الله أكبر؛ كم في الدنيا من تقلبات وتحولات! الله أكبر؛ كم في البشر من سعداء وأشقياء! الله أكبر؛ سقطت عروش، ونزعت ملوك، ونصرت شعوب! الله أكبر؛ انتصرت شعوب مستضعفة بنصره، واستقوت بقوته، وعزت بعزته! الله أكبر؛ مات كبراء بقدره! وهو حي لا يموت، وملكه دائم لا يزول، وعرشه ..
الحمد لله القوي العزيز، الحليم العظيم، ذلَّت لعزته كُلُّ عزة، وضعفت لقوته كل قوة، وتلاشت أمام عظمته كل عظمة؛ عامَل خلقه بحلمه، ولو أهلكهم لكان ذلك بعدله: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الإسراء:44].
له صفات الجمال والجلال، وتفرد بالكمال؛ فكل ما سواه مخلوق مربوب، وهو وحده الخالق المعبود. فالحمد كله له؛ نحمده عدد ما خلق، وملء ما خلق، ونحمده عدد كل شيء، وملء كل شيء، ونحمده عدد ما أحصى كتابه، وملء ما أحصى كتابه، ونحمده عدد السماوات والأرض وما فيهن، وملء السماوات والأرض وما فيهن.
نحمده حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ويرضى؛ مد في أعمارنا فصمنا شهرنا، وحضرنا عيدنا، ووسّع لنا في أرزاقنا فوسّعنا على أنفسنا وأولادنا، وأمَّنَنا في أوطاننا فلم نخش شيئًا ونحن نخرج إلى مصلانا، وعافانا في أبداننا فلم نشكُ علَّة ولم نجد ألمًا؛ فله الحمد، لا نحصي ثناءً عليه، كما أثنى هو على نفسه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال؛ حكيم الفعال، كثير النوال، شديد المحال؛ لا يلوذ به عبد فيخيب، ولا يناكفه مستكبر فيطيب: (وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ) [الأنعام:18].
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ الناصح الأمين، الرؤوف الرحيم؛ آثر غيره على نفسه وولده، واختبأ دعوته شفاعة لأمته، وألحَّ على ربه -سبحانه- يطلب سلامتها، ويرجو نجاتها، حتى نالت أمته من الخير على يديه ما لم تنله أمة غيرها، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ أعلام الأمة وسادتها، وفخرها وقدوتها، سادوا الأرض فما تكبروا، وحكموا البشر فما ظلموا، بل تواضعوا وعدلوا، لا يوقّرهم إلا مؤمن، ولا يحقرهم إلا منافق، وعلى التابعين لهم بإحسان.
الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر؛ كم في الدنيا من تقلبات وتحولات! الله أكبر؛ كم في البشر من سعداء وأشقياء! الله أكبر؛ سقطت عروش، ونزعت ملوك، ونصرت شعوب! الله أكبر؛ انتصرت شعوب مستضعفة بنصره، واستقوت بقوته، وعزت بعزته! الله أكبر؛ مات كبراء بقدره! وهو حي لا يموت، وملكه دائم لا يزول، وعرشه قائم لا يحول: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ) [الرَّحمن:27-28]، (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الملك:1].
الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى -أيها المسلمون- وأطيعوه، وعظموه في هذا اليوم المبارك، واحمدوه على ما هداكم له من الإيمان، واشكروه على ما أعانكم عليه من الصيام والقيام، أطيعوه في كل أحيانكم، واسألوه في كل أحوالكم؛ فإنكم فقراء إليه، ولا غنى لكم عنه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى الله وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ) [فاطر:15].
الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: صمتم في حَرٍّ شديد، ونهار طويل، وريح سموم، وشمس حارقة غلت منها الرؤوس، ووجدتم عطشًا أيبس الأكباد، وجفف الشفاه، وكان أثر الصوم باديًا على الوجوه.
واليوم تحضرون عيدكم بعد تمام صومكم، واكتمال نعمة الله تعالى عليكم؛ فخذوا العظة من حَرِّ رمضان لحر يوم القيامة، ومن شدة شمسه لدنو الشمس في الموقف العظيم، ومن ظمأ نهاره لظمأ ذلك اليوم الطويل، حين يسيل عرق الناس بحسب أعمالهم، ولا ظل إلا لمن أظله الله في ظله، ولا ماء إلا في الحوض المورود، حين يرِدُه أناس ويحجب عنه آخرون، فيشرب منه الواردون شربة لا ظمأ لهم بعدها، نسأل الله تعالى أن يجعلنا ووالدينا وأهلينا وأحبابنا ممن يستظلون بظل الرحمن، وممن يرِدُون الحوض، وينالون الشفاعة، ويدخلون الجنة.
واعلموا أنه لا نجاة من ذلك الكرب العظيم الذي ينتظركم إلا بالإيمان والعمل الصالح، فاعملوا صالحًا بعد رمضان كما عملتموه في رمضان، وصوموا عن المحرمات كما صمتم رمضان؛ فإن العقبى جناتٌ وأنهار.
الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: خلَق الله -تعالى- الإنسان ولم يكن شيئًا مذكورًا، فلما جعله ربه -سبحانه- شيئًا مذكورًا تكبرت نفسه، وطغى قلبه، فعصى ربه -سبحانه-، وأفسد في أرضه، وظلم خلقه، ونازع الله -تعالى- في خصائصه، فأملى الله تعالى له، فلما أخذه لم يفلته، فأذاقه الذل بعد العز، والموت أو الحبس بعد الملك. ورأينا ذلك فيمن نُزعوا من عروشهم في العامين السالفين.
وهذا يحتم على الإنسان عدم الاغترار بالدنيا مهما ازدانت له، ودوام التعلق بالله -تعالى-؛ فإنه لا أمن إلا أمنه، ولا ضمان إلا ضمانه، ولا عز إلا عزه، فمن التجأ إليه التجأ إلى عظيم، ومن احتمى به احتمى بقدير، ومن آوى إليه آوى إلى ركن شديد.
إن التعلق بالله -تعالى- هو بلسم القلوب، وعز النفوس، وهو سبب النصر، ومعقد العز، وبوابة التمكين في الأرض.
اجتمعت أمم الكفر من سالف التاريخ إلى حاضره على الرسل وأتباعهم، فكان تعلق الرسل وأتباعهم بالله -تعالى- أمضى سلاح كسر أعداءهم.
تأملوا في سيرة نوح -عليه السلام- وهو وحيد طريد، ما آمن معه إلا قليل، فوقف في وجوه الملأ من قومه، وأمرهم بالاجتماع عليه، والانتقام منه، في صورة من التحدي والإعجاز تدعو للإكبار والإعجاب: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ) [يونس:71].
ما سلاحه في تحدي قومه؟! ولماذا لم ينتقموا منه؟! كان سلاحه: (فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ)، فحماه الله تعالى منهم، فلم يقابلوا تحديه بفعل ولا بقول، وهم أقوى وأكثر، ولا رادع لهم عن الانتقام لأنفسهم، والثأر لكرامتهم. ويؤمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يتلو علينا نبأ نوح؛ لنتعلم من سيرته التعلق بالله -تعالى- دون سواه.
ووقف هود -عليه السلام- أمام قومه، داعيًا إلى ربه، صادعًا بدعوته، مسفهًا آلهة قومه، يتحداهم وحده وهم جماعة، وليسوا أي جماعة، إنهم قوم عاد أهل القوة والبطش والجبروت: (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ) [هود:55].
إنه يطلب كيدهم، ويدعوهم إلى الاجتماع عليه، وما معه سلاح إلا تعلقه بالله -تعالى- حين قال: (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى الله رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [هود:56].
وأُلقي الخليل -عليه السلام- في النار وليس في قلبه إلا الله -تعالى-، وكان يردد: "حسبي الله"، أي: الله كافيني.
يا لها من لحظات تعلق بالله -تعالى- شغلته عن رجاء قومه أو استعطافهم أو استمهالهم! فليس في قلبه إلا الله -تعالى-، وقد روى أهل التفسير أن جبريل -عليه السلام- جاءه وهو يهوي في النار فقال: "يا إبراهيم: ألك حاجة؟! فقال: أما إليك فلا".
وطورد موسى -عليه السلام- ومن معه من الأقلية المؤمنة حتى استقبلوا البحر، والعدو خلفهم، فعظم الكرب على أتباع موسى، وعلموا أنهم حوصروا، وفي قبضة فرعون وقعوا، فقالوا: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء:61]؛ لكن موسى -عليه السلام- كان في شغل آخر، كان شغله التعلق بالله -تعالى-: (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء:62].
وأيام اشتداد الأذى عليه وعلى بني إسرائيل كان يعلق قلوبهم بالله -تعالى- فيقول لهم: (اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف:128].
ويونس حين اجتمعت عليه ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت ما تعلق إلا بالله -تعالى-: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:87].
ويعقوب حين فقد يوسف لم يتعلق في طلبه بغير الله -تعالى-: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لَا تَعْلَمُونَ) [يوسف:86].
ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- حين طوق المشركون الغار، وقال أبو بكر -رضي الله عنه-: لو أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا، قال -عليه الصلاة والسلام-: "ما ظَنُّكَ يا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا!!".
وفي اليرموك كتب أبو عبيدة إلى عمر -رضي الله عنهما- يستنصره على الكفار، ويخبره أنه قد نزل بهم جموع لا طاقة لهم بها، فلما وصل كتابه بكى الناس، وكان من أشدهم عبد الرحمن بن عوف، وأشار على عمر أن يخرج بالناس، فرأى عمر أن ذلك لا يمكن، وكتب إلى أبي عبيدة: "مهما ينزل بامرئ مسلم من شدة فينزلها بالله يجعل الله له فرجًا ومخرجًا، فإذا جاءك كتابي هذا فاستعن بالله وقاتلهم".
علمهم الفاروق -رضي الله عنه- التعلق بالله -تعالى-، لا التعلق بعمر ولا بجيشه، فنصرهم الله تعالى نصرًا عزيزًا.
الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها الصائمون القائمون: "من تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إليه"، تلكم قاعدة نبوية نطق بها من لا ينطق عن الهوى -صلى الله عليه وسلم-، ورأيناها واقعًا فيما مر بنا من أحداث عظام؛ فأمة العرب ركنت في قضاياها المصيرية إلى المنظمات الدولية، وركنت في حمايتها إلى الدول العظمى، وتعلقت بها أكثر من تعلقها بالله -تعالى-، فما زادتها إلا ذلاًّ وظلمًا وقهرًا ورهقًا، فضاعت فلسطين في أروقة الظالمين، وسلمت العراق للصفويين، والآن يذبح الباطنية إخواننا السوريين، ويبيد البوذيون إخواننا البورميين، وأمة العرب -ومِنْ ورائها المسلمون- لم يستطيعوا فعل شيء؛ لأن تعلقهم بغير الله -تعالى- كان أكثر من تعلقهم به -سبحانه-.
ضربت عليهم الذلة رغم كثرتهم، وأهينوا بالفقر رغم ثرواتهم، وأصيبوا بالتفرق مع أنهم في الأصل أمة واحدة.
تعدَّدت الأسباب، واختلفت الرؤى؛ لكنَّ السببَ الجامعَ لكُلِّ أسبابِ مصائبِ الأمةِ ومذابحها وهوانها على أعدائها هو التعلقُ بغير الله -تعالى-، فوُكِلُوا إلى مَن تعلَّقوا به مِن البشر، فخذلوهم، وظلموهم، وغدَروا بهم.
والعروش التي تساقطت كان أربابها متعلقين بالخَلق من دون الله -تعالى-، فما أغنوا عنهم نقيرًا ولا قطميرًا، ولم يحموهم من الذل والأسر والقتل، ولم يمنعوا عروشهم من السقوط.
إي وربنا! لم ينفعهم تعلقهم بعسكرهم وقواتهم وأعوانهم، كما لم ينفعهم تعلقهم بالقوى المستكبرة، وخضوعهم لها لما أراد الله -تعالى- زوالهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "وكُلُّ مَن علّق قلبه بالمخلوقات أن ينصروه، أو يرزقوه، أو أن يهدوه؛ خضع قلبُه لهم، وصار فيه من العبودية لهم بقدر ذلك، وإن كان في الظاهر أميرًا لهم، مُدَبِّرًا لهم، متصرفًا بهم، فالعاقل ينظر إلى الحقائق لا إلى الظواهر".
وقال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "أعظم الناس خذلانًا مَن تعلّق بغير الله، فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم مما حصل له ممن تعلق به، وهو مُعرَّضٌ للزوال والفوات".
الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
وفي بلاد الشام اجتمع على أهل السنة فيها دولة بجندها وجيشها وعتادها، يقودها النصيرية لذبحهم، وأمدَّهم باطنية لبنان والعراق وإيران بالجند والسلاح، ومن خلفهم ملاحدة الصين وروسيا، وترك العالم السوريين يواجهون هذا كله وحدهم، فلما رأوا خذلان الناس لهم؛ تعلقت قلوبهم بالله وحده، وظهر ذلك جليًّا في هتافاتهم وشعاراتهم، فأمدهم الله -تعالى- بقوته، وثبّت قلوبهم بقدرته، وأدال لهم على أعدائهم، وأمال الكفة لهم، وصاروا يثخنون في العدو، ويقتربون من النصر، وتلك آية بينة رأيناها بأنفسنا تدل على أن التعلق بالخلق يورث الذل والخذلان والهزيمة، وأن التعلق بالله تعالى يكسب العز والنصر والقوة.
فعلِّقوا بالله العظيم قلوبكم، وأخلوها من الخلق مهما كانوا، علقوا به -سبحانه- قلوبكم في هذا الزمن العصيب الذي تتخطفنا فيه الفتن، وتحيط بنا المحن، ويتكالب علينا الأعداء.
علِّقوا بالله -تعالى- قلوبكم في رد أعدائكم، وعلقوا به قلوبكم في حفظ أوطانكم، وعلقوا به قلوبكم في أمنكم واستقراركم، وعلقوا به قلوبكم في أرزاقكم، وعلقوا به قلوبكم فيما تؤملون في مستقبلكم وما تخافون.
ولا تتعلقوا بمخلوق مهما علت منزلته، وبلغت قوته، وظهرت عزته، فإن القوة لله جميعًا، وإن العزة لله جميعًا: (أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ) [الأعراف:54]، (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ) [آل عمران:160].
بارك الله لي ولكم...
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على الصيام والقيام والعيد، والحمد لله على ما شرع من الشرائع، وما هدانا إليه من العبادات والشعائر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أما بعد:
فيا أيتها النساء المسلمات، يا أيتها الصائمات القائمات: اتقين الله -تعالى- في أنفسكن، واتقينه في دينكن، وعلقن به -سبحانه- قلوبكن؛ فإن البشر ضعاف، وأضعف البشر النساء.
وكلما اشتد ضعف المخلوق كان أكثر حاجة إلى التعلق بمن يحميه وينصره ويدفع عنه، والله -تعالى- هو القوي القهار، العزيز الجبار؛ لا تتعلق به امرأة فتضيع، ولا تعلق حاجتها به فتخيب.
املأن قلوبكن وقلوب أولادكن بمحبة الله -تعالى- وتعظيمه، وشدة التعلق به، وحسن التوكل عليه، وسرعة الإنابة إليه.
ولن تتعلق امرأة بالله -تعالى- إلا تمسكت بدينه، وحافظت على أوامره، واجتنبت نواهيه، ودعت غيرها إليه، وصبرت على الأذى فيه.
لا تتعلق امرأة بالله -تعالى- إلا صانت عفافها، وتفقدت حياءها، وسترت جسدها، وتلفعت بجلبابها، وجانبت مخالطة الرجال، ولو أوذيت في ذلك وحوربت عليه، وسُخر منها لأجله، ومنع عنها الرزق بسببه؛ فإن تعلقها بالله -تعالى- يدفعها إلى ما يرضيه، ولو سخط البشر أجمعون.
ولك -أختي المسلمة- في المسلمات المنتقبات في فرنسا عبرة وآية، ينزع النظام الطاغوتي المستبد أغطية وجوههن بالقوة، وهن ثابتات صامدات، يتحملن الأذى، ويدفعن الغرامة؛ جهادًا في سبيل الله -تعالى-، وإظهارًا لشعائره، ومراغمة للكفر وأهله، ووالله إنهن لمنصورات ولو بعد حين، فرّج الله -تعالى- عنهن وعن المسلمين في كل مكان، إنه سميع مجيب.
الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: صمتم شهركم، وحضرتم عيدكم، وقضيتكم صلاتكم، وأرضيتم ربكم، فتفرقوا من مصلاكم بقلوب متعلقة بالله -تعالى-، موقنة به، متوكلة عليه، منيبة إليه.
تفرقوا بقلوب سليمة من الضغائن والأحقاد؛ فصلوا من قطعكم، وأعطوا من حرمكم، وأحسنوا إلى من أساء إليكم؛ فالعيد عيد الود والصفاء، ونقاء القلوب، واجتماع الأرواح.
وأكثروا من الدعاء لإخوانكم المستضعفين في فلسطين والعراق وأفغانستان وسوريا وأراكان وفي كل مكان؛ لتثبتوا أنكم تشعرون بهم حتى في العيد.
أعاده الله تعالى علينا وعليكم وعلى المسلمين باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
(إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي