الهوى أسبابه ومظاهره

عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
عناصر الخطبة
  1. أهمية الاستقامة على الشرع المطهر .
  2. خطورة اتباع الهوى ومفاسده .
  3. مجالات اتباع الهوى .
  4. مظاهر اتباع الهوى .
  5. مصائب القول على الله بلا علم .
  6. بلايا الهوى في الصحف والمقالات. .

اقتباس

هناك أمور ومعوقات تحول بين المرء وبين السلوك الطريق المستقيم، ومن تلكم العقبات الأهواء، فالهوى المضل يحول بين المرء وبين اتباع الحق، الهوى مع رغبة النفوس والعقول القاصرة يملي على العبد ما يخالف شرع الله.. ولذا ذم الله اتباع الهوى في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالله جلَّ وعلا نهى نبيه عن...

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.

أمَّا بعد: فيا أيُّها الناسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.

عباد الله: يقول الله جلَّ جلاله لنبيه صلى الله عليه وسلم أمرا له بهذا القول: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162- 163]، وهذا أخي المسلم إرشاد من الله للمسلم بأن تكون حياته كلها منصبغةً بشرع الله ولأحكامه خاضعة، ولذلك فحياته وما يموت عليه وكل أعماله لله خالصة، فحياته كلها لله وفي سيبل مرضاة الله؛ ولكن هناك أمور ومعوقات تحول بين المرء وبين السلوك الطريق المستقيم، ومن تلكم العقبات الأهواء، فالهوى المضل يحول بين المرء وبين اتباع الحق، الهوى مع رغبة النفوس والعقول القاصرة يملي على العبد ما يخالف شرع الله، فنعوذ بالله من ذلك.

ولذا ذم الله اتباع الهوى في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالله جلَّ وعلا نهى نبيه عن اتباع الغافلين: (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) [الكهف: 28]، فاتباعه للهوى سبّب له غفلة قلبه وضلاله عن الطريق المستقيم.

ونهى ربنا جلَّ وعلا عن طاعة أهواء الذين عبدوا غيره وأشركوا معه غيره: (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ) [غافر: 66]، ونهى نبيه صلى الله عليه وسلم عن اتباع أهواء أهل الكتاب الذين أعرضوا عن شرع الله واتبعوا أهواءهم: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) [البقرة: 120].

وحذّر أهل الكتاب أيضًا عن اتباع الهوى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) [النساء: 171]، وحذّر من أن يتخذ العبد إلى هواه طريقًا دون المبالاة بالموافقة على شرع الله: (أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) [الفرقان: 44].

وقال جلَّ جلاله: (أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [الجاثية: 23]، وجاء في الحديث النبوي أن اتباع الهوى منافٍ لحقيقة الإيمان يقول صلى الله عليه وسلم: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ"، فلا يكون مؤمنًا حقًّا حتى يكون هواه ومراده على وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وفي الأثر الآخر: "الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الأماني"، فأتباع الهوى مع التمني لا ينفع: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) [النساء: 123]، وفي الأثر: "مَا تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ إِلَهٍ يُعْبَدُ، أَعْظَمُ مِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ".

أخي المسلم: ولما كان اتباع الهوى بهذه المنزلة العظيمة في الشرع جاء بيان عقوبات اتباع الهوى ومآلاته السيئة، فأخبر ربنا جلَّ وعلا أن اتباع الهوى سبب لدخول الجحيم: (فَأَمَّا مَنْ طَغَى*وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا*فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى*وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى*فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات: 37- 41]، إذًا فاتباع الهوى سبب لإيصال الجحيم وما تلك إلا عقوبة عظيمة.

وأخبر تعالى أن اتباع الشهوات المضلة المخالفة لشرع الله هي جزء من الهوى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) [مريم: 59]، وأخبر جلَّ وعلا أن اتباع الهوى سبب لطبع على القلب: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) [محمد: 16]، وأن الهوى سبب للضلال والإضلال: (وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) [الأنعام: 119]، وأن اتباع الهوى سبب للهلاك قال جلَّ وعلا: (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى) [طه: 16].

واتباع الهوى سببٌ للفساد في الأرض وفي السماء، قال جل وعلا: (وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) [المؤمنون: 71]، وإن اتباع الهوى سبب للغفلة عن ذكر الله والإعراض عن أمره ونهيه وعدم التقيد بذلك: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص: 50].

واتباع الهوى سبب للإخلال في الأرض والركون إلى الدنيا والإعراض عن شرع الله: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) [الأعراف: 175 - 176]، وأخبر تعالى أن اتباع الهوى سبب لاختلاف الموازين، وتغير الفِطَر، وعدم وضوح الحق والتفاف الحق بالباطل: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) [محمد: 14].

أخي المسلم: وإن مجالات اتباع الهوى كثيرة، منها الانحراف الشخصي، والضلال عن الطريق المستقيم، فمن أعظم مظاهر اتباع الهوى القول على الله بلا علم، فالقول على الله بلا علم من أعظم مظاهر اتباع الهوى؛ إذ الواجب على المسلم حقًّا أن يتقيد بشرع الله فيما يأمر به وفيما ينهى عنه، فلا يحرم بهواه ولا يبيح بهواه ولا يحكم إلا بحكم الله: (إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ) [الأنعام: 57].

وقد حرّم الله القول بلا علم ورتب عليه الآثار السيئة فجعله أكبر الذنوب وأعظمها: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33]، وقال: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) [يونس: 59] وقال: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) [الإسراء: 36].

فمن أعظم الهوى: أن يقول العبد على الله بلا علم، فيحلل ويحرم برأيه وهواه وأشد من ذلك أن يُقدِم على هذا مع علمه بالحق؛ لكن يتبع هواه، اليوم يُفتيك بأن هذا حرام وغدًا يفتي بأنه حلال، ويفتي لفلان بحكم ويفتي لآخر بحكم يكيف فتواه على حسب آرائه ومصالحه المادية ومكانته الاجتماعية ليرضي الأطراف كلها، فاليوم يفتي لي بأن هذا حرام وغدًا يقول هذا حلال، لماذا؟ وغدا يحلّل ويحرم بهواه لا برجوع إلى الشرع، وإنما يتلاعب بشرع الله، فيوم يرجح هذا القول ومرةً يرجح هذا القول، لا أنه استبان له حق فرجع إليه؛ لكن الهوى يملي عليه أن يقول فيه في دين بلا علم.

فالقول على الله بلا علم من أعظم المصائب والذنوب، فعلى طالب العلم تقوى الله وأن يفتي بما يعلمه من شرع الله بكتاب الله وسنة رسوله وما سار عليه سلف الأمة، ويحذر أن يفتري رأيًا أو يقول قولاً لا دليل له، وليحذر التلاعب في الفتوى، ولا يجعلها هديةً لهذا ومنقبة لهذا، بل يقف أمام من يقف موقف العدل والإحسان متبعًا لكتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

في عهد النبي صلى الله عليه وسلم سرية أصاب رئيسهم احتلام، فسأل: هَلْ له أن يتيمم؟ قالوا: لا، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلاَّ سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا إِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ"، فليحذر المفتي، ليحذر طالب العلم أن يتبع هواه على حسب الآراء والأهواء، وليذكر الله والمقام بين يديه في كل فتوى يصدرها مراقبة لله، والله سائل كل عن ما قال، والله وراء قلب كل قائل ولسانه.

ومن مظاهر اتباع الهوى: ظلم العباد في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فربما سُفك دم حرام بالهوى، وربما انتُهكت أعراض بالهوى، أو نُهبت أموال بالهوى، وربما قذف هذا بالهوى، وانتقص من قدر هذا بلا حجة ولا برهان: (وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام: 119].

أيُّها المسلم: ومن مظاهر اتباع الهوى عدم العدل في إصدار الأحكام، فالحاكم يجب عليه تقوى الله فيما يصدر من أي حكم يحكم به، وليراقب الله، ويعلم أن هذه الخصومة ستعاد يوم القيامة في (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ*إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88- 89]، فيحرص على العدل في أحكامه لا يبالي ولا يجامل، وإنما يتقي الله ويراقب الله في أحكام يصدرها يقول الله لنبيه داود عليه السلام: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) [ص: 26].

إذاً فالحكم بالعدل واجب: "والْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ: قاضٍ فِي الْجَنَّةِ وقاضيان فِي النَّارِ، قاضٍ علم الحق فحكم فدخل الجنة، وقاضٍ قضى على جهل أو قاض قضى بخلاف الحق فهؤلاء في النار"، نسأل الله السلامة والعافية، وقد أمر الله نبيه بالحكم بين الناس في العدل: (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ) [المائدة: 48] وقال: (وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) [المائدة: 49].

أيُّها المسلم: ومن أنواع الهوى تولية من لا خير فيه، ومن ليس كفؤًا لأي منصب تولاه، وإقصاء من تولاه ممن له المكانة والرفعة ومن هو أولى، فالعدل في الولايات فيها منفعة الأمة إذا ولي من كان خيرًا لمكانه وأبعد من ليس كذلك، فإن اختيار الأكفاء في الولايات والمناصب من العدل، والانحراف عنها من سبيل الهوى.

ومن مظاهر الهوى: غرور الإنسان في نفسه وإعجابه بنفسه وتكبره على عباد الله واغتراره بنفسه بماله بجاه بمنصبه بصورته كل ذلك من أنواع الهوى، في الحديث: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ"، و"الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ" ظلمهم والعدوان عليهم.

أيُّها المسلم: ومن أنواع اتباع الهوى الحكم على الآخرين بمجرد كلام تسمعه، وقول ينسب إليه، وأنت لست على بصيرة من الأمر، فاتق الله أن تحكم على الناس بمجرد الهوى وأقوال تسمعها لا تدري عن صحتها من كذبها، ولعل الناقل أساء النقل، ولعل هذا الموقع من المواقع مشهور بالكذب والافتراء فلا نجعلها مصادر نحكم بها على الناس: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: 6]، و"بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا"، و"كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ".

ومن مظاهر اتباع الهوى: الميل مع بعض الزوجات لمن عددوا الزوجات ميلاً بالهوى، هواه أعماه فحجر هذه وقرب هذه بلا حجة ولا برهان، ولذا قال الله: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) [النساء: 3]، كل ذلك تحذير عن الميل والجور بغير علم: و"مَنْ مَالَ إِلَى إِحدى الزوجتين جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ".

ومن مظاهر اتباع الهوى: تفضيل بعض الأبناء على بعض لا على شيء؛ ولكن لهوى في نفسه فيقرب هذا ويبعد هذا، ويعطي هذا ويحرم هذا، وهذا مخالف لشرع الله، ومحمد صلى الله عليه وسلم حسم الأمر بقوله: "اتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ"، وقال للذي أراد أن يشهده على التفضيل: "لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ، أشهد هذا على غيري" كل ذلك تحذيرٌ من الميل لأحد الأبناء بمجرد الهوى الذي لا حجة فيه.

ومن مظاهر اتباع الهوى تعصب الإنسان لقوله ورأيه وعدم عدوله عما قال، قد تقول قولا خاطئاً فتتعصب لخطأك ولا ترضى الرجوع عن خطأك، لا، لست بمعصوم قد تكون أفتيت فتوى قصر نظرك فيها وقل إدراكك، فلا بد أن تتراجع إذا تبين الحق لك فالحق ضالة المسلم أينما وجده سلكه.

أما التعصب للأقوال والدفاع عنها مع الخطأ فهذا خلاف الحق، التعصب للآراء والتعصب للشخصيات والدول بلا حجة ولا برهان كل ذلك من اتباع الهوى، فلنتق الله في أنفسنا، ولنجعل حياتنا كلها في سبيل مرضاة الله، وأن نسلك الطريق المستقيم في أمرنا ونهينا وتصرفاتنا؛ لأن الله يقول: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.

أما بعدُ: فيا أيُّها النَّاس، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.

عباد الله: لنكن متمسكين بشرع الله ثابتين على دين الله، سائرين على المنهج القويم الذي شرعه الله لنا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.

أخي المسلم: إن الشهادة أمانة يجب أن تظهر عند الحاجة إليها، حرم عليك القرآن كتمانها: (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ) [البقرة: 283]، فلا تكتم شهادة عندك، فهذه الشهادة قد يتوصل بها صاحب الحق للحصول حقه، فاحذر كتمانها، كما حرم عليك أن تشهد زورًا وظلمًا فحرام عليك أن تكتم حقًّا، فالواجب أداء الشهادة من غير زيادة ولا نقصان لا شهادة زور وظلم وعدوان، ولا كتمان شهادة يتوقف عليها صدور حكم شرعي.

أخي المسلم: الحكم على الأشخاص أمر عظيم فيجب أن نتقي الله في أحكامنا، عندما أحكم على شخص لا بد أن أوازن بين حسناته وسيئاته حتى أعلم ما هو حال هذا الإنسان وأقارن ما نسب إليه وبين سيرته التي عليها، فمن المؤسف له أن الحكم على الناس في القول أو في التطبيع أو التظليل أو الإساءة أو ... ، ينبني على مجرد قيل وقال أو قد قيل أو في موقع ما من المواقع، أو تحدث به بعض الناس؛ لكونه يبغضه، بينه منافسات مادية فتحمله تلك الأهواء أن يقول على الآخرين بغير حق.

فاحذر قبول ذلك ولا تحكم إلا بعلم وبصيرة حكم عادل، وربما تراجع من نسب الأمر إليه حتى تأكد أن ما قيل ليس صدقًا، فما كل قول قيل صدقًا، ونحن في زمن الشائعات والأراجيف والأباطيل والأكاذيب استحلها الكثير من غير مبالاة، نسأل الله السلامة والعافية.

أخي المسلم: عندما تكتب أو تتحدث عن مصلحة ما من مصالح الأمة العليا، فاحذر أن تتكلم إلا بحق، الزم العدل والصدق، قل الحق وإلا فاسكت: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ "، تكلم بحق واسكت على غير باطل، أما يا أخي أن تتحدث في مصالح الأمة بأمر أنت لا تدركه ولا تصور حقيقته، ولا تعلم عواقب الأمور، ومآلاتها فإياك أن تدخل نفسك في آراء صحفية وجدال عقيم لا فائدة فيه.

أخي المسلم: عندما تناقش قولاً من الأقوال فاحذر أن تقول الهوى، ناقش هذا القول من حيث مدلوله ومضمونه وغايته دون التعرض لشخص ذلك القائل أو التجريح فيه، فالقائل قد يكون عذره أنت تلومه، ناقش القول وبيّن الخطأ من الصواب دون التعرض للذم والتجريح الذي لا تستفيد منه.

أخي المسلم: عندما يُرَدّ عليك القول أو تُنَاقَش في مقال قلته، فقف موقف العدل فإن يكن ما ذكر من مناقشات أنت مخطئ فيه فالرجوع إلى الحق فضيلة، وإياك والدفاع عن رأيك ولو كان خطأ.

أخي المسلم: عندما نصغي لكتاب الكاتبين وآرائهم فيجب أن نتقي الله ونعدل ونرد الباطل بحق، فالباطل لا يُرَدّ بباطل، والخطأ لا يصحح بالخطأ، إنما يصلح الخطأ بالصواب، عندما تكون شريكًا لشيء مع صاحبك فالزم العدل والأمانة واحذر الغش والتدليس والخيانة، يجب علينا أن نكون جميعًا متقين الله حذرين من أن تسوقنا أهواؤنا لما فيه البلاء العظيم، فاتباع الهوى يعمي ويصم، والمسلم وفّقه الله لقبول الحق والعمل به، أسأل الله أن يثبتنا على صراطه المستقيم، وأن يجعل مقاصدنا صالحة وسعينا مشكورًا وذنبنا مغفورًا، اللهم اجعل عملنا خالصًا ولوجهك خالصًا ولا تجعل لمخلوق فيه نصيب.

أخي المسلم: من المؤسف له أن بعض الكتاب، يكتبون مقالات وآراء لا داعي لها ولا خير فيها ولا فائدة منها، إن هي إلا أمور تنبئ عن فساد في العقيدة، وانحراف في الاتجاه، وبعد عن سبيل الله، حينما يتعرض لشخصيات فذة من الشخصيات الإسلامية المعروفة بعدالتها ودينها وأمانتها، ومن مضى عليها آلاف السنين نقدح في شخص ما من الأشخاص دون مبالاة ودون النظر إلى المصالح، وإنما الأهواء السيئة تقود بعضهم لأن يكتب ليناقش فلانًا؛ بل تعدى الحد إلى أن جعل بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مجالاً لقدح القادحين وسبّ السابين وسخرية المسخرين، هذا أمر لا يجوز، يجب على المتقي لله فيما تخطه قلمه وليذكر أن الله يقول: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النور: 24]، هناك شخصية مضت لماذا.. ما الداعي لذلك، هل الداعي هوى في نفس المتحدث أريد أن أقدح وأطعن في صحابي جليل وملك من ملوك الإسلام بلا برهان ولا حجة؛ ولكنه الهوى الدال على فساد القلوب وسوء المعتقد.

نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة، فإن المسلم يحب أصحاب رسول الله ويترضى عنه، ويذكر سابقتهم وفضلهم وجهادهم ومكانتهم، ولا يصغي إلى ما دنّس تاريخهم به من القدح والكلام الكذب والافتراء الذي مُلئت به كثير من الكتب، بل يقف موقف العدل والاعتدال موقف سلف الأمة وخيارها الأمة من محبة أصحاب رسول الله والترضي عنهم وبيان محاسن فضائلهم وأن حسناتهم العظيمة وفضائلهم الجمة أمور عظيمة، أيّ خطأ يتلاشى تحت هذا الفضل العظيم؛ لكن يأتيك من يكتب عن صحابي يقدح فيه ويسبه ويصفه بالطغيان إلى ما ذلك كل هذه حماقات وجهالات وضلالات، يجب الترفع عنها وعلى الصحابة أن لا يقبلوا أي قدح في جنس أولئك وأن يغلقوا هذا الباب لأن هذا أمر لا داعي له، بل هو أمر محرم فعلى الجميع تحمل مسئوليتهم وأمانتهم فيما يسمحون في نشر مقالات لا خير فيها ولا مصلحة منها، أسأل الله للجميع التوفيق والسداد.

واعلموا رحمكم الله أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.

وصَلُّوا رحمكم الله على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56] اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين والأئمة المهدين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.

اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللَّهمَّ هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهمَّ أمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، اللَّهمَّ وفقه قادة المسلمين لكل خير وهدهم سبل السلام وخرجهم من الظلمات إلى النور.

اللَّهمّ دمر أعداء دينك، اللَّهمّ انصر المستضعفين في كل مكان، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدالله بنَ عبدِالعزيزِ لكل خير، سدده في أقواله وأعماله، اللَّهمّ كن له عونًا ونصيرًا في كل ما همه وامنحه الصحة والسلامة والعافية، اللَّهمَّ وفق ولي عهده سلمان بن عبدِالعزيزِ لكل خير، وسدده في أقواله وأعماله، ووفقه للصواب إنَّك على كل شيء قدير، وخذ بأيدهما في سراك يا أرحم الراحمين (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي