اللهم بلغنا رمضان

حسان أحمد العماري
عناصر الخطبة
  1. قرب حلول شهر رمضان .
  2. الاستعداد لمواسم النفحات .
  3. اغتنام الأيام المباركة .
  4. رمضان باب للتغيير والإصلاح .
  5. صوم رمضان مفتاح للتخلص من الأخطاء والذنوب .
  6. رمضان مختلف وجديد. .

اقتباس

إن بلوغ رمضان لنعمة كبرى، ومنة عظمى، يقدرها حق قدرها الصالحون المشمرون، فواجب على كل مسلم ومسلمة منَّ الله عليه ببلوغ شهر رمضان، أن يغتنم الفرصة، ويقطف الثمرة، فإنها إن فاتت كانت حسرة ما بعدها حسرة، وندامة لا تعدلها ندامة.. فكم من الناس من ينتظر شهر رمضان بلهفة وشوق، لينهل من بركاته، ويغترف من خيراته، فهو المعين الدافق، والنهر الخافق، وهو شهر النفحات والرحمات الربانية وما أحوجنا إليها في زمن ضعف فيه الإيمان وفسدت فيه الكثير من القيم والأخلاق وقست القلوب وزاد القلق...

الحمد لله الذي خلق الشهور والأعوام..والساعات والأيام.. وفاوت بينها في الفضل والإكرام.. وربك يخلق ما يشاء ويختار.. أحمده سبحانه.. فهو العليم الخبير..الذي يعلم أعمال العباد ويُجري عليهم المقادير.. لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو على كل شيء قدير.. في السماء ملكه.. وفي الأرض عظمته.. وفي البحر قدرته.. خلق الخلق بعلمه.. فقدر لهم أقدارًا.. وضرب لهم آجالاً.. خلقهم.. فأحصاهم عددًا وكتب جميع أعمالهم فلم يغادر منهم أحدًا.. وأصلي وأسلم على أفضل من صلى وصام ووقف بالمشاعر وطاف بالبيت الحرام.. صلى الله وسلم وبارك عليه.. ما ذكره الذاكرون الأبرار وصلى الله وسلم وبارك عليه.. ما تعاقب الليل والنهار ونسأله سبحانه أن يجعلنا من خيار أمته.. وأن يحشرنا يوم القيامة في زمرته.

أما بعـد: عبـاد الله: أيام قلائل ويحل علينا شهر رمضان يحل علينا هذا الضيف، بعد عام مضى من الأعمال والأفعال والأحداث، وهذه هي سنة الله في خلقه وهكذا هي الليالي تُطوى والأيام، وتتقلص الأعداد والأرقام، وتنصرم الشهور والأعوام، والناس قسمان: قسم قضى نحبه، مرتهن بعمله، حسابه على ربه، وقسم ينتظر، فإذا بلغ الكتاب أجله (فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) [يونس:49] فطوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا، وطوبى لمن صدقت نيته، وطابت سجيته، وحسنت طويته..

فكم من الناس من ينتظر شهر رمضان بلهفة وشوق، لينهل من بركاته، ويغترف من خيراته، فهو المعين الدافق، والنهر الخافق، وهو شهر النفحات والرحمات الربانية وما أحوجنا إليها في زمن ضعف فيه الإيمان وفسدت فيه الكثير من القيم والأخلاق وقست القلوب وزاد القلق وكثرت الهواجس وضعف اليقين بما عند الله وما أعده لعباده.. فما أحوجنا لهذه النفحات الربانية ..

عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم» حديث حسن (انظر الصَّحِيحَة للألباني: 1890)، والنفحة: هي الدفعة من العطية.. وقد أجمل سبحانه نفحات هذا الشهر بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183].

عبـــــــــاد الله: إن بلوغ رمضان لنعمة كبرى، ومنة عظمى، يقدرها حق قدرها، الصالحون المشمرون، فواجب على كل مسلم ومسلمة منَّ الله عليه ببلوغ شهر رمضان، أن يغتنم الفرصة، ويقطف الثمرة، فإنها إن فاتت كانت حسرة ما بعدها حسرة، وندامة لا تعدلها ندامة، فقد كان صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان تهيئةً لنفوسهم وشحذًا لهممهم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: لما حضر رمضان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «قد جاءكم رمضان، شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغـلق فيه أبواب الجحـيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِم خيرها فقد حُرِم» [ رواه أحمد (2/230) وحسّنه المنذري في الترغيب (2/99)، وقال الألباني في صحيح الترغيب (999): "صحيح لغيره".]..

فهذا رمضان مقبل علينا فأقبلوا عليه، وخذوا منه الصحة لأجسامكم، والسمو لأرواحكم، والعظمة لنفوسكم، والقوة لأجسادكم، والبذل والفضل، والكرم والعفو والتسامح والصدق لتسموا أخلاقكم، فرمضان فرصة لتربية النفس في هذه الجوانب لتستقيم طوال العام، ومن لم يدرك هذه الحقائق الربانية فقد يخسر وأي خسارة أعظم من السقوط من عين الله ورعايته ورحمته؛ قال عليه الصلاة والسلام: «من لم يدَع قولَ الزورِ والعملَ به والجهلَ فليس لله حاجةٌ أن يدَع طعامه وشرابَه» [البخاري/6057]، وقال عليه الصلاة والسلام: «رُبَّ صائمٍ حظُّه من صيامِه الجوع والعطَش، ورُبّ قائمٍ حظّه من قيامه السّهر» [صحيح الترغيب والترهيب (1083، 1084)]..

ورمضان فرصة للتوبة النصوح والندم على ما فات من التقصير، والعزم على عدم العودة للذنوب والمعاصي والآثام، فالتوبة إليه والتضرع بين يديه من أهم الأعمال في شهر رمضان.. فبعد أن ذكر سبحانه وتعالى آيات الصيام قال معقبًا: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ )[البقرة:186]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «من صَام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدّم من ذنبه» (مسلم /760)..

ورمضان خطوة نحو التغيير لمن هجر قراءة القرآن الكريم وتدبر أحكام والعمل بما فيه فيحدد لنفسه وردًا معينًا يحافظ عليه في كل يوم فيربي نفسه ويزكي أخلاقه، ويعرف مكانه من الله قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة:185]..

هذا الأحنف بن قيس كان جالسًا يوما فجال بخاطره قوله تعالى: (لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [الأنبياء: 10] فقال: عليّ بالمصحف لألتمس ذكري حتى أعلم من أنا وما هي أعمالي؟ فمر بقوم قال تعالى فيهم: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) (الذاريات/17-19). ومر بقوم قال تعالى فيهم (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )[آل عمران: 134]، ومر بقوم وهو يقرأ في كتاب الله: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون[الحشر: 9]. فقال -تواضعًا منه-: اللهم لست أعرف نفسي في هؤلاء ثم أخذ يقرأ فمر بقوم قال تعالى فيهم: (إذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )[الصافات: 35].

ومر بقوم: يقال لهم: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ  ) [المدّثر 42-44] فقال: اللهم إني أبرأ إليك من هؤلاء حتى مر على قومٍ قال الله فيهم: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )[التوبة: 102]. فقال: اللهم إني من هؤلاء.. فاغفر اللهم الذنوب واستر العيوب وتجاوز عن السيئات وبلغنا رمضان بتوبة نصوح وعمل صالح ..

قلت قولي هَذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه

الخطـبة الثانية:

عبـاد الله: فليكن رمضان هذا العام مختلفًا عن كل عام فنؤدي فيه الصيام بشروطه وأحكامه وآدابه، ونعزم فيه على التوبة من الذنوب والمعاصي ونرد فيه الحقوق والمظالم إلى أهلها ونستغل أوقاته بالصلاة والقيام وصلاة التراويح والذكر والدعاء وقراءة القرآن..

ولتقم فيه بإصلاح ما فسد من العلاقات فيما بيننا.. بين الأخ وأخيه والجار وجارة ولنصل أرحامنا، وعلينا أن نجعل من رمضان نقطة لتزكية نفوسنا وتهذيبها بالأخلاق، وعلينا القيام بواجباتنا ومسئولياتنا على أكمل وجه، ولنتراحم فيما بيننا فيعطف الكبير على الصغير والغني على الفقير ويرحم القوي الضعيف.. فو الله لقد آن لنا نقوم بهذه الأعمال حتى يكتب سبحانه وتعالى لنا الفوز والنجاة في الدنيا والآخرة، ولكي ينظر إلينا سبحانه وتعالى برحمته وعفوه فيرفع عنا كل شر ومكروه وبلاء وقد حذّر سبحانه من هذه الغفلة فقال: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )[الحديد:16].

عبـــــــــاد الله: فلنستعد بنية خالصة لوجه الحي القيوم ولنستبشر ولنفرح بمواسم العبادات والطاعات؛ لما فيها من الفضائل والمنح والجوائز، قال صلى الله عليه وسلم: "من خُتم له بصيام يوم دخل الجنة"... (صححه الألباني في صحيح الجامع رقم 6224).

قال المناوي:" من ختم عمره بصيام يوم بأن مات وهو صائم أو بعد فطره من صومه دخل الجنة مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب"... ( فيض القدير 6/123)، وروى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يا حذيفة من خُتم له بصيام يوم يريد به وجه الله عز وجل أدخله الله الجنة" (الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/412)..

فاللهم بلغنا رمضان ووفقنا للصلاة والصيام والقيام واكتب لنا فيه القبول والرضوان... اللهم اجعلنا لك ذاكرين.. لك شاكرين.. لك خاضعين.. لك صائمين ومنفقين ومتصدقين ... هذا وصلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، والحمد لله رب العالمين .


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي