أوثق عرى الإيمان: الحب في الله, والبغض في الله. أين الولاء والبراء, الذي مدح الله به أولياءه؟ فمن قويت محبته لله؛ رخص عنده ما سواه، ومن ضعفت محبته لله؛ قدّم على الله سواه, وأحب أعداءه ومن صدق في محبته لله؛ لم يتخلف عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي) فكيف حال من تخلف عن أوامر الرسول الله, وهو ..
الحمد لله أولاً وآخراً, وحالاً وأبداً، فهو المستحق للمحامد كلها, ومنه كل خير بدا، وأشكره على نعم لا أحصى لها عدداً، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له, إله حق كامل, لم يتخذ صاحبة ولا ولداً. وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله, أكمل من دعا الله موحداً, وأقوى وأشرف من جاهد في سبيل الله ونابذ العدا، اللّهم صل وسلم, وبارك على عبدك ورسولك محمد, نبي الرحمة والعدالة والهدى، وعلى آله وأصحابه, ومن على منهجه القويم سار, وتمسك واهتدى.
أما بعد:
فيا أيها الناس, اتقوا الله تعالى, واعملوا صالحاً, قبل القدوم على الله غداً.
عباد الله, إن أوثق عرى الإيمان: الحب في الله, والبغض في الله. أين الولاء والبراء, الذي مدح الله به أولياءه، حيث يقول: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ)؟ [الزخرف:26-27]. أين تقديم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على كل أحد؟.
والله ما حصل إهمال إلا لنقص الإيمان, والتقليد الأعمى بدون دليل ولا برهان, والتهاون بمعاصي الله. ألم تعلموا أن رسول الملِك الديان عليه الصلاة والسلام قال في الحديث الصحيح: " ثلاث من كن فيه؛ وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله، أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء, لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار"؟.
وقال: " لا يؤمن أحدكم, حتى أكون أحب إليه من والده, وولده, والناس أجمعين"؟.
ولهذا لما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء, إلا من نفسي". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك"، فقال له عمر: "فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر".
فيجب على كل مسلم أن يحب الله ورسوله، وأن يحب في الله ولله، ولأجل الله، ويلزم من محبته أولياء الله, بغض أعداء الله.
وقد علمنا ما قص الله في القرآن الكريم, وسيرة نبيه وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام, ما يشفي العليل, ويروي الغليل, من نبذه أعداء الله, ونفرته منهم، حتى من أبيه, الذي هو أخص الناس به من جهة النسب, الذي هو بضعة منه.
قال تعالى: (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) [التوبة: 114]، وعاداه, وعادى قومه في الله, لما رآهم تنكروا عن طاعة الله, وارتكبوا الشرك بالله, ورفضوا دين الله.
وقد أمرنا الله سبحانه بالإقتداء به, ومن آمن معه. كما قال سبحانه (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة: 4].
فهذه صفة عباد الله المتقين, فمن قويت محبتهم لله رخص عندهم ما سواه، ومن ضعفت محبته لله قدّم على الله سواه, وأحب أعداء الله.
ومن صدق في محبته لله لم يتخلف عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران:31]، فكيف حال من تخلف عن أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم, وهو يدّعي محبة الله؟ وكيف حال من ركن إلى أعداء الله, وهو يدّعي محبة رسول الله؟.
قال ابن القيم رحمه الله في النونية:
أتحب أعداء الحبيب وتدّعي حباً له ما ذاك في إمكان
وكذا تعادي جاهداً أحبابه أين المحبة يا أخا الشيطان
قال أحد السلف رحمه الله: لا تنظر الناس عند ازدحامهم بأبواب المساجد, ولا إلى ضجيجهم بقول: (لبيك اللَّهم لبيك), ولكن انظرهم عند مؤاخاة أعداء الشريعة.
جعلنا الله, وإياكم ممن حفظه الله في دينه, وقوى إيمانه ويقينه.
ولا يتم إسلام عبد حتى يكفر بالطاغوت, ويؤمن بالله.
قال تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 256].
يقول الله- وهو أصدق القائلين-: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة:24].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا, وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم, ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنّه هو الغفور الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي