فاعدِل وإن أبغَضتَ، وأنصِف وإن سخِطتَ، ولا تكن ممن إذا غابَ عابَ، وإذا حضَرَ اغتابَ، وأكثرَ السِّبَابَ، واشتدَّ في العِتاب. والجميلُ المُصانُ من أصلحَ من لسانه، وأقصرَ من عَنانه، وألزَمَ طريقَ الحقِّ مِقوَلَه، ولم يُعوِّدِ الخَطَلَ مِفصَلَه، ولم يحمِلْه البُغضُ على الكذبِ والافتِراء، ولم يدفَعه السُّخطُ على البُهتان والاعتِداء ..
الحمد لله، الحمد لله بارئ النَّسَم، ومُحيِي الرِّمَم، ومُجزِل القِسَم، أحمده حمدًا يُوافِي ما تزايَد من النعم، وأشكره على ما أولَى من الفضل والكرم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تعصِمُ من الفتنِ وتدفعُ النقَم، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمةً للعالمين من عُربٍ وعجَم، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً تبقى وسلامًا يترَى إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اتقوا الله؛ فقد نجا من اتَّقَى، وضلَّ من قادَه الهوَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها المسلمون: كلامُ المرء يُترجِمُ عن مجهولِه، ويُبرهِنُ عن محصولِه، واللسانُ معيارٌ أطاشَه الجهلُ، وأرجحَه العقلُ، وآفةُ القولِ: تركُ العدلِ.
ولَلصَّمتُ خيرٌ من كلامٍ بمأثَمٍ *** فكُن صامِتًا تسلَم وإن قلتَ فاعدِلِ
(وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) [الأنعام: 152]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة: 8].
فاعدِل وإن أبغَضتَ، وأنصِف وإن سخِطتَ، ولا تكن ممن إذا غابَ عابَ، وإذا حضَرَ اغتابَ، وأكثرَ السِّبَابَ، واشتدَّ في العِتاب.
والجميلُ المُصانُ من أصلحَ من لسانه، وأقصرَ من عَنانه، وألزَمَ طريقَ الحقِّ مِقوَلَه، ولم يُعوِّدِ الخَطَلَ مِفصَلَه، ولم يحمِلْه البُغضُ على الكذبِ والافتِراء، ولم يدفَعه السُّخطُ على البُهتان والاعتِداء.
أيها المُسلمون: والاستِطالةُ لسانُ الجهالة، والبُهتانُ ملاذُ السُّفهاء، والتشفِّي بالكذبِ دأْبُ الفَسَقة، والإساءةُ بالتُّهَم المُفتَعَلة والقوادِحِ المُخترَعَة سبيل أهلِ الفُجُورِ، ومن انقادَ للطبعِ اللئيمِ، وغلبَ عليه الخُلُقُ الذَّميم استطالَ في أعراضِ مُناوِئيهِ، واستباحَ الكذِبَ والزُّورَ لإقصاءِ مُنافِسِيهِ، وتصغيرِ أقرانِهِ ومُخالفِيه، ووسَمَ عدوُّهَ بقبائحَ يخترِعُها عليه، وفضائحَ ينسِبُها إليه، وربما سلَّطَ عليه من يُشهِرُ سيفَ القدحِ والقَذْعِ والنَّقدِ ضدَّه، لا يستشعِرُ إقساطًا، ولا يتَّقِي إشطاطًا.
أيها المسلمون: ومن لاحَ غدرُه، وظهرَ مكرُه، أجزلَ المدحَ لمُقرِّبِه ومُعطِيه، وأسدلَ السترَ على مقابِحِه ومساوِيه، فإذا انقطَعَ العطاءُ انقطَعَ الوفاءُ؛ فانقَلَبَ المدحُ قدحًا، والسترُ فضحًا، والثناءُ طعنًا، والدعاءُ لعنًا: (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ) [التوبة: 58].
أيها المسلمون: ويكثُرُ القدحُ بين الأقرانِ والنُّظَراء الذين تجمعُهم وظيفةٌ، أو مهنةٌ، أو صنعةٌ، أو دائرةٌ، فيتغايَرون، ويتحاسَدون، ويستطيلُ بعضُهم في عِرضِ بعضٍ بالذمِّ والسبِّ والتشويهِ والتحقيرِ والتصغيرِ لأدنى خلافٍ أو نزاعٍ، ولا يسلَمُ من ذلك إلا من حجَبَتْه التقوى، ومنعَه العقلُ.
وكلامُ الأقرانِ بعضُهم في بعضٍ يُطوَى ولا يُروَى، ويُدفَنُ ولا يُنشَر؛ لأنه يصدُرُ في حال الغضبِ والحسَدِ، وتحمِلُ عليه العداوةُ والمُنافَسةُ، وتُذكِيه الوحشةُ والغَيرةُ، وتدخُلُه المُبالغةُ والزيادة، والكذبُ والافتراءُ والكَيد.
قال ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-: "واللهِ لقد تجاوَزَ الناسُ الحدَّ في الغِيبةِ والذمِّ، فلم يقنَعوا بذمِّ العامَّة دون الخاصَّة، ولا بذمِّ الجُهَّال دون العُلماء، وهذا كلُّه يحمِلُ عليه الجهلُ والحسَدُ".
وقال الإمام الذهبيُّ -رحمه الله تعالى-: "كلامُ الأقرانِ بعضُهم في بعضٍ لا يُؤبَهُ به، لاسيَّما إذا لاحَ لك أنه لعداوةٍ أو لمذهبٍ أو لحسدٍ، وما ينجُو منه إلا من عصَمَه الله".
وقال -رحمه الله تعالى-: "فلا يُعتدُّ غالبًا بكلامِ الأقرانِ لاسيَّما إذا كانت بينهما مُنافَسَة".
فالحَذَرَ الحَذَرَ من مسلَكٍ وخيمٍ يُذِلُّ القدَم، ويُورِثُ النَّدَم، والحَذَرَ الحَذَرَ -يا عباد الله- من الانشغالِ بنشرِ المعايِبِ، وإظهارِ المثالِبِ، وتتبُّع العَثَراتِ والسَّقَطات، والكذبِ على الناسِ وذمِّهم، وتشويهِ سُمعتِهم لأجل حُظوظ النفسِ الأمَّارةِ بالسُّوءِ.
وترفَّعُوا عن إساءةِ الظنِّ، والتمِسُوا المعاذِيرَ، واعفُوا عن الإساءة والتقصير، ولا يُضِلَّنَّكم الشيطانُ؛ إنه عدوٌّ مُضِلٌّ مُبينٌ.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه؛ إنه كان للأوابين غفورًا.
الحمد لله بارئ البريَّات، عالمِ الخفيَّات، أحمده حمدًا بالغًا أمد التمام ومُنتهاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معبود بحقٍّ سواه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله وصفيُّه ونجِيُّه ومُرتضاه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه خلفاء الدين وحُلفاء اليقين، صلاةً وسلامًا دائمَيْن ممتدَّيْن إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
أيها المسلمون: لا يردَعُ السَّفيهَ إلا الحِلْمُ، ولا يرُدُّ الجاهِلَ إلا السكوتُ، وإذا سكتَّ عن الجاهلِ فقد أوسعتَه جوابًا، وأوجعتَه عِقابًا، ولا راحةَ إلا في العفوِ والإغضاءِ، وقد قيل: "في إغضائِك راحةُ أعضائِك".
ويقول الأحنفُ بن قيسٍ: "ما عاداني أحدٌ قطُّ إلا أخذتُ في أمره بإحدى ثلاثِ خِصالٍ: إن كان أعلى منِّي عرفتُ له قدرَه، وإن كان دُوني رفعتُ قدرِي عنه، وإن كان نظيرِي تفضَّلتُ عليه".
فاعفُوا واصفَحوا، وتذكَّروا ثوابَ العفو، وجزاءَ الصفحِ، وعاقبةَ الحِلْمِ، وحاذِروا ما يُبدِّدُ شملَكم، أو يُفرِّقُ جماعتَكم.
وصلُّوا وسلِّموا على الهادي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
للخلقِ أُرسِل رحمةً ورحيمًا *** صلُّوا عليه وسلِّموا تسليمًا
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة أصحاب السنَّة المُتَّبَعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآل والصحابة أجمعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وفضلِك وجُودِك وإحسانِك يا أرحمَ الراحِمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المُسلمين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتَنا وُولاةَ أمورِنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين ووليَّ عهده يا رب العالمين.
اللهم كُن لإخواننا في سُوريا ناصرًا ومُعينًا، ومُؤيِّدًا وظهيرًا.
اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين، اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين، اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين، ألفافِ البدعةِ والضلالةِ، وأعلامِ الخُرافةِ والدَّجَل والخِيانة، اللهم فُلَّ جيوشَهم، ودُكَّ عروشَهم، ودمِّرهم تدميرًا، ولا تجعل لهم في الأرض وليًّا ولا نصيرًا.
اللهم عجِّل بالفرَج، اللهم عجِّل بالفرَج، اللهم عجِّل بالفرَج والنصر لإخواننا يا رب العالمين، اللهم طالَ ظُلمُهم، وعظُم قتلُهم، واشتدَّ كربُهم وحِصارُهم، وانقطَعَ من الخلقِ رجاؤُهم، اللهم لا رجاءَ إلا فيك يا ربَّ العالمين، فانتصِر لهم على عدوِّهم وعدوِّك يا رب العالمين.
اللهم عليك باليهود الغاصبين، الصهاينة الغادِرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجِزونك.
اللهم طهِّر المسجد الأقصَى من رِجسِ يهود، اللهم طهِّر المسجد الأقصَى من رِجسِ يهود، اللهم انصر إخواننا في فلسطين عليهم يا رب العالمين.
اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وارحَم موتانا، وفُكَّ أسرانا، وانصُرنا على مَن عادانا يا رب العالمين.
اللهم وفِّق أبناءَنا الطُلاَّب وبناتِنا الطالبات في حياتهم ودِراستِهم، اللهم ذلِّل لهم الصِّعابَ ووفِّقهم للصوابِ، وألهِمهم حُسنَ الجواب، واكتُب لهم النجاحَ والفلاحَ، واجعل الامتِحاناتِ بردًا وسلامًا عليهم يا رب العالمين.
اللهم وقِهِم شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار، وشرَّ طوارِقِ الليل والنهار، يا عزيزُ يا غفَّار.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُركم، واشكُروه على نِعَمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبرُ، والله يعلمُ ما تصنَعون.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي