الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

صالح بن فوزان الفوزان
عناصر الخطبة
  1. من أعظم صفات المؤمنين .
  2. فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفضائله .
  3. معنى المعروف و المنكر .
  4. حالات إنكار المنكر .
  5. التلاوم والتواكل .
  6. معنى الآية ( عليكم أنفسكم ) . .
اهداف الخطبة
  1. بيان أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفضله
  2. ذكر بعض الأحكام المتعلقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

اقتباس

المعروف اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الإيمان والأعمال الصالحة، وهو كل فعل يعرف بالعقل والشرع حسنه، والمنكر اسم جامع لكل ما يكرهه الله وينهى عنه، وهو كل فعل حرمه الشرع وكرهه واستقبحته العقول الصحيحة.

الحمد لله على فضله وإحسانه، جعل هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يؤتي فضله من يشاء (وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [البقرة:105]  وأشهد أن محمداً عبده ورسوله حث أمته على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما في ذلك من الخير العظيم، والنفع العميم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم صفات المؤمنين، وتركهما من أكبر صفات المنافقين –قال الله تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) [التوبة:67]  وقال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:71]   (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ *الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [الحج:40-41].

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم أسباب النجاة من العذاب، قال الله تعالى عن بني إسرائيل: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) [الأعراف:165] وقال تعالى: (فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ) [هود:116] وفوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفضائله العاجلة والآجلة كثيرة جداً.

عباد الله: والمعروف اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الإيمان والأعمال الصالحة، وهو كل فعل يعرف بالعقل والشرع حسنه، والمنكر اسم جامع لكل ما يكرهه الله وينهى عنه، وهو كل فعل حرمه الشرع وكرهه واستقبحته العقول الصحيحة، ويجب على المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حسب استطاعته ومقدرته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فيغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"

فدل هذا الحديث على أنه يجب على المسلم إنكار المنكر بكل حال ولا يجوز له الرضى به والتعاطف مع فاعله، فإن كان المنكر من ذوي السلطة غير المنكر بيده وإزاله وأدب العاصي بما يناسب، وذوو السلطة هم ولاة الأمور ونوابهم فيهم مسؤولون عمن تحت ولايتهم، وصاحب البيت له سلطة على من في بيته من أولاده ونسائه يستطيع أن يغير المنكر الذي يحصل في بيته بيده –قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع" وقال الله تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) [طه:132]

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم:6]  وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" فيجب على صاحب البيت أن يأمر من تحت يده بطاعة الله ويلزمهم بأداء الواجبات وترك المنكرات  ومن لم تكن له سلطة ولا قدرة على إزالة المنكر بيده، وجب عليه أن ينكره بلسانه بأن ينهي العاصي ويخوفه عقاب الله، ويبين له حرمة الفعل الذي ارتكبه، فإن لم تجد فيه النصيحة وجب عليه رفع أمره إلى ولاة الأمور لإزالة منكره باليد والقضاء عليه بالسلطة. فإذا لم يكن للإنسان سلطة يزيل بها المنكر باليد ولا يقدر على إنكار المنكر بلسانه وجب عليه أن ينكره بقلبه، فإنكار القلب لا بد منه، فمن لم ينكر قلبه المنكر دل على ذهاب الإيمان منه، قال علي رضي الله عنه: "فمن لم يعرف قلبه المعروف وينكر المنكر نكس فجعل أعلاه أسلفه"

فإنكار المنكر باليد واللسان يكون بحسب الطاقة، وأما الإنكار بالقلب فلا يسقط، عن أحد وهو فرض عين على كل مسلم، وعلى هذا فمن اقتصر على الإنكار بقلبه وهو قادر عليه بلسانه فقد ترك الواجب عله ولم يتمثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث أمره بالإنكار بلسانه، وكذلك من اقتصر على الإنكار باللسان وهو قادر على الإنكار باليد فقد ترك الواجب عليه ولم يتمثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث أمره أن ينكره بيده.

عباد الله: وقد ابتلي كثير من الناس في هذا الزمان بالتلاوم، والتواكل وتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يؤد كل منهم ما يجب عليه نحوه، وصار كل واحد يلقي بالمسؤولية على غيره ويبرئ نفسه، حتى إن صاحب البيت يرى المنكرات في بيته ويرى أولاده يتركون الصلاة ولا يحضرون الجمع والجماعات ولا ينكر مع أن له السلطة على بيته وبيده قدرة على من فيه لكنه ينظر إلى الآخرين وينسى أنه مسؤول أمام الله عن رعيته الخاصة "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته"

ولربما فقدت مرات الإنكار كلها عند بعض الناس، فلا إنكار باليد ولا باللسان ولا بالقلب، فيحصل الانسجام التام مع أهل المعاصي، وتصبح المعاصي مألوفة عادية، فيحصل الانسجام التام مع أهل المعاصي، وتصبح المعاصي مألوفة عادية، وهذا أمر شنيع قد لعن الله ببني إسرائيل بسببه، قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة:78-79]

وفي المسند والسنن عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهروا فجالسوهم في مجالسهم، وواكلوهم وشاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون"، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس فقال: "لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً" وفي لفظ أبي داود: "إن أول ما دخل النقص على بين إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول له: اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض" ثم قال: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) الآيات.

واليوم –يا عباد الله- يجلس قَيّم البيت مع أولاده وإخوته وهم مضيعون للصلوات، تاركون للجمع والجماعات يجلس إليهم منبسطاً يؤاكلهم ويشاربهم ويمازحهم ما كأنهم عصوا الله ولا كأنهم خالفوا أمر الله. ولو خالفوه في أمر دنيوي أو أخذوا شيئاً من ماله لتنكر عليهم وتغيظ وهجرهم أو طردهم من بيته.

فاتقوا الله عباد الله ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر كل في حدود مقدرته ودائرة اختصاصه تنجوا من غضب الله وعقابه في الدنيا والآخرة –أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) [آل عمران:110] .

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، رضي لنا الإسلام ديناً، وأنزل إلينا نوراً مبيناً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) [النساء:116] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الناس اتقوا الله تعالى فإن تقواه مناط كل خير وسعادة في الدنيا والآخرة. قد يحتج بعض الذين يتركون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا الزمان بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) [المائدة:105]

ولا حجة لهم في الآية لأنها تدل على أن من اهتدى لا يضره من ضل ومن الاهتداء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل هما من أعظم أنواع الاهتداء، وتركهما من الضلال، وأيضاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يسقط بحال ولكنه درجات حسب الاستطاعة كما سبق، أقلها مرتبة الإنكار بالقلب وهذه لا تسقط أبداً، وقد روى الإمام أحمد وأهل السنن وغيرهم عن قيس بن أبي حازم قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) إلى آخر الآية وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه أوشك أن يعمهم الله بعقابه" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وصححه ابن حبان، فدل على أن الآية الكريمة لا تعني سقوط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم –إلخ.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي