ما كان المسجدُ في فجرِ الإسلامِ إلا جامعةً شعبيةً للتثقيفِ والتهذيبِ، وبرلمانًا للتشاورِ والتفاهمِ، ومجمعًا للتعارفِ والتحابِ، ومعهدًا للتربيةِ العلميةِ الأساسية. وأي جامعةٍ شعبيةٍ كالمسجد تسعُ الجميعَ في رحابها في الليل والنهار، والصيف والشتاء، ولا تردُ طالبًا شيخًا كان أو صبيًّا؟! أي جامعة كهذه تعلم قواعدَ العقائدِ، وفرائضَ العباداتِ ومكارمَ الأخلاقِ، ومحاسنَ الآدابِ، وطرائقَ المعاملاتِ، وتعقدُ فيها للعلم حلقات تغشاها الرحمةُ، وتنزل عليها السكينةُ، وتحفها الملائكةُ؟!
الحمد لله ...
بين الحينِ والحين يَشقُ حجابَ الصمتِ السائدِ في القرى، أو يغالبُ دويَ الضجيجِ السائدِ في المدن. صوتٌ جهيٌر رتيبٌ، واضحُ الكلمات، حادُ النبرات.
إنه ليس صوتُ ناقوسٍ مبهمٍ مجردٌ من المعنى ولا صوتُ جرسٍ يداعبُ العاطفة.
إنه صوتٌ يناشدُ العاطفةَ والقلبَ معًا.
إنهُ هتافٌ يعيدُ إلى الأذهانِ والمشاعرِ الوعيَ بأزكى ما في الحياة من حقائق.
إنه يزيحُ الذهولَ المسيطرُ واللغوبَ المكدرُ ويقتحمُ على المرءِ أسوارَ مطالبِ الدنيا التي احتجبَ وراءها.
إنه الهتافُ المؤثرُ بقوةِ عباراتِه، وطريقةِ إلقائه، ونصاعة معانيه.
إنه صوتُ المؤذن يقول للناس أجمعين: الله أكبر الله أكبر...
نداء تنطلق به حناجرُ المؤذنين من فوقِ مآذنهم ليقول للمسلمين: كفوا عن الحركة، وألقوا ما في أيديكم من أعمال، ليخاطبَ المؤمنَ قائلا له: لا تنشغل بغير الصلاة. ليقول للمؤمن الله أكبر من كل كبير وأعظم من كل عظيم.
ليخرجَ المسلمُ عند أذانِ الفجرِ تصافحُهُ أساريرُ الصباحِ وتعانقُهُ خيوطُ النورِ الأولى ليؤدي الصلاةَ جماعةً مع المسلمين.
فالصلاةُ الإسلاميةُ، تربيةٌ اجتماعيةٌ رشيدةٌ، ومدرسةٌ إنسانيةٌ عالميةٌ على نسق فريد في تاريخ الأديان والعبادات
فالإسلام لم يكتف من المسلم أن يؤدي الصلاةَ وحدهُ في عزلةٍ عن المجتمع الذي يحيا فيه ولكنه دعاه دعوةً قويةً إلى أدائها في جماعةٍ وبخاصةٍ في المسجد وهمَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحرق على قومٍ بيوتَهم لأنهم يتخلفون عن الجماعات، فإن لم تكن هذه الجماعة واجبًا فهي أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة في نظر الإسلام.
إن صلاة الجماعة إثباتٌ للهوية الإسلامية يوم القيامة عند لقاء الله تعالى. روى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله تعلى شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم".
ولأهمية صلاة الجماعة حرص الإسلام على إقامتها ولو في أثناء الحرب فشرع صلاةَ الخوفِ وهي صلاةٌ خاصةٌ بالحرب والمعارك تؤدى خلف إمام واحد على مرحلتين كل هذا مع لبس السلاح وأخذ الحذر ولم هذا كله لئلا يفوتَ أحدٌ من المجاهدين فضلَ الجماعة التي يحرص عليها الإسلام (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) [النساء: 102].
ويا للمعاني الرائعة التي تمثلها صلاة الجماعة ففي هذا الاجتماع اليومي تعليمٌ وتوجيه، وموعظةٌ وتذكيرٌ، وتجديدٌ للبيعةِ، وإحياءٌ لعاطفةِ الأخوةِ، وتركيزٌ للوحدةِ، وإظهار للقوةِ.
وفي الجماعة نوع من التربية النظامية التي قوامها الطاعة والنظام.
وهل رأيت نظامًا أكملُ وأجملُ من صفوف الجماعة وقد وقفت مستقيمةً فلا عوجَ، متلاصقةً فلا فرجةَ، المنكب إلى المنكب، والقدم إلى القدم، ينذرهم إمامهم بأن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج، ويعلُمهم أن تسويةَ الصفوفِ من إقامة الصلاة وتمامُها، ويحدثهم عن نبيهم «أن سدوا الفُرجَ وسووا الصفوفَ، ولا تختلفوا فتختلفَ قلوبُكم، فإذا كبرَ الإمامُ فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا وإذا ركعَ فاركعوا».
ومن خرج عن هذا النظامِ فكأنما خرج عن الإنسانية يقول صلى الله عليه وسلم: «ألا يخشى إذا ركعَ أحدُكم أو سجدَ قبلَ الإمام أن يمسخ الله رأسَهُ رأسَ حمارٍ».
ولا يفسد هذا النظام إلا جنديٌ من جنود إبليس فهو الذي يسره الفوضى ويسوؤه النظام قال صلى الله عليه وسلم: «الذي يركعُ ويسجدُ قبلَ الإمامِ إنما ناصيُتُه بيدِ شيطان».
وبأداء صلاة الجماعة في المسجد خمسَ مراتٍ في اليوم أصبح للمسجد مكانةٌ هامةٌ في الإسلام وفي حياة المسلمين فليس هو ديرٌ للرهبنة، ولا زاويةٌ للمتعطلين ولا تكيةٌ للدراويش. بل هو مدرسة تلقن العلم والعمل، وتطهر الروح والبدن، وتبصَّر بالغاية والوسيلة، وتعرف الحق والواجب، وتعنى بالتربية قبل التعليم، وبالتطبيق قبل النظريات، وبتهذيب النفوس قبل حشو الرؤوس.
وما كان المسجدُ في فجرِ الإسلامِ إلا جامعةً شعبيةً للتثقيفِ والتهذيبِ، وبرلمانًا للتشاورِ والتفاهمِ، ومجمعًا للتعارفِ والتحابِ، ومعهدًا للتربيةِ العلميةِ الأساسية.
وأي جامعةٍ شعبيةٍ كالمسجد تسعُ الجميعَ في رحابها في الليل والنهار، والصيف والشتاء، ولا تردُ طالبًا شيخًا كان أو صبيًّا؟!
أي جامعة كهذه تعلم قواعدَ العقائدِ، وفرائضَ العباداتِ ومكارمَ الأخلاقِ، ومحاسنَ الآدابِ، وطرائقَ المعاملاتِ، وتعقدُ فيها للعلم حلقات تغشاها الرحمةُ، وتنزل عليها السكينةُ، وتحفها الملائكةُ؟!
وأي برلمانٍ كهذا المسجدِ ونوابُه هم (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ) [التوبة: 112].
وأي مجمعٍ أو مؤتمرٍ كالمسجد يجتمع فيه خلاصةُ أهل الحي في كل صلاةٍ وصفوةُ البلد في كل جمعةٍ فإن الإسلامَ قد دعا أبناءه إلى الجماعة ليتعارفوا فلا يتناكروا، ويتقاربوا فلا يتباعدوا، ويتحابوا فلا يتباغضوا، ويتصافوا فلا يتناجشوا.
وإن شئت فقل هو هيئة لإثبات الشخصية الإسلامية الإيمانية فمن علامات الإيمان أن يغشى المؤمنُ بيوتَ اللهِ عند كل صلاة فقد الله تعالى (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة: 18].
وإن شئت فقل هو حقل تطبق في ساحته تعاليمُ الدينِ النظريةِ وتوضعُ مبادِئُه الإنسانيةُ موضعَ التنفيذِ.
فقد كان من مزايا هذا الدينُ الخالدُ أنه لم يجعل مبادئَه فكرةً مجردةً في الرأس أو كلمةً تجري على اللسان، ولكنه ربطها بحياةِ المسلم ونظامِه اليومي ربطًا لا ينفك عنه.
فالحريةُ والإخاءُ والمساواةُ التي جاءَ بها الإسلامُ قبل الثورةِ الفرنسيةِ باثني عشرَ قرنًا تراها في المسجد حقائقَ عمليةً وأعمالاً حقيقيةً تعلنُ نفسَها بلا صوتٍ ولا حرفٍ ولا ضجيجٍ. فتأمل!!
أما الحريةُ فأي حريةٍ اعزُ من حريةِ المصلي في المسجدِ وهو طليقٌ من كلِ عبوديةٍ إلا عبوديةَ الله له وحدَهُ يسجدُ ويركعُ، ولوجهِهِ وحدَهُ يذلُ ويخشعُ. أما البشر مهما تعاظموا فهم عبيدٌ مثلُه لا سلطانَ لهم عليه (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) [الجن: 18].
وأما الإخاء فحسبك أن المسجدَ يضمُ أهلَ الحي في كلِ يومٍ خمسَ مراتِ تتلاصقُ فيها الأبدانُ، وتتعارفُ فيها الوجوهُ، وتتصافحُ فيها الأيدي، وتتناجى فيها الألسن، وتتآلف فيها القلوبُ، ويلتقون على وحدة الغاية والوسيلة وأي وحدة ابلغ وأعمق من وحدة المصلين في الجماعة يصلون خلف رجل واحد هو (الإمام) ويناجون ربًّا واحدا هو (الله) ويتلون كتابًا واحد هو (القرآن) ويتجهون إلى قبلة واحدة هي (الكعبة) ويؤدون أعمالاً واحدةً من قيامٍ وقعودٍ وركوعٍ وسجود.
وحدةٌ نفذت إلى اللباب ولم تكتف بالقشور، وحدةٌ في النظرةِ والفكرةِ، وحدةٌ في الغايةِ والوجهةِ، وحدةٌ في القولِ والعملِ، وحدةٌ في المخبِر والمظهرِ، وحدةٌ يشعرون فيها بروحِ الآيةِ الكريمة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10] .
وأي صورةٍ أروعُ من المسجدِ النبوي في المدينة وقد ضمَ في حناياه أجناسًا شتى من غير العرب من روميٍ كصهيبٍ وفارسيٍ كسلمان وحبشي كبلال كما ضمَ قبائلَ متباينةً من العرب من قحطانيين كالأنصار وعدنانيين كالمهاجرين.
فكان المسجدُ مدرسةً فتحت أبوابَها لمختلفي الأجناس من عرب وعجم، ومختلف الألوان من سود وبيض، ومختلفي الطبقات من أغنياء وفقراء، ومختلفي الأعمار من شيوخ وشبان.
وأما المساواة فأي مساواةٍ أوضحُ من تلكَ التي نراها في الصفوفِ المتراصةِ في المسجدِ؟ الأميرُ إلى جانبِ الخفيرِ والغنيُ بجوارِ الفقيرِ والسيدُ ملاصقٌ للخادمِ والعالمُ الفيلسوفُ وعن يمينهِ عاملٌ وعن شمالهِ فلاحٌ.
فليس في المسجدِ لائحةٌ تخصصُ الصفَ الأولَ للوزراءِ والصفَ الثاني للنوابِ والثالثَ لموظفي الدرجةِ الأولى، وإنما الجميعُ سواسيةً كأسنانِ المشطِ الواحدِ فمن بكرَ في الذهابِ إلى المسجدِ احتلَ مكانتَهُ في مقدمةِ الصفوفِ أيًا كانت منزلتُه وعملُه في الناس.
يقول الدكتور محمد إقبال: "إن اختيار قبلةً واحدةً لصلاة المسلمين أريدَ بهِ أن يكفلَ وحدةَ الشعورِ للجماعةِ، وهيئتِها على العمومِ تحققُ الإحساس بالمساواةِ الاجتماعيةِ وتقوي أواصرهُ بقدرِ ما تتجهُ إلى القضاءِ على الشعورِ بالطبقاتِ أو تفوقُ جنسٍ من المتعبدين على آخر".
وعلى هذا فإن صلاةَ الجماعةِ في الإسلامِ إلى جانبِ ما لها من قيمةٍ فكريةٍ تشيرُ إلى الأملِ في تحقيقِ الوحدةِ الضروريةِ للبشرِ كحقيقةٍ من حقائقِ الحياةِ وذلكَ بالقضاءِ على جميعِ الفوارقِ التي ميزت بين إنسانٍ وآخر.
وإنها لنعمةٌ كبرى منَّ بها الله علينا أيها الإخوة أن يكون بإمكاننا التمتعُ خمسَ مراتٍ يوميًا بجوٍ من السلامِ التامِ في المسجدِ وسطَ عالمٍ يسودُهُ الصراعُ والقتالُ وبجوٍ من المحبة في وسطَ معمعة الأحقادِ والتنابذاتِ والخصوماتِ الممتلئةُ بها الحياةُ اليومية. وأنت تعيش في رحاب (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [النور: 36- 38].
الحمد لله ..
ولكي يطمئن قلبك أنك مميز بصلاة الجماعة بين الأمم فتطمئنَ وتسارعَ إليها دعني قبل أن أغادر المنبر أروي لك بعضًا مما قاله رجالات الغرب الذين لم يملكِ الكثيرُ منهم أنفسَهم من الإعجابِ بالصلاةِ الإسلاميةِ وتأثيرِها العميقُ في النفسِ البشريةِ وبخاصةٍ صلاةِ الجماعةِ التي تميز بها الإسلام والتي توحي بأسمى المبادئ الإنسانية والاجتماعية التي لم يعرفها غير المسلمين إلا في عصر قريب.
من ذلك ما قاله الفيلسوف الفرنسي رينان: "إنني لم ادخل مسجدًا من مساجدَ المسلمين من غير أن اهتزَ خاشعًا وان اشعر بشيء من الحسرةِ على أني لست مسلمًا".
وما قاله البروفيسور توماس عن الصلاة حين قال: "هذا الفرضُ المنظمُ من عبادةِ اللهِ هو أعظمُ ما يميزُ المسلمينَ عن غيرِهم في حياتهم الدينية فكثيرًا ما لاحظ السائحون وغيرُهم في بلادِ الشرقِ ما لكيفيةِ أدائِهِ من تأثيرٍ على النفوس".
ويقول مواصلاً حديثَهُ: "إنه لا يتأتى لأحدٍ يكونُ قد رأى مرةً في حياتِه ما يقربُ من خمسةَ عشرَ ألف مصلٍ في وسطِ المسجدِ الجامعِ في [دلهي] بالهندِ يومَ الجمعةِ الأخيرةِ من شهرِ الصيامِ وكلُهم مستغرقون في صلاتِهم وقد بدت عليِهم أكبرُ شعائرُ التعظيمِ والخشيةِ في كلِ حركةٍ من حركاتِهم، نقول انه لا يتأتى لا حدٍ قد رأى ذلكَ المشهدَ إلا يبلغُ به أعماقُ قلبِه وإلا يلحظُ ببصرهِ القوةَ التي تمتازُ بها هذهِ الطريقةِ من العبادةِ عن غيرِها".
ألا فطيبوا -أيها المسلمون- نفسا وطاب ممشاكم إلى المساجد وتبوأتم من الجنة منزلاً طيبوا نفسًا بصلاتِكم التي تجتمعون فيها كلَ يومٍ خمس مراتٍ فهذه شهادات الغرب لكم فحق لكم أن تفاخروا بهذه الشعيرةِ العظيمةِ وان تحافظوا عليها وتتمسكوا بها فهي من اكبرِ الشعائرِ التي تتميزون بها عن غيركم وبها تحققون التميز الإسلامي.
وقد أعجبت مشاهد المصلين في المسجد الحرام في شهر رمضان امرأةً بريطانيةً دفعها الإعجابُ وهي ترى المصلينَ عبرَ شاشةِ التلفازِ يركعون ويسجدون ويقومون في وقتٍ واحدٍ أن ذهبت إلى المركزِ الإسلاميِ في بريطانيا لتسأل عما يفعل هؤلاء فقيل لها: إنهم يؤدون الصلاة جماعة خلف أمام واحد فأعلنت إسلامها لما أصابها من الدهشة والإعجاب وهي تشعر بروعة الإسلام وعظمته ونظامه وتنظيمه.
وبعد هذا كله لا تستغرب إن رأيت أقواما يكتفون بأداء الصلاة في بيوتهم كيف يعيشون في عزلة عن المجتمع بعيدين عن روح الأخوة والاجتماع قد أصيبوا بانفصامٍ في الشخصيةِ وانطواءٍ على الذاتِ، وسيطرت عليهم الهواجسُ النفسية لما يعيشونه من انقطاعٍ عن المجتمع وبعدٍ عن التراحم والصلة لا يشعرون بأحدٍ ولا يشعر بهم أحدٌ لأنهم ما عرفوا الصلاة إلا فرادى بدعوى أنها ليست واجبة وما عرفوا قيمتها وأهدافها التي شرعت لأجلها وما عرفوا أن محمدًا صلى الله عليه وسلم ما ترك الصلاة جماعة حتى في المرض الذي مات فيه...
لا بد من صنع الرجال *** ومثله صنع السلاح
وصناعة الأبطال *** علم في التراث له اتضاح
لا يصنع الأبطال إلا *** في مساجدنا الفساح
في روضة القرآن في *** ظل الأحاديث الصحاح
قوم بغير عقيدة *** ورق يذريه الرياح
من خان حي على الصلاة *** يخون حي على الكفاح
نسأل الله الهداية والتوفيق..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي