَانَ مَعَ اسْتِدَارَتِهِ وَجَمَالِهِ، إِذَا سُرَّ يَتَلَأْلَأُ بَهَاءً وَنُورًا.

ويَقُولُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، كُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ".

أَمَّا عَيْنَاهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُمَا سِرُّ جَمَالِهِ وَوَسَامَتِهِ، فَقَدْ كَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشْكَلَ العَيْنَيْنِ - وَالشَّكْلَةُ حُمْرَةٌ يَسِيرَةٌ فِي بَيَاضِ العَيْنَيْنِ - وَكَانَتْ هَذِهِ خَصْلَةً مَحْمُودَةً مَحْبُوبَةً جِدًّا عِنْدَ العَرَبِ.

وَكَانَ أَيْضًا أَكْحَلَ العَيْنَيْنِ، وَلَيْسَ بِأَكْحَلَ، أَدْعَجَ العَيْنَيْنِ؛ أَيْ: شَدِيدَ سَوَادِ العَيْنَيْنِ، وَكَانَ أَهْدَبَ الأَشْفَارِ؛ أَيْ: طَوِيلَ الحَوَاجِبِ، وَكَانَ أَقْنَى الأَنْفِ؛ أَيْ: طَوِيلَ الأَنْفِ مَعَ دِقَّةٍ فِي أَرْنَبَتِهِ، وَكَانَ جَبِينُهُ وَاسِعًا وَمُسْتَوِيًا.

أَمَّا فَمُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَدْ كَانَ ضَلِيعَ الفَمِ، حَسَنَ الثَّغْرِ، مُفْلَجَ الأَسْنَانِ، وَالفَلَجُ: فُرْجَةٌ بَيْنَ الثَّنَايَا وَالرَّبَاعِيَّاتِ، وَكَانَ ذَلِكَ يُعَدُّ مِنْ صِفَاتِ الجَمَالِ وَقَدْ جُمِّلَ وَجْهُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلِحْيَةٍ كَثَّةٍ يَعْلُوهَا الوَقَارُ وَالبَهَاءُ.

وَكَانَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- يَعْرِفُونَ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلاتِهِ السِّرِّيَّةِ بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَثَّ اللِّحْيَةِ.

أَمَّا رَأْسُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَدْ كَانَ ضَخْمَ الرَّأْسِ، عَظِيمَ الهَامَةِ، وَكَانَ شَعْرُ رَأْسِهِ وَسَطًا لَيْسَ بِالسَّبْطِ وَلا بِالجَعْدِ، يَتْرُكُهُ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ وَرُبَّمَا أَرْخَاهُ إِلَى مِنْكَبَيْهِ.

وَكَانَ يَهْتَمُّ بِتَنْظِيفِ شَعْرِهِ وَتَرْتِيبِهِ وَدَهْنِهِ، وَرُبَّمَا رَجَّلَتْهُ بَعْضُ نِسَائِهِ.

وَكَانَ يَنْهَى عَنِ المُبَالَغَةِ فِي تَزْيِينِ الشَّعْرِ، فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ التَّرَجُّلِ إِلاَّ غِبًّا"؛ أَيْ: مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ.

وَحِينَ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِينَةَ سَدَلَ شَعْرَهُ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ اليَهُودُ تَأْلِيفًا لِقُلُوبِهِمْ، وَرَجَاءَ دُخُولِهِمْ فِي الإِسْلامِ، فَلَمَّا نَقَضُوا عُهُودَهُمْ وَعَانَدُوا فَرَقَ شَعْرَهُ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ العَرَبُ، وَكَانَ هَذَا الشَّعْرُ قَدْ عَلاهُ شَيْءٌ مِنَ البَيَاضِ أَحْصَاهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ بِأَنَّه عِشْرُونَ شَعْرَةً فَقَطْ، قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ذَاتَ يَوْمٍ أَرَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ شِبْتَ؟ فَقَالَ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا» رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ. وَأَخَوَاتُهَا جَاءَتْ مُفَسَّرَةً عَنِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّهَا: «الوَاقِعَةُ، وَالمُرْسَلاَتُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ».

وَكَانَ بَعْضُ هَذَا البَيَاضِ فِي عَنْفَقَتِهِ [وَالعَنْفَقَةُ: هِيَ الشَّعْرُ النَّابِتُ أَسْفَلَ الشِّفَةِ]، وَهَذَا الشَّيْبُ رُبَّمَا سَتَرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَيْءٍ مِنَ الصُّفَرَةِ.

فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ.

وَكَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرِيضَ الصَّدْرِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ المِنْكَبَيْنِ، مُمْتَلِئًا لَحْمًا، لَيْسَ بِالسَّمِينِ وَلاَ بِالبَخِيلِ.

وَكَانَ فِي أَعْلَى صَدْرِهِ شَعْرٌ، وَمِنْ نَحْرِهِ إِلَى سُرَّتِهِ مِثْلُ الخَيْطِ الأَسْوَدِ شَعْرٌ، وَلَمْ يَكُنْ فِي بَطْنِهِ أَوْ ثَدْيَيْهِ شَعْرٌ.

وَكَانَ صَدْرُهُ وَبَطْنُهُ سَوَاءً، قَالَتْ عَنْهُ أُمُّ مَعْبَدٍ تَصِفُهُ: "لَمْ تَعِبْهُ ثَجْلَةٌ"، وَالثَّجْلَةُ: كِبَرُ البَطْنِ.

"وَكَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِنْ جِهَةِ ظَهْرِهِ عَلامَةُ خَتْمِ النُّبُوَّةِ، وَكَانَتْ مِثْلَ بَيْضَةِ الحَمَامِ"؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَكَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَبْحَ الذِّرَاعَيْنِ؛ أَيْ: عَرِيضَ الذِّرَاعَيْنِ، وَكَانَ فِي ذِرَاعَيْهِ شَعْرٌ.
وَعِنْدَ البَيْهَقِيِّ عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "كَانَ ضَخْمَ الكَرَادِيسِ"؛ أَيْ: ضَخْمَ رُؤُوسِ العِظَامِ.

أَمَّا كَفَّاهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَقَدْ كَانَ ضَخْمَ اليَدَيْنِ، مُمْتَلِئَةً لَحْمًا، غَيْرَ أَنَّهُ مَعَ ضَخَامَتِهَا كَانَتْ نَاعِمَةَ الجِلْدِ، لَيِّنَةَ المَلْمَسِ.

يَقُولُ أَنَسٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ هَذِهِ الكَفِّ الشَّرِيفَةِ: "مَا مَسَسْتُ بِيَدَيَّ دِيبَاجًا وَلاَ حَرِيرًا وَلاَ شَيْئًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"؛ رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَرَوَى البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "خَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالهَاجِرَةِ إِلَى البَطْحَاءِ، وَقَامَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يِدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ، قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ المِسْك".

أَمَّا سَاقُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "فَقَدْ كَانَ فِي سَاقَيْهِ حُمُوشَةٌ"، وَالحُمُوشَةُ: دِقَّةُ السَّاقِ، وَكَانَتْ سَاقُهُ تَتَلَأْلَأُ بَيَاضًا.

وَكَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَثْنَ القَدَمَيْنِ؛ أَيْ: غَلِيظَ أَصَابِعِ القَدَمَيْنِ، وَكَانَتِ العَرَبُ تَمْدَحُ هَذِهِ الخَصْلَةَ فِي الرِّجَالِ وَتَذُمُّهَا فِي النِّسَاءِ، وَكَانَ مَنْهُوسَ الْعَقِبِ؛ أَيْ: قَلِيلَ لَحْمِ العَقِبِ، وَكَانَ إِذَا وَطِئَ بِقَدَمِهِ وَطِئَ بِكُلِّهَا، وَكَانَ وَاسِعَ الخُطَى، خلقه لا تَكُلَّفًا.

يقول أبو هريرة: "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ مِنْهُ، كَأَنَّ الأَرْضَ تُطْوَى لَهُ، إِنَّا لَنَجْتَهِدُ وَإِنَّهُ غَيْرُ مُكْتَرِثٍ".

وَقَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا مَشَى، تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا، كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ"؛ أَيْ: كَأَنَّمَا يَنْزِلُ عَلَى أَرْضٍ مُنْحَدِرَةٍ.

قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: "وَهِيَ مِشْيَةُ أُولِي العَزْمِ وَالهِمَّةِ وَالشَّجَاعَةِ".

أَمَّا قَامَتُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَدْ كَانَ وَسَطًا لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ البَائِن، وَلاَ بِالقَصِيرِ البَائِنِ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "وَكَانَ إِلَى الطُّولِ أَقْرَبَ".

أَمَّا لَوْنُ بَشْرَتِهِ: فَقَدْ كَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، وَهُوَ البَيَاضُ المُشْرَبُ بِحُمْرَةٍ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: "لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ، وَلا بِالآدَمِ".

أَمَّا صَوْتُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "فَقَدْ كَانَ فِي صَوْتِهِ صَهَلٌ؛ أَيْ: حِدَّةٌ وَصَلابَةٌ حَتَّى إِنَّ البَعِيدَ مِنَ المَسْجِدِ لَيَسْمَعُ خُطْبَتَهُ.

وَكَانَ لاَ يَتَكَلَّمُ إِلاَّ قَلِيلاً، وَإِذَا تَكَلَّمَ فَلا تَسَلْ عَنْ فَصَاحَةِ لِسَانِهِ وَعُذُوبَةِ بَيَانِهِ وَجَماَلِ أَدَائِهِ وَحَلاوَةِ مَنْطِقِهِ، كَانَ يَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَاتِ اليَسِيرَةِ، فَيَسْلُبُ الأَرْوَاحَ، وَيَأْسِرُ القُلُوبَ، كَيْفَ لاَ وَقَدْ حَبَاهُ رَبُّهُ تَعَالَى جَوَامِعَ الكَلِمِ، وَاخْتَصَرَ لَهُ الحَدِيثَ اخْتِصَارًا.

وَكَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً مَهِيبًا تُجِلُّهُ النُّفُوسُ، وَتُعَظِّمُهُ العُيُونُ، وَتُخْفَضُ عِنْدَهُ الأَصْوَاتُ، ارْتَاعَتْ رُسُلُ كِسْرَى مِنْ هَيْبَتِهِ حِينَ أَتَوْهُ، مَعَ أَنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَتَعَاظَمْ بِأُبَّهَةٍ، وَلَمْ يَتَطَاوَلْ بِسْطَوِهِ، بَلْ كَانَ بِالتَّوَاضُعِ مَوْصُوفًا، وَبِالسُّهُولَةِ مَعْرُوفًا.

يَقُولُ عَنْهُ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ".

وَكَانَ مَعَ هَيْبَتِهِ يُلاطِفُ أَصْحَابَهُ، وَيُمَازِحُهُمْ، وَكَانَتِ البَسْمَةُ لاَ تُفَارِقُ مُحَيَّاهُ، وَلَمْ يَكُنْ يَضْحَكُ إِلاَّ تَبَسُّمًا، وَإِذَا اشْتَدَّ ضَحِكُهُ بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَالنَّوَاجِذُ أَقْصَى الأَضْرَاسِ.

تَقُولُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ"، وَاللَّهَوَاتُ: جَمْعُ لهَاةٍ، وَهِيَ اللَّحْمَةُ الَّتِي بِأَعْلَى الحَنْجَرَةِ مِنْ أَقْصَى الفَمِ.

وَمِنْ خَصَائِصِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخِلْقِيَّةِ أَنَّهُ كَانَ طَيِّبَ الرَّائِحَةِ، لامَسَ ذَلِكَ كُلُّ مَنْ خَالَطَهُ أَوْ جَالَسَهُ.

يَقُولُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: "مَا شَمَمْتُ رِيحًا قَطُّ مِسْكًا وَلاَ عَنْبَرًا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"؛ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.

قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه: "هَذِهِ الرَّائِحَةُ كَانَتْ رَائِحَةَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَيْرِ طِيبٍ"، قَالَ النَّوَوِيُّ: "وَهَذَا مِمَّا أَكْرَمَهُ اللهُ تَعَالَى بِهِ".

عِبَادِ اللهِ: هَذِهِ بَعْضُ صِفَاتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَطَرَفٌ مِنْ شَمَائِلِهِ الخِلْقِيَّةِ، قَدْ حَوَتِ الجَمَالَ وَالكَمَالَ، فَسُبْحَانَ مَنْ أَبْدَعَ الخَلْقَ وَصَوَّرَهُ، ثُمَّ سَلَّمَهُ لِحَبِيبِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

مُكَحَّلُ الخَلْقِ مَا تُحْصَى خَصَائِصُهُ *** وَكَامِلُ الحُسْنِ قَدْ قَلَّتْ نَظَائِرُهُ

أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ..

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَإِخْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ لِمَعْرِفَةِ شَمَائِلِ المُصْطَفَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخُلُقِيَّةِ وَصِفَاتِهِ الجِسْمِيَّةِ فَوَائِدَ عِدَّةً:

أَوَّلاً: أَنَّ النُّفُوسَ فِي الدُّنْيَا تَهْفُو إِلَى رُؤْيَا مَنْ تُحِبُّ، وَتَشْتَاقُ إِلَى تَصَوُّرِ رَسْمِهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ أَغْلَى فِي قُلُوبِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا وَأَمْوَالِنَا وَمِنْ أَبْنَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا.

وَإِذَا كُنَّا قَدْ حُرِمْنَا رُؤْيَتَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الدُّنْيَا، فَلاَ أَقَلَّ مِنْ أَنْ نُسَلِّيَ أَنْفُسَنَا بِمَعْرِفَةِ وَصْفِ خِلْقَتِهِ.

ثَانِيًا: الرَّدُّ عَلَى الطَّاعِنِينَ فِي مَقَامِ النِّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المُنْتَقِصِينَ مِنْ خِلْقَتِهِ، وَالَّذِينَ وَصَفُوهُ بِأَبْشَعِ الأَوْصَافِ، كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا.

ثَالِثًا: إِنَّ مَعْرِفَةَ جَمِيلِ خَلْقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَمَالِ حُسْنِهِ مِمَّا يَزِيدُ المُؤْمِنَ مَحَبَّةً لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى لَيَرْخُصَ أَمَامَهُ الغَالِي وَالنَّفِيسُ فِي سَبِيلِ تَكْحِيلِ العَيْنِ بِرُؤْيَا وَجْهِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيُدْرِكُ العَبْدُ بِذَلِكَ قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسًا يَكُونُونَ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ"؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.

رَابِعًا: أَنَّ المُسْلِمَ رُبَّمَا رَأَى نَبِيَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَنَامِهِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ، فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي"؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.

فَمَنْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَنَامِهِ بِصِفَاتِهِ الحَقِيقِيَّةِ، فَقَدْ صَدَقَتْ رُؤْيَاهُ..

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ.
 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي