إن ما نراه اليوم في عالمنا الإسلامي من انتشار المرض والجهل والجوع حتى أصبح الجوع مشكلة تعاني منها المجتمعات والبلدان الإسلامية إنما هو مظهر من مظاهر تقصير أغنياء الأمة في دفع زكاة أموالهم.. وإن من أغنياء المسلمين من لو أخرج زكاة ماله لأنقذت مجتمعات إسلامية بأثرها من داء الفقر والجوع والمرض والجهل، وإن من أغنياء المسلمين ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل واعلموا أن شهركم قد تنصف فاجتهدوا رحمكم الله فيما بقي منه من ليالي وأيام، وضاعفوا الجهد لعلكم تحظون برحمة من رحمات ربكم فيتفضل عليكم بمغفرة ذنوبكم وعتق رقابكم من النار، فوالله إن السعيد حقّاً من تقبل منه في هذا الشهر عمله وغُفرت ذنوبه وكُفرت سيئاته، وكان من العباد المعتقين من النار. وإن الشقي والمحروم صدقا من حُرم خير هذا الشهر وفضله فلم تُغفر ذنوبه ولم تُستر عيوبه "رغم أنف من أدرك شهر رمضان ولم يُغفر له".
أيها الإخوة المسلمون: بُني هذا الدين الحنيف على قواعد وأسس وأركان عظيمة شرعها الله عز وجل وألزم بها عباده امتحاناً منه وابتلاءً لهم ليعرف المنقاد المستسلم لربه عز وجل الممتثل لمعنى الشهادتين من المنافق المعرض المبتدع بهواه ونفسه.
ومن هذه الأركان العظيمة التي افترضها الله عز وجل الزكاة الواجبة في مال الأغنياء للفقراء والمحتاجين، وهي دليل ساطع على اهتمام الإسلام بمشكلة الفقر، وإيجاد التكافل الاجتماعي في المجتمع المسلم.
لقد تكاثرت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية في وجوب الزكاة وتعظيم شأنها، ولو تأملنا سورة واحدة من السور القرآنية لاتضح لنا كيف كانت اهتمام الإسلام بوجوب الزكاة، وبيان منزلتها، والتشنيع على مانعيها، ففي سورة التوبة مثلاً كثرت النصوص القرآنية التي تحدثت عن الزكاة بصيغ مختلفة، وأساليب متعددة.
ففي مطلع سورة التوبة جعل الله عز وجل الكفّ عن قتال المشركين مشروطاً بثلاثة شروط في قوله تعالى: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 5].
وفي آية أخرى بيّن الله عز وجل أن الفرد لا يكتسب شرف الانتساب لجماعة المسلمين حتى يكون من المؤدين لزكاة أموالهم، قال تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة: 11].
وقد نبّه العلماء -رحمهم الله- منذ عهد الصحابة -رضي الله عنهم- على أمر جدير بالذكر وهو أن سُنة القرآن أن يقرن الزكاة بالصلاة، وقل ما تنفرد إحداهما عن الأخرى في كتاب الله، قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "أُمرتم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ومن لم يزكِّ فلا صلاة له".
وفي سورة التوبة نفسها ذكر الله عز وجل عُمّار المساجد الذين هم أهل القبول عنده فقال تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة: 18].
وفي آية أخرى ذكر الله تعالى الوعيد الشديد لكانز الذهب والفضة الذين لا يؤدون في أموالهم حق الله تعالى، فقال عز وجل: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة: 34- 35].
وفي السورة نفسها ذكر الله عز وجل من صفات المؤمنين التي تميزهم عن المنافقين إيتاء الزكاة، فقال عز وجل: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 71].
وقال عن المنافقين (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة: 67].
وفي آية أخرى خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولمن ولي أمر الأمة من بعده بوجوب أخذ الزكاة من الأغنياء لقوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ..) [التوبة: 103] ذلك أهم ما جاء في سورة التوبة عن الزكاة، وهي تمثل في مجملها تأكيد وجوب الزكاة وبيان أهم أحكامها، فكيف بما ورد في القرآن كله من الآيات الآمرة بإيتاء الزكاة الحاثة على أدائها المحذرة من منعها.
أيها الإخوة المسلمون: إن الإنسان في نظر القرآن لا ينال البر ولا يستحق وصف الأبرار الصادقين ولا يدخل في زمرة المتقين، ولا ينتظم في سلك المؤمنين إلا بإيتاء الزكاة.
بغير الزكاة لا يفارق المشركين، الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون.
وبغير الزكاة لا يتميز من المنافقين الذين يقبضون أيديهم، ولا ينفقون إلا وهم كارهون.
وبغير الزكاة لا يستحق العبد رحمة الله التي أبى أن يكتبها لمانعي الزكاة (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 156].
وأما السنة فقد تكاثرت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على وجوب الزكاة، لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام أجابه النبي صلى الله عليه وسلم "أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا".
وفي حديث ابن عمر المشهور: "بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا".
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه على الزكاة من جملة ما يبايعوه عليه، روى البخاري رحمه الله عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- قال: "بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم".
فهذه النصوص كلها من كتاب الله عز وجل، من سنة صلى الله عليه وسلم، هذه النصوص وغيرها كثير تؤكد بوضوح وجوب الزكاة ومنزلتها في دين الله عز وجل بما لا يبقى معها مجال لمتخاذل أو متقاعس عن القيام بهذا الركن العظيم، وثمة طائفة أخرى من الأحاديث النبوية والتي ورد فيها العقاب الأليم والنكال الشديد بمن لم يقم بواجب الزكاة.
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَتَاهُ اللَّهُ مَالا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعٌ أَقْرَعُ لَهُ زَبِيبَتَانِ، فَيَأْخُذُ بِلِهْزِمَتِهِ – يعني بشقيه - وَيَقُولُ : أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ " ثم تلا النبي هذه الآية (وَتَلا أَبُو صَالِحٍ : وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [آل عمران: 180].
وروى الإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلا جُعِلَتْ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَائِحَ، ثُمَّ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَبِينُهُ وَظَهْرُهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ أَوْ إِلَى النَّارِ".
وعن الأحنف بن قيس رضي الله عنه قال: "جلست إلى ملأ من قريش، فجاء رجل، خشن الشعر والثياب والهيئة، حتى قام عليهم، فسلم ثم قال: بشّر الكانزين برضف يحمى عليه من نار جهنم، ثم يوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفيه – يعني أعلى كتفه - ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه فيتزلزل، ثم ولى فجلس إلى سارية وتبعته وجلست إليه وأنا لا أدري من هو، فقلت له: لا أرى القوم إلا قد كرهوا الذي قلت؟ قال: إنهم لا يعقلون شيئًا، قال لي خليلي، قال: قلت: من خليلك؟ قال: النبي صلى الله عليه وسلم: أتبصر أُحُدًا؟ قال: فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار، وأنا أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسلني في حاجة له، قلت: نعم. قال: ما أحب أن لي مثل أُحُد ذهبًا، أنفقه كله، إلا ثلاثة دنانير. وإن هؤلاء لا يعقلون، إنما تجمعون الدنيا، لا والله لا أسألهم دنيا، ولا أستفتيهم عن دين، حتى ألقى الله عز وجل" رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم أنه قال: "بَشِّرْ الْكَانِزِينَ بِكَيٍّ فِي ظُهُورِهِمْ يَخْرُجُ مِنْ جُنُوبِهِمْ وَبِكَيٍّ مِنْ قِبَلِ أَقْفَائِهِمْ يَخْرُجُ مِنْ جِبَاهِهِمْ قَالَ ثُمَّ تَنَحَّى فَقَعَدَ، قَالَ قُلْت : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا هَذَا أَبُو ذَرٍّ، قَالَ فَقُمْت إلَيْهِ فَقُلْت مَا شَيْءٌ سَمِعْتُك تَقُولُ قُبَيْلُ ؟ قَالَ مَا قُلْت إلَّا شَيْئًا سَمِعْته مِنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..." الحديث
فالله ما أشده من عذاب، وما أفظعه من عقاب ينتظره أولئك الكانزين من أموالهم الذين لا يؤدون حق الله فيها مهما قل أو كثر، وإذا كان هذا هو عقاب الكانزين المانعين لزكاتهم في الآخرة، فإن هناك آثارًا وخيمة تترتب على منع الزكاة في الدنيا، في الحديث "ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين" يعني بالمجاعة والقحط.
وفي حديث ثانٍ "ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا"، ومن كل ما تقدم قرر العلماء رحمهم الله أن من يجحد وجوب الزكاة كافر مرتد مارق من الدين.
نسأل الله تعالى أن يبصّر المسلمين لدينهم وأن يردهم إليه ردًّا حميدًا. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ *الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 40- 41].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمداً كثيراً كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيرًا إلى يوم الدين..
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع جماعة المسلمين ومن شذ عنهم شذ في النار.
أيها الإخوة المسلمون: إن إيجاب الزكاة يحقق أهدافًا ويترك آثارًا حسنة في حياة الفرد والمجتمع فالزكاة التي يؤديها المسلم امتثالاً لأمر الله وابتغاء مرضاته إنما هي تطهير له من أرجاس الذنوب بعامة ومن رجس الشح بخاصة (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: 9].
وكما أن الزكاة تطهير لنفس المسلم من الشح والبخل فهي أيضًا تدريب له على خُلق البذل والإعطاء والإنفاق، هذا الخُلق الذي امتدح الله أهله في القرآن في قوله: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) [الليل: 5- 7].
وإخراج الزكاة لمستحقيها قيام بواجب الشكر لله عز وجل الذي وهب هذه النعم وأعطاها، فالزكاة علاج للقلب من مرض حب الدنيا، وتنبيه للمسلم على أن هذا المال لله ومنحة منه عز وجل، وهو ناظر كيف يفعل صاحبه فيه.
ووجود المال في يد الإنسان ليس دليلاً على فضله وخيره، إنما الخير والفضل في بذل المال لله وإنفاقه في سبيل الله.
ومن أهداف الزكاة أنها سبب لجلب المحبة فهي تربط بين الغني ومجتمعه برابط متين سداه المحبة ولُحمته الإخاء والتعاون.
وكما أن الزكاة إخراج فهي في الوقت نفسه سبب لنماء المال وزيادته وتطهيره أيضًا، الزكاة سبب لتحرير الفقراء من ذل الحاجة، وهي بذلك تحقق التكافل بين أفراد المجتمع، وتزيل الأحقاد والبغضاء والحشد والشحناء فيما بينهم.
أيها الإخوة المسلمون : إن ما نراه اليوم في عالمنا الإسلامي من انتشار المرض والجهل والجوع حتى أصبح الجوع مشكلة تعاني منها المجتمعات والبلدان الإسلامية إنما هو مظهر من مظاهر تقصير أغنياء الأمة في دفع زكاة أموالهم.
إن من أغنياء المسلمين من لو أخرج زكاة ماله لأنقذت مجتمعات إسلامية بأثرها من داء الفقر والجوع والمرض والجهل وإن من أغنياء المسلمين من لو أخرج زكاة ماله لسدت حاجة المجاهدين في سبيل الله عز وجل، لكنه البخل والشح والبخل وإيثار الدنيا الفانية على الآخرة الباقية.
أيها الإخوة المسلمون: إن مما ينبغي أن يتنبه إليه المسلم أن الزكاة حق لله بيّن الله عز وجل مستحقيها وحددهم في كتابه الكريم في آية جامعة مانعة وهي قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 60].
فليس لأحد أن يزيد على ما حدد الله عز وجل، فاجتهد أيها المسلم عند إخراجك لزكاة مالك، اجتهد في أن تصل إلى من يستحقها ممن بيّنهم الله عز وجل في الآية السابقة ولا تتساهل في ذلك، فتعطي لأي إنسان دون تأكد وتثبت، وخُصّ بزكاتك المتعففين من المؤمنين الذين لا يسألون الناس إلحافا والأتقياء ذوي الخير والصلاح.
واعلم أن زكاتك للمحتاج واجبة عليك، أما إن كانت نفقته واجبة عليك فهنا يجب عليك أن تنفق عليه من غير الزكاة، واحذر أن تقصد بزكاتك الرياء والسمعة أو المن والأذى، فكل ذلك آفات مهلكة محبطة للأعمال: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) [البقرة: 263] (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [البقرة: 271].
أيها الإخوة المسلمون: أدوا زكاة أموالكم وأحصوا ما وجب لله عليكم وإن قل، وخصوا بذلك أقربائكم الفقراء وجيرانكم الفقراء والمحتاجين، وليكن للجمعيات الخيرية نصيب من زكاتكم وصدقاتكم في هذا الشهر.
أدوا زكاة أموالكم أو شيئًا منها لجمعيات البر المنتشرة، وجمعيات العناية بمرضى الفشل الكلوي، وجمعية رعاية أسر السجناء..
أدوا زكاة أموالكم لمكاتب الدعوة والجاليات التي تهتم بنشر الإسلام والدعوة إليه والعناية بالمسلمين الجدد.
أدوا زكاة أموالكم للندوة العالمية للشباب الإسلامي، والتي تُعنَى بالفقراء المسلمين في العالم الإسلامي بتعليمهم وتثقيفهم وعلاجهم، وغير ذلك من الجمعيات الخيرية الموثوقة المعروفة..
احرصوا على أن تقدموا لأنفسكم في هذا الشهر الكريم من الزكاة الواجبة أو من الصدقة ما يكون لكم نور في قلوبكم ونور على الصراط يوم تبعثون إلى ربكم.
أسأل الله عز وجل أن يأخذ بنواصينا جميعاً للبر والتقوى..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي