الهزيمة النفسية

محمد سعيد رسلان
عناصر الخطبة
  1. المجتمع المسلم يواجه أكبر التحديات .
  2. الدعوة لا يصاب أبناؤها بالهزيمة النفسية .
  3. استعلاء المسلمين أمام النجاشي .
  4. مظاهر الهزيمة النفسية .
  5. صلح الحديبية .
  6. كيف نعرض الإسلام على الناس؟! .
  7. رضا البعض بالديمقراطية كنظام للحكم .

اقتباس

فإنه قد كُتب على المجتمع المسلم منذ اللحظة الأولى لميلاده أن يُواجه بأكبر التحدِّيات، وأن يُعاند بأجل الصعوبات؛ ذلك لأن الكفر لا يملك إلا وجهه القبيح، يزينه ربما ولكنه لا يملك أن يغيره، ومن اللحظة الأولى والعداوة قائمة، والحرب مضطرم أوارها، وقد أخرج الشيخان في صحيحيهما، من رواية عائشة -رضي الله تبارك وتعالى عنها-، في بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وكيف رجع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى خديجة -رضي الله عنها- فأخذت...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أ ن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [البقرة:278].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أما بعد:

فإنه قد كُتب على المجتمع المسلم منذ اللحظة الأولى لميلاده أن يُواجه بأكبر التحدِّيات، وأن يُعاند بأجل الصعوبات؛ ذلك لأن الكفر لا يملك إلا وجهه القبيح، يزينه ربما ولكنه لا يملك أن يغيره، ومن اللحظة الأولى والعداوة قائمة، والحرب مضطرم أوارها، وقد أخرج الشيخان في صحيحيهما، من رواية عائشة -رضي الله تبارك وتعالى عنها-، في بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وكيف رجع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى خديجة -رضي الله عنها- فأخذت بيده إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان امرأً قد تنصّر في الجاهلية وقرأ الكتاب العبراني وكتب، فلما جاءه الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- فأخبره بما كان من أمر ما أوحي إليه به قال ورقة: إنه النّاموس الذي كان ينزل من عند الله -جل وعلا- على موسى -عليه السلام-، يا ليتني فيها جذَعًا -والجذع الشاب القوي-، يا ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- متعجبًا: "أََوَمخرجيَّ هم؟!"، قال ورقة: إنه ما أتى رجل قومه بمثل ما جئت به إلا عودي.

فهذه الحرب المضطرمة بين الإسلام والكفر، وبين اليقين والشك، وبين الإيمان والشرك، حرب دائمة أبدًا منذ جاء نوح -عليه السلام- إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وتأمل في قولة ورقة -رضي الله تبارك وتعالى عن أصحاب محمد أجمعين-، هل يعد منهم؟! لأنه هلك وكان الوحي قد فتر، ولكنه يؤمن برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- هذا الإيمان، تأمل في قوله: إنه ما أتى رجل قط قومه بمثل ما جئت به إلا عودي، ما جاء إنسان بالحق إلا حاربه أهل الباطل، وما دعا إنسان إلى الإيمان إلا حاربه أهل الكفران، وما صدع إنسان بالإسلام إلا وقف في وجهه أهل الشرك، وما ثبت رجل على اليقين حتى حاربه أهل الشك، تلك سنة الله رب العالمين في المرسلين، ولم تتخلف في أتباع المرسلين ولن تتخلف إلى يوم الدين، والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لمّا صدع بالدعوة إلى الله كان أمر الدعوة إلى الله مكشوفًا لا التباس فيه ولا غموض يعتريه، وكان الأمر واضحًا عند أتباعه، متألقًا في أرواحهم وقلوبهم، وكان واضحًا متألقًا أيضًا في أذهان أعدائه ممن رفض الدعوة وحارب الداعي ووقف في صف الشيطان الرجيم، والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لمّا زاد الأذى في مكة عليه وعلى أصحابه أذن لهم بالهجرة إلى الحبشة، وهم إنما كانوا قبلُ يركبون متون القفار، فالآن عليهم أن يخوضوا البحار، ولا عهد لهم بالماء، وعهدهم موصول بالرمال، ولكنهم لأجل الفرار بدينهم من الشرك الذي تزخر به مكة حولهم، فروا بدينهم إلى الحبشة، فتبعتهم قريش ولم تتركهم يأمنون في مأمنهم، ويسكنون في مسكنهم، ويقَرون على قرارهم عند رجل أمّنهم فلم يُظلم منهم واحد، وقاموا على أمر دينهم الذي هداهم الله رب العالمين إليه خير قيام في أرضه.

في رواية أم سلمة أن قريشًا أرسلت عمرًا -هو عمرو بن العاص- ولم يكن قد أسلم بعد، وأرسلت عبد الله بن أبي ربيعة، وفي رواية أبي موسى الأشعري أن قريشًا أرسلت عمرًا، وأرسلت عُمارة بن الوليد، وعلى أي حال فقد ذهب وافدان مرسلان من قبل قريش محملان بالهدايا للنجاشي وبطارقته، ووصلوا إلى البطارقة أولاً فدفعوا إليهم الهدايا، وافترى من افترى منهم على أصحاب محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-، فقالوا: إن من السفهاء غلمانًا قد خرجوا على معهود دينهم، وسفهوا أحلام قومهم، وعابوا آلهتهم، وصبؤوا عن دين قريش بآبائها وأجدادها، وقد آواهم ما آواهم من المسكن، وطواهم ما طواهم من الأرض، حتى صاروا عند النجاشي عندكم، فكلموا النجاشي فيهم حتى يردهم إلى قومهم ليروا فيهم رأيهم، فلما عُرض الأمر على النجاشي وقد دفعت إليه الهدايا مما يحب وكلمه بطارقته بأن يرد أولئك إلى قومهم وهم أولى بهم، قال: لا يكون حتى أسمع منهم، ليقيم العدل ولِيَنصب موازين الحق، ولكي لا يظلم بأرضه أحد كان في جواره وآواه ظل بلاده، فلمّا نزل ذلك بجعفر بن أبي طالب ومن معه من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم- نزل بهم أمر شديد، فقالوا: إذا عُرضنا عليه غدًا ماذا نقول؟! فقال جعفر: نقول والله ما بَلَّغَنَاهُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا نكتم منه شيئًا.

كان النجاشي نصرانيًّا وعنده بطارقته من رؤساء ملته وأهل دينه، فكيف يُجيب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- القوم وهم في قبضتهم بما يكرهون، قالوا: لا والله لنخبرنّه بما أرسل به رسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فلما مثلوا بين يديه سألهم عما أرسل به الرجل الذي بعث فيهم، فتكلم جعفر -رضي الله عنه- وأخبر بما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من حقيقة الدعوة، وأخبر بالذي كان من أمر العرب ومن أمر قريش؛ إذ يأكلون الميتة، ويعاقرون الخمر، ويذبحون للأصنام، ويعبدون الأوثان، ولا يراعون حُرمة، ويعتدون ويسلبون وينهبون ويتقاتلون لأتفه الأسباب، ويقطعون الأرحام ويعتدون على الضعفاء والأيتام، ثم جاء رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فأمرهم بأن يعبدوا الله وحده، وأن لا يشركوا به شيئًا، وأمرهم بأن يأكلوا من الطيبات، وأن يجانبوا المحرمات، وأن يبتعدوا عن أم الخبائث، وأمرهم بصلة الأرحام، والعطف على الأيتام، وبالبر والجود والصدقة والكرم، ومضى يعدد حسنات الإسلام فقال: هل معكم مما جاء به نبيكم شيء؟! قال: نعم، قال: فاعرض عليّ، فعرض عليه صدرًا من سورة مريم، لم يعرض عليه إلا هذا، فبكى النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكى بطارقته حتى صبت دموعهم على صحفهم، ثم قال النجاشي: والله إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة.

هو وحي الله، كلام الله، بيانه الخاتم إلى خلقه في أرضه؛ لتستقيم أمور الحياة، ليرتفع الجور والظلم عن الناس، فيأمن المرء على دينه، وليأمن المرء على عرضه، وليأمن المرء على ماله وثروته وداره وأرضه، فصرفهم مكرّمين.

فلما انصرف عمرو وصاحبه قال: لآتينهم في غد بما تستأصل به شأفتهم وتجتثّ به خضراؤهم، قالت أم سلمة: فقال له عبد الله بن أبي ربيعة -وكان أتقى القوم-: إن لهم رحمًا، يعني دعهم وشأنهم ولا عليك منهم، فقد أدينا ما علينا، قال: لا والله لأفعلن، فلما أصبح غدا على النجاشي فقال: أيها الملك: إنهم ليقولون في مريم قولاً عظيمًا، فاستدعاهم، فتآمروا بينهم متشاورين قبل أن يمثلوا بين يديه، ماذا تقولون له؟! فقالوا: والله لا نقول إلا ما بلغَناه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ولا نكتم من البلاغ شيئًا، فلما كانوا بين يديه قال: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟! قال جعفر بلسانهم: هو عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فنخر البطارقة، فقال النجاشي: وإن نخرتم، ثم أخذ عودًا من الأرض فقال: والله ما زاد عيسى ابن مريم على ما قلت مثل هذه، ثم أمّنهم في أوطانهم التي صارت لهم أوطانًا، وأمّنهم في داره التي صارت لهم دارًا.

ونلحظ هاهنا أمرًا مهما؛ هو أن الدعوة ينبغي أن لا يهزم أبناؤها الهزيمة النفسية؛ لأن الكافرين جادّون في إلحاق الهزيمة النفسية بالمسلمين والدعوة إذا صار أهلها إلى التبرير ودفع التهم عنها، وما فتئ أعداء الإسلام يحيكون المؤامرات وينسجون الاتهامات للدعوة الإسلامية منذ جاء رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فمن أكبر ما تصاب به الدعوة في مقتل أن ينشغل الدعاة في الرد على الاتهامات وفي تبرير الأحكام؛ لأنه بسبب ذلك تبقى الدعوة حبيسة قفص الاتهام، وحينئذ يصاب أهل الدعوة بالذلة والخنوع والمهادنة، وربما دفعهم الحنق والغيظ والكمد إلى حماسة متهورة، فيُحسب ذلك على الدعوة بعدُ، وهذا مما يضر بدعوة سيد المرسلين -صلى الله وسلم بارك عليه-، ولكن لا تنازل عن البيان والبلاغ.

على أهل الدعوة إلى دين الإسلام أن لا يتنازلوا عن البيان ولا عن البلاغ؛ لأنهما من أعظم وظائف الدعوة والدعاة، فلا نتنازل عن البلاغ ولا عن البيان.

فلنعد إلى كلام جعفر وإلى كلام من كان معه من أصحاب رسول لله عند النجاشي في موقف عصيب هددوا فيه بالقتل في أحسن ما يمكن أن يقع توقعًا بالرد، فيصيرون في قبضة المشركين بمكة، وينزل بهم سوء العذاب، وهذا موقف إذا تُؤُمِّل فيه يدعو بادي الرأي إلى المُوادعة والمهادنة، فيفر القوم بدينهم من تلك الأرض التي هم فيها غرباء لا لسانها بلسانهم، ولا عاداتها بعاداتهم، ولا دينها بدينهم، وإنما هي أرض هم فيها غرباء، وهم فيها مستضعفون مطلوبون، وهذه قريش تلاحقها، فلم تقنع بما كان من أمر التشريد والتعذيب والاضطهاد، حتى وصلت إلى مأمنهم ومقرهم لكي تستجلبهم منه خارجين لتفعل بهم الأفاعيل.

تقويم هذا الموقف على حسب قواعد السياسة والدبلوماسية قاضٍ بأن يُهادَن النجاشي بقول ليّن، وأن يحجب شيء ويطوى أمر مما جاء به رسول الله، قد يقول قائل: لا نجبِّهه بأن نقول في مريم وفي ابنها ما يستنكفه ويستبعده ويعتقد ضده ونحن في قبضته، ولا شوكة لنا ولا قوة لنا ولا حول ولا حيلة لنا، حتى نفر بجلدنا، ثم بعدُ فلنظهر دين ربنا، ولكن هيهات، ما هكذا علمهم رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، بل صدعوا بالبيان وأتوا بالبلاغ، كما تعلّموا ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فالداعي إلى الله لا يمارس وظيفة، وإنما يمارس رسالة الدعوة إلى الله، رسالة وليست بوظيفة، الرسالة تمازج الدماء وتجري في العروق، الرسالة تكون فكرة ملازمة وعقيدة مستقرة، في العقل، في المخ، وفي القلب والفؤاد، وأما الوظيفة فوقتٌ يُبْذَل نظيرَ مالٍ يحصَّل، ولا على المرء بعدُ مما كان ولا ما وقع وما صار، فهي وظيفة تؤدى والسلام، وأما الرسالة فهي الحياة، وأما الرسالة فهي حقيقة الوجود، وقد بعث الأنبياء والمرسلون بالرسالة، بحقيقة البلاغ: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)، تعبيد الخلق للخالق العظيم وظيفة المرسلين، وهي رسالتهم لأنها رسالة لا وظيفة، هانت بإزاء أدائها الحياة، وما تبلغ الحياة إن داهن المرء في دين الله!! وما تكون الحياة إذا مسخ الإنسان دين الله!! ما تبلغ قيمة الحياة إذا خان المرء رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فصدعوا بالحق: لا والله لا نقول له إلا ما جاء به رسول الله كائنًا في ذلك ما كان.

ما تقولون في ابن مريم؟! هو عبد الله وكلمة الله ألقاها إلى مريم وروح منه، وهو رسول الله، خلق من خلق الله، ليس بإله ولا بنصف إله، وليس بابن لله، وإنما هو عبد من عباد الله الصالحين المرسلين، كلمة الحق تلامس القلب، وقولة الصدق تستقر في سويداء الفؤاد.

صدعت كلمة الحق بصدقِها وحقِّها قلب الرجل، فصار ناطقًا بتوحيد الله، رادًّا على بطارقته المزيفين لدين الله، فلما نخروا قال: وإن نخرتم، والله ما زاد ابن مريم على هذا شيئًا، وحمل عودًا من الأرض فجعله بإزاء أعينهم.

عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، لابد من البلاغ على تمامه، ولا بد من البيان على كماله، وإلا فهي الخيانة لدين الله، نسخ الإسلام بترقيع الإسلام العظيم بأفكار أهل الأرض الأدنين، جريمة الجرائم في دنيا الله؛ لأن مسخ الدين العظيم تحريف لما أنزل الله رب العالمين وطمس، وهذا لا يكون يومًا من الدهر أبدًا، فدين الله ظاهر، ودين الله غالب، ودين الله محفوظ، ولن يضره أحد ولا شيء.

الهزيمة النفسية فيما يفعل الكافرون من أفاعيل من أجل سحق المسلمين نفسيًّا مع ترويج الأكاذيب وبث الدعايات والشائعات المغرضة بين صفوف المسلمين، بتمزيق روابطهم وتوهين عرى اجتماعاتهم، من أجل أن يصيروا ممزقين متفرقين؛ ليصير بأسهم بينهم، وحينئذ تذهب شوكتهم وتضمحل قوتهم وتذهب ريحهم، لأنهم تنازعوا ففشلوا، فأذهب الله ريحهم، وبدد الله طاقتهم، فحط قدرهم، فعلا عليهم غيرهم من الكفار المجرمين، وإن دم الواحد منهم لكدم كلب كما قال عمر بن الخطاب -رضي الله تبارك وتعالى عنه- بعد أن تمت القضية بين رسول الله وقريش في صلح الحديبية، وتم التوقيع وانتهى الأمر، فجاء الرجل يرسف في أغلاله، وأبوه بين يدي رسول الله، وكان ممثلاً لقريش، فقال الرجل: يا للمسلمين، لا تردوني للكافرين وإلا لأفتنن في الدين، والمسلمون مترددون حائرون، قد نفذت سهام القضية، وتم توقيع المعاهدة، فجنح النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى المسالمة، فقال له: دعه لي. فقال: هذا أول القضية بيني وبينك يا محمد.

هذا أول اختبار لهذه المعاهدة في بنودها، وكان في المعاهدة أنّ من جاء إلى رسول الله من الكفار رده رسول الله إلى الكافرين، ومن جاء إلى الكافرين من عند رسول الله فليسوا ملزمين أن يردوهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

كانت مجحفة شروط المعاهدة، فقال: هبه لي، قال: هذا أول القضية بيني وبينك، فقال له رسول الله: "سيجعل الله لك فرجًا ومخرجًا"، ذهب إليه عمر وهو يرفع بذراعه سيفه من جرابه يقربه إليه ويقول له: إنما هم المشركون، ودم أحدهم لا يزيد على دم كلب، يريد أن يستل الرجل سيف عمر ليقتل به أباه، قال عمر: فضن الرجل بدم أبيه.

يريد الكفار المجرمون توهين صفوف المسلمين وهزيمة المسلمين نفسيًّا فتتغير طريقة الدعوة، ويتم التنازل عن بعض الأصول، حتى لربما تنازل المتنازلون عن الأصول كلها، وحينئذ يصيرون إلى التبرير وإلى الرد على تهم القوم وافتراءاتهم، فيصيرون أبدًا في قفص الاتهام، لا يعرضون حقيقة الدين، وإنما هم في موقف المدافع لا في موقف العارض لدين رب العالمين على خلقه في أرضه، والبشرية كلها في حاجة إلى الدعوة الإسلامية، في حاجة ضرورية ملحة وقهرية، قد لا تدري البشرية حاجتها إلى ذلك، ولا بأس، فإن المريض قد لا يعلم أنه مريض، بل إنه إذا جوبه بأنه مريض وفي حاجة إلى العرض على طبيب، ربما تظاهر بقوة مزعومة وعافية مفقودة، وربما زعم أنه ليس بحاجة إلى معالج ولا دواء.

لكن الحقيقة تظل راسخة أنه مريض، وأنه في حاجة إلى العلاج والدواء، وكذا البشرية -وإن ادَّعت أنها ليست اليوم بحاجة إلى العلاج والدواء- هي في أمس حاجاتها إلى العلاج والدواء، والعلاج والدواء كتاب الله وسنة رسول الله كما جاء بهما رسول الله من غير زيادة ولا نقصان.

نؤمن بالله وبكتاب الله على مراد الله، ونؤمن برسول الله وبما جاء عن سول الله على مراد رسول الله.

تصاب الدعوة في مقتل عندما يتحول الدعاة إلى مبررين مدافعين، والتهم تنهال عليهم بوقع كوقع النبل، فكلما فرغوا من شبهة جاءتهم شبهة، وقد يتولد من ردهم على الشبهة شبهة، فأين بيان دين ربنا وأين بلاغ أمر نبينا للعالمين!!

إن حقيقة الدعوة قائمة في توحيد رب العباد، وهذا ما عرضه المرسلون أول شيء على أقوامهم: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ).

عُدْ عبدًا لله كما خلقك أول مرة، لست أصيلاً في الكون ولا سيدًا، أنت عبد مسخر مربوب مقهور لا تملك لنفسك حولاً ولا حيلة، ولا تستطيع أن تفعل في الحقيقة شيئًا، فعُد عبدًا كما خلقك الله طائعًا لله، موحدًا لله، متبعًا لهدي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، نستل من القلوب كبرها باستلال شِرْكها؛ لأن الشرك يولّد الكبر، وهذا الكبر في القلب ماحق للإيمان فيه، ولا يدخل الجنة من كان بقلبه مثقال ذرة من كبر، نعيد الناس إلى حظيرة العبودية الحقة، ليكون كما خلقهم الله رب العالمين شرعًا لا قدرًا، فهذا هو خلقهم قدرًا، وأما خلقهم شرعًا فقد خلقهم الله لعبادته ساجدين راكعين طائعين منيبين موحدين متبتلين متسننين.

حقيقة الدعوة أن نعرض الإسلام على العالم كله في حال عزة وفخر؛ إذ شرّفنا الله بالانتماء إليه، وضل عن حقيقته أقوام. نصير الآن إلى حقيقة دين الإسلام بتوحيد الرب العلام، واتباع النبي الهُمام -صلى الله عليه وآله وسلم-، ولا نستورد لديننا ما هو عنه غني، بل ما نحن به كافرون، كل ما أدخل في دين الله رب العالمين مردود، ومن أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد، فهو مردود لا قيمة له، تحت مواطئ الأقدام.

القوم اليوم بدعوتهم إلى دين الله مهزومون، مهزومون هزيمة صاروا فيها ينطقون بألسنة أعداء الدين، يقولون: إن في الإسلام ديمقراطية، وينبغي علينا أن نبحث عن قواعدها لنطبقها على المجتمع المسلم، أيلبس المجتمع المسلم ثوب الكفر من غير نكير ومن غير أن يعترض معترض؟!

إن هذا لعجيب!! الديمقراطية هي حكم الشعب للشعب، السيادة فيها للشعب، وهي مبنية على نظرية العقد الاجتماعي، قُرِّرت النظرية قديمًا، وفُعِّلت في أوروبا بعدُ، ففلسفها هوبس ولوك وروسو، وجاؤوا بما يسمى بنظرية العقد الاجتماعي، ولُحْمَاها وسُداتُها كفر في كفر، لأنها مبنية على هذا الأصل، أن بشرًا في مكان يتعاقدون بينهم عقدًا على أن يضعوا المواثيق والقوانين التي تحكمهم وهم بشر، وإذا تعاقدوا على نقضها بعدُ فلهم ذلك، فهم يشرعون لأنفسهم، ومبنى ذلك سلفًا أنهم يقولون: إن البشر كانوا في الأرض بلا وحي لا وحي يتنزل من السماء، ولا رسالة بينهم، وإنما البشر كسائر الحيوانات، كسائر المخلوقات، يعيشون في فجر تاريخهم الإنساني بلا نظام وبلا قانون، ثم من تجاربهم في الحياة يعقدون عقدًا اجتماعيًّا من أجل أن يُحكموا بما يشرعونه لأنفسهم، فهي مبنية على قطع الصلة بين الأرض والسماء، كفر وإلحاد.

أهذا يمكن أن يكون مفصلاً على قَدِّ الإسلام؟! أيُلبَس الإسلام ثوب الكفر؟! هيهات هيهات، إن الإسلام في أول دعوته ووسطها ومنتهاها يحارب الشرك، يحارب الكفر، يؤسس التوحيد؛ إذ هو دين التوحيد، وبه جاء المرسلون أجمعون وخاتَمهم محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، افتتح الدعوة إلى الله بالدعوة إلى توحيد الله، يدور عليهم في أسواقهم وفي أنديتهم وفي مجتمعاتهم يقول: "قولوا: لا إله إلا الله، تفلحوا".

ثم استمرّ نذيره بعدُ داعيًا إليه، محاربًا دونه، مجاهدًا عليه، فاضطهد وحوصر ثلاثة أعوام في الشِعب جائعًا لا يباع إليه ولا يبتاع ولا ينكح إلى المسلمين ولا ينكحونهم من المشركين، حوصروا في الشِّعب ثلاثة أعوام واضطهدوا، فمنهم من مات شهيدًا يلقى ربه حميدًا، ومنهم من عُذِّب بالنار تارة كما صُنع بخباب؛ إذ يُجعل الجمر المحمي في النار في ظهره، فما يطفئ الجمر إلا الدهن يسيل من ظهر خباب، وتحمى ظهور على رمال محترقة في القيظ، فما يزيد من يُحمى على جلده فيها عن قوله: أحدٌ أحد، أحدٌ أحد، ويمرّر العود المحمي في النار أمام عيني زنّارة حتى تعمى عيناها -رضي الله عنها-.

يعذَّبون يشرَّدون يقتَّلون، والتوحيد قائم، والمهادنة منتفية، والدعوة ماضية، حتى علمها الكافرون أنفسهم، فقال أبو سفيان لهرقل -وقد سأله عما جاء به محمد وكان أبو سفيان لمّا يزل بعد مشركًا- فقال: يأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئًا، وأن ندع ما يقول آباؤنا، (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)، ودعوا ما يقول آباؤكم وما يقول أحباركم وما يقول رهبانكم، فإنهم يضلونكم عن حقيقة الدين.

الأمر واضح، من اليوم الأول والرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-، في السلم يعلم التوحيد، وفي الحرب يعلم التوحيد، كما في حديث أبي واقد الليثي لمّا مروا وكانوا حديثي عهد بكفر على شجرة عظيمة فقالوا: يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، قال: "الله أكبر، قلتم كما قال بنو إسرائيل لموسى: (اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)، يُعَلِّمُ التوحيد في السلم والحرب، راكبًا وماشيًا وقائمًا وقاعدًا وعلى جنب، حتى وهو على فراش الموت -صلى الله عليه وآله وسلم- جعل على وجهه قطيفة، فكلما اغتمّ بها رفعها، وهو على فراش الموت يقول: "لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد"، يحذر ما صنعوا.

الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى اللحظة الأخيرة من عمره يدعو إلى حقيقة الدين، يعلم الناس دين رب العالمين بتوحيد الله وحده وعدم الإشراك به، إذا لم نعرض الإسلام عرضًا صحيحًا فكيف يعرفه الناس؟! إذا لم نبيِّن للناس دين الله فمن يبين الدين للناس؟! إذا لم نحمل أمانة الله لنؤديها لخلق الله في أرض الله فمن يؤدي الأمانة دوننا؟! إن خنَّا أمانة الله فمن ذا يؤتمن بعدنا؟!

يريد القوم اليوم أن يُلبسوا الإسلام ثوب الشرك، بإلباسه تلك النظريات وهي كفرية، وسُدًى يريدون أن يجعلوا ما أُسِّس على الباطل والكفر معمولاً به في ديار الإسلام، مطبقًا على أهله، وهيهات لا يستقيم ذلك حتى تجمع الماء والنار في يدك، وهيهات لا يجتمعان أبدًا.

الإسلام دين الله، وحقيقته ينبغي أن يدعى إليها كما جاء بها رسول الله، نسأل الله رب العالمين أن يفهمنا حقيقة الدين، وأن يقيمنا على الإسلام العظيم الذي جاء به النبي الكريم -صلى الله عليه وآله وسلم- ما عشنا، وأن يقبضنا عليه، وأن يحشرنا في زمرة من بَلَّغَنَاه، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو يتولى الصالحين.

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، صلاة وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن حقيقة الدين لا تنازل فيها بحال، حقيقة التوحيد توحيد رب العالمين، حقيقة الاتباع اتباع سيد المرسلين -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، لا تنازل في تلك الحقيقة بحال، والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بلّغ البلاغ المبين، وأدى الأمانة كما حمّله إياها رب العالمين، وأتباعه على منهاج النبوة عليهم أن يظلوا على ذلك النهج سائرين حتى لا يخونوا الأمانة، وحتى لا يتورطوا في مسخ حقيقة الدين.

إن العقد الاجتماعي يقضي بأنه ليس في السماء رب يُعبد، ولا وحي نزل، ولا رسول أرسل، ولا نبي نُبِّئ؛ لأنه ليس في السماء بزعمهم إله يعبد، فالبشر يقومون بأمر أنفسهم، يشرعون لأنفسهم، وهم أدرى بأنفسهم من الإله المزعوم بزعمهم.

حقيقة العقد الاجتماعي هي ما أُسِّس عليها دين الديمقراطية؛ لأن الديمقراطية تعني أن السيادة للشعب، السيادة الشعبية، ما أراده الشعب لا ما أراده الله، ما أراده الشعب لا ما أراده رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ولو لم يكن بإجماع، يكفي أن يكون بالأغلبية، فإذا كانت أغلبية منحرفة تريد الإباحية والشذوذ فليكن، لا يكون ما يريده الله، لا يكون ما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.

السيد الله، المشرع الله، لا مشرع إلا الله، فلا اعتداء على ما هو لله خالصًا، فهذا انعتاق من ربقة الإسلام العظيم.

الديمقراطية مبنية على هذه الحقيقة، ثم ينبثق منها السيادة الشعبية، ولا سيادة فوق سيادة الشعب، ومنصوص على ذلك في كل الدساتير، حتى عند الدول الإسلامية العربية، فالمادة الثالثة من الدستور المصري تنص على أن السيادة للشعب، وأن الشعب هو مصدر السلطات، وكذلك الدستور السوري والأردني والكويتي والبحريني، كل الدساتير في المنطقة من الغرب إلى الشرق من الشمال إلى الجنوب تنص على قاعدة الديمقراطية في سيادة الشعب، فأين سيادة الله؟! وأين سيادة شرع الله؟! وأسسوا ذلك على السلطة التشريعية، يشرعون لأنفسهم على مقتضى العقد الاجتماعي ومبدأ السيادة، ثم تأتي سلطة تنفيذية وسلطة قضائية تفصل في الخصومات بين السلطتين وبين أبناء كل سلطة، والسلطة التشريعية في النظم الديمقراطية هي أعلى السلطات، والسيادة فيها هي السيادة المطلقة فيما يعرف بسيادة القانون، فأين سيادة كتاب الله؟! وأين سيادة سنة رسول الله؟! وأين سيادة دين الله رب العالمين؟!

قالت الجماعة -في أي بقعة من الأرض على حسب العقد الاجتماعي-: لا نقطع يد السارق فهي وحشية، لا تقطع إذ هي وحشية، ولا يجلد الزاني إذ هي وحشية، وعودة إلى العصور البدائية، إذًا يُنَحَّى كتاب الله جانبًا وتُسْتَدبَر سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- لإرادة الشعب، أي شعب؟! الشعب عبيد لله مسخّرون مربوبون مقهورون.

جاءهم الدين ليحكم عليهم ويحكم فيهم ويُحكموا به، لا ليحكموا هم عليه، هذا انعتاق من ربقة ما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، انهزم أقوام من جلدتنا من الناطقين بلساننا والداعين إلى ملتنا، فصاروا داعين إلى إلباس المجتمع المسلم ثوب الكفر والشرك والطغيان، ولا تريد تلك القوة الغربية التي تحارب الإسلام وتعانده وتناوئه من تطبيق الديمقراطية في المجتمعات الإسلامية مصلحة تلك المجتمعات، وإنما هي الحيلة لتبديل الديانة ومحو الشريعة ومحق دين الإسلام العظيم، ثم الغرض المصلحي لنهب الثروات وإلا فإنهم لا يطبقون مبادئ الحرية ولا مبادئ العدالة ولا مبادئ المساواة التي رفعت شعارات للشعوب المطحون، إذ إن الغالب على أرض الله في مجتمعات الناس أنها لا تطبق أحكام الله في الغالب أو في الأغلب لا تطبق أحكام الله، ونظمها مستبدة فاسدة وعتيدة، وفي الجملة مجرمة وعنيدة إلا من رحم الله ممن طبق شرع الله، فتكون البيئة ممهدة وحرث التربة ميسرة من أجل زرع تلك النظم التي تأتيكم بالحرية وترفع عنكم نير الاستبداد، تعدل في توزيع الثروات، ولا عليكم إذا مُحي عنكم دينكم؛ لأنك بعد حين تقتنع -شئت أم أبيت- أن الإسلام لم ينفع المجتمعات التي دانت به والتي تمسكت به.

ولقائل حينئذ أن يقول: فما الذي استفدناه من قرون متطاولات صرنا فيها أحط الأمم وأذل الأقوام، واستشرى فينا الجوع والفقر والمرض، وتقدم غيرنا وليسوا هم على دين الإسلام العظيم، وهذا كله باطل في باطل، فما ضعنا إلا لمّا للإسلام ضيّعنا، لما ضيّعنا الإسلام ضعنا، ولو أننا تمسكنا به لدانت لنا الدنيا كلها.

ولا تحسبن أن الآخرين لا يفهمون حقيقة الدين، بل كثير منهم يفهم حقيقة دين الإسلام العظيم ما لا يفهمه كثير من المسلمين؛ لذلك يضحكون ساخرين من مشروعات أقوام يذهبون إلى الطغاة، إلى أهل الكفر في ديارهم من أجل أن يُجَمِّلوا عندهم صورة المسلم والإسلام، كأنهم لا يعرفون حقيقة الإسلام، وإنما هو عدو صنعوه من أجل استلاب الثروات وترويج المنتجات والحصول على المواد الخام والأيدي العاملة الرخيصة، وليبقى الجنوب فقيرًا أبدًا تحت خط الفقر، فليسوا من الأناسي إذ ليسوا ممن يمُتُّون إلى السيد الأبيض في الشمال بصلة ولا نسب، وعليه فكأنها القاعدة الصهيونية اليهودية التي يعامل بها اليهود الأمميون، وأنهم أحط من الحيوانات لم يبلغوا بعد مرتبة الحيوانات، هم يعلمون، لذلك لمّا حاربوا النازية والفاشية في الحرب الكبرى الأولى صارت الدعايات وما زالت لاصقة آثارها بالأذهان إلى اليوم، مستقرة في حبات القلوب إلى الآن، صارت الدعايات ضد النازيين والفاشيين، فلمّا خرج من خرج من الغرب الصليبي منتصرًا جاءت بعد ذلك تلك الحرب الباردة وصارت كلمة الشيوعية ملصقًا بها كل رذيلة، مضافًا إليها كل نقيصة، وهو كذلك، حتى اضطر خرشو أن يقف في الأمم المتحدة لكي يقسم بكل إله لا يعبده، إذ هو ملحد، إن الدعايات في التشويه كانت قد بلغت مبالغها، ثم لمّا انهار الاتحاد السوفيتي وتساقطت الدول الاشتراكية دولة بعد دولة اتُّخِذ الإسلام عدوًّا وهو عدو منذ القدم، ولكن صار المسلم اليوم مرادفًا للإرهابي، وصار الإسلام اليوم دين إرهاب ووحشية، هذا كله مقصود من أجل أن يهزم المسلم هزيمة نفسية.

إن كنت مؤمنًا فأنت أعلى؛ لأن الله قال للمؤمنين: (وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) العزة لكم، والمجد لكم، والكرامة لكم. أنت تعبد الله وتوحده، وغيرك يكفره ويشرك به. أنت لا تسجد لأحد ولا لشيء دون الله، وغيرك يسجد لمخلوقات الله. أنت تتبع خير الرسل وخير البشر، غيرك يتبع زِبالات الأذهان ونفايات الأفكار وقمامات الأمم. أنت مسلم فاعتز بإسلامك، واستعلِ بإيمانك، لا تكن وضيعًا ولا ذليلاً، فإن ذلك لا يجتمع مع الإسلام في قرن.

الإسلام دين العزة، دين الرفعة، دين الكرامة، كما أنه دين العدل ونفي الجور، ينبغي علينا أن لا نلتفت إلى ما يشيعه الآخرون من وسائل لهزيمة المسلمين نفسيًّا، الحق قوته فيه، والحق منصور ومضطهد دومًا، فلا تبتئس، ولكن النصر له النصر للحق، وإن بدا في عين المرء ضعيفًا، النصر للحق وإن بدا بادي الرأي مهينًا، والعزة للحق لأن الله ناصره والله رب العالمين ينصر أولياءه ويخذل أعداءه، لا تستهينوا بالنعمة التي أنعم الله عليكم بها، أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، اعتز بإسلامك ولا تنهزم.

إن الذي قال بقطع يد السارق هو الله، والذي قال بجلد ظهر القاذف والزاني هو الله، والذي أمرَ برجم الزاني المحصن رسول الله -صلى الله وسلم وبارك عليه-، والدين ليس وقفًا على الحدود، فهذا جزء منه، تعلَّم دين ربك الذي شرفك بالانتماء إليه، ولا تضيع وقتك وعمرك في قيل وقال وكثرة السؤال والتسكع على أبواب الأفكار، وإلا لتُحرفن عن الصراط المستقيم، وقد بلغتك والله يرعاك، وهو مولاي ومولاك، وهو نعم المولى ونعم النصير، وصلى الله وسلم على البشير النذير، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي