بمناسبة ختام العام الهجري

صالح بن فوزان الفوزان
عناصر الخطبة
  1. الاعتبار بتصرم الأيام والأعمار .
  2. دعوة للمحاسبة .
  3. الأعمال بالخواتيم . .
اهداف الخطبة
  1. الدعوة إلى محاسبة النفس في نهاية العام الهجري
  2. الحث على العمل الصالح .

اقتباس

الأعمال بالخواتيم فمن أصلح فيما بقي غفر له ما مضى، ومن أساء فيما بقي أخذ بما مضى وما بقي، الموتى يتحسرون على فوات الحسنات الباقية، والأحياء يتحسرون على فوات أطماع الدنيا الفانية.

 

 

 

 

الحمد لله حكم بالفناء على هذه الدار، وأخبر أن الآخرة هي دار القرار، وهدم بالموت مشيد الأعمار –أحمده على نعمه الغزار، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، حذر من الركون إلى هذه الدار، وأمر بالاستعداد لدار القرار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار، وسلم تسليماً كثيراً ما تعاقب الليل والنهار.

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى، وفكروا في دنياكم وسرعة زوالها، واستعدوا للآخرة وأهوالها، كل شهر يستهله الإنسان فإنه يدينه من أجله ويقربه من آخرته. وخيركم من طال عمره وحسن عمله، وشركم من طال عمره وساء عمله، إنه ما بين أن يثاب الإنسان على الطاعة والإحسان، أو يعاقب على الإساءة والعصيان، إلا أ يقال: فلا قد مات، وما أقرب الحياة من الممات، وكل ما هو آت آت، وأنتم اليوم تودعون عاماً قد انتهى وانتقص من أعماركم، وتستقبلون عاماً لا تدرون أتستكملونه أم لا؟ فلنحاسب أنفسنا ماذا عملنا في العام المنصرم، فإن كان خيراً حمدنا الله، وأتبعناه بالخير، وإن كان شراً تبنا إلى الله منه واستدركنا بقية أيامنا قبل فواتها، قال ميمون بن مهران: لا خير في الحياة إلا لتائب أو رجل يعمل في الدرجات، يعني أن التائب يمحو بالتوبة ما سلف من السيئات، والعامل يجتهد في علو الدرجات، ومن عداهما فهو خاسر كما قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)

 

فأقسم الله تعالى بالعصر الذي هو الزمان الذي يعيش فيه الإنسان أن كل إنسان خاسر إلا من اتصف بهذه الأوصاف الأربعة: الإيمان والعمل الصالح. والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر على الحق، فهذه السورة العظيمة ميزان للأعمال يزن المؤمن بها نفسه فيبين له بها ربحه من خسرانه، ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله: لو فكر الناس كلهم فيها لكفتهم، قال بعضهم: كان الصديقون يستحيون من الله أن يكونوا اليوم على مثل حالهم بالأمس، يشير إلى أنهم لا يرضون كل يوم إلا بالزيادة من عمل الخير، ويستحيون من عدم الزيادة، ويعدون ذلك خسراناً، فالمؤمن لا يزداد بطول عمره إلا خيراً، ومن كان كذلك فالحياة خير له من الموت، وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم اجعل الحياة زيادة لي من كل خير، والموت راحة لي من كل شر" أخرجه مسلم. وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: "ما من ميت إلا ندم، إن كان محسناً ندم ألا يكون ازداد، وإن كان مسيئاً ندم ألا يكون استعتب"

 

رؤي بعض الموتى في المنام فقال: ما عندنا أكثر من الندامة، ولا عندكم أكثر من الغفلة. ورؤي بعضهم في المنام فقال: ندمنا على أمر عظيم، نعلم ولا نعمل، وأنتم تعلمون ولا تعملون، والله لتسبيحة أو تسبيحتان، أو ركعة ركعتان في صحيفة أحدنا أحب إلينا من الدنيا وما فيها.

عباد الله: الأعمال بالخواتيم فمن أصلح فيما بقي غفر له ما مضى، ومن أساء فيما بقي أخذ بما مضى وما بقي، الموتى يتحسرون على فوات الحسنات الباقية، والأحياء يتحسرون على فوات أطماع الدنيا الفانية، ما مضى من الدنيا وإن طالت أوقاته، فقد ذهبت لذاته وبقيت تبعاته، وكأن لم يكن إذا جاء الموت وميقاتهن قال الله عز وجل: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ)، في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعذر الله إلى من بلغه ستين من عمره" وفي سنن الترمذي: "أعمارُ أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلُّهم من يجوز ذلك"

 

فيا من يفرح بكثرة مرور السنين عليه إنما تفرح بنقص عمرك، قال بعض الحكماء: كيف يفرح من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره، كيف يفرح من عمره يقوده إلى أجله، وحياته تقوده إلى موته، يؤتى يوم القيامة بأطول الناس أعماراً في الدنيا من المترفين التاركين لطاعة الله المرتكبين للمعاصي فيصبغ أحدهم النار صبغة ثم يقال له: هل رأيت في الدنيا خيراً قط، هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا يا رب –ينسى كل نعيم الدنيا عند أول مس من العذاب، إنهم أولئك الذين أعطوا أعماراً فضيعوها في اللهو والغفلة، وأعطوا أموالاً فبذروها في الشهوات فضيعوها في اللهو والغفلة، وأعطوا أموالاً فبذروها في الشهوات المحرمة، عندما ذاقوا أول جزائهم نسوا كل ما أعطوا في الدنيا من الوقت والمال، وكل ما ذاقوا من اللذة ونالوا من الشهوة، هؤلاء الذي صرفوا عقولهم وأعمالهم واهتمامهم للعمل في دنياهم واتبعوا شهوات بطونهم وفروجهم، وتركوا فرائض ربهم، ونسوا آخرتهم، حتى جاءهم الموت فخرجوا من الدنيا مذمومين مفلسين من الحسنات، فاجتمعت عليهم سكرة الموت وحسرة الفوت، فندموا حيث لا ينفعهم الندم (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ)

 

فتذكروا أيها الناس بانقضاء العام انقضاء الأعمار، وتذكروا بالانتقال للعام الجديد الانتقال إلى دار القرار –أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ).
 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي