العلماء وواجب النصرة لأهلنا في سوريا

سالم بن مبارك المحارفي
عناصر الخطبة
  1. محاربة الأعداء الدائمة للدعوة الإسلامية .
  2. أحوال المسلمين في سوريا وحاجتهم .
  3. منهجية الإسلام في غوث اللاجئين .
  4. التحسر من الحيلولة دون تقديم الدعم للسوريين .
  5. وجوب إعانة السوريين واتخاذ التحوطات اللازمة .

اقتباس

وإن التخوف من أن جمع التبرعات يؤدي استغلاله من قبل أناس يستعملونها في الافساد والتخريب في البلاد لا يعني ترك نصرتهم إذا أُخذت الاحتياطات، وتم التنسيق والترتيب، وبُذلت كافة الجهود, وتعيين أشخاص وأرقام حسابات لمؤسسات نظامية خيرية، كالندوة العالمية للشباب الإسلامي، فإن التخوف -والحالة هذه- لا معنى له أبداً، (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) ..

الحمد لله العالم بالحال والمآل, يبتلي عباده بعضهم ببعض, وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال, يحلم على الظالم عسى أن يتوب ويُقْلِع عن ظلمه في الحال, ومن أعرض واستكبر فماله من نصيرٍ ولا وال.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له الكبيرُ المتعال, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي لنصرة المظلومين بالنفس والمال, -صلى الله عليه وسلم- وبارك, وعلى الأصحاب والأتباع وأمهات المؤمنين والآل, صلاةً وسلاماً دائمين متتابعين ما أشرقت شمسٌ وهبت رياحُ الشمال.

أمابعد: فوصيةُ الله دائماً وأبداً لنا ولمن سبقنا تقوى الله تعالى, فقال: (وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً) [النساء:131].

معاشر المسلمين: منذُ أن بزغ نورُ الحق, وأشرقت شمسُه بمبعث نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-, نصب الحانقون له العداوة, وكرهوه؛ إذ منعهم من شهواتهم وتمردهم وتسلطهم, وهي سُنة الله -تعالى- في الدنيا أن يكون الصراع بين الحق والباطل مستمراً, قال -سبحانه-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً) [الفرقان:31].

ولولا كفايةُ الله لنبيه وتأييده له لقتلوه, قال -جل اسمه-: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) [الحجر:95], وقال عما عزموا عليه تُجاهه: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30], وقال: (وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً) [الإسراء:76].

وكذلك فعلوا مع من قدروا عليهم من المؤمنين المستضعفين فنكّلوا بهم, وعذّبوهم, وقتلوهم, وشرّدوهم من بلادهم, واستولوا على أموالهم, وانتهكوا أعراضهم.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- يأمرهم بالصبر والثبات, ويخبرهم أن الله مُعلٍ كلمته, وناصرٌ دينه, ومخزٍ الكافرين, حتى تسير الظيعنة من صنعاء إلى حضرموت لا تخشى إلا الله.

ويأتي الأمر من الله الكريم الرحيم بالإذن بالجهاد في سبيله ومقاتلة الباغين المعتدين؛ حمايةً لأعراضهم, ودفاعاً عن أموالهم وبلادهم, وصيانةً لدمائهم, وذباً عن جناب التوحيد؛ لئلا يعود الكفر والشرك بعد إذ نجاهم الله منه, قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:39-40].

معاشر المسلمين: إن واجبَ النصرة, وكشفَ الكربة عمن نزل بهم بلاءٌ من المسلمين في أي قُطر كان في العالم الإسلامي, يحتمُ علينا الحديثَ تكراراً ومراراً عما يلقاه إخواننا وأخواتنا وأبناؤهم في سوريا من التنكيل والتعذيب والقتل بكل صور الوحشية واللا انساية من عديمي الشفقة, ومنزوعي الرحمة, النظام البائس الحاقد النصيري بقيادة عائلة الأسد وحلفائهم الجبناء الأشرار.

في كل يوم أنباءٌ عن قتلى ومفقودين, وأعراض منتهكة, وأموال وحقوق مسلوبة, وها هو العالم العربي والإسلامي ينظر متفرجاً يستخدم الأسلوب الميت: الدبلوماسية السياسية؛ مما يزيدهم ألماً على ألمهم, ويعجل في موتهم وفنائهم, دون تحريك ساكن, وتهدئة ثائر.

ولما قام جمعٌ من العلماء في بلاد الحرمين الشريفين بالدعوة لحملة جمع التبرعات المالية والعينية لهم من الشعب الغاضب والحزين ممايراه كل يوم, ويرى أن عليه حقاً أن ينصرهم بمايستطيعه ويقدر عليه, وفرحوا بهذه الحملة وقد تبناها علماء معروفون وموثوقون, كان الأمرَ المفاجئ إيقافُهم ومنعُهم من جمع المال لإخوانهم, مما جدد الحزن, ونكأ الجرح, وكان من المفترض على الجهات المسؤولة في الدولة وضعُ يدها بيدهم, وتسهيل العقبات عليهم, إذ لا غنى لهم عن جهودهم وهم يملكون زمام القرار.

أيهاالمسلمون: [القائد المحنَّك هو من يصنع من الحدث موقفاً، ومن الموقف عبرة، ومن العبرة تغييراً شاملاً يمحو من النفس المؤمنة أركان العجز والكسل؛ ليرتفع بها من حضيض الأنانية المفرطة إلى سموِّ القيم النبيلة والمبادئ السامية؛ لتصل بعطائها وبذلها وسعيها, يكتنفها التوفيق الإلهي في بدئها وانتهائها؛ إلى الدرجة المطمئنة لتعود إلى بارئها وهو راضٍ عنها ومبشرها برضوانه الخالد لها، يتجلى لنا هذا واضحاً في حدثٍ من أحداث السيرة النبوية التي مرت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه].

فعن أبي عمرو، جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: كنا في صدر النهار عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاءه قوم عراة مجتابي النمار، أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر: فتمعر وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما رأى بهم من الفاقة؛ فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام، فصلى.

ثم خطب فقال: "(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]. تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره -حتى قال- ولو بشق تمرة".

فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتهلل كأنه مذهبة؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن سَنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" رواه مسلم.

عباد الله: إن هذه الواقعة التي حدثت بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- من قدوم هؤلاء الفقراء المدينة والتي حركت الغيرة عليهم في صدر رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وتغير وجهه الشريف, فقام يدعو الصحابة وهم فيهم من الفقر والعوز مالا يخفى حتى تصدقوا بقليل بارك الله فيه فنفع الفقراء, وسُرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا المشهد الجميل المهيب من تدافع الناس وتسارعهم لبيوتهم والبحث عن أي شئ يقدمونه لإخوانهم؛ استجابةً لنداء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

واللهِ إنه لأمرٌ محزن ومؤلمٍ أن نرى إخواننا بهذا البؤس والسوء والضيق والشدة, وبأيدينا مانُعذَر به لو قدمناه, ثم يُحال بيننا وبينه, فلا هم الذين نصروهم بما يَشفي الصدور, ويُذهب الغيظ, ويطيّب الخاطر, ولا هم الذين تركوا الناس ينصرونهم بما يقدرون عليه ويستطيعونه ويعينوهم على ذلك ويسهلوا السبل والطرق, امتثالاً لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة:2].

إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رأى الفقراء من مُضَرَ انطلق لبيته علّه أن يجد شيئاً يقدمه لهم قبل أن يدعو الناس للصدقة عليهم, إلا أنه -بأبي هو وأمي- لم يجد في بيوته ما يقدمه للفقراء، فصعد المنبر ودعا الناس لمساعدتهم والتصدق عليهم لكون الحاكم الرباني العادل لم يجد شيئاً يعطيهم إياه, فبدأ بنفسه قبل الناس.

هذه [رحمة الإسلام باللاجئين، واهتمامه بهم، والقيام بحقهم، وعدم تركهم يتضوَّرون جوعاً يلتحفون السماء ويفترشون الطرقات، بل يموت بعضهم مرضاً وقهراً، كما نرى في واقعنا المعاصر؛ فأهل الإسلام يهبُّون لإغاثة المحتاج، وهداية الضال، وإكساب المعدوم، وفعل كل وجوه الخير للناس، هكذا وجَّههم ربهم -تعالى- فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج: 77], وربَّاهم على ذلك نبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم- قولاً وعملاً؛ كما في هذه القصة المباركة].

بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ...

الخطبة الثانية:

أيهاالمسلمون: [إن قصة وفد مضر تجاوزت أحداثها من كونها دعوة إلى التصدق والإنفاق في سبيل الله إلى درجة بيان المنهجية الإسلامية في التعامل مع الناس باختلاف أحوالهم ومواقفهم؛ لتصل هذه المنهجية الحكيمة إلى أن تخلق من الأمة المسلمة أمة تغيير نحو الأفضل والأرقى والأسمى].

وأمتنا في هذا الزمان تتعرض لكثير من الانتهاكات والاعتداءات من أعدائنا بمختلف دياناتهم وشتى مذاهبهم, وليس هذا غريباً أن يحدث, بل هو أمرٌ طبيعي ومتوقع منذُ فجر الإسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ويكون النصر والعلو للمؤمنين, والذلة والصغار للكافرين, إلا أن المحزن أن يتخاذل أبناء الإسلام مع قدرتهم على نصرة اخوانهم ودفع الظلم عنهم, فيقفون متفرجين يحوقلون وهم ينظرون المآسي تُنْقَل كل يوم عبر الفضائيات ولا تنقل تباشير الفرج وبدايات النصر, مما يزيد من أسف النفس وألمها.

إن واجب النصرة يحتم على الحكومات العربية والإسلامية, وفي مقدمتهم رائدة الخير والنصرة حكومة خادم الحرمين الشريفين, والتي عودتنا على حملات التبرع للمنكوبين والمعوزين وتبنِّيها قبل أي أحد, وأهل سوريا -كما أنهم بحاجة للطعام والشراب واللحاف- هم بحاجة أيضاً للسلاح والعتاد والقوة التي يواجهون بها النظام الذي يستمد قوته من ايران وروسيا، حيث ترسل له الأسلحة والجنود لسد النقص من الشرفاء الذين أعلنوا انشقاقهم عنه، وأبوا الاستمرار في ظل القتل والتخريب.

وإن التخوف من أن جمع التبرعات يؤدي استغلاله من قبل أناس يستعملونها في الافساد والتخريب في البلاد لا يعني ترك نصرتهم إذا أُخذت الاحتياطات، وتم التنسيق والترتيب، وبذلت كافة الجهود, وتعيين أشخاص وأرقام حسابات لمؤسسات نظامية خيرية، كالندوة العالمية للشباب الإسلامي، فإن التخوف -والحالة هذه- لا معنى له أبداً، (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف:21].

ألا وصلوا وسلموا..


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي