لقد اعتنى الإسلام باليتيم أيما عناية، واهتم به اهتمامًا عظيمًا كاملاً، اهتمّ باليتيم اهتمامًا عظيمًا كاملاً، فأمر بالإحسان إليه ورعايته؛ قال الله تعالى: (وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِ?لْو?لِدَيْنِ إِحْسَـ?ناً وَبِذِى ?لْقُرْبَى? وَ?لْيَتَـ?مَى? وَ?لْمَسَـ?كِينِ وَ?لْجَارِ ذِى ?لْقُرْبَى? وَ?لْجَارِ ?لْجُنُبِ وَ?لصَّـ?حِبِ بِ?لجَنْبِ وَ?بْنِ ?لسَّبِيلِ)، ومن الإحسان إلى اليتيم كفالته ورعايته والإحسان إليه وتربيته وحفظ ماله وصيانة ماله، هذا من كفالة اليتيم...
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى.
إن الولد نعمةٌ من الله على أبيه: (لْمَالُ وَلْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا) [الكهف:46]، وقال: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَـاوتِ وَلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَن يَشَاء إِنَـاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَـاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) [الشورى:49، 50]، فالولد نعمة من الله على أبيه، والوالد منة من الله على الولد الضعيف في منشئه، يرى في أبيه الحنان والشفقة والمودة والحرص على مصالحه، ولهذا أمر الله الولد بالقيام بحق أبيه، وعظَّم هذا الحق، حتى جعله مقرونًا بحقه: (وَعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِلْولِدَيْنِ إِحْسَـاناً) [النساء:36]. وعندما يفقد الولد أباه، يفقد شيئًا عظيمًا، يفقد ذلك الحنان، يفقد تلكم المودة، يفقد ذلك الحرص على المصالح والمنافع، ففي فقد الأب مصيبة على الولد عظمى، ولذا يسمى هذا يتيمًا. واليتم قدرٌ قدَّره الله قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
وقد اعتنى الإسلام باليتيم أيما عناية، واهتم به اهتمامًا عظيمًا كاملاً، اهتمّ باليتيم اهتمامًا عظيمًا كاملاً، فأمر بالإحسان إليه ورعايته؛ قال الله تعالى: (وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِلْولِدَيْنِ إِحْسَـاناً وَبِذِى الْقُرْبَى وَلْيَتَـامَى وَلْمَسَـاكِينِ وَلْجَارِ ذِى الْقُرْبَى وَلْجَارِ الْجُنُبِ وَلصَّـاحِبِ بِلجَنْبِ وَبْنِ السَّبِيلِ) [النساء:36]، ومن الإحسان إلى اليتيم كفالته ورعايته والإحسان إليه وتربيته وحفظ ماله وصيانة ماله، هذا من كفالة اليتيم، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين". وأشار بالسبابة والوسطى، وفرّج بين أصابعه.
أيها المسلمون: وقد جعل الله الإحسان إلى اليتيم سبيلاً للنجاة من عذابه يوم القيامة، (فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ) [البلد:11-16]، وجعل إهانته سبيل غير المتقين: (كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) [الفجر: 17، 18]، ونهى عن قهر اليتيم وإهانته: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ) [الضحى:9]، وقال: (أَرَءيْتَ الَّذِى يُكَذّبُ بِلدّينِ * فَذَلِكَ الَّذِى يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) [الماعون:1-3]، وأمر تعالى بالإنفاق على اليتيم، وجعل ذلك من وجوه الإنفاق فقال: (يَسْـئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مّنْ خَيْرٍ فَلِلْولِدَيْنِ وَلأقْرَبِينَ وَلْيَتَـامَى وَلْمَسَـاكِينَ وَبْنِ السَّبِيلِ) [البقرة:215]، وقال: (وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ الْيَتَـامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْونُكُمْ وَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) [البقرة:220]، وأمر بحفظ أموال الأيتام، فقال: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) [الأنعام:152]، وأمر باختباره عند دفع ماله إليه؛ حتى يكون الولي على ثقة من أن هذا اليتيم عرف وميّز: (وَبْتَلُواْ الْيَتَـامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ فَإِنْ ءانَسْتُمْ مّنْهُمْ رُشْداً فَدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْولَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ) [النساء:6]، وأخبر أن أكل مال اليتيم سبب للعذاب يوم القيامة، إذًا فهو من كبائر الذنوب؛ يقول الله -جل وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْولَ الْيَتَـامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) [النساء:10]، وفي السبع الموبقات يقول -صلى الله عليه وسلم-: "اجتنبوا السبع الموبقات". قالوا: ما هن يا رسول الله؟! قال: "الإشراك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".
وأمر -جل وعلا- بالإنفاق عليهم، وجعل ذلك من خصال البر والتقوى: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَلْمَغْرِبِ وَلَـاكِنَّ الْبِرَّ مَنْ ءامَنَ بِللَّهِ وَلْيَوْمِ الآخِرِ وَلْمَلَـئِكَةِ وَلْكِتَـابِ وَلنَّبِيّينَ وَءاتَى الْمَالَ عَلَى حُبّهِ ذَوِى الْقُرْبَى وَلْيَتَـامَى وَلْمَسَـاكِينَ) [البقرة:177]، وجعل لهم تعالى سهمًا في فيء المسلمين فقال: (وَعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَىْء فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَلْيَتَـامَى وَلْمَسَـاكِينِ) [الأنفال:41]، وقال -جل وعلا-: (مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَلْيَتَامَى وَلْمَسَـاكِينِ) [الحشر: 7].
أيها المسلمون: إن اليتم ليس عيبًا في الإنسان، وليس يتمُه مسببًا لتأخره، وليس يتمه قاضيًا على نهضته وتقدمه، فكم من يتيم عاش بخير!! ونال ما نال من الخير بفضل الله، فهذا سيد الأولين والآخرين، خير من وطئت قدمه الثرى، يقول الله له مذكرًا نعمه عليه: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى) [الضحى:6-8]، ذلك أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- توفي أبوه عبد الله وهو حمل في بطن أمه، وتوفيت أمه وهو في السابعة من عمره، وتوفي جده وهو في الثامنة من عمره، وكفله عمه أبو طالب، وما زال ينشأ حتى إذا بلغ أشده أوحى الله إليه، وكلفه بهذه الرسالة العظمى، التي أشرقت بها الأرض بعد ظلماتها، وتآلفت القلوب بعد شتاتها، وأنار الله به البصائر، وأخرج به الأمة من الظلمات إلى النور، فصلوات الله وسلامه عليه.
ثم إن الله -جل وعلا- أمره أن يشكر هذه النعم، فيقابلها بالشكر فقال: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدّثْ) [الضحى: 9-11]، فنهاه عن قهر اليتيم وإهانته: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ)، لا تقهر اليتيم، وتذكَّر يتمك مثله، (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ)، فأعطِ السائل وتذكَّر فقرك وإغناء الله لك، (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدّثْ)، تحدث بها شكرًا لله، وثناءً عليه، إن الله يحب من عباده أن يقابلوا نعمه بشكرها والثناء عليه.
أخي المسلم: اذكر قول الله: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرّيَّةً ضِعَـافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً) [النساء:9]، فإذا رأيت أطفالاً أيتامًا فذكِّر نفسك لو كان أولادك مثلهم، ماذا تتمنى لهم؟! إذًا فأحسن إليهم يحسن الله إليك.
إن المجتمع المسلم مطالبٌ بالقيام بهذا الواجب، حتى لا يفقد اليتيم حنان الأب فيجد من إخوانه المسلمين آباءً يعطفون عليه، ويحسنون إليه، ويضمِّدون جراحه، ويمسحون دموعه، ويحسنون إليه، ويجد من المسلمات، من هي تحنّ على اليتيم وتحسن إليه، وتتلطف به، وتكرمه، وتعامله كما تعامل أطفالها، رجاء المثوبة من رب العالمين.
أخي المسلم: تلطف باليتيم، وأحسن إليه، وخاطبه بالقول اللين، وامسح على رأسه، وذكِّره بأن له عوضًا عن أبيه من إخوانه المسلمين.
أخي المسلم: أموال اليتيم عندك أمانة، فإن اتقيت الله فيها كنت من المتقين، وإن ضيّعتها كنت من الخائنين: (وَءاتُواْ الْيَتَـامَى أَمْولَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِلطَّيّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْولَهُمْ إِلَى أَمْولِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً) [النساء: 2].
أخي المسلم: انظر إليه نظرة الرحمة والإحسان، وانظر إليه نظرة الشفقة والرحمة والإحسان، ومحبة الخير له، فذاك قربة تتقرب بها إلى الله.
إن رعاية الأيتام كانت خلقًا لأهل الإسلام، أخذوها من خلق سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه-، قتل جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة وكان وراءه صبية صغار، فجاءت أمه تشكو إلى رسول الله يُتم أطفالها وحالتهم فقال: "أتخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة؟!"، ولما قدم الوفد بعد الغزوة بحث عن أولاد جعفر فأركبهم معه إكرامًا وتضميدًا لجراحهم، صلوات الله وسلامه عليه.
وكانت أم المؤمنين -رضي الله عنها- ترعى أيتامًا تكرمهم وتحسن إليهم، هكذا كانت أخلاق أهل الإسلام، تنافسٌ في الخير، وتعاونٌ على البر والتقوى، وأن يقدموا لآخرتهم عملاً يجدونه أحوج ما يكونون إليه: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا) [آل عمران:30].
إن هذه الخصال لا يعدم صاحبها خيرًا في الدنيا والآخرة، فتلقى الله وفي صحيفة عملِك يتيم أحسنت إليه وواسيته، ومسكين أعنته، فذاك خير لك يوم قدومك على ربك، وأما أن تلقى الله ويتيم أكلت ماله، استوليت على ماله، واستغللت ضعفه وعجزه، فأكلت ماله وضيعت حقه، فمن المخاصم لك؟! إنه رب العالمين، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إني أحرِّج الضعيفين: المرأة واليتيم". أحرِّجُ حقهما؛ لأن المرأة لا تستطيع الدفاع عن نفسها، فربما تسلّط عليها من أكل مالها، استغلالاً لضعفها وعجزها، وكذلك اليتيم، ربما استغل وصيٌّ ماله، فأكله وتلاعب بذلك، ولم يراقب الله في سره وعلانيته، والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
فالمسلم حقًّا من يخاف الله ويتقيه، ويراعي هذه الأمور، يحفظ الأمانة التي ائتمنه الله عليها، ليلقى الله وهو من المتقين الصادقين في أماناتهم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله: من أعظم رعاية اليتيم أن يعلَّم، ويوجّه، ويربّى على الخير والصلاح، ليكون عضوًا صالحًا في مجتمعه، وأن تربى الفتاة على الخير والصيانة، ولذا مُنع تزويج اليتيمة إلا بعد استئذانها، رفقًا بها، وإحسانًا إليها، وأن تُعطى حقها كاملاً من الصداق إن أراد وليها أن يتزوجها، لأجل أن لا يستغل ضعفها لمصلحته.
وجاء في الحديث حثّ المسلم على ملاطفة اليتيم؛ ففي الحديث: "من مسح رأس يتيم بيده جعل الله له بكل شعرة مسحتها يده حسنة"، كل ذلك حثٌّ على الإكرام والإحسان، ونهي عن الظلم والبغي والعدوان، فالمسلمون كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
ولئن كانت رعاية الأيتام قد هُيئِت لها جهات مختصة بها، لكن المجتمع المسلم مأمور بالتعاون على البر والتقوى، والعون على المصالح، وإذا علم المسلم أيتامًا، وعلم حالهم خصّهم بزكاته، وخصهم بصدقته وإحسانه؛ لأن هذا من التعاون على البر والتقوى، والمؤمنون بعضهم أولياء بعض.
واعلموا -رحمكم الله- أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي