إن رمضان يأتي ليستنبطك من همتك وينتشلك من رغبتك، يأتي ليذكّرك بالحقيقة يدعوك من أخذ حصتك من ذكر الله، ومن كتاب الله لتنافس إخوانك، لا تدع أحدًا يسبقك إلى الله، حافظ على الصلوات في الجماعات، واحرص حرصًا شديدًا على ألا تفوتك صلاة واحدة في جماعة.. سارع إلى الخيرات، تسابق إلى المكرمات، نوّع ..
الحمد لله المتفرد باسمه الأسمى، والمختص بالملك الأعز الأحمى، الذي ليس من دونه منتهى ولا ورائه مرمى، الظاهر لا تخيلاً ووهمًا، الباطن تقدسًا لا عدمًا.. وسع كل شيء رحمة وعلمًا، وأسبغ على أوليائه نعما عُما، وبعث فيهم رسولاً من أن أنفسهم عربًا وعجمًا، وأذكاهم محتدًا ومنما، وأشدهم بهم رأفة ورحمة حاشاه ربه عيبًا ووصمًا وذكاه روحًا وجسمًا وآتاه حكمة وحكمًا، فآمن به وصدقه من جعل الله له في مغنم السعادة قسمًا، وكذّب به وصدف عنه من كتب الله عليه الشقاء حتمًا، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى.. صلى الله عليه صلاة تنمو وتنمى وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا..
معاشر الصالحين: جاءكم رمضان شهر يرتقي فيها أصحاب النجابة يرتقون فيه إلى أعلى المنازل التي يحققون فيها الاقتراب من رب الأرباب، شهر يغترف فيه المهديون من فيوضات رحمات الله وينالون من ألوان الإكرام ما لا يخطر على بال ولا يجيء على مثال.
شهر تزكو فيه القلوب وتهدأ الجوارح إنه شهر التحرير والتنوير، إنه شهر الثورة، الثورة على مكامن الضعف فيك، الثورة على كل ما يشدك إلى التراب، ثورة على الجسد من أجل تحرير الروح، فالروح متى حررت رجعت إلى أصلها لتسبح في العلياء وتصعد إلى السماء فهو شهر يعيد إليك زمام نفسك الذي خطفته منك الشهوات بأنواعها..
فهو شهر يمنحك قيادة نفسك من موقع الاقتدار دون منازعة من كبار أو صغار، فباستعلائك على شهوات الجسد تتقوى روحك وتتخلص من أثر الشهوات والمغريات..
فيلا الله ما أغزر بركاته، شهر يهتز فيه الكون كله ويتحرك من أجلك أيها الإنسان، فتح أبواب الجنان، إغلاق أبواب النيران، تصفيد الشياطين، تنزل الملائكة، نزول الرحمات، استجابة الدعوات.. كل ذلك من أجلك من أجل أن تعتق من النار وأن تدخل في حرز العزيز الغفار.
لذلكم حظي هذا الشهر بعبادته المتميزة، حظي بالإضافة إلى الله في قوله جل في علاه في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به».
إن رمضان شهر الله، ومن ثم فإن من الخطورة بمكان الإساءة إليه أو الانتقاص من قدره أو التلاعب بحرمته؛ لأن من فعل ذلك فإنه يدخل في مواجهة مباشرة مع الله بمقتضى قوله جل في علاه: «إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به».
والجزاء نوعان، جزاء إكرام، وجزاء انتقام، جزاء الإكرام وهو جزاء الصائمين الصادقين الخائفين الوجلين الذين يعظمون حرمات الله، الذين يصونون جوارحهم عن تعاطي ما يخرق قدسية الشهر العظيم من سيء الفعال وفضول الكلام وتلطيخ الجوارح بالآثام وجزاء انتقام للذين يسوؤون إلى هذا الشهر إما بعدم الصيام بالكلية عياذًا بالله أو بالانتقاص من حرمته وهيبته وقدسيته.
ومن ثَم فإن الواحد منا ليدهش ويعجب عند سماع هذه الدعوات التي تصدر من بعض أئمة الغوغاء وسادة البلادة وأرباب الانبطاح الذين يدعون بين الحين والأخرى إلى الإفطار العلني تحت دعوى الحرية !!
عجبا والله عندما تصل البلادة بأناس إلى هذه المستويات البهيمية !! أية حرية وأنت تهرب من الصيام إلى الأكل لو كنت حرًّا حقيقة فارحل إلى مكان آخر لا يدخل في ملك الله ولا تأكل من طعام الله ولا تعش فوق أرضه وتحت سمائه..
أية حرية وأنت الذي إذا لم تنم ثلاث ليال أصبت بالجنون، أية حرية وأنت الذي تحتاج إلى الخلاء لتتخلص من ويلاتك وفضلاتك، أية حرية وأنت الذي لا تتحمل آلام ضرس ألمَّ بك، أية حرية وضعفك فيك، أية حرية وقيدك منك، أية حرية والنتن في بطنك وعينيك وأذنيك وأنفك !!
إن الأحرار بحق وصدق هم الصائمون الذين تحرروا من الشهوات المقيدة الذين يستعينون على الشهوات الضرورية من أكل وشرب وأسباب نسل، هم الذين يكابدون الجوع والعطش والحر والعرق من أجل الله طمعا فيما عند الله واحتسابا للأجر لديه جل في علاه.
أما أئمة الاسترقاق والشقاق والنفاق فما أحوجهم إلى درة عمر رضي الله عنه، والعجيب أنهم يدخلون حربهم هذه تحت مسمى حقوق الإنسان، وإذا ما وقف أحد بوجههم تنادت الجمعيات دفاعا عنهم وترددت الكلمات أين حقوق الإنسان؟!
وأنا أقول إذا كنتم تدافعون عن حقوق الإنسان فمن يدافع عن حق الله !! فالصوم حق الله وأمر الله أضافه الله لنفسه إضافة تشريف وهو سبحانه من سيتولى الانتقام من المعتدين على حقه وأمره (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].
وإذا كان الصوم معاشر الأحباب محررًا من القيود وهو كذلك فما أكثر قيودنا التي نحتاج التخلص منها.
من الأمور أيها الأحباب التي قيدت الكثيرين منا والتي يجب على كل مبتلى أن يستغل فرصة رمضان للتخلص منها آفة الدخان، هذه الآفة الخطيرة التي تتنافى مع كل تعاليم الإسلام النقية الذكية والتي تتنافى مع مقاصد الصيام والتي تتنافى مع كل مواقع الطهر والنقاء في الإنسان.
فالتدخين أيها الأحباب حرام بلا شك ولا ريب ولو سألت المدخنين أنفسهم هل هو من الطيبات أم من الخبائث لأجابك المنصفون منه: هو من الخبائث، فإذا تقرر لديك أنه من الخبائث جاءك قوله تعالى في سورة الأعراف: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف: 157].
ومن تأمل هذه الآية وجد أن تحريم الخبائث جاء في سياق الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم بمعنى أن من شروط اتباعك لهذا النبي ومن دلائل حبك له أن تترك الخبائث ومنها الدخان، وقال تعالى في آية أخرى: (وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) [النساء: 2].
ولا يتردد من له أدنى ذرة من عقل أن يدخله ضمن قائمة الخبائث وأنواع المؤذيات، وقد أفتى كثير من العلماء المحققين بتحريمه لما يترتب عليه من الأضرار والمفاسد العظيمة ومنها الإسراف في إنفاق المال والله تعالى يقول: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف: 31] وبعد هذه الآية مباشرة (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) [الأعراف: 32].
والدخان ليس من الزينة ولا من طيبات الرزق، وقد أجمع العلماء على أن كل ما يؤدي إلى الضرر ويوقع في المهالك يجب اجتنابه وفعله محرم، قال صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار».
ثم إن في التدخين غباء ظاهر فالمدخن عندما يشتري علبة الدخان يجد مكتوب عليها "الدخان سبب رئيس من أسباب سرطان الرئة " وغيرها من الأمراض، وهذا الإعلان هو حقيقة في نفسه صورة من صور الاستخفاف.
ثم بعد ذلك ترى المدخن يقبل على التدخين رغم علمه بمضاره ومفاسده ومهالكه، ثم إن المدخن وهو يدخن يتلبس بذنب أعظم وهو الظلم فإنه ينفخ الدخان في وجوه من حوله كبيرهم وصغيرهم لا يراعي في ذلك أحدا، بل يؤذي حتى الملائكة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم».
ثم إن المدخن يعطي صورة سيئة أمام أبنائه ويغرس فيهم هذا الوباء الخطير الفتاك، إن هذا الجسد هو أمانة الله ولا يحق لك العبث فيه ولا إضراره ولا إفساده والتدخين من أعظم الإفساد لهذا الجسد، بل لقد سماه بعض المختصين بالانتحار البطيء..
وأخشى أن يدخل المصِرّ على الدخان تحت قوله صلى الله عليه وسلم: «ومن تحسى سمًا فقتل نفسه به [أي من شرب وتجرع سما]، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا» رواه البخاري ومسلم.
ثم إن الصالحين لهم سمة تميزهم، لقد كان سلفنا الكرام يعرفون قدوم بعض الصالحين برائحتهم الزكية حيث كانوا يتطيبون ويتطهرون ونحن في شهر الطهارة وفي شهر القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «طهروا أفواهكم بالقرآن».
ثم هذا شهر التحرر والانعطاف من القوة والشهوات، فلماذا يا عبد الله تستعبدك سيجارة، لماذا تقيدك؟ وأنت من أنت.. أنت المنتسب إلى الله عبودية وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إتباعا وطاعة فكن عبدالله ولا تكن عبدا لما سواه.
جعلني الله وإياكم ممن ذكر فنفعته الذكرى وأخلص لله عمله سرا وجهرا، أمين..أمين والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله الذي بلغنا شهر رحماته وميدان نفحاته ومكمنها من تلاوة آياته، أحمده حمد من يوقن أن لا رب له سواه ولا مولى له عداه، والصلاة والسلام على سيد الصائمين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الذين فازوا بحبه وقربه وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم وعيده ووعده.
أيها المدخن هذه فرصتك العظيمة للتخلص من هذا الوثن، هذه فرصتك العظيمة للتغلب على هذا العفن فبدءًا من الآن متوكلاً على الله موقنا أنه سبحانه لن يتخلى عنك أبدًا ولا تلتفت لوساوس الشيطان الذي يصور لك أن الأمر خطير أو أنك لا تطيق ذلك، التجأ إلى الله فهذا شهر الدعاء، اتجه إليه في السجود وعند الإفطار وفي كل أوقات الإجابة فالصائم له دعوة لا ترد كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واعلم أنك إن صدقت نيتك وعلم الله منك أنك تريد تركه طاعة لله فاعلم أنه سبحانه لن يتخلى عنك أبدا، بل سيعينك ويمدك بكل أسباب الانتصار على هذا البلاء، فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: «ومن تقرب إلي شبر تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة».
واصبر على ما تجده من الجهد والألم من أجل الله وامزج ذلك بحلاوة حب الله فلا شك سيغلب حب الله، فلقد كان سيدنا بلال رضي الله عنه توضع على صدره الصخرة العظيمة وهو ملقى على رمال مكة الحارة عاريًا من وقت الظهيرة، وكان لا يزيد على قوله "أحد..أحد" فلما سئل عن سر تحمله وصبره قال: "كنت أخلط آلام العذاب بحلاوة حب الله فتغلب حلاوة حب الله "
وبلال في وقدة الرمل يلقى *** لينادي بلاته أو منات
كلّما أمعنوا عذابا ينادي *** أحدٌ لم تطق سواها شفاتي
فأناشدك الله يا من ابتليت بالتدخين أن تعاهد الله من الآن أن تتركه طاعة لله وحبًّا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أسأل الله جل في قدرته في هذا اليوم العظيم وفي هذا الشهر الكريم وفي هذا البيت من بيوته كل من ترك الدخان من الآن أو نوى ذلك، أسأل الله بأسمائه الحسنى وبصفاته العلى أن يرزقه الفردوس الأعلى من الجنة إنه ولي ذلك والقادر عليه.
من القيود المعوقة كذلك التي أثرت الكثير منا والتي يجيء رمضان ليعينك على التخلص منها "قيد الغفلة" الغفلة المستحكمة التي ملكت القلوب وأثرت الجوارح.
إن رمضان يأتي ليستنبطك من همتك وينتشلك من رغبتك، يأتي ليذكرك بالحقيقة يدعوك من أخذ حصتك من ذكر الله ومن كتاب الله لتنافس إخوانك، لا تدع أحدًا يسبقك إلى الله، حافظ على الصلوات في الجماعات واحرص حرصًا شديدًا على ألا تفوتك صلاة واحدة في جماعة.. واحرص رحمك الله على صلاة التراويح حتى ينصرف الإمام، فقد صح عن سيد البشر صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صلى مع الإمام حتى ينصرف – أي ينصرف الإمام – كتب له قيام ليلة» أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
سارع إلى الخيرات، تسابق إلى المكرمات، نوّع الطاعات والقربات من صلوات وقراءة قرآن وصدقات وإحسان وبر وصلة أرحام واعف عمن أساء إليك من الإخوان، فمن أراد أن يعفو الله عنه فليعفو عن الناس، قال الله (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور: 22].
ومن أراد أن يصله الله فليصل رحمه فقد قال الله للرحم: «أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك».
فتنازل عن كبريائك، سامح إخوانك، صل أقاربك، فالسعيد السعيد من عرف قدر هذه الأيام وقام وصام وهجر المنام فإنما هي أيام وعما قريب يقال انصرم الشهر فعندها يفوز أهل الطاعة ويندم المفرطون وأهل العصيان..
إذا هل الهلال على العبادة *** فسارع يا أخي لجمع الزاد
فإن الشهر أيام ستمضي *** وتبقى حسرة لذوي الرقاد
أيها الأحباب: هذا أوان الرجعة، هذا موسم التوبة، والاغتسال من الحوبة (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].
ما أحوجنا إخوة الإيمان إلى أن نغتسل حتى العظام وأن نقف متطهرين منيبين بين يدي ذي الجلال والإكرام ندعوه بقلوب ملئها الأعذار عما جنيناه من الأوزار وأيدي نمده إليه بالدعاء والاستغفار.
ما أحوجنا إخوة الإيمان ونحن في شهر الصيام أن ندعو الله والصائم له دعوة لا ترد كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الإمام الترمذي وغيره: "ثلاث لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر والإمام العدل ودعوة المظلوم".
ما أحوجنا إخوة الإيمان إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وتخلى الجميع بفطره أن نبسط أيدينا إلى ربنا داعين آملين، فكفانا غفلة وإعراض عن الله عز وجل، فهذا موسم الخيرات والبركات والنفحات والتجليات والإشرافات، فمتى يغفر لمن لم يغفر له في رمضان؟!
عن الحسن بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده قال: "صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فلما رأى عتبة قال "آمين" ثم رقى فقال: "آمين" ثم رقى عتبة ثالثة فقال "آمين" ثم قال: "أتاني جبريل فقال: يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله، فقلت آمين، فمن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده الله، فقلت: آمين، قال: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليَّ فأبعده الله، فقلت: آمين " اللهم صلّ على سيدنا محمد، أخرجه بن حبان وصححه الألباني.
ما أحوجنا إخوة الإيمان إذا جلسنا على موائد الإفطار التي تضم ألوانًا من المآكل والمشارب ما أحوجنا أن نتذكر إخوان لنا في غزة وسوريا وبورما وفي الأقطار الإسلامية الأخرى حاصرهم الأعداء، وأحاط بهم البلاء منهم من لا يجد حتى الماء البارد لإطفاء ظمأه ولا يجد الطعام لإسكات جوعه وجوع أطفاله .. نتذكرهم فنرفع أكفنا بالدعاء لهم وهذا أضعف الإيمان..
أيها الأحباب: علينا أن نصوم ونصون فرب صيام لا ينفع وأعمال لا ترفع وليس لأهلها منها إلا قدّ القرائح وكدح الجوارح، فيا سعد من استخلص المعاني التعبدية وأخلص لله النية، ومع قيامك بكل هذه الأمور يجب أن يبقى قلبك مضطربًا بين الخوف والرجاء إذ لست تدري أيقبل منك فتكون من المقربين أو ترد فتكون من الممقوتين.
رُوي أن الحسن البصري رحمه الله مر بقوم يضحكون في نهار رمضان فقال: "إن الله عز وجل جعل رمضان مضمارًا لخلقه، يَسْتَبِقُونَ فيه بطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا فالعجب كل العجب للضاحك اللاهي في اليوم الذي فاز فيه المسارعون، وخابَ فيه البطّالون".
ثم يجب على المسلمون ألا يظهر التبرم أو الضيق من الصيام خصوصًا أن الصيام هذا العام يوافق الحر، بل يجب أن يستشعر أن الأنس والفرح بهذه الشعيرة العظيمة، فمن علامات الانتكاس والعياذ بالله استثقال هذا الشهر الكريم..
فكثير من الناس يستثقلون ويودون لو مر كلمح البصر حتى قال قائلهم ولبئس ما قال:
ألا ليت الليل فيه شهر *** ومر نهاره مر السحاب.
اللهم أصلح أحوالنا..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي