يعجب الإنسان حين يرى أناسًا من بني قومه ممن عاشوا بين أبوين محافظين، وفي بيئة تحب الحياء والستر، ويحترم أهلها أحكام الشريعة وآراء العلماء، يعجب حين يراهم بعد أن كبروا يهاجمون الخير في بيئتهم وينفرون ممن ينشرون الفضيلة، ويفكرون بطريقة انتقائية، فيقبلون من الدين شيئًا ويرفضون أشياء، وبالتحديد يرفضون من الأحكام ما يتعارض منها مع الثقافة الغربية وقيم الغرب.. فيجعلون الثقافة الغربية هي الحاكمة على كثير من أحكام القرآن والسنة، وليس العكس، بل ويجعلون...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لا يُستغرب التمرد على الفضيلة وعلى أحكام الشريعة ممن تربى في بيئة لا تحترم أوامر الشريعة، أو تربى تحت أبوين لا يأمران بالمعروف ولا ينهيان عن المنكر، لا يُستغرب التمرد على الفضيلة ممن نشأ منذ الصغر في بيئة وأجواء مادية تشوبها الغفلة عن دين الله.
ولا يستغرب التمرد على الفضيلة ممن شبَّ في بيئة تعشق المتعة الجسدية بكل أنواعها أينما كانت وبأي شكل أتت.. لا يُستغرب من مثله وممن هو في وضعه التمرد على الفضيلة والحياء والستر والتشكيك في أحكام الشريعة التي لا تهواها نفسه ولا يستسيغها عقله، لا يُستغرب تمرده، وقد نشأ في مثل تلك البيئة.
ولكن يعجب الإنسان حين يرى أناسًا من بني قومه ممن عاشوا بين أبوين محافظين، وفي بيئة تحب الحياء والستر، ويحترم أهلها أحكام الشريعة وآراء العلماء، يعجب حين يراهم بعد أن كبروا يهاجمون الخير في بيئتهم وينفرون ممن ينشرون الفضيلة، ويفكرون بطريقة انتقائية، فيقبلون من الدين شيئًا ويرفضون أشياء، وبالتحديد يرفضون من الأحكام ما يتعارض منها مع الثقافة الغربية وقيم الغرب..
فيجعلون الثقافة الغربية هي الحاكمة على كثير من أحكام القرآن والسنة، وليس العكس، بل ويجعلون الثقافة الغربية مرجعًا فيما يُقبل ويُرفض من قيم ومبادئ، وخاصة فيما يتعلق بحجاب المرأة ووضعها الاجتماعي والأخلاقي، وفي كثير من الأحكام الشرعية المتعلقة بها كونها امرأة مسلمة.
والأعجب من هذا أنهم لا يستحيون، فيكتفون بطي هذا الفكر المتمرد في خاصة أنفسهم.. لا، بل يجاهرون به ويجاهدون لنشره وإعلانه في بيئتهم، بل والدعوة إليه بكل جرأة، وكأنها أمنية تشغل قلوبهم، وتشغل نهارهم، وتؤرّق ليلهم فتراهم يكتبون المقالات الساخرة التي ينتقدون فيها مظاهر التدين، وينتقدون المناسبات التي تدعو إليه، ويلمزون رموز الدعوة، وتراهم يخرجون في فضائيات بمسميات أو ألقاب لا أدري مدى صحتها ودقتها ومدى جدارتهم بها أصلاً لينشروا فكرهم السخيف في بيئتنا المحافظة.
وهم مراتب: منهم الجلد الشرس الذي يبغض التدين ويشمئز منه ومن مظاهره بكل صراحة، ومنهم من هو أقل منه فهو يصلي ويصوم، وقد لا يشرب الخمر ولكنه يريد دينًا في صورة جديدة، نسخة معدلة كما يقال..
يريد دينًا يقبل بالتنازل عن بعض الثوابت كي يتأقلم مع الأصل حسب ظنه، فهو يعتقد أن التدين والفكر المحافظ -أو كما يسميه الفكر المتشدد- يسير بالأمة إلى الخلف، فيقول أحدهم: "أصبح العالم العربي نشازًا وسط الحركة العالمية المتسارعة، إن الانبهار الحضاري هو نتاج الحريات المنضبطة واحترام تربية الإنسان، ففي الأجواء الإنسانية الحرة المفتوحة تتفتح قابليات الإنسان وتزدهر قدراته فيزدهر المجتمع".
وهو كلام في عمومه صحيح لو كان يقصد بالقيود التي تمنع الازدهار قيود الضغط السياسي أو التدهور الاقتصادي، أو ما حدث بعد الاستعمار من تمكين المستعمر خلفًا له أيًّا كان ديكتاتورًا أو عسكريًّا متوحشًا يضبط الأمور من بعد المستعمر ويقمع الحركات الأصيلة النابعة من ثقافة الأمة ودينها، ويمنع نهضة الأمة إلا من شعارات فارغة مزيفة لا واقع لها، ويمكن من تسلط المنافقين والكذابين والخائنين الذين يقدمون المصالح الخاصة على حساب مصلحة الأمة، لو كان يقصد هذا لكان الكلام صحيحًا طبعًا.
لكن إذا أردنا تسخير المفردات على الحقيقة، وما قصده بالحرية واحترام تربية الإنسان، وصلة ذلك بالدين، وكون التدين والبيئة المحافظة هي التي تقيد الحريات وتمنع النهضة لاختلف الأمر ولتغير الحكم.
ولذلك نراه يقول بعد ذلك: "فإنا حاليًا في المملكة نعيش انفتاحًا سياسيًّا لم نكن نحلم به، ففرصة التعبير عن الرأي أصبحت متاحة بمستوى رائع، لكن تراكمات الماضي جعلت المجتمع غير مهيأ بأن يستجيب لهذا الانفتاح المنعش، فممانعة الفكر السائد ما زالت قوية ومنابعه ما زالت غزيرة".
ما المقصود بتراكمات الماضي وما هو الفكر السائد وما هي منابعه؟ أهي البيئة المحافظة؟ ربما أكون مخطئًا في تقديري، ولكن يقرب الصواب التفكير عندما يواصل قائلاً: "فنحن بثقافتنا الحالية وباهتمامنا وباهتماماتنا السائدة وبتواكلنا ورفضنا الأرعن لأي فكر طارئ نعيش خارج منظومة العصر".
إذاً فالفكر الديني المحافظ هو الذي يمنع هذا النمو والتطور، ويقول أحدهم وهو أيضًا كسابقه من أهل هذه البلاد وممن تربى في بيئة طيبة محافظة يقول في صحيفة محلية تحت عنوان "ملتقى الحشمة بحائل"، وهو ملتقى أقامته اللجنة النسائية بهيئة الإغاثة الإسلامية في حائل يقصد منه استدراك ما طرأ على حجاب المرأة في هذه البلد الكريمة من انحراف عن أصل الحشمة إلى أنصار الحجاب وزينة بذاته، وأصبح للعباءات أسماء كأسماء الماركات، بل وصار النساء إلا من رحم الله يتسابقن واحدة تلو الأخرى على اقتناء أجمل العباءات والخروج بها أمام الرجال، ويتسابقن على كشف الوجه، وجزء من الشعر؛ لأنه صيحة العصر في بلاد الحرمين مع الأسف!!
ومع كل هذه المظاهر المشهودة والواضحة جدًّا لتدهور الحجاب كتب يقول: "لم يكن للناس سالفة "يعني قصة" خلال اليومين الماضيين سوى سالفة "ملتقى الحشمة بحائل"، وقد نجد لهم العذر في ذلك؛ إذ لا يتصور أحد أن يقام ملتقى للحشمة في بلد كل ما فيه يبدأ من الحشمة، وينتهي إليها" بمقاييسه طبعًا وليس بمقاييس غيره من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
وهنا يستخف بما يعتبره نظرة ضيقة لمفهوم الحشمة عند المجتمع المحافظ، قال: "كما أن خصوصية الحشمة السعودية لم تهدد من قريب أو بعيد إلا إذا اعتبرنا عباءة الكتف وظهور الكفين والقدمين ضد الحشمة، ولذلك ربما سمح لنا منظمو هذا الملتقى بالقول: إنهم بالغوا مبالغة شديدة في موضوع ملتقاهم وفعاليتهم، وكان الأجدر ألا يضيعوا وقتهم ووقت الناس في أمر مفروغ منه في بلدنا، ليتهم صرفوا أوقاتهم الثمينة في أشياء مفيدة، ولن أقول ليتهم استفتوا النساء بمناسبة انعقاد هذا الملتقى عن كيف ينظرن إلى حدث قيادتهن للسيارة في ظل متغيرات عصرنا".
ثم قال: "لكننا دائمًا وأبدًا نصرّ على أن نبقى مربوطين بحبال غليظة إلى المفروغ منه والمتفق عليه كأن قدرنا هو ألا نناقش أيّ أمر متغير أو جديد في حياتنا التي تتغير بسرعة هائلة أمام أعيننا".
ويهب آخر مثله بل من مدينة حائل نفسها ليعلن تذمره وعدم استطاعته حتى تحمل عنوان ذلك الملتقى، يعلن ذلك ليس في خاصة نفسه أو بين أصحابه..كلا، لا يكفي بل يعلن إنكاره لجميع الناس..
في صحيفة محلية أخرى تحت عنوان "ملتقى حشمة حائل" ويقول: "لم أستطع أن أتقبل عنوان لملتقى موضوعه يدور حول الحشمة في بلد جميع نسائه محتشمات ولم نعرف امرأة واحدة غير محتشمة فيه" !!
يا سبحان الله "ولم نعرف امرأة واحدة غير محتشمة" يقول: "بل هو بلد فرض حتى على الأخوات من الجاليات الأخرى أن يحتشمن خلاف ما كان معهودًا منذ سنوات، وحيث إني من منطقة حائل وأعرف تفاصيلها ومتعرجاتها وطبيعة أهلها الطيبين، فإن ملتقى بهذا الاسم يثير الجدل أكثر ما يهدف إلى توعية النساء المحتشمات بكيفية احتشامهن ".
ثم قال: "إن موضوع الحشمة هو أقرب إلى رؤية محدودة لدى ناس لديهم مفهوم خاص للحشمة يراد تعميمه، فهنا يأتي الإشكال؛ إذ تصبح المواصفات الخاصة جدًّا في لبس العباءة أو ظهور العينين أو غيرها هي محددات تلك الحشمة من عدمها مع أن الفكر الإسلامي واسع في هذا المجال.." ما شاء الله بدأ الآن يدخل في الفقه والعلم الشرعي!!
ثم راح يشكك في جملة أخلاق المجتمع الذي كان ولا يزال بسيطًا في تعاملاته .. قال: "مما يعني أن موضوع الحشمة معمول به بشكل طبيعي لدى الناس، ولا يستحق كل هذا الهياج مما عند المتوجسين الذين يعتبرون أن الرؤية الطبيعية للمرأة التي تعمل بهذه المجتمعات البسيطة كأن تعمل امرأة في مكان مختلط مع الرجال كالمستشفيات مثلاً هي دعوة للانفتاح أو التغريب يفترض عن المتوجسين ملتقى للحشمة ".
يقول: "رؤية محدودة"، "متوجسون"، "هياج" عبارات وأوصاف تنمّ عن غيظ دفين وكره لكل ما هو محافظ، هكذا هم، بل هؤلاء هم المعتدلون منهم.. ويذكروني بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيانه لإحدى صفات المنافق؛ حيث قال عليه الصلاة والسلام: "إذا خاصم فجر"، أي مال عن الحق وقال الباطل والكذب، والمراد أنه إذا خاصم أحدًا فعل كل السبل ولو كانت غير مشروعة ولو ظلم واحتال وافترى حتى يأخذ الحق من خصمه ويفوز هو.. هذا هو الفجور في خصومه.
إنهم ينتظرون بشغف ذلك اليوم الذي يختلط فيه الشباب بالفتيات بكل مكان، وتشيع بينهم العلاقات المحرمة عندها يكون مجتمعنا في نظرهم قد ساير العصر.. لا بلغهم الله ما يتمنون.
استمعوا إلى تقرير اللجنة النسائية بعد انتهاء ذلك الملتقى: "تزاحم بالأمس جموع الزائرات بملتقى الحشمة في حديقة استارلاند برعاية هيئة الإغاثة الإسلامية؛ حيث بلغ عددهن 4136 زائرة، وكان الملتقى يهدف إلى تعزيز الاحتشام وترسيخه وتقديم رسالة للمجتمع ولمرتادات استارلاند وغيرهن ممن رأين تساهل بعض الفتيات لضوابط اللباس رسالة بأن فتياتنا ما زلن على خير، فكان هذا اللقاء بمثابة بشائر تسعد بها نفوس قد أحست بشيء من الغربة، بالإضافة إلى توعية فتياتنا بضرورة اعتزازها بدينها وثباتها، والوسائل التي تعينها على ذلك من تمسك بكتاب الله وحسن اختيار الصحبة والتخلق بخلق الحياء".
يعجبكم هذا الكلام؟ هذا الكلام لا يعجب هؤلاء، لا يعجب التغريبيين ومن تأثر بهم، ولذلك تراهم كلما فُتح باب فضيلة تذمروا منه، وكلما فُتح باب فتنة فرحوا به وطاروا به.
أسأل الله تعالى أن يهديهم وأن يكفّ شرهم عن المسلمين، وأستغفر الله فاستغفروه إنه غفور رحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه..
أما بعد: فما يزال العجب قائمًا من نقمة هؤلاء على مجتمعهم قبل مقال "سالفة ملتقى حشمة حائل " هذا أتدرون ما كتب ذلك الكاتب قبل مقاله ذاك بيوم واحد حتى تعرفوا توجهات هؤلاء، كتب مقال بعنوان "تجميد ولي أمر المرأة"، قال فيه: "أدعو وأنا بمنتهى قواي العقلية والنفسية إلى تجميد ما أعتبره من باب البدع التقليدية السائدة لدينا وهو ولي أمر المرأة، أن تقول لامرأة أين ولي أمرك فإنك تعني أنها ناقصة الأهلية".
ثم راح يهذي بجهل ناسيًا أنه بذلك يريد إلغاء حكم من أحكام الإسلام، هل يريد تجميد الآية (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) [النساء: 34] وتجميد حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي صح في سنن البيهقي وفي مسند الإمام: "لا نكاح إلا بولي" أي بولي للمرأة الذي يريد تجميده !!
هل يريد تجميد حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" والمحرم هو وليها.
لكنه اللعب على عقول الناس والتأثر بمنظمات حقوق المرأة وحقوق الإنسان في الخارج وإلا فالكل يعلم أن ولاية الرجل للمرأة ليست ولاية مطلقة كما يريدها ويهواها الرجل.. لا، إنما هي في المواضيع التي خص الدين بها الرجل في قيادته للأسرة والمجتمع بحكم خِلقته التكوينية التي جُبلت على الصعاب والأعمال العنيفة التي تتطلبها الحياة البشرية، فشريعة الإسلام سمحة عادلة تعطي للرجل حقوقه وللمرأة حقوقها، وتعطي للرجل كرامته وللمرأة كرامتها بحكمة ودراية دون أن يكون في ذلك ظلم ولا اعتداء.
وليس المقام مقام توسع في هذا الموضوع وإنما القصد التوعية بمكر هذا الصنف من الناس الذين مُكنوا من نشر سمومهم الفكرية في صحفنا مع الأسف.
ونسأل الله عز وجل أن يمكننا بأن نلقي الضوء على أسباب انحرافهم.
اللهم احفظنا واحفظ نساءنا وأولادنا من كل مبطل وضال..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي