إنَّنا لا يُرضينا ونحن نسمع سيرة عمر الفاروق -رضي الله عنه-، وذكراه العطرة، ونترضَّى عنه في كل يومٍ، أنْ تُجسِّدَ ذكراهُ مسلسلاتٌ تسيء إليه، وممثلون لم يُعرفوا بتمثُّل هَدْيِ عمر، إنه لا يرضينا أن يُعصى اللهُ عبرَ شبهة محبة عمر! إن عمر لايرضيه أن تُمثِّل سيرتَه رجالٌ ونساء اجتمعوا واختلطوا على محاكاة حياته، ولم يجتمعوا يوما على استلهام هَدْيِه، إنه لا يرضيه أن ..
الحمد لله العليِّ الأعلى، خلق فسوى، وقدَّر فهدى، وإليه الرُّجْعَى، وأشهد أن ألا إله إلا اللهُ ربُّ كُلِّ سِرٍّ وربُّ كُلِّ نجوى، الله لاإله إلا هو له الأسماء الحسنى، وأشهد أن محمد بن عبد الله عبدُ الله ورسوله.
صلَّى الأُلى والآخِرُون عليه مَا *** صلَّتْ عليهِ وسلَّمَتْ أُمُّ القُرَى
والآل والصَّحْب ثُمَّ التابعين لهمْ *** ما لاحَ برقٌ وسحَّتْ أعيُنُ الدِّيَمِ
وسلم تسليما كثيراً.
ثم أما بعد: كانت تلك حكمة الله التي جعلت الناس منازل قد فضل الله بعضها على بعض، كانت حكمتُه تلك التي رفعت بعضَ بني الإنسانيةِ على بعض، أهم يقسمون رحمت ربك؟ كانت حكمة الله أن يتخذ رجالا للتاريخ، وأن يتخذ للتاريخ رجالا، كانت قسمته الأزلية أن يجعل خيارَ أمةِ محمدٍ في الجاهلية هم خيارهم في الإسلام إذا فقهوا.
وبين أيدينا رجل لا كالرجال، ومعيَّة لا كالمــَعِيَّات، رجل كتب الله له أن تُرغم به أنوف الطغاة والجبابرة، لقد كتب الله أن تبتدئ صفحة التاريخ بصفحة تاريخه.
رجُلٌ لم تلِدْهُ أُمٌّ ولكنْ *** أخرجَتْهُ من بطنها الأفلاكُ
أرضعتْهُ مِن دَرِّها شَفَةُ الدَّهْــــ *** ــــرِ وساحت بخدْرِه الأمْلاكُ
رجل؛ سمعنا عنه في دروب التاريخ، ولكن لم تسعنا المقادير أن نلتقي معه في دروب المدينة، حيث كانت سجاياه وعظمته تملآن الزمان والمكان، بما لاعين رأتْ، ولا أُذُنٌ سمعت، من عدالة العادلين, وزهد القادرين، وإخبات الناسكين، وقوة الودعاء الراحمين، ووداعة الأقوياء المتقين. رجُلٌ:
أبى اللهُ إلَّا يكون مضمَّخَاً *** برائحةِ الحُبِّ السُّلَافِ وبالطُّهْرِ
كسَتْهُ السماواتُ العليَّةُ حُبَّهَا *** فأصبح يُدْعَى عندها مطْلَعَ البدْر
كان رجلا أبيضَ تعلوه حُمرة، وكان طويلا أصلع الرأس، شديد حمرة العين، في عارضه خفة، وكان قويا جسيما، تكسو وجهه هيبةٌ شديدة، كان قويَّ الشكيمة، شديد العارضة،كان شديدًا بأسُه، شديداً حرده، رجل لايحول بينه وبين مايريده أيُّ حائل، إنه رجل لايعرف أنصاف الحلول، ولاينام على الضيم، كالأُسْدِ في آجامِها، تأبى الهوان ولا تنام على سغب!.
كان -في جاهليته- قويا، إذا مشى اضطربت لمشيته النوادي، كان إذا تكلم أسْمَعَ، وإذا مشى أسرعَ، وإذا ضرب أوجعَ، كان إذا قال سُمعت قولَتُه، ولا يقال لها صهٍ ولا قط.
كان الثُّريَّا وكم قد ألقمَتْ يده *** في وجه أعدائه الأنذالِ مدَّ ثرى
كان قامة وزعيما من زعماء قريشِ قبل أن يسلم، فلما أسلم:
صارتْ له الجوزاءُ فيها موطِنَاً *** لِعُلَاهُ، بَلْ هُوَ موطِنُ الجوزاءِ
روى بعض أصحاب السير عن قصته أول مادخلت روحاء اليقين والإيمانِ في قلبه، أنه لما كان في جاهليته قال: خرجت أتعرض لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن أسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أتعجب من تأليف القرآن.
قال: فقلتُ هذا واللهِ شاعر كما قالت قريش! قال: فقرأ: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلَاً مَا تُؤْمِنُونَ) [الحاقة:40-41]، قال: قلت: هذا كاهن كما قالت قريش. قال: (وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلَاً مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) [الحاقة:42-47]. فوقع الإسلام في قلبي منذ ذاك.
كان ممن آن لقلوبهم أن تخشع لذكر الله ومانزل من الحق، ومن الذين إذا تُليت عليهم آيات الله زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون، كان إسلامه -كما يقول أحد الصحابة- فتحا، ووكانت هجرته نصرا، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصليَ بالبيت حتى أسلم.
كانت محادّته للإسلام في الجاهلية تكاد تعدل وحدها أذى قريش، فلما أسلم كانت محادته للوثنية تكاد تعدل وحدها مقاومة الإسلام بأسره، يا لَرجل
مِن النفر الغُرِّ الذين وُجُوهُهُمْ *** لها في حواشي كُلِّ داجيةٍ فَجْرُ
إذا ما مشى فوق الثَّرى هَزَّ مَشْيُهُ *** وفُزِّعَتِ الأفلاكُ والْتَفَتَ الدَّهْرُ
كان رجلا وقَّافَاً إذا قيل الحقّ، ولو على حساب نفسه، كان إذا قيل له: اتَّقِ الله. أخذته الذلة والرعشة والوجل! لك أن تبصر ذلك الرجل الشامخ العارم الذي يتفجر قوة وجرأة وبأسا يرتجف كعصفور احتواه إعصار، ليس عليك إلا أن تقول له: ألا تتقي الله؟ هناك تشاهد إنسانا قد قامت قيامته، ويبدو كما لو كان واقفا أمام الله، الميزان يمينُه، والصراط على شماله، وكتابه منشور أمام عينيه، والأفق كله يدوي!.
لطالما كان يدعو أبا موسى الأشعري -رضي الله عنهما- ليتلو عليه بصوته العذب المؤثر آياتِ القرآن العظيم، ويقول: ذكرنا ربنا يا أبا موسى، ذكرنا ربنا أبا موسى، فيقرأ أبو موسى، ثم تنظر إلى عينيه فإذا هما تهملان! وكأن لسان بكائه يقول:
قدْ كنتُ أُشْفِقُ مِن دمعي على بصَري *** فاليوم كُلُّ عزيزٍ بعدها هانا
كان رجلا ألقِيَت في فمه حكمة الله التي من آتاها فقد أوتي خيرا كثيرا، كان رجلا محدَّثا، كان ملهَما، روى الشيخانِ عن حكمته وإلهامه وتحديثه عجباً... قال: "وافقتُ ربي -عَزَّ وجَلَّ- في ثلاث: قلت: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مُصَلَّى، فنزل قول الله تأييدا لقيله: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى) [البقرة:125]، وقلتُ: يا رسول الله: إن نساءك يدخل عليهن البَرُّ والفاجر، فلو أُمرن أن يحتجبن، فنزلت: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) [الأحزاب:59]، واجتمع على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نساؤه في الغيرة، فقلت: يا رسول الله، عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن! فنزل قول الله: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجَاً خَيْرَاً مِنْكُنَّ) [التحريم:5]" متفق عليه.
فَكأنَّ رجْعَ حديثِهِ *** قِطَعُ الرياضِ كُسِينَ زَهْرَا
وكأنَّ تحتَ لسانِهِ *** هاروتَ ينفُثُ فيه سِحْرا
هذا الرجل المحدث الملهم، ذكر عن نفسه لما أسلم أنه قال: لما أسلمت ثار إليَّ الناس يضربونني وأضربهم, فجاء خالي فقال: لاتضربوه؛ فإني قد أجَرْتُه، فانكشف الناس عني، فكنت أرى الذين يُضربون من المسلمين وأنا لايضربني أحد, فقلت: ألا يصيبني مايصيبهم؟ فجئت خالي وقلت له: جوارك مردود عليك، قال: لا تفعل يابن أختي، قلت: بل هو رد عليك. قال: ماشئت فافعل. فما زلت أُضرَب وأُضرب حتى أعز الله بنا الإسلام.
مَن ذلك الرجلُ الذي أعز الله به الإسلام، وقال عنه ابن مسعود: "ما زِلنا أعزة منذ أسلم"، مَن ذلك الرجلُ العظيمُ الذي كان لأمة الإسلام مِن أعدى أعاديها، فصار لها -بنعمة الله- حصنا من أعاديها؟ من ذلك الرجل الذي رأى في الدين آراء موفقة فأنزل الله قرآنا يزكيها؟ مَن ذلك الرجل الذي أحبه النبي -عليه الصلاة والسلام- حبا جعله يقول عن نفسه في كل مرة: ذهبت أنا وإياه، ورجعت أنا وإياه؟.
إنه الرجل العظيم الذي صحب عظيما وأنتج عظيما، وودخل في عظيم، إنه الرجل المحدث المُلهم، الذي قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لم أر عبقريا يفري فَرْيَه"، إنه الرجل الذي فلَّت جيوشه سلطان كسرى وقيصر، حتى وصلت في عهده إلى الصين شرقا وبحر الظلمات غربا، إنه رائد الفتح المبين، والنصر العزيز، إنه قاهر المجوسية، والساكب على الفارسية
نار الغضى مِن نارهم *** حتَّى تهاوَتْ مِنْ عَلِ
إنه الرجل الذي سمع سورة طه من مرتلها فزلزلت نيةٌ قد كان ينويها،
وقال فيها مَقالاً لا يُطاوِلُهُ *** قولُ الْمُحِبِّ الذي قد باتَ يطريها
ويوم أسْلَمَ عَزَّ الحقُّ وارْتَفَعَتْ *** عن كاهلِ الدِّينِ أثقالٌ يُعانيها
إنه الرجل صاحب الخطين الأسودين من خشية ربه، إنه الذي لو سلك فجا لسلك الشيطان فجا غير فجه، إنه أولُ خليفة دعي بأمير المؤمنين، إنه أولُ مَن كتب التاريخ للمسلمين، إنه أول مَن حمل الدّرَّة وأدَّب بها، إنه أولُ من فتح الفتوح، ووضع الخراج، ومصَّر الأمصار، واستقضى القضاة، ودوَّن الديوان، وفرض الأعطية.
إنه فاروق الأمة، إنه عمر بن الخطاب المخزومي -رضي الله عنه-، إننا بين يدي عمر، أفيأذن أمير المؤمنين؟.
أخرج أبو يعلى عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم أعِزّ الإسلام بأحب الرجلين إليك: بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام"، وكان أحبُّهما إلى الله عمر بن الخطاب.
إنه الذي أخرج عنه الشيخان عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحدّث، فقال: "بينما أنا نائم أُتيت بقدح فشربت منه حتى إني أرى الري يخرج من أطرافي، ثم أعطيت فضلي عمر"، فقالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: "العلم".
هذا الرجل لما آلت إليه الخلافة من بعد أبي بكر لم يتخذها تشريفا، ولكنما تكليفا، وأيّ تكليف؟ ذلك الفاروق كان إماما في العدل، عدلٌ جعله يقول: "والله لو مات جَدْي بطَفّ الفرات لخشيت أن يحاسب الله به عمر".
عَدْلٌ جعله يقول لبطنه عام الرمادة، وهو عام المجاعة: "قرقري أو لا تقرقري، فو الله لا تطعمي حتى يطعم صبيان المسلمين". وفي هذا العام، عام الرمادة، ترك أكل اللحم والسمن، وأدمن أكل الزيت، حتى تغير لونه، وكان قد احمرّ فشحب لونه.
عدلٌ جعل صاحبَ كسرى لما زاره في المدينة وقد توسد ببردة كاد طول العهد يبليها، فلما رأى عمرَ عندها:
فقال قولةَ حَقٍّ أصبحَتْ مَثَلاً *** وأصبحَ الجيلُ بعد الجيلِ يَرويها
أمِنْتَ لمـــــَّا أَقَمْتَ العدْلَ بينهُمُ *** فنِمْتَ نومَ قريرِ العيْنِ هانيها
إنه الرجل الذي يخطب الناس وهو أمير المؤمنين وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رُقعة! كان إماما في الخوف من الله، خوفٌ جعل البكاء على خده ميسما، فصار يدعى بــ: يا صاحب الخطين الأسودين، خوف من الله جعله يأخذ تبنة من الأرض ويقول: ليتني كنت هذه التبنة! ليتني لم أخلق! ليت أمي لم تلدني! ليتني لم أكن شيئا! ليتني كنت نسيا منسيا! ويالله لأمير ماشهد عِدل الإرض مثل شخصه!.
عمر الذي شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة، وهو مَن هو، يقول عند مرض موته: "يا ويل أم عمر إن لم يغفر الله له!"، فماذا نقول نحن؟
ماذا نقول إذا نادَى الإلهُ غدَاً *** يا ابنَ الترابِ، أما استحْيَيْتَ تعصيني؟
عمر الذي يوصينا ويقول: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وَزِنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، تزينوا للعرض الأكبر، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) [الحاقة:18]".
الحمد لله على نعمائه، والشكر له على فضله وامتنانه, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثم أما بعد: خرج عُمَرُ بن الخطاب ذات ليلة في سوادها، فرآه طلحة -رضي الله عنه-، فذهب عمر فدخل بيتا، ثم دخل بيتا آخر، فلما أصبح طلحة ذهب إلى البيت ذاك، فإذا بعجوز عمياء مقعدة، فقال لها: ما بالُ هذا الرجل يأتيك؟ قالت: إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا، يأتيني بما يُصلِحني، ويُخْرِجُ عني الأذى. قال طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة! أعثرات عمرَ تتبع؟!.
كل هذا من عمر لم يشفع للذين أبغضوه في سبيل شيطانهم، فأبَوا إلا أن يفجعوا المسلمين به! لم تشفع لهم هامة عمر التي صحبت نبي الهدى، لم تشفع لهم فتوحات عمر، لم يشفع لهم عدل عمر، وهكذا كان دأب المغرضين، فقام علج من علوجهم ليغمد في أمير المؤمنين خنجر البغضاء.
علج تتنفس الأضغان من أنفاسه، علج نرى أحفاده في سوريا في الشام، في إيران، علجٌ أبَى التاريخ إلا أن يوسد ذكره بمزابل النكران.
ما ضرَّ أميرَ المؤمنين حين أتت في رأسه غدرةُ أبي لؤلؤة المجوسي؛ لأنه سيرتفع إلى صاحبيه رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر -رضي الله عنه-.
عليك سلامٌ من أميرٍ وباركتْ *** يدُ اللهِ في ذاك الأديمِ الممزَّقِ
قضيتَ أمورا ثم غادرْتَ بعدها *** بوائق في أكمامها لم تفتَّقِ
قتلوك يا أمير المؤمنين لأنهم أبغضوك، علَّمَتْهم فتوحاتك أن يبغضوك بها، علمتهم فتوحاتك للمدائن وللقادسية ولفتح الفتوح التي كسرْتَ بها جناح الفارسية المجوسية أن يبغضوك؛ أبغضوك لأن دولتهم قد ساخت في عهدك، لأن دولتهم التي هي أقوى دولةٍ في ذلك الزمان قد مرغْتَها وحل الثرى، أبغضوك لأن دولتهم لم يعد لها ذكر بعد فتحوحاتك المبينة؛ لذا أبغضوك، ثم قتلوك؛ لأنك شفيت وساوسهم بسيوفك العمرية، ولأنك أشد أمة محمد في أمر الله، كما شهد لك بذلك نبينا -عليه الصلاة والسلام-.
علَّمَهُم هدْيُك وعدلك أن يبغضوك، علمتهم دِرتك الشهباء أن تخرج القيء من رؤسهم، أبغضوك لأن دولتك ومدينتك في عهدك بلغت مبلغا تعالى أن يحيط به نظمٌ من الشعر أو نثر من الخطب؛ لذا فإنهم قد أبغضوك ثم قتلوك.
ثم عادوا -يا أمير المؤمنين- والحقد يملأ أنفسا وقلوبا، عادوا، ها هم أحفاد قاتلك أبي لؤلؤة قد عادوا، عادوا يعيثون في بلادنا فسادا، احتلوا بلادا أقَمْتَها فأفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وكذلك يفعلون، عادوا، هاهم يقتلون ويذبحون إخواننا في شامٍ دعا لها نبيك بالبركة، هاهم في كل صقع!...
أوما رأيت أحفاد قاتلك يحاولون أن يشوهوا دين الله تعالى بافترائهم عليك؟ أوما رأيتهم وقد تدنست أفواههم القذرة بالطعن فيك؟ أوما رأيتهم وقد عادوا لقتلك من جديد بحربهم على دينك ودولتك التي أسستها على تقوى من الله و رضوان؟ وماكان ضرك؟! فقد علمَنا كتاب الله أن نور الشمس مهما أرادت شراذم من بني النكرات أن تطفئها بأفواهها فلن يرجع رجع بصاقها إلا على لائحة جبينها الأسود.
ولكننا نقولها للتاريخ: إن عمر الفاروقَ -رضي الله عنه- هو حرمة حمراء لايجوز المساس بها، عرضه عرضنا، مايؤذيه يؤذينا، إن الفاروق هو الصراط الذي من تخطفته كلاليبه فقد هلك.
إنَّنا لا يُرضينا ونحن نسمع سيرة عمر الفاروق -رضي الله عنه-، وذكراه العطرة، ونترضَّى عنه في كل يومٍ، أنْ تُجسِّدَ ذكراهُ مسلسلاتٌ تسيء إليه، وممثلون لم يُعرفوا بتمثُّل هَدْيِ عمر، إنه لا يرضينا أن يُعصى اللهُ عبرَ شبهة محبة عمر! إن عمر لايرضيه أن تُمثِّل سيرتَه رجالٌ ونساء اجتمعوا واختلطوا على محاكاة حياته، ولم يجتمعوا يوما على استلهام هَدْيِه، إنه لا يرضيه أن تخرج امرأةٌ كاشفة من جسدها لتمثل ذكرى زوجته، ولتعطي طابعا أن نسوةَ عمر كنَّ مثلها. كيف لو علم عمر؟ إذا لضرب هاماتهم بدرّة بأس، يُخرج القيح من رؤوس لئيمة! إنهم صبيغ، ولا فاروق لهم!.
إن المحبة الحقيقية له هي: حبه، والتقرب إلى الله بحبه، وتمثل نهجه الذي أمر به نبيُّ الهدى في قوله: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ".
اللهم ارض عن عمر، وأرضه وأرضنا به، وارزقنا مرافقته في دارك دار الخلود.
اللهم إنا نبرأ إليك من كل فعل يُغضب عمر، ويغضب رب عمر، اللهم ارض عنه.
وصَلِّ اللهم على حبيبه وحبينا محمد بن عبد الله أزكى صلاة وأتمّ تسليم، وارض اللهم عن آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، وأذل الكفر والكافرين، وأعل راية الدين، يارب العالمين.
اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم، اللهم كن لهم في سوريا، اللهم كن لهم في بورما، اللهم كن لهم، اللهم إنهم مظلومون فانتصر لهم، اللهم إنهم مقهورون فاقهر عدوهم، اللهم عليك بطغاتهم فإنهم لايعجزونك، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي