إنَّ أُمَّةً لا يقف أفرادها بين يدي الله في الصلاة لطلب الفضل والخير منه وحده، لَعاجزةٌ أنْ تقف ثابتة في مواقف الخيرِ والوحدة والنصر والقوة؛ لأن هذه كلها من عند الله وحده، فإذا أصلحنا ما بيننا وبين الله، أصلح الله -عز وجل- ما بيننا وبين الناس؛ فأثمرت الصلاة -ولا سيما صلاة الجماعة- من معاني الأُخوَّة والمحبة الشيء الكثير، وكم يجسد وقوف المصلين كالبناء المرصوص من معاني الخوف والرهبة في قلوب الأعداء!.
الحمد لله أمر بالعدل والإحسان، ونهى عن الفحشاء والمنكر والإثم والعدوان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل الصلاة على المؤمنين كتاباً موقوتاً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه، جُعلَتْ قرة عينه في الصلاة، وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين.
أيها المسلمون: الإنسان في خضم معترك الحياة ومكافحة هموم القلق والضجر، والضيق والكدر، يحتاج حاجة ملحة إلى ما ينفس عن مشاعره، ويفرج عن لأوائه ومصائبه، ويبعث في نفسه وقلبه الطمأنية والراحة، فمهما كد وجدَّ فلن يجد ملاذاً غير الله يدعوه، ويأنس به ويرجوه، ويلوذ بحماه، ويعبده، ويلقي بهمومه ويشكو أمره وحوائجه إليه، فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، وهو وحده الذي يُفر منه إليه.
ألا إن أعظم العبادات التي تحقق هذا كله: الصلاة، وكم نحن بحاجة على الدوام أن نتذاكر قيمة الصلاة وقدرها وبرها، وأثرها وأسباب قبولها، والمعوقات دون إقامتها وإتمامها، ولماذا خف أثرها في حياتنا؟.
عباد الله: الصلاة سيما الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- قال جل ثناؤه: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ) [الأنبياء:73]، وبها وصى الأنبياء ووصى الحكماء، قال تعالى: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) [مريم:31]، وقال تعالى: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ) [لقمان:17]، وقال -سبحانه-: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) [مريم:55].
وهي كذلك قرينة الإيمان، وعلامة المؤمنين قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1-2]، وبها يعرف قدر الرجال، قال -تعالى-: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ..) [النور:37].
إنها عهد وميثاق وفرض في كتاب الله، قال -تعالى-: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء:103]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة". وهي ناهية عن الفحشاء والمنكر، قال -عز وجل-: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ) [العنكبوت:45]، وبها عون واستعانة، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) [البقرة:153].
أيها الناس: والصلاة ميراث للتقى أو الفجور، وكاشفة للإيمان أو النفاق، وهي لوحة كاشفة لتفاوت الإرادات والهمم، إنه لا يتكرر في الإسلام مثلها في الليل والنهارن وفي اليقظة وبعد المنام، في الشتاء والصيف، وفي السفر والحضر، والسلم والحرب، والصحة والمرض، وعلى الغني والفقير، والصغير والكبير، والذكر والأنثىن والحر والعبد؛ ومن هنا كانت ميزاناً للإيمان المستمر، والإرادة المتجددة، والهمة العالية.
إن نفراً من المسلمين علت هِممُهم فكانت الصلاة هَمّهم، وتعلقت في المساجد قلوبهم فلا يفقدون في وقت، ولا يتأخرون عن الجماعة، وإذا ما فقدوا علم إخوانهم أنهم مسافرون أو مرضى، إذا حضرتهم الصلاة كان الخشوع وكانت السكينة، وإذا خرجوا من المسجد كان الصدق وحسن الخلق وكان العفاف والتقى آثاراً خلفتها الصلاة فيهم بسبب صدقهم مع الله، وحسن تعاملهم مع خلق الله، أولئك أصحاب القدح المعلى، وأولئك أهل الصلاة حقاً، وأولئك هم المفلحون، وأولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ونفر آخرون يصلون حيناً وينقطعون حيناً تراهم يفترون في حال قيامهم ولكن كثيراً ما يتخلفون عن القضاء إذا ناموا، ونقر الغراب سنة تكاد تكون بارزة فيهم يغيب عنهم الخشوع حال الصلاة ويضعف أثر الصلاة في حياتهم وبالتعامل مع إخوانهم خارج الصلاة، أتلك هي الصلاة التي أمر بها المسلمون؟ أفهكذا تؤدى؟ أفهكذا يؤدى الركن الثاني من أركان الإسلام؟ أما علم أولئك أن أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته؟ أما يخشى أولئك المفرطون في شأن الصلاة والساهون عنها أن يكونوا ممن قال الله -عز وجل- فيهم: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ). [الماعون:4-5].
أيرضى المسلم أن يخرج من صلاته وما كتب له إلا القليل منها: ربعها أو خمسها أو عشرها؟ أو يرضى أن تلف صلاته بثوب خلق ثم يرمى بها، تقول: ضيعك الله لما ضيعتني؟!.
مَن قال إن الصلاة قالب بدون قلب؟ حركات دون خشوع؟ عادة لا عبادة؟ صورة لا حقيقة؟ كلا! إنها رَوح وراحة؛ "أرحنا بها يا بلال"، وهي عروج بالقلب والروح إلى السماء في اليوم والليلة خمس مرات، فضلاً عن النوافل، إنها تسبيح وتكبير وتهليل وتعظيم وتقديس ودعاء ووقوف بين يدي الله، رغبة ورهبة وتلاوة للقرآن وتعظيم للرحمن وانقطاع عن الحياة والخلق، واتصال بالخالق، وقرب من الآخرة. كم تغيب هذه المعاني عن أعداد من المسلمين المصلين، ويغيب معها أثر الصلاة في حياتهم؟.
أما الذين لا يصلون فأولئك لهم شأن آخر وحديث آخر! لا تستغربوا إن بلغ المسلمون من الذل ما بلغوا وهم بعد لم يذلوا لله حقاً في الصلاة، ولا تستغربوا إن كثرت فينا الفواحش والمنكرات فصلاتنا لم تصل إلى مستوى النهي عن الفحشاء والمنكر.
إنَّ أُمَّةً لا يقف أفرادها بين يدي الله في الصلاة لطلب الفضل والخير منه وحده لعاجزة أن تقف ثابتة في مواقف الخير، والوحدة والنصر والقوة؛ لأن هذه كلها من عند الله وحده، فإذا أصلحنا ما بيننا وبين الله أصلح الله -عز وجل- ما بيننا وبين الناس؛ فأثمرت الصلاة -ولا سيما صلاة الجماعة- من معاني الأخوة والمحبة الشيء الكثير، وكم يجسد وقوف المصلين كالبناء المرصوص من معاني الخوف والرهبة في قلوب الأعداء!.
ففي المسجد يعلم الجاهل، ويطعم الجائع، وينصر المظلوم؛ وفيه يعلم العلم، وتبلغ الدعوة، ويتعارف المسلمون ويتآلفون، ويعلم الصبيان آداب المسجد والصلاة، ويحفظون القرآن؛ وفي المسجد يتشاور المسلمون في أمرهم، ويتفقدون حال إخوانهم المنقطعين عن المسجد لسبب أو لآخر.
إن المساجد خير البقاع، وما أحراها بكثرة الجلوس والتذكرة والتلاوة والخلوة والدعاء! لا الكلام في الدنيا واللهو واللغط حتى تحين الصلاة إلى غير ذلك من مهام وأدوار للمساجد التي تضاءلت في هذا الزمن حتى فقدت عدد من المساجد رسالتها العظمى وآثارها التربوية والاجتماعية وأشياء أخرى، وهي مسؤولية مشتركة بين الإمام والمأمومين والأوقاف والدعاة.
يا عبد الله: قِفْ وسائل نفسك: ما قدر الصلاة عندك؟ قل ما شئت وعبْر ما شئت؛ فإن حظك من الإسلام على قدر حظك من الصلاة.
يا مسلم: كيف تؤدي صلاتك؟ قل ما شئت فليس لك من صلاتك إلا ما عقلت.
أيها المصلون: هل تؤدون الصلاة أم تقيمونها؟ والفرق كبير بين الأداء وإقامة الصلاة كما أمر الله ورسوله، ومَن تأمل آيات القرآن وجد أن الأمر بالصلاة يأتي دائماً بأسلوب الإقامة، (أقيموا الصلاة)؛ فالإقامة تعني الإتمام والعناية لا مجرد الأداء.
أيها الراكعون الساجدون: هل تتثاقلون القيام مع الإمام والركوع والسجود والتلاوة إن أطال؟ فدونكم العلاج: وهو الخشوع في الصلاة، وفي محكم التنزيل يقول المولى -عز وجل-: (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة:45-46].
والمعنى: أن الصلاة شاقة إلا على الخاشعين فإنها سهلة عليهم؛ لأن الخشوع وخشية الله ورجاء ما عنده يوجب له فعلها منشرح صدره؛ لترقّبه الثواب، وخشيته من العقاب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا) [مريم:59-60].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.
وبعد: إخوة الإسلام: ثمة أمور تقلل من أجر الصلاة أو تبطلها، وثمة أخطاء في أداء الصلاة ينبغي التنبه لها والتنبيه عليها:
فالطهارة مفتاح الصلاة، وهي شرط عظيم للصلاة، وكم بينها وبين بعض المسلمين من تفاوت إما تفريطاً يؤدي إلى الإخلال بالواجبات في الوضوء ومكملات الطهارة، أو إفراطاً يصل إلى حد الوسوسة المنهي عنها.
وستر العورة شرط من شروط الصلاة، يتهاون نفر من المسلمين في ستر عوراتهم من لبس الثياب الشفافة أو الضيقة والسراويل القصيرة حتى يظهر شيء من العورة وعورة الرجل من السرة إلى الركبة، والمرأة كلها عورة في الصلاة إلا الوجه والكفين، فينبغي للمرأة تغطية سائر بدنها وخصوصاً بطون القدمين والذراعين، فاحفظوا عوراتكم دائماً، وإياكم والتهاون بها في الصلاة مطلقاً!.
وتسوية الصفوف، تلك التي استهان بها بعض المصلين -هداهم الله-، وقد ورد التشديد في ذلك حتى قال -عليه الصلاة والسلام-: "لَتُسَوُّنَّ صفوفكم، أو ليخالفنَّ الله بين وجوهكم" متفق عليه.
والإخلال في شيء من أركان الصلاة، ولا سيما الطمأنينة التي تساهل بها عدد من المصلين، تراه ينقر الصلاة نقر الغراب لا يعقل ما يقول ويقرأ، وأنى لهذا من الطمأنينة الواجبة والخشوع، وهو لب الصلاة؟.
لقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للمسيء صلاته: "ارجع فصل فإنك لم تصل"، وأبصر أحد الصحابة رجلاً لا يطمئن ولا يحسن صلاته فقال: منذ كم وأنت تصلي هذه الصلاة؟ فأجاب الرجل: منذ ستين سنة، فقال له الصحابي: منذ ستين سنة وأنت لم تصل.
فاتقوا الله -عباد الله- في صلاتكم، وهي ليست حملاً تضعونه عن رقابكم؛ ولكنها عبادة ترضون بها ربكم.
ومسابقة الإمام وموافقته بلية يبتلى بها بعض المصلين، وهي من نزغ الشيطان، وإلا فلن يسلم المسابق في النهاية قبل الإمام، قال العلماء: المسابقة تبطل الصلاة، وموافقة الإمام في حال القيام والركوع والسجود ينقص من قدر الصلاة، والسنة بالمتابعة للإمام، فإذا انتهى راكعاً فاركعوا، وإذا اعتدل قائماً فانهضوا، وإذا استوى ساجداً فاسجدوا، وهكذا؛ فإنما جعل الإمام ليؤتم به.
وإياكم وتلاعب الشيطان! قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار؟! أو يجعل الله صورته صورة حمار؟!" متفق عليه.
ومما ينبغي التفطن له في المسجد عدم إيذاء المصلين برائحة مستكرهة كالثوم والبصل وشرب الدخان ونحوها.
وعلى المسلم أن يكون نظيف الملبس، حسن الرائحة، آخذاً بالزينة التي أمره الله بها: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف:31].
كما لا ينبغي إيذاء المصلين بحركة مستفِزَّة، أو سلوكيات غير لائقة.
ألا وإن من بلايا العصر رنين الجوالات، والتي لا تشغل صاحبها وحده؛ بل تشوش على المصلين كلهم، وعلى الرغم من التحذيرات المسموعة والمكتوبة على أبواب المساجد وغيرها إلا أن الظاهرة في المساجد لا تزال مصدر قلق وتشويش على المصلين، فهل تنتهي يا صاحب الجوال إما بالعناية بإغلاقه أو بتركه في البيت حال الصلاة؟!.
ولا بد -يا عباد الله- من العَوْد والتأكيد على رُوْحِ الصلاة ولبها، وهو الخشوع فيها، ألا وإن المؤدين للصلاة كثير! ولكن المقيمين لها قليل بواجباتها وأركانها وسننها، ولا حول ولا قوة إلا بالله!.
ألسنا نرى فئاماً من المصلين يصلون أشباحاً بلا أرواح، وقوالب بلا قلوب، وحركات بلا مشاعر، صلاتهم مرتع للوساوس، وفرصة لإعادة الذكريات والهواجس، يدخل الشيطان على أحدهم من حين يكبّر حتى يسلم، فيصول ويجول بفكره في مجالات الدنيا؛ ولذا تراه يتحرك ويتشاغل، ويستطيل ويتثاقل، ويلتفت بقلبه وبصره إلى حيث يريد.
قلوبهم في كل واد تهيم، وعقولهم في كل مكان تسرح، ولو سألته: ماذا قرأ الإمام؟ لم يجب جواباً؛ بل لربما لو سألته: ماذا قرأت وقلت في صلاتك؟ لتردد في الجواب!.
إن صلاة يتلاعب الشيطان بصاحبها إلى هذا الحد خداج غير تمام، فاللهَ اللهَ في مجاهدة نفسك والشيطان!.
أيها المصلي: ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت، والشيطان -وإن عجز عن صدك في المجيء للمسجد والصلاة مع المسلمين- فسيحاول إفساد صلاتك عليك، فنعوذ بالله منه، فكن مستحضراً قدر الصلاة، وتذكر أن الرجلين يقفان في الصف الواحد وبين صلاتهما كما بين المشرق والمغرب، فكن -عبد الله- المقيم للصلاة، ولا تكتفي بمجرد أدائها، واعلم أن أول ما يحاسب عنه العبد الصلاة، فأعد للسؤال جواباً.
عباد الله: ومع الحرص على صلاة الجماعة في المسجد فلا بد من التفطن ألَّا نجعل البيوت مقابر، فإن البيوت تحيا بالصلاة، أي بصلاة النوافل، وهي في البيت أفضل بشكل عام، ولا سيما سنة المغرب، قال ابن القيم -رحمه الله-: وكان يصلي عامة السنن والتطوعات التي لا سبب لها في بيته، لا سيما سنة المغرب؛ فإنه لم ينقل عنه أنه فعلها في المسجد البتة.
أيها المسلمون: وخلاصة القول: إننا نستطيع من خلال الصلاة المشروعة أن نطهِّر أنفسنا من الفواحش والمنكرات، وأن نتخفف بالصلاة من أوزار طالما أثقلتنا عن الانطلاق إلى الخير في الحياة.
نستطيع بالصلاة المقامة أن ننجح في معركة الشهوات والشبهات، وأن نغالب الشيطان في وساوسه ونزغاته، وحين ننتصر على نزواتنا وأهوائنا والشيطان يصبح الطريق مفتوحاً للنصر على أعدائنا، وحين نقف في الصلاة بين يدي الله متضرعين سائلين والله قريب مجيب الدعاء، وفي الصلاة فرصة كبرى للدعاء، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فهل نلح على الله بالدعاء في صلاتنا بإصلاح أحوالنا والتمكين في الأرض؟ وبين الصلاة والتمكين صلة وثقى، والله -جل وعلا- يقول: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ) [الحج:41].
ألا أيها المتكاسل عن الصلاة! بادر قبل أن يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون، ألا أيها المقصر في الصلاة مع الجماعة! تدارك نفسك؛ فيد الله مع الجماعة، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
أيها المصلون: أطيلوا الركوع والسجود بعد القيام، واخشعوا في صلاتكم، وادعوا ربكم خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريب من المحسنين، ولا تنسوا أن تدعوا بدعائي الخليل: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) [إبراهيم:40].
هذا وصلوا على من أمرتم بالصلاة عليه، اللهم صل على محمد وعلى آله محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الأئمة الخلفاء الأئمة النجباء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى الصحابة والقرابة والتابعين، وعنا معهم بعفوك ومنك وجودك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، واحم حوزة الدين، اللهم وأهلك أعداء الدين، الذين يبغونها عوجاً، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً.
اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم اجعل لهم من كل همّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية.
اللهم وأجِرْهم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم اهدنا واهد بنا، ويسر الهدى لنا.
اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وتتوب علينا، وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي