إن أرفق الناس بالناس هو نبينا -صلى الله عليه وسلم-، ومنه نتعلم الرفق بأقرب الأقربين منا، من والدين وزوجات وأولاد، وللأسف فإن هذه سنة أخرى هجرها بعض المسلمين، فما يكاد يخلو يوم إلا ونسمع بعراك خارج أسوار المدارس بل وداخلها، ونتلمس هذا العنف في تعاملات الأولاد في الشارع والمدرسة، والذي في الغالب اكتسبوه من الوالدين، حيث ينتشر العنف المنزلي، وعلى الرغم من أن الله تعالى يقول...
أما بعد:
إن الرفق صفة من صفات الرحمن، والله تعالى رفيق كما قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف". والله تعالى يحبّ من عباده أيضًا أن يزدانوا بهذا الخلق الكريم، كما قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى يحب الرفق في الأمر كله".
والرفق -عباد الله- ضد العنف، فإن كان العبد مقيمًا للصلاة مؤديًا لحقوق الله ومجتنبًا لمحرماته وكان فيه هذا الخلق المبارك -خلق الرفق- فإن ذلك علامة على حب الله تعالى له، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق".
والرفق يكون في كل شيء، فالرفق مطلوب حتى مع الحيوان؛ جاء في الصحيحين عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- قال: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشي بِطَرِيقِ اشْتَدَ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمّ خَرَجَ، فَإذَا كَلْبٌ يَلْهَثْ يَأْكُلُ الثّرىَ مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الّذِي كَانَ بَلَغَ مِنّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَهُ مَاءً، ثُمّ أَمْسَكَهُ بِفيهِ حَتّىَ رَقِيَ، فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ".
بل إن الرفق يتعدى ذلك إلى قتل الحيوانات والبهائم، فحتى في هذه العملية المؤلمة التي لا بد منها فإن المسلم مطالب بالرفق، جاء في صحيح مسلم عن شداد بن أوس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ اللَّهَ تَعالى كَتَبَ الإِحْسانَ على كُلَ شَيْءٍ، فإذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ". فإن كان الرفق مع البهائم مطلوبًا فهو مع البشر عامة والمسلمين خاصة من باب أولى.
والرفق مطلوب مع النفس أيضًا، فيجب على الإنسان أن يرفق بنفسه؛ لأن الله تعالى يقول: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ) [النساء:29]، وأولى ما يكون رفق الإنسان بنفسه عند الأخذ بتعاليم الدين وتطبيقها؛ لأن من أخذ هذا الدين بعنف وبصورة غير طبيعية كانت نهايته محزنة مؤلمة وسريعة، لذلك حذرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- من ذلك فقال: "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق". وهذا الحديث ليس فيه حجة لمن يستمر في فعل المحرمات بحجة الرفق، أو يترك صلاة الفجر مع الجماعة بحجة أن ذلك أرفق به؛ لأن النبي يقول: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم".
فما حرمه الله تعالى ورسوله فأنت مطالب بالامتناع عنه فورًا وبدون تردد، وما أمرنا الله تعالى ورسوله به فعليك أن تفعله بحسب استطاعتك.
فالعنف الذي يخالف النفس والفطرة يضر ولا ينفع، ولذلك عندما قال ثلاثة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: أنا أصلي الليل ولا أنام، وقال الثالث: أنا لا أنكح النساء، عندما بلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غضب وقال: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
والرفق يكون أيضًا في تعليم العباد ودعوتهم إلى الحق، يقول الله تعالى لسيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران:159]. فهذا رجل يبول في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيتعالى صياح الناس ومنهم من يريد أن يقوم إليه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تزرموه، دعوه"، فلما فرغ دعاه فقال له: "إِنّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا اِلْبَوْلِ وَالْقَذَرِ، إِنّمَا هِيَ لِذِكْرِ الله -عَزّ وَجَلّ- وَالصّلاَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ".
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
أما بعد:
إن أرفق الناس بالناس هو نبينا -صلى الله عليه وسلم-، ومنه نتعلم الرفق بأقرب الأقربين منا، من والدين وزوجات وأولاد، وللأسف فإن هذه سنة أخرى هجرها بعض المسلمين، فما يكاد يخلو يوم إلا ونسمع بعراك خارج أسوار المدارس بل وداخلها، ونتلمس هذا العنف في تعاملات الأولاد في الشارع والمدرسة، والذي في الغالب اكتسبوه من الوالدين، حيث ينتشر العنف المنزلي، وعلى الرغم من أن الله تعالى يقول: (فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة:229].
إلا أننا كثيرًا ما نسمع عن طاغية جبار يُصَبِّح امرأته ويمسيها بالضرب المُبَرِّح كل يوم على أتفه الأمور، بجانب استخدامه لكل مفردات البذاءة والشتم وعلى مرأى من أولاده وبناته، وليته أظهر رجولته على أخيها أو أبيها أو على رجل يرد له الكيل كيلين، ولكنه كما قال الشاعر:
أسد عليَّ وفي الحروب نعامة
بل إن العنف انتشر حتى قرأنا عمن ضرب وعذب خادمته وحبسها شهرًا، حتى تردت صحتها وأدى إجرامه إلى بتر أطرافها الأربعة، وقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عُذّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرّةٍ، سَجَنَتْهَا حَتّىَ مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ هِيَ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ".
وأما ضرب الأولاد وشتمهم وإهانتهم والتقتير عليهم وتحريم كل شيء عليهم بسبب وبلا سبب فحدث ولا حرج، وما على هذا ربى النبي -صلى الله عليه وسلم- أهل بيته، وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق".
فاتقوا الله عباد الله، وراجعوا أنفسكم ومعاملاتكم، وعليكم بالرفق في جميع أموركم، عليكم بالرفق مع الأهل والأقارب والأصدقاء، وعليكم بالرفق مع الصغار والكبار ومع الطلاب والمراجعين وكل من تحتكون به في حياتكم اليومية؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه".
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي