اللجوء إلى الله في كل الأحوال

عبد الرحمن بن علي النهابي
عناصر الخطبة
  1. رفعة مقام اللجوء إلى الله تعالى .
  2. التقرب لله تعالى بالعبادة والطاعة .
  3. التقرب لله تعالى بالدعاء والقنوت له .
  4. بعض أحكام وآداب الدعاء والقنوت .

اقتباس

ألا وإن أعظم المقامات التي تزيد في إيمان المسلم وتقوي عقيدته وصلته بالله هو مقام اللجوء إلى الله -سبحانه-، نعم، مقام اللجوء إلى الله الذي يحقق لمن صدق في لجوئه من المسلمين طلبه ورجاءه عاجلاً أو آجلاً، والذي يقول فيه وقوله الحق: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) ..

الحمد لله كاشف الضرِّ والبلوى، وفارج الكربات، ومجيب الدعوات في اللحظات إذا صدق النيات في التضرع والقربى، أحمده – سبحانه – لا يحمد غيره في الضراء والسراء، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، لولا هادي لمن أضل، ولا مضل لمن هدى.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المطلع على مكنون الضمائر وما يخفى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضلُ من تعبد لله ودعى، وأصدق من تضرع إليه والتجأ إليه في البلوى، صلى الله عليه وآله وأصحابنه من دعى بدعوته واهتدى، وسلم تسلميا.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واعتصموا به، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم، واعلموا أن خير مقام يقومه المؤمن في هذه الدنيا أن يهتم دوماً بما يربطه بالله -تعالى-، ويقوي صلته به، وأن يقوم مقاماً مخلصاً لله، موافقاً لما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بالسعي الحثيث إلى الله.

ألا وإن أعظم المقامات التي تزيد في إيمان المسلم وتقوي عقيدته وصلته بالله هو مقام اللجوء إلى الله -سبحانه-، نعم، مقام اللجوء إلى الله الذي يحقق لمن صدق في لجوئه من المسلمين طلبه ورجاءه عاجلاً أو آجلاً، والذي يقول فيه وقوله الحق: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل:62].

وقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر:60]، وقال: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:43].

أيها المسلمون: إن في هذه الآيات القرآنية الكريمة لَأعظم ترغيب، وأصدق وعد، وأخطر وعيد، فيها ترغيب في الاتعاظ بالبأساء والضراء، المصائب والنكبات، واللجوء حالتهما إلى الله، والتضرع بين يديه، فيها إشارة عظمى للسائلين بصدق ويقين، وإنذارٌ صارخ للصادين، والقاسية قلوبهم والمستكبرين، إنذارٌ وتهديد ووعيد بالنار والصَّغار لمن لم يلجئوا إلى الله حالة الحاجة، حالة الشدة والبأس، (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ).

فيها إنذارٌ لمن لم يتضرعوا إلى الله وقت الأزمات، وحلول النكبات، فيها إنذارٌ لمن لم يغيروا حالهم، ولم يفتشوا في أنفسهم لما حلَّ بهم، فيها إنذارٌ لمن استمروا على غيِّهم، وأصروا على عصيانهم، وغفلوا عن خالقهم، قست قلوبهم، وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون.

فاتقوا الله أيها المسلمون، وتقربوا إلى الله بعبادته التي خلقكم لها، وأمركم بها، ومخُّ العبادة ولبابها هو دعاؤه، واللجوء والتضرع إليه بصدق وإخلاص، لجوء وتضرع مع بذل أقوى الأسباب من طاعة الله، وأنجح الوسائل فيما يرضي الله، لجوء وتضرُّع من عمل لطاعة الله على نور من الله، يرجو ثواب الله، لجوء مؤمن بالإجابة، مؤمن بأن الله على كل شيء قدير، وأنه يعلم نيات السائلين، ويسمع لجهات الداعين، فلا يخفى عليه خافية.

فاتقوا الله باللجوء والتضرع إليه ابتداءً، وفي كل نائبة أو نازلة تنزل بكم في مال، أو صحة، أو ولدٍ، أو كارثة، أو مصائب، أو نكبات، وتوسلوا إليه -تعالى- بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، واسألوه ما تحتاجون إليه في أمر دينكم ودنياكم، وإذا دعوتموه فأيقنوا بالإجابة، واحذروا موانع الإجابة وتجنبوها.

ومن ذلك: عدم الإخلاص بالدعاء، وعدم صدق الالتجاء، وأكل الحرام، والإصرار على المعاصي، والدعاء بالإثم أو قطيعة الرحم.

ثم تحرّوا أوقات الإجابة؛ كالأوقات الفاضلة؛ كآخر الليل، ويوم عرفة، وشهر رمضان، ويوم الجمعة، لاسيما بين أن يحضر الإمام إلى أن تقضى الصلاة، وما بين صلاة العصر وغروب الشمس، وكأدبار الصلوات، وبين الأذان والإقامة، وحالة السجود، وحالة نزول الغيث، وحالة رقة القلب وتفرغه وحضوره.

واحذروا أن تهنوا فتكسلوا، أو تقولوا: دعَونا فلم يستجب لنا! فقد روى الإمام أحمد - رحمه الله – عن أنس -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل"، قيل: وكيف يستعجل؟ قال: "يقول: دعوت فلم يستجب لي".

ثم اعلموا -رحمكم الله- أنكم هذه الأيام تعيشون حرباً مشتعلة، وفتنة قائمة بين المسلمين، ونازلة كبرى حلت بديار المسلمين، تستدعي منكم صدق اللجوء على الله، ومعالجة أنفسكم، ومسارعة العودة إلى الله، ومحاسبة أنفسكم، فقوموا لله قانتين، اقنتوا في صلواتكم متضرعين إلى ربكم أن يكشف الله عنكم هذه الغمة، ويهلك من أوقدها، وأشعل نارها.

ثم اعلموا أن القنوت قد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فرائض الصلاة إذا حلت نازلة بالمسلمين، فقد قنت -صلى الله عليه وسلم- حين قتل القرَّاءُ من أصحابه، وقنت في كل نازلة، فإذا زالت وانفرجت ترك القنوت.

واعلموا أن القنوت يكون في الصلوات كلها، ومن العلماء من جعله في الصلوات الجهرية، ومنهم من جعلة في صلاة الصبح، والكل جائز عند وجود سبب القنوت.

وأما دعاء القنوت في النوازل فليس هو دعاء القنوت في الوتر، وإنما يدعى بما يناسب تلك النازلة، وأما محلُّه من الصلاة فيكون بعد الركوع من الركعة الأخيرة، ولا بأس بالقنوت منفرداً إذا فاتته صلاة فريضة، ولا بأس به للمرأة؛ لأنه دعاء، وأفضله ما كان في صلاة.

واعلموا أن الدعاء هو السلاح الفعال في يد كلِّ المسلمين، سواء على الجبهة في القتال، أو غير مقاتلين، فاستعملوا سلاحكم، وقووا سهامه بالإخلاص واليقين تحصل به الإصابة.

وفقني الله وإياكم إلى الإخلاص في الدعاء، وصدق التضرع والالتجاء، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي