نريد المصلحين الذين يبادرون إلى الإصلاح بدافع التقرب للرحمن، فإصلاح ذات البين قُربةٌ جليلة، وعبادة عظيمة، قال الله -تعالى- عنها: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) ..
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله.
وبعد:
أيها المؤمنون: هناك أناس، هناك عباد، هناك فئات، عظّم الله لهم الأجر، كثّر الله لهم الحسنات، ثقّل الله لهم موازينهم؛ ليس من أجل صلوات صَلَّوها، ولا صيام صاموه، ولا صدقة تصدقوا بها -مع عظيم أجرها-. إذن؛ فمن أَجْلِ ماذا؟ يخبرنا بذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ففي الحديث الصحيح عن أَبِى الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ؟" قَالُوا بَلَى. قَالَ: "إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ".
أيها الناس: إنّ وقوع الخصومات بين الأفراد والنزاعات بين الجماعات والعائلات لأسباب دنيوية ومادية واقع مشاهد لا يمكن إنكاره، ومؤلم لا يمكن التغافل عن آثاره؛ فبسبب ضعف الإيمان، وعدم الخضوع لشريعة الرحمن، وبسبب الأهواء والنميمة، والقيل والقال، والحسد والكِبر، وسوء الخلق والتدخل السافر من قِبَل الآخرين، تقع هذه الخصومات بين المسلمين، بين عباد الله، بين من تجمعهم عقيدة الإيمان، فتنشر فيهم البغض والعداوة، والفرقة والقطيعة.
عباد الله: الخصومات شَرّ مستطير، ولا بد من وقوعها بين الناس، لا نختلف في ذلك؛ ولكن ما هو منتقد وما لا يرضاه الشرع هو وقوف كثير من المؤمنين متفرّجين أمام هذه الخلافات، لا يحركّون ساكنا لإطفاء نارها، ولا يسكّنون متحركاً لمنع لهبها من الانتشار؛ بل يقفون صامتين إزاء حل الخلافات، ولكنهم يكثرون من الكلام عن المشكلة، ويزيدون فيها، ويحللون جوانبها، ويتركون المختلفين والمتخاصمين في حالهم تأكلهم نار العداوة، وتزداد بينهم الهوَّة.
أيها المؤمنون: نريد المبادرين، نعم! نريد أولئك الذين يبادرون إلى الإصلاح بين المتخاصمين؛ فكم تقع تلك الخصومات داخل الأسرة الواحدة أو في المسجد أو في دائرة العمل أو بين الجيران والأصحاب والعمال والأقارب! ومع ذلك تجد أقرب الناس إلى هؤلاء يقفون متفرجين ولا يسارعون إلى تطويق الخلاف. لا نريد هؤلاء، ولا نريد أن نكون نحن من هؤلاء؛ بل نريد أن نكون من تلك الفئة الممدوحة في الشرع، والمحبوبة عند الرب -سبحانه-، تلك الفئة التي تبادر وتسارع إلى التدخل بالخير من أجل إصلاح ذات البين ومنع الخصومة من أن يستفحل شرها ويتسع ضررها.
نعم، يا عباد الله، نريد المبادرين، نريد أهل الخير، نريد العقلاء، نريد المصلحين الذين يبادرون إلى الإصلاح بدافع التنفيذ لأمر الله؛ فإصلاح ذات البين أمر رباني، أمر الله به في كتابه العزيز، فقال -سبحانه-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [سورة الحجرات:10]، فعلى المسلمين أن يسعوا في الإصلاح ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وقال تعالى: (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال:1]، أي: أصلحوا ما بينكم من أحوال الشقاق والافتراق حتى تكون أحوال ألفة ومحبة واتفاق.
نريد المصلحين الذين يبادرون إلى الإصلاح بدافع التقرب للرحمن، فإصلاح ذات البين قُربةٌ جليلة، وعبادة عظيمة، قال الله -تعالى- عنها: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114]، أي: لا خير في كثير من نجواهم، يعني كلام الناس، إلا مَن أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله أي مخلصا في ذلك، محتسبا ثواب ذلك عند الله -عز وجل-؛ فسوف نؤتيه أجراً عظيماً، أي: ثوابا جزيلا كثيرا.
نريد المصلحين الذين يبادرون إلى الإصلاح بدافع الإحسان، فإصلاح ذات البين عمل إيماني، يدل على صدق إيماننا، وعمل إنساني يبين إنسانية الإنسان، ومدى حبه الخير للآخرين.
يا أيها المؤمن، يا عبد الله، يا صاحب المعروف، كن مبادرا إلى إصلاح ذات البين؛ قدوةً برسولك -صلى الله عليه وسلم-.
أيها المؤمن: كن مبادرا إلى الإصلاح الاجتماعي حينما تقع الخصومات بين أهل الحيّ، بين العشائر، بين القرى والمدن، بين الطلبة، بين الموظفين، بين الجماعات من إخوانك المؤمنين، وبين الأفراد من المسلمين، كن مبادرا كما كان رسولك -صلى الله عليه وسلم- مبادرا ومسارعا إلى حلّ الخلافات بين المسلمين، وإصلاح ذات بينهم.
فعن سهل بن سعد أن ناسا من بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء، فخرج إليهم النبي في أناس من أصحابه يصلح بينهم حتى أوشك أن تفوته صلاة الجماعة، وفي رواية عَنْه -رضي الله عنه- أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِذَلِكَ فَقَالَ: "اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ ".
أيها المؤمن، أيها القريب، أيها الوالد، أيها العم والخال والأخ: كن مبادرا إلى الإصلاح الأسري حينما تقع الخصومات بين الأهل، بين الإخوة والأخوات، بين الزوج وزوجته، بين الوالد وأولاده، وبين الأقارب، بين الأصهار، لا تكن متفرجا، ولا تقف منتظرا، ولا يكن دورك يا "قَرَابة" إشعال الفتيل أكثر، ولا يكن دورك مجرد الكلام والثرثرة والوعد والوعيد، وتجاذُب الكلام، وتترك الخصومة تستعر نارها في قلوب أقاربك؛ بل كن مبادرا كما كان رسولك -صلى الله عليه وسلم- مبادرا ومسارعا إلى حل الخلافات بين مكونات الأسرة والأقارب والأرحام وإصلاح ذات بينهم.
فعن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ فَقَالَ: "أَيْنَ ابْنُ عَمِّك؟ِ" قَالَت: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي. فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لإِنْسَان:ٍ "انْظُرْ أَيْنَ هُوَ"، فَجَاءَ فَقَال:َ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ: "قُمْ أَبَا تُرَابٍ! قُمْ أَبَا تُرَابٍ!".
هذا الموقف الإصلاحي الأُسَري فيه من الفوائد والعبر ما فيه، قال ابن بطال: وفيه كرم خلق النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه توجه نحو عليٍّ ليترضّاه, ومسح التراب عن ظهره ليبسطه, وداعبه بالكنية المذكورة المأخوذة من حالته, ولم يعاتبه على مغاضبته لابنته مع رفيع منزلتها عنده, فيؤخذ منه استحباب الرفق بالأصهار، وترك معاتبتهم؛ إبقاء لمودتهم.
نعم؛ هذا هو الدور الحكيم والمتزن الذي نحتاجه اليوم حينما نتعامل مع الخلافات داخل البيت المسلم، وداخل الأسرة المسلمة، وهذه هي النوعيات من الناس أهل الخير المصلحين التي نفتقدها اليوم، والتي تتسامى على الانتصار للذات، وتُعْلي مصلحة الأسرة على مصلحة الفرد والانتصار للنفس.
أيها المؤمن: كن مبادرا إلى الإصلاح المادي، حينما تقع الخصومات بين إخوانك من المسلمين بسبب المال والمادة والدنيا وغيرها من أمور الدنيا المعيشية، كن مبادرا في ذلك؛ كما كان رسولك -صلى الله عليه وسلم- مبادرا ومسارعا إلى حل الخلافات المالية بكل أنواعها بين المسلمين، وإصلاح ذات بينهم.
فعن عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- تَقُولُ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَوْتَ خُصُومٍ بِالْبَابِ عَالِيَةٍ أَصْوَاتُهُمَا، وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ يَقُول:ُ وَاللَّهِ لا أَفْعَلُ! فَخَرَجَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "أَيْنَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللَّهِ لا يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ؟" فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَلَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ.
وقوله: وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه، أي يطلب منه أنْ يضع عنه بعض الدّين ويرفق به في الاستيفاء والمطالبة، فله أي ذلك أحب، أي: فلخصمي أي شيء من الحط أو الرفق أحب.
وعن عَبْد اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ فِي بَيْتٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، فَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ: "يَا كَعْبُ"، فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه.ِ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ. فَقَالَ كَعْب:ٌ قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "قُمْ فَاقْضِه".
فإذا ما سمعت، أيها المؤمن الصالح يا صاحب المعروف، بين جيرانك أو بين أصحابك أو بين معارفك خلافا له أسبابه المالية والمادية فبادر إلى حَلّه، ورُدَّ الحقوق إلى أهلها، منعاً للشر واستفحال المشكلة، والتي قد تطول وتشتد ويعظم خطبها.
وأما أنتم -أيها المتخاصمون- فلكم رسالة من القلب: ألا فاعلموا أنّ الخلاف شرّ، والخصومة ضرّ، وهي مهلكة لحسناتكم، تأتي عليها فتسرقها منكم، وتذهب بها من دفاتر أعمالكم، وهي سلطة على إيمانكم، تهجم عليه فتضعفه، وترقق دينكم، كما بيّن ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما وصفها بأنها الحالقة التي تحلق الدين، كما في الحديث: "فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِىَ الْحَالِقَةُ. لاَ أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ؛ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ".
فالخصومة تجرّ إلى البغضاء والعداوة، والحسد، والغيبة والنميمة، والتجني والظلم، والقيل والقال والإكثار من الكلام على الخصم والطعن فيه، وتتسع دائرتها لتصبح بين سبعة وعشرة بعد أن كانت بين اثنين فقط، ويكبر حجمها ليصبح خمسة مواضيع بعد أن كانت موضوعاً واحداً.
ولذلك هي النصيحة للإخوة المتخاصمين، اقْبَلْ الصلح، واعْصِ نفسك الأمّارة، وافعلْ ذلك لأجل الله، فسامح واعف، وسلّم وأصلح؛ رجاء العفو والأجر من الله، ورجاء أنْ ترفع أعمالك إلى الله، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا. أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا. أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا".
فكن على يقين -أخي في الله- أنّ قبولك للصلح هو في مصلحتك دنيا وآخرة؛ قال عمر -رضي الله عنه-: "أعقل الناس أعذرهم لهم"، وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري: "رُدَّ الخصوم حتى يصطلحوا؛ فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن"، وقال الحسن بن علي -رضي الله عنهما-: "لو أن رجلا شتمني في أذني هذه واعتذر إلي في أذني الأخرى لقبلت عذره".
وروي أن الحسين بن علي كان بينه وبين أخيه محمد بن الحنفية خصومة -عليهم رضوان الله-، وبعد أيام كتب محمد بن الحنفية رسالة ضمنها اعتذاره منه، فما إن وصل الكتاب إلى الحسن حتى قام لساعته وذهب إلى أخيه محمد، فالْتقَيَا في منتصف الطريق، فتعانقا وبكيا وتصالحا.
فرحم الله من قبل الصلح وأصلح ما بينه وبين أخيه المسلم، وأحسن الله إلى أهل الإصلاح، وجعلنا الله من المبادرين للإصلاح.
أقول قولـي هـذا وأستـــغفر الله...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
أيها المصلح، يا فاعل الخير، ويا أهل الفضل والإحسان، تذكر أن عملك هذا جليل ومحبوب إلى الله، فبه يندفع شر عظيم بين المسلمين، وبه تتصافى القلوب، وترد الحقوق، وبه يمرغ أنف الشيطان بالتراب، وبه تتحقق مصالح الجماعة وتتقدم على مصالح الفرد، فانتبه لنيتك، وأخلص في مقصدك.
ولْيكن همك أن تصلح بين الطرفين المختصمين لا مجرد الكلام معهم من باب رفع العتب وإزاحة المسؤولية عن النفس، وليكن مقصدك طلب الأجر من الله، فحينما تعزم للقيام بمشروع الإصلاح أخلص قصدك لله -تعالى-، واجعل إرادتك أن يتحقق الصلح بين إخوانك من المسلمين، قريبين كانوا أم بعيدين.
وتذكر قول الله تعالى: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)، قال ابن القيم رحمه الله: "فالصلح الجائز بين المسلمين هو الذي يعتمد فيه رضا الله سبحانه ورضا الخصمين، فهذا أعدل الصلح وأحقّه، وهو يعتمد العلم والعدل، فيكون المصلح عالما بالوقائع، عارفا بالواجب، قاصدا للعدل، فدرجة هذا المصلح من درجة الصائم القائم".
فلنكن من المبادرين إلى الإصلاح، لا من القاعدين ولا من المتفرجين.
اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئا...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي