إذا كان السخرية بالناس محرمة، وكبيرة من كبائر الذنوب، فكيف إذا كانت السخرية بالدعاة إلى الله؟! فكيف إذا كانت السخرية بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر؟! أم كيف إذا كانت السخرية سخرية بأهل الدين والتقى وذوي العلم النافع والعمل الصالح؟! ومن يبصر الناس بأمور دينهم ويهديهم إلى طريق الله المستقيم.. إن سخرية بأهل الخير والصلاح دليل على مرض في القلوب، وفساد في المعتقد، إنها مصيبة وبلية تتمثل في...
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد: فيا أيُّها الناسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى، عباد الله، إن المجتمع الفاضل الذي يريد الإسلام بناءه، وتقوية أركانه، هو المجتمع الذي له الأدب الرفيع، وكل فرد يعرف مكانته وكرامته في هذا المجتمع، والمؤمنون فيه كالجسد الواحد: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10].
وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ"، يقول: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كمَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى والسَّهَرِ"، وقد رفع الله من شأن هذه الأُخوة، وحرم الظلم بجميع أنواعه على المسلم فيقول صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ. بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ".
والشارع الحكيم قد حرّم مساوئ الأخلاق، ورذائل الصفات، فحرم السخرية بالناس والاستهزاء بهم، وهمزهم ولمزهم لأي عيب فيهم خَلَّقِيا أو خُلُقِيا، وحقيقة السخرية، كل كلام أو فعل يظهر منه إهانة المسلم واحتقاره وإذلاله، وقد جاءت النصوص في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بتحريم السخرية بالناس قال الله جلَّ وعلا مبينا ذلك واصفا بأن السخرية فسوق وظلم وعدوان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) [الحجرات: 11].
فتأمل أخي هذه الآية نهاك ربك عن السخرية بالناس: (لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) [الحجرات: 11]، عسى من سخر منه خير من الساخر عند الله جلَّ وعلا، كل هذا لمنع المسلم من السخرية ممَّا في القول وإما بالفعل.
والسخرية من أخلاق الكافرين والمنافقين، قال جلَّ جلاله: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ* وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ*وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ*وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ) [المطففين: 29- 32] فبيَّن تعالى في أول السورة جزاء المجرمين وثواب المؤمنين المتقين، ثم بيَّن أن أهل الإجرام يسخرون بالمؤمنين ويضحكون منهم كلمة احتقار وامتهان لهم: (وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ) كُلُ ذلك مما في قلوبهم من الحقد، وقال جلَّ وعلا: (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ) [المؤمنون: 109- 110] ، فأهل الكفر والضلال سخروا بأهل الخير والصلاح وأئمة الهدى، وشغلتهم سخريتهم بهم عن ذكر الله، وعن تدبر فيما ينفعهم؛ بل شغلوا بالسخرة والاستهزاء والاحتقار والتنقص من العباد.
والله جلَّ وعلا بيَّن أن أخلاق المنافقين سخرية بأهل الإيمان قال جلَّ وعلا: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) [التوبة: 65] قالوا: مقالتهم السيئة في النبي وأصحابه ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغبنا بطوناً، وأكذبنا ألسناً، وأجبننا عند اللقاء، فبيَّن جلَّ جلاله أن تلك سخرية واستهزاء بأهل الإيمان: (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة: 66]، وأخبر جلَّ وعلا عن المنافقين وسخريتهم بأهل الصدقات والخير: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [التوبة: 79]، إذا جاء المصدق بالشيء الكثير قالوا: هذا مرائي، وإن جاء بالقليل قالوا: الله غني عن صدقتك، سخريةً بالمحسن من مقل ومستكثر لما في القلوب من بغض الإسلام والعداوة لأهل الإسلام، وقال جلَّ وعلا عن المنافقين يوم بدر: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ) [الأنفال: 49] لما رأى أعداء الله أهل الإسلام وتجردهم لله وقيامهم وجهادهم في سبيل الله، قالوا: ساخرين بهم: (غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ) أي: خدعهم الوعد بالجنة والوعيد بالنار، خدعهم إلى أن فعلوا ما فعلوا من جهاد في سبيل الله بالنفس والمال.
أيُّها المسلم: وقد توعد الله اللامزين بأهل الإسلام بقوله: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ* الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ* يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ* كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) الآيات [الهمزة: 1-4].
أيُّها المسلم: والسخرية بالناس منكر، تسأل أم هانئ للنبي صلى الله عليه وسلم عن قوله: (وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنكَرَ) [العنكبوت: 29] قال: "يسخرون بأهل الطريق ويحذفونهم"، والسخرية حرام وإثم كبير، تقول عائشة رضي الله عنهما قلت يا رسول الله: حسبك من صفية إلا أنها قصيرة تشير بيدها، قال يا عائشة: "لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ" يعني: أن كلامك هذا سيءٌ وخطيرٌ، وأنه إثمٌ لأنك وصفتها بالقصر من باب التنقص في حقها، فأدبها صلى الله عليه وسلم بقوله: "لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ"، وتقول عائشة: حاكيت عند النبي شخصًا، فقال: "ما أحب أن أحاكي أحداً من الناس".
أيُّها المسلم: والسخرية بالناس يحمل عليه الكبر والعجب والغرور وانخداع الإنسان بنفسه، فتلوث قلبه بالحقد والحسد والكبرياء والترفع عن الناس، فلهذا يسخر بهم، ولهذا يسخر بهم ويحتقرهم.
أيُّها المسلم: والسخرية بالناس ظلم، لأنك إذا سخرية منه أساءت إليه وأدخلت الهم والغم عليه فأنت بهذا ظالم لنفسه، ظالم له، والسخرية بالناس تنسيك تتدبر عيوبك والتفكر في نقائصك، وما اشتملت عليه من عيوب دفينة الله يطلع عليها ويعلمها، فجعل مقامك مكان سخريتك بالناس النظر في نفسك وعيوبها، فكفى بالمرء إثماً أن يشتغل بعيوب الناس، ويدع العيوب التي هو مشتمل عليها فلا يصلحها ولا يعدلها.
أيُّها المسلم: السخرية أنواعها وصورها عديدة، قد يحمل على السخرية، يحمل بعض الناس على السخرية ما أعطاه الله من أصناف الأموال فيرى نفسه غنياً قد أعطي من الأموال ما أعطي ولهذا يسخر بالفقير، يسخر بالفقير وينتقصه ويحتقره، لماذا؟ لقلة ذات يده فقط، وما علم هذا الجاهل أن هذا الغنى والفقر لحكمة أرادها الله، فربى مبتلاً بفقر خير من غنى، وربى مبتلاً بغني شاكر لله خير من غيره، المهم أن لا تكون أموالك وغناك سبب لسخريتك بعباد الله: (كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) [العلق: 6- 7].
ومن عباد الله من يحمله على السخرية بالناس قوة بدنه وتكامل قواه، فيسخر بالضعفاء ويحتقرهم، ومن عباد الله من تخدعه صحة بدنه وسلامة أعضائه فيسخر بالمصابين بالعاهات والبلايا، يسخر منهم احتقارًا لهم؛ لأنه ينظر إلى نفسه وقد أُعطي صحةً في بدنه وسلامةً في أعضائه فهو يسخر بمن هو دون ذلك.
ومن عباد الله من يسخر بالإنسان لكونه بسيطًا ساذجًا فيرى نفسه ذو دهاءٍ وعقلية كبيرة وآراء سديدة فيسخر بمن هو دونه، ومنهم من يسخر بالإنسان لكون لونه غير لونه فيسخر بلونه وجماله ويسخر بالآخرين ويحتقرهم لأجل ألوانهم فقط وكُلُ هذا من الجهل، ومنهم من يسخر بالناس بكونه كثير الأولاد فيسخر بالعقيم الذي لا يولد له، ومنهم من يسخر بأن له الأبوين وهذا يتيم لا أسرة له ولا عشيرة له، ومنهم من يسخر بالناس لكونه يرى نفسه ذا حسب ونسب ومكانة رفيعة فيحتقر من دونه، وكُلُ هذا من الجهل والحماقة، ومنهم من يسخر بالناس فهو برى نفسه ذا جاه ومنزلة في مجتمع القول يسمع والأمر ينفذ فيسخر بمن هو دون ذلك وكُلُ هذه غير مبررات لهذه السخرية، ليست هذه الأمور مرضية لك أن تسخر بالآخرين، وليست عند الله ذا شأن، إنما الميزان العادل عند الله التفاضل بالتقوى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13]، يسخر بعض الناس بالآخرين لأجل مِهَنهم وحِرَفهم فيرى ذا الحرف والمهن أقل منزلة منه وأدنى منزلة منه، فيسخر بهم بحرفهم وأعمالهم ولا يعلم هذا الجاهل أن ذا الحرف والأعمال وإن قلت ما دامت تلك الحرف تغنيهم عن وجه الخلق وتسد حاجتهم فهم أعزاء بغنى الله لهم إذا كانت تلك الحرف والمهن لا تخالف شرع الله، ومنهم من يسخر بالناس لأجل وطنه وبلده فيسخر به لأجل وطنه وبلده ومكانه وكُلُ هذه الأمور لا مبرر لها، لا توجب الفخر والإعجاب والغرور والانخداع.
ولكن على المسلم أن يشكر الله على نعمه التي أنعم به عليه ويسأل الله من فضله وكرمه ويقول: الحمد لله الذي عافني مما ابتلاهم به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً، فلا تطغيه النعم أن يسخر بالناس ويستهزئ بهم ويحتقرهم كُلُ هذه أمور تخالف الشرع، إذا الإسلام يدعو المجتمع المسلم إلى أن يكون مجتمع متراحمًا، ومجتمع تسوده المحبة والمودة، يحترم الكل الآخر في سبيل الحق، نسأل الله السلامة والعافية.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ: فيا أيُّها الناس، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.
عباد الله، إذا كان السخرية بالناس محرمة، وكبيرة من كبائر الذنوب، فكيف إذا كانت السخرية بالدعاة إلى الله؟ فكيف إذا كانت السخرية بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر؟ كيف إذا كانت السخرية سخرية بأهل الدين والتقى وذوي العلم النافع والعمل الصالح؟ ومن يبصر الناس بأمور دينهم ويهديهم إلى طريق الله المستقيم.
أخي المسلم: إن سخرية بأهل الخير والصلاح دليل على مرض في القلوب، وفساد في المعتقد، إنها مصيبة وبلية تتمثل في الأقلام المأجورة ذي المقاصد المشبوه الذين يكرسون جهودهم للسخرية بالدين وأهله وعلماء الشريعة، يريدون الحط من قدرهم وتشويه سمعتهم، وإبعاد المجتمع عنهم بما يقولون ويكتبون مما يخالف الحق، ومما يدعو إلى الباطل والضلال.
أيُّها المسلم: اتق الله فيما تقول، وسخّر قلمك في نصرة الدين وأهله، فرحم الله امرأً نصر الإسلام ولو بشطر كلمة، إياك أن تحملك مكانك أو قوتك أو صحتك أو جاهك أو منصبك أو مكانك الاجتماعية، إيَّاك أن تحملك على السخرية بالآخرين وانتقاصهم واحتقارهم، إيَّاك أن يحملك على ذلك وقد يكون من سخرت منه خيرًا وأتقى عند الله منك، قد يكون من سخرت منه أبر قلبًا وأحسن عملا وأصدق نيةً منك، قد يكون من أهل الخير والصلاح تسخر به ولا تعلم أنه عند الله ذو شأن عظيم، يقول صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ، أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ"، وقال أيضا: "ربُّ أشعث أغبر مطرود بالأبواب لو أقسم على الله لأبر قسمه".
إيَّاك أخي أن تخدعك دنياك أو قوة أو صحتك أو جاهك أو منزلتك أو فصاحة لسانك أو قوة رأيك أو مكانتك الاجتماعية، إيَّاك أن تخدعك فتنظر إلى الآخرين نظرة ازدراء واحتقار وسخريةً واستهزئ، قف عند نفسك وحاسب نفسك، وعلم أن القوة قد تتبدل إلى ضعف، وقد يتحول الغنى إلى فقر، والصحة إلى مرض، والمكانة الاجتماعية الرفيعة إلى دون ذلك، فالله على كل شيء قدير: (قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 26].
فراقب الله، واتق الله في نفسك، واشكر الله على إنعامه وأفضاله، وإيَّاك وانتقاص الآخرين، إيَّاك والسخرية بهم، أدب لسانك ولا تنطق إلا بما هو خير، إيَّاك أن تكون جاهلياً في أقوالك، قال أبو ذر رضي الله عنه: كان بيني وبين بعض إخواني كلام، وكانت أمه أعجمية فسببت أمه، فشكاني إلى رسول الله، فلقيني النبي وقال: "يا أبا ذر إن فيك جاهلية"، قال قلت: يا رسول الله من سب الناس سب أباه وأمه، قال: "إن فيك جاهلية"، انظر كيف كان صحابي جليل، ما أظلت الخضراء، وما أقلت الغبراء، بأصدق لهجة من أبي ذر ومع هذا النبي يعاتبه يقول: "إن فيك خصلةً جاهلية" لأنه سخر بأم هذا.
إيَّاك والسخرية بالناس وبآبائهم، وبأمهاتهم، وأنسابهم، وأخلاقهم، وأعمالهم، اتق الله وسر على الطريق المستقيم، واحترم الآخرين يحترمونك، أما أن تنظر من العلو وأنت تراهم وتحتقرهم، وترى نفسك أنك أعلى منزلة منهم، وأشرف منهم، وأعلى قدرًا منهم فتحتقر الآخرين فذاك نقص بالإيمان، نقص في العقل، سوء تصرف.
أسأل الله أن يحفظ الجميع بالإسلام، وأن يجعلنا وإيَّاكم من الشاكرين لنعم الله المثنيين عليه القائمين بحقها، وأن يعرف كل منا نفسه، وأن يعرفه بعيوبه حتى يتوب إلى الله منها، فتلك نعمة عظيمة أن يبصرك الله في عيوب نفسك قبل أن تبصر في عيوب الآخرين، فكفى بنا إثماً أن نضيع أنفسنا ونشتغل بعيوب الآخرين، وفي نفوسنا أمور عظيمة نسأل الله سترها وأن يعفوا عنا ويتجاوز عنا، ويصلح قلوبنا وأعمالنا، ويجمعنا جميعا على طاعته إنه ولي ذلك ولقادر عليه.
واعلموا رحمكم اللهُ أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ. وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا رحمكم الله على عبد الله ورسوله محمد امتثالاً لأمر ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56] اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين، الأئمة المهدين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، وجعل اللَّهمَّ هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العلمين، اللَّهمَّ أمنَّا في أوطاننا، اللَّهمَّ أصلح وولاة أمرنا، اللَّهمَّ وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدالله بنَ عبدِالعزيزِ لكل خير، اللَّهمَّ سدده في أقواله وأعماله، وأعنه على كل مهمة، اللَّهمَّ ووفقه للصواب، اللَّهمَّ أمده بالصحة والسلامة والعافية، وجعله بركةً على نفسه وعلى مجتمعه المسلم إنَّك على كل شيء قدير.
اللَّهمَّ وفق ولي عهده نايف بن عبدِالعزيزِ لكل خير، وسدده في أقواله وأعماله، وأعنه على مهماته إنَّك على كل شيء قدير، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي