متى هزم جيش المسلمين؟! ما هزم جيش المسلمين إلا بعد أن تخلوا عن الإسلام دينًا ومنهاجًا وحكمًا، يقول الله تعالى مبينًا أن تقوى الله تعطي المؤمن قوة وبصيرة يستطيع من خلالها أن يفرّق بين الحق والباطل وبين الصواب والخطأ إذا تمسك بهذه التقوى وعمل... وقف جيش الناصر صلاح الدين الأيوبي في غرة رجب من هذا العام نفسه أمام ستة جيوش أوروبية كافرة، هي جيش بريطانيا وفرنسا وألمانيا...
عباد الله: ماذا جرى ويجري للمسلمين اليوم في كل مكان؟! لقد تجرأ الأعداء وتطاول الأقزام وأولاد القردة والخنازير على الأسود، وذلك حينما فرط المسلمون وفرطنا جميعًا -إلا من رحم الله- في حقوق الله -تبارك وتعالى-، ونسينا الله فأنسانا أنفسنا، كما قال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) [الحشر: 19].
الإسلام -أيها الأحبة في الله- دين عظيم لا يُغلب ولا يقهر إلا إذا فرط فيه أهله ومعتنقوه وأهملوه، دين يعلو ولا يعلى عليه، كما قال في الحديث الذي رواه البخاري أن يوم فتح مكة جاء الصحابي عائذ بن عمرو ومعه أبو سفيان قبل أن يسلم، فقال الصحابة للرسول: هذا أبو سفيان وعائذ بن عمرو، فردّ عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هذا عائذ بن عمرو وأبو سفيان، الإسلام أعز من ذلك، الإسلام يعلو ولا يعلى عليه". أراد -عليه الصلاة والسلام- أن يبدأ بذكر اسم المسلم أولاً، كل ذلك لأن الإسلام عزيز وأهله أعزّ ما داموا متمسكين بكتاب ربهم وسنة رسولهم، يقول ذلك ربنا مبينًا أن طاعة الله ورسوله هي أساس هذه العزة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) [الأنفال: 20].
يجب طاعة الله ورسوله وعدم التردد والاهتمام بعد أن تكونوا سمعتم هذا النداء من ربكم؛ لأنكم إن فعلتم هذا وتوليتم، فتولِّيكم هذا يعنى رفضكم لأوامر الله، وبعدَ الطاعة تأتي الخطوة التالية وهي: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) [الأنفال: 1].
وإصلاح ذات البين بين المسلمين والقضاء على الخلاف والشقاق بينهم يحول دون أن يتحوّل بعضهم أعداءً لبعض، وبالتالي لا يجد الأعداء طريقًا لتجنيد جواسيس وعملاء ضد إخوانهم المسلمين كما يحدث الآن بين الفلسطينيين.
عباد الله: متى هزم جيش المسلمين؟! ما هزم جيش المسلمين إلا بعد أن تخلوا عن الإسلام دينًا ومنهاجًا وحكمًا، يقول الله تعالى مبينًا أن تقوى الله تعطي المؤمن قوة وبصيرة يستطيع من خلالها أن يفرّق بين الحق والباطل وبين الصواب والخطأ إذا تمسك بهذه التقوى وعمل بها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29]، (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا) أي: يجعل لكم نورًا وبصيرة ويوفقكم للحق والصواب ويلهمكم رشدكم، ليس كل شيء يحتاج لذكاء وفطنة، بل توفيق الله هو الأساس في الموضوع.
ولقد رتب الله على التقوى خيرًا كثيرًا في الدنيا وفي الآخرة، فمن اتقى الله جعل له أربعة أمور، كل واحد منها خير من الدنيا وما فيها، فالأول: الفرقان، وهو العلم والهدى الذي يفرّق بين الهدى والضلال والحلال والحرام، والثاني والثالث: تكفير السيئات ومغفرة الذنوب، والرابع: الأجر العظيم لمن اتقاه وآثر رضاه على هوى نفسه.
وهناك آيات أخرى مرتبطة بالآيات السابقة، وكل القرآن لو اتبعناه لوجدناه مكمّلاً بعضه البعض، فهذه الآية ينادي فيها المولى -سبحانه وتعالى- عباده قائلاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال: 24]، بمعنى: استجيبوا واخضعوا لما يأمركم به رسوله من الأفعال والأقوال التي إذا ائتمرتم بها فسوف تحيون حياة طيبة، وإن لم تفعلوا فسوف يعمي الله قلوبكم ويحول بينها وبين معرفة الحق؛ لأن قلوب البشر بين أُصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيفما شاء.
عباد الله: لو نظرنا إلى الآيات السابقة بتجرّد وطبّقناها على أنفسنا وعلى إخواننا المسلمين فماذا ترانا نجد؟! نجد أن هناك أُناسًا فعلاً نسوا الله فأنساهم أنفسهم، تجدهم تائهين لا يعرفون الطريق الحق، وإنه باتباع كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، تجدهم يتعاملون بالربا، ويقولون: لو كان حرامًا ما فتحت كل هذه البنوك، وتجدهم ينادون بالمساواة بين المرأة والرجل، وأن المرأة نصف المجتمع، ولماذا تُهمل؟! ... إلخ، تجدهم لا يهتمون بغيرهم من المسلمين كما يهتمون بالمجتمعات الغربية، يلهثون وراء المادة ولا ينظر أحدهم لمن بجواره، بينما يحثنا الله على إصلاح ذات البين بين المسلمين وتفقد أحوالهم، وتجدهم ضعيفي الإيمان أو عديمي الإيمان، وبالتالي فلن يجعل الله لهم فرقانًا لأن الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29].
فما دام هذا وضعهم فكيف نتوقع منهم معرفة للحق والصواب وللحلال والحرام وقلوبهم مغلقة، وحال الله بينهم وبين قلوبهم، فلا يرون بنور الله، ولا يتصرفون بما يرضي الله، وبالتالي لو دَعوا وألَحّوا بالدعاء لن يستجيب الله لهم؛ لأن الله لا يستجيب دعاءً من قلب لاهٍ كما قال -صلى الله عليه وسلم-، لا أقول ذلك لأشعركم بالإحباط واليأس، ولكن لكي نعرف كم نحن مقصرون، وماذا يجب علينا أن نفعل؛ لكي يرضى عنا ربنا -سبحانه وتعالى-، ولكي نعرف مصدر المرض والبلاء فنعالجه بشكل جذري.
إخوة الإسلام: فلننظر إلى المسلمين الأوائل، ليس إلى عصر الصحابة، بل بعد القرون الثلاثة المفضلة، يعني في عام فتح بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي، أي: في عام 583هـ، لعمل مقارنة بينه وبيننا وبين أمتنا التي هانت بعد أن بعدت عن الإسلام.
وقف جيش الناصر صلاح الدين الأيوبي في غرة رجب من هذا العام نفسه أمام ستة جيوش أوروبية كافرة، هي جيش بريطانيا وفرنسا وألمانيا والمجر وإيطاليا وبلجيكا، وقف ثابتًا متوكلاً على الله مستعينًا ذاكرًا له، فنصره الله وهزم كل هذه الجيوش الجرارة، وفي يوم السابع والعشرين من الشهر نفسه -شهر رجب- كان القائد صلاح الدين يخطب على منبر المسجد الأقصى المبارك، أعاده الله لنا بعد أن ظل المسجد الأقصى أسيرًا تحت يد الصليبيين واحدًا وتسعين عامًا، وسوف يعود بإذن الله قريبًا للمسلمين بعد أن يستجيبوا لله وللرسول ويصلحوا ذات بينهم ويتوكلوا على الله ويتقوه حق التقوى.
نفعني الله وإياكم بالقرآن والسنة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله يعزّ من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وأصلي وأسلم على من أرسله ربه رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة الكرام: تعالوا بنا ننظر إلى ما بعد فتح بيت المقدس بثمانين عامًا تقريبًا، أي: في عام 656هـ، فيما زحف التتار من مرتفعات منغوليا إلى أن استطاعوا أن يسقطوا الخلافة العباسية في بغداد، واستسلمت لهم المدن في معظم بلاد الشام، وظل هولاكو يزحف بجيشه إلى حدود مصر وفلسطين، وأرسل في أوائل عام 658هـ إلى حاكم مصر إنذارًا شديد اللهجة قال فيه: "إذا قرأت رسالتي فسلّم، فلو كنت معلقًا في السماء لطرنا إليك أو لأنزلناك إلينا، جيوشنا دواسر، وخيولنا سواتر". ولما وقع الإنذار في يد حاكم مصر آنذاك المظفر سيف الدين قطز أمسك الإنذار ومزقه، وقام فصلى ركعتين لله -تبارك وتعالى-؛ لكي يجد عنده الفرقان ويوجهه الوجهة الصحيحة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا) [الأنفال: 29].
ثم كتب ردًّا على هذا الإنذار كما يلي: "بسم الله الرحمن الرحيم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) [التوبة: 38].
ثم قرأ هذا الرد سلطان العلماء في عصره العز بن عبد السلام، فقد كان إمامًا ورعًا آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر لا يخاف في الله لومة لائم، وبعد قراءته الرد أعلن السلطان التعبئة في الأمة، وقاد الجيش إلى حدود فلسطين، ولما كان اليوم الخامس والعشرين من رمضان يوم جمعة قال قائد الجيش: "لا نخوض المعركة حتى نصلي الجمعة وندعو الله ونستغفره ونتوب إليه ونطلبه النصر والتمكين".
وهكذا ينتصر جيش المسلمين في كل مكان، صلاة ودعاء وذكر وطهر ونقاء وتقوى واستغفار، فتتنزل الرحمات، وفعلاً صلى الجمعة ودارت رحى الحرب، وكان الكل معلقًا قلبه بربه معتمدًا عليه ويرجو رحمته ونصره، وجنود الله ومدده موجودون، وهم على أتم الاستعداد لينزلوا المعركة، والله حيٌ لا يموت، ومتى شاء سبحانه يصدر الأوامر إلى الملائكة الكرام لتخوض المعركة وتثبت المؤمنين فينتصرون، (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) [الأنفال: 12].
المهم اثبت أنت يا مؤمن، والنصر يأتي من خلالك، (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال: 17].
فنحن كمؤمنين نعتبر ستارًا لقدر الله: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) [التوبة: 14].
المهم لا تخف وقاتل بصدق، والله سوف يقاتل معك، وينصرك إذا علم صدق نيتك وأن هذا قتال من أجل الله ولدين الله، وليس لدنيا أو متاع زائل.
ثم صلوا وسلموا على صفوة خلق الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر من نصر الدين، اللهم انصر إخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم انصرهم في بيت المقدس وفي فلسطين، اللهم فك الحصار عنهم، وقوِّ إيمانهم لمقارعة اليهود والثبات على هذا المبدأ، اللهم رقق قلوب إخوانهم المسلمين في كل مكان لمناصرتهم والوقوف معهم ضد الهجمة اليهودية الصليبية الحاقدة.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي