وتجسيدًا لهذه الوظيفة وقيامًا بالمسؤولية وتديُّنًا لله وقربةً فقد كان من أحد أجهزتها ودواوين دولتِها جهازُ الحسبة هيئَة الأمر بالمعروف والنهيِ عن المنكر، ديوانٌ من دواوينِ الدولة وأجهزتها للإصلاح الدينيِّ والاجتماعيّ، يعكِس وعيًا اجتماعيًّا على مستوَى الدولة والمواطِن، يعزِّز قِيَمَ المجتمَع من أجلِ حياةٍ تسودُها الفضيلةُ في عصرٍ متقدِّم وأجواء تقدّميّة، هذا الجهاز يُرشِّد عمليّةَ التقدّم ويعمَل على سدِّ الفجوة التي ..
أمّا بعد: فأوصيكم -أيّها الناس- ونفسي بتقوَى الله -عزّ وجلّ-، فاتَّقوا الله -رَحمكم الله-، وخُذوا حِذركم وأُهبَتَكم، فكَم رَأيتُم في هذه الدنيا مَن أصبح وما أمسَى، وكم استفاد مِنها الحازمون عِبرًا ودرسًا، كم يَعِد الإنسان بالتوبة وكم يماطل، وكم يمنِّي الشيطان ويسوّف وينصِب الحبائِل، وكم نقَبَ الموت من منزلٍ وهَدَم من مشيد، وكم فارَقتم من صديق وودّعتم من فقيد، (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور: 21]، (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس: 37]، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق: 37].
أيّها المسلمون: الإنسانُ مدنيّ بطبعه، وصلاحُ معاشِ الناس بالتعاون والتوافُق والتناصح والتشاوُر والائتمار والتناهي، ولقَد قال أهل الحكمة والمعرِفة: إنّ مِن لوازِمِ وجودِ بني آدَمَ أنهم يَأمرونَ ويُؤمَرون ويَنهَونَ ويتَنَاهَون، وقالوا: إنَّ مِن طبائع النفوسِ والجماعات أنها تُريد أن تجرَّ الناس إلى اهتمامِها ورغبَاتها وتحِبُّ منها أن توافقَها في مُيُولها ومُشتَهَيَاتها، ولقَد جعَل الله النَّاسَ بَعضهم لبعضٍ فتنةً، (وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) [الفرقان: 20]، وفي التنزيل العزيزِ: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ) [التوبة: 71]، وقال سبحانه: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) [التوبة: 67]، وقال سبحَانَه: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا) [النساء: 27].
أيّها الإخوةُ الأحِبّة: هذه الحقائقُ الشرعِيَّة والمدنيّة والاجتماعيّة تُوَضِّح أنَّ المجتَمعَ بكلِّ فئاتِه وأطيافِه شُركاءُ في العمَل وشُرَكاءُ في المسؤوليّة وشركاء في النَّتيجة، الصُّلَحَاء وغيرُ الصّلَحاء، ويَهلك الصّالحون إذا كثُر الخبَثُ، وفي محكم التنزيل: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود: 117]، والسَّفينةُ إذا غَرقت غرق رُكّابها أجمعون. تِلكم هي المسؤوليّة المشتَرَكَة التي جسّدها من أُوتِيَ جوامعَ الكَلِم نبيُّنا محمّد -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم- حين ضرَب السفينةَ مثلاً للمجتمَع حين تقوم فيه فِئةٌ على حدودِ الله وهم في أعلى السَّفينة، وتقصِّر فئةٌ أخرى وهم الّذين في أسفَلِها، فكان الذين في أسفلها إذا استَقَوا من الماء مَرّوا على من فَوقَهم فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبِنا خَرقًا ولم نؤذِ مَن فَوقَنا، فإن يترُكوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخَذوا على أيديهم نجَوا ونجَوا جميعًا.
معاشِرَ المسلمين: هذا هو الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر يؤكّد أن المجتمَعَ لُحمَةٌ واحِدة وكيَانٌ واحد يكمِّل بعضه بعضًا ويؤثِّر بعضُه في بعض صَلاحًا وفسادًا ونجاةً وهَلَكَة. بالأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكرِ يكون الناس بأنفسِهم حماةً للأخلاقِ حماةً للجَمَاعة وحُرّاسًا للنظامِ مِنَ الانحراف والشذوذ. شعيرةٌ عظيمة تحقِّق للأمّة والدولةِ الاستقرارَ والاستمرارَ في مساندةٍ حكيمة وفاعِلة من أجلِ ضبطٍ دينيٍّ وأمنيٍّ واجتماعيّ. جُهدٌ بشريٌّ جماعيّ منظَّم لمن ينشُد الأمنَ النَّفسيّ والأمنَ الاجتماعي والأمن الفكريَّ وينشد سعادة الدارين، وفي لغةٍ معاصِرَة: في هذه الشّعيرة العظيمة الأمّةُ أفرادًا وجماعاتٍ مُلزَمون وملتَزِمون بالتعاوُن على إقرارِ النظام ومراقبَةِ الالتزامِ به، هي الأداةُ الشّعبيّة ليصلِحَ المجتمَع بعضُه بعضًا وينظّفَ نفسَه بنفسِه: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ) [التوبة: 71]، (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران: 110]، وفي الحديث الصحيح: "من رَأى مِنكم منكرًا فليغيِّره بِيَده، فإن لم يستَطِع فبِلسانه، فإن لم يستَطِع فبقَلبِه". ومِن أجل هذا فلا يسُوغ لمسلمٍ أن يسُلَّ نفسَه من شَرفِ القيام بهذا الواجبِ العظيم والمسؤوليّة الاجتماعيّة؛ يرى تقصيرًا في معروفٍ ثم لا يسعَى في حفظه ونشرِه، ويرَى منكرًا ثم يتجاهَلُه وكأنّه لا يعنِيه، والأشدُّ والأنكَى أن لا يحتَفِيَ بمن يحمِل شرفَ هذا العمل ويتحمَّل عِبء هذا الإسهام، ناهيكم بمن ينتَقِصه أو يرى أنه تدخُّلٌ فيما لا يعني أو تَدخُّلٌ في خصوصيّات الآخرين وحرّيّاتهم.
معاشِرَ المسلمين: خَيريَّةُ الأمّةِ مُرتبِطَةٌ بشعيرةِ الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر، والأمَّةُ ليست محصورَةً في جهازٍ واحد أو إدارة واحدةٍ أو مؤسَّسَة واحِدَة، ولكنَّ فروضَ الكفايات -كما يقول أهلُ العلم- يقوم بها أكفاءٌ من الأمَّةِ، ومن هُنا جاءَ قولُ الله -عزّ وجلّ-: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].
نعَم -أيُّها الإخوَةُ-، ولأهمّيَّة هَذهِ الوظِيفةِ ومَكانتِها وأثَرِها جاءَ هذا التَّوجيهُ الشرعيّ لينضَمَّ إلى المسؤوليّةِ الفرديّة والجماعيّة إيجادُ طائفةٍ وتَكوينُ مجموعَةٍ من الأمّةِ تنبري وتختَصّ لتكونَ ذات اهتِمام خاصٍّ ومسؤوليّة مركَّزة، إنها طائفةٌ من الأمة وجهازٌ من أجهِزتها، رَمزٌ للأمة التي تعظّم شعائرَ الله وحرماتِه، إنها جهاز مَفخرةٍ والذي لاَ خِيار للأمّة في تبنِّيه والمحَافظةِ عليه، وظيفةٌ عظيمَة ومُهِمَّةٌ مُهِمّة لو ضَعُفت أو اضمَحَلّت لتعاظَمَت رَغَباتُ أهلِ الأهواء والشَّهوات مِن صَرعَى المخدِّراتِ والمحرَّمات والممنوعاتِ والسِّحر والشعوذَةِ والكِهانات.
وبلادُ الحرمين الشريفين القائمةُ على كتاب الله وسنّةِ رسولِه محمّدٍ -صلى الله عليه وسلم- تسجِّل في مفاخِرِها وتُدوِّن في دستورِها ونظامِها أنَّ من وظائفِ الدولة فيها الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر، وهي إحدَى وظائف الدولةِ المسلمة الكبرى وإحدَى أركانها وثوابتها.
وتجسيدًا لهذه الوظيفة وقيامًا بالمسؤولية وتديُّنًا لله وقربةً فقد كان من أحد أجهزتها ودواوين دولتِها جهازُ الحسبة هيئَة الأمر بالمعروف والنهيِ عن المنكر، ديوانٌ من دواوينِ الدولة وأجهزتها للإصلاح الدينيِّ والاجتماعيّ، يعكِس وعيًا اجتماعيًّا على مستوَى الدولة والمواطِن، يعزِّز قِيَمَ المجتمَع من أجلِ حياةٍ تسودُها الفضيلةُ في عصرٍ متقدِّم وأجواء تقدّميّة، هذا الجهاز يُرشِّد عمليّةَ التقدّم ويعمَل على سدِّ الفجوة التي يمكن أن تنتجَ عن التفاوُت بين الجوانبِ المادّية والروحيّة في هذا العصر بوافِداته الصناعيَّة والتجاريّة والثقافية والتقنيَّة والإعلاميّة، جهازٌ كريم همُّه همُّ الأمَّة، وهدفُه الحفاظُ على الحرُمات، يَنشرُون الفضائلَ ويحرسونها، ويحاربون الرذائلَ ويضيِّقون دائِرَتَها، كم هي محاسِنُهم على الناسِ في بيوتهم وأسَرِهم وأسواقِهم ومرافِقِهم ومتنَزَّهاتهم، حصنٌ منيع وسدٌّ عالٍ، حماةُ الدين والعِرض والعقل، بهم تقوم الحجّةُ وتستنيرُ البصِيرة، كم ستَر الله بهم من عِرضٍ، وكم أنجى الله بهم مِنْ هَلَكةٍ وحَفِظَ بهم من حُرمةٍ وأعزَّ بهم مِنْ شعيرةٍ، كم صَدّوا عن الأمّة من وافدِ المسكرات والمخدّرات، كم هي رأفَتهم وحَدَبُهم على من تتخطّفهم شياطين السَّحَرة وحبائل الكهّان، أهلُ علمٍ وفضل وديانةٍ وسيرة حسَنَة وسلوك معتَدِل، وأهلُ حكمة ورويّة وأناةٍ وعدلٍ وإِحسان، يتمتّعون بمصداقيّة ورِضا في المجتمع وثِقَة واحترامٍ كبير، ونحسَب أنهم من المفلحين إن شاءَ الله، (وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].
معاشرَ الإخوة: هذا الثناءُ الذي في محلِّه لا يَعني العصمةَ ولا السلامةَ من الخطأ ولا البراءةَ من الأخطاء، والذين لا يخطِئون هم الخامِلون والقاعدونَ والذين لا يعملون، وإخوانُهم ونظراؤُهم في الأجهزة الأخرى يخطِئون لأنهم يعملون. هذا الثناءُ وهذا الاعتذارُ لا يعني السكوتَ عن الأخطاء أو التسويغَ لها فضلاً عن أن يكونَ وقوفًا معها أو قبولاً لها، معاذَ الله وحاشا وكلاّ. هذا الجهازُ وأمثاله أعمالُه وأخطاؤه ليست مقصورةً على نفسِه، بل هي متعدّية إلى الآخرين، فلا بدَّ من محاسبة المخطِئ وحفظ حقوقِ مَن وقع عليه الخطَأ وأصابَه الضّرر، كما يجِب على كلِّ عاملٍ في ميدان الحِسبة ورجالها قبولُ النقد وإحسانُ الظن، بل إنَّ الشعور بالمسؤوليّة يوجب على المسؤولِ أن لا يغضَبَ من النقدِ المنصِف والنصيحة المخلِصة، فلدَى بعض الأفرادِ أخطاءٌ وفي بعض التصرُّفات تجاوُزات، نقدٌ منصِف ينبّه إلى الخطأ ويُرشِّد المسيرةَ ويهدي إلى الصَّواب، يجب أن يزيدوا ما بينهم وبين الناس من تواصُل وفتح أبواب الاستماع وتقبُّل الملاحظات والشكاوى والتواصل الفكريّ والإعلامي والإرشاديّ، يجب بذل مزيدٍ من الحرصِ في اختيار الأكفاء ورفعِ درجة العاملين بالتدريب وحسنِ التعامل ومسالك الرفقِ واللّين والوعظ الحسَن والأمر بالمعروف والإعراض عن اللغو وعن الجاهلين، لا تردُّدَ في المطالبة بمزيدٍ من التطوير والتحديثِ وإنماء الفاعليّة وإيجاد مجالات جديدةٍ يتمكّن بها أهل الحسبة من فهمِ المتغيِّرات والتكيُّف مع المستجدّات مقدِّرين طبائعَ البشر وتفاوُتهم وتبايُنَ أحوالهم وظروفهم.
معاشِرَ الإخوة: وفي هذا السياقِ كتَب كاتبون وخاضَ خائضون ونقَد ناقدون، وهذا بابٌ حسَن ومَسار مفتوحٌ، فالنقد والنُّصح والتعاوُنُ على البرِّ والتقوى واستئناف الإصلاحِ والدِّلالة على مواطنِ الضعف والخلَل، كلُّ ذلك أمرٌ مستَحسَن ومقصدٌ عظيم من مقاصد الكتابةِ والنقد، بل من أعظم مقاصِدِ النصيحةِ في الدين، وإنَّ المزيد من المساحةِ في حرّيّة الرأي أمرٌ مطلوب مع تحرِّي الحقّ والعدلِ والإحسان والرحمة بالخلقِ.
ومعَ هذا الخيرِ الكثيرِ والمسَالكِ المحمودة فقد وُجِدت كتاباتٌ وطروحات ورُدودٌ ذاتُ تشنُّجٍ وتشدُّد وذاتُ بُعدٍ عن الإنصافِ والحياديّة، وهذا ولا شَكَّ يورِث خللاً في مسَار العلمِ واستقامةِ الدِّيانة ونزاهةِ الطَّرح، ومِن ثَمَّ عدمُ تحقيقِ الغايَة المنشودَة من الإصلاح والنّصح، بل قد ينقلِب المقصودُ وينحرِف المسار وتتولّد الاتهاماتُ والنزاع والقطيعةُ المكايَدَة والتجهِيل والغلوُّ التطرّف والجفاء.
وبعد:
فإنّ المحبَّ المشفِق والمراقب الناصحَ ليتوَجّس خيفةً وهو يتابع بعضَ الكتاباتِ وصخَب المنتدَيات في شبكاتِ المعلومات جرَّاءَ تناول هذا الموضوع وأمثالِه، إنّه يورث احتقانًا، بل إنه يهيِّئ أجواءً مظلِمَة مكفهِرّة لمن يبتغي الاستغلالَ السيِّئ لهذه الطّروحات المتشنِّجة، فيفرّق الأمّة وينشُر قالَةَ السوءِ ويُضعِف الدِّيانَة ويشكّك في الأمانةِ والمسؤوليّة، ولا حولَ ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أعوذُ بالله مِنَ الشيطان الرَّجيم: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) [النور: 15].
نفَعَني الله وإيَّاكم بالقُرآنِ العظيم وبهَديِ محمّد -صلى الله عليه وسلم-، وأقول قَولي هذا، وأستغفِر الله لي ولَكم وَلِسائر المسلِمين من كلِّ ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغَفور الرَّحيم.
الحمد لله أهلِ الحمد والثناء، والشكرُ له على جزيلِ النعماء، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له ربّ الأرض والسماء، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبد الله ورسوله سيِّد المرسلين وخاتم الأنبياء، صلى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله السادة الأصفياء، وأصحابه البررةِ الأتقياء، والتابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين فأحسن الاتِّباعَ والاقتداء.
أمّا بعد:
فإنَّ من المصلحةِ والنصيحَةِ الحرصَ التامَّ على الرُّشد في الطّرح، والأناة في التناوُل، وبَذلَ مزيد من التحرّي حين الكتابةِ والإثارة والنّقد؛ ذلكم أنّه إذا ما شاعت أجواءُ التعجّل بين أهلِ العلم والثقافة والرأي ولا سيما من أهل هذا البلدِ المسلم فإنها سوفَ تسمح لأهل التطرُّف لينالوا مِن البلد وأهلِه وقيادته وأجهزته، ويوظِّفوا مثلَ هذه الكِتابات والتناوُلات لِيَجعَلوها مطايا وذرائِع لاتِّهام الأمّة في تديُّنها ومصداقيّتها وتمسُّكها، ومِن ثَمَّ جرأةُ أعدائها عليها وتطاولُ المتربّصين بها.
ولعلَّ هذا التوجّسَ هو الذي دعا أحدَ أصحاب القرارِ وهو مسؤول يقِف على جهازٍ يصِل إلى المعلومات بطرقٍ أدقّ وأوثَق، دعاه هذا الأمرُ ليتدخَّل لترشيدِ المسيرة والتنبيهِ إلى ما ينبغي أن يكونَ ولتكون فيصَلاً في الموقف من الدولة وأجهزتها. لقد كان هذا الموقفُ تنبيهًا إلى ما يجب من التمسُّك بالحقائقِ وتصريحًا بالثقة بِالجهاز نفسِه وتقديرِ رجاله ومعرفَتهم لمسؤولياتهم وواجباتهم والتأكيد على أنه جهاز مسؤول ليس في دائرة الاتهام، لقد كان موقفًا راشِدا مُرَشِّدًا من دولة راشِدة تزيل كلَّ قَلَق وتقطَع دابرَ القيل والقال ومداخل الشغب.
وبعد:
فإنّ النصيحةَ والمصلحَة والبعدَ عن أيِّ أسلوب يورِث بلبلةً أو تشويشًا والاشتغال بما هو أجدى وأنفع حماية للدين وحبًّا للأمّة وجمعًا للكلمة، مواقفُ واعية وكتابات منصِفة وردود رشيدة تسهِم في تجفيف مسارَي الغلوِّ والجفاءِ في الخطاب والمواقف، إنها المسؤوليةُ التي نحفَظ بها أهلَنا وشبابنا وصغارَ العقول من الخائضين منّا.
ألا فاتَّقوا الله جميعًا -رحمكم الله-، ثمّ صلّوا وسلِّموا على الرحمةِ المسداة والنِّعمة المهداةِ نبيِّكم محمّد رسول الله، فقد أمركم بذلك المولى -جلَّ في علاه-، فقال -عزَّ قائلاً عليمًا-: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد النبيّ الأمّيّ المصطفى الهادي الأمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي