قصة أصحاب الفيل

مسفر بن سعيد بن محمد الزهراني
عناصر الخطبة
  1. بداية قصة اليمن السعيد مع ذي نواس .
  2. جيش أبرهة يستعد لهدم الكعبة .
  3. قريش تمتنع عن قتال أبرهة خوفًا من جيشه .
  4. الطير الأبابيل تهاجم الجيش وتبيده .

اقتباس

فأعد جيشًا قويًا كثير العدد تتقدمه الأفيال، وسار نحو مكة ليهدم بيت العرب، ومع ما وجده من مقاومة من العرب إلا أنه غلبهم حتى وصل إلى مكة، فوصل إليها منتصرًا على كل من قاومه، فخضعت له قبائل العرب وأطاعوه، وكان له من يدله على الطريق إلى مكة حتى نزل ..

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-.

وسنتحدث في هذا اليوم عن أصحاب الفيل.

عباد الله: عندما ملك ذو نواس بلاد اليمن الذي تحدثنا عنه في إحدى روايات قصة أصحاب الأخدود، وبلاد اليمن تكثر خيراتها وتملأ الأرزاق أرجاءها، حتى سميت اليمن السعيد أو الخصيب، وقد انغمس في الملذات والشهوات، وأنكر عليه قومه ميله إلى الإثم وإغراقه في الفحش، فأنبأ ذلك عن نفس تطمح إلى الزهد في الدنيا، وتنأى عن المآثم والفجور، وترغب في إصلاح النفوس وبث روح الدين في الرعية، وقد مر بيثرب محتارًا، وقد كان أهلها ممن استجابوا لداعي اليهودية فصارت مقرًا لهم ومعقلاً لديانتهم، وسرعان ما هرعوا إليه يلقون إليه شيئًا من مبادئ اليهودية، فآمن به ودعا إليها، ثم دعا العرب جميعًا إلى متابعته والدخول في زمرته، فأطاعه الكثير منهم أكثرهم خوفًا من بطشه، أما أهل نجران فقد مالوا إلى دين المسيح، فخرجوا عليه وتحدوه، فوفد إليه من أغراه بهم، فعاقبهم برميهم في الأخدود نتيجة لعنادهم له وعدم طاعتهم له.

فر رجل من هؤلاء الذي اصطلوا بتلك النار فمضى حتى أتى قصر ملك الروم، فاستنصره على ذي نواس وجنوده، وأخبره بما كان منهم، فقال له: بعدت بلادك منا، ولكن سأكتب إلى ملك الحبشة فإنه على هذا الدين -أي المسيحية- وهو أقرب إلى بلادك.

وكتب إليه يأمره بنصره والطلب بثأره، فقدم بلاد الحبشة بكتاب قيصر، وشكا إلى النجاشي ما حل بقومه من الهلاك والدمار، وأسمعه أنين القتلى وغوث الشهداء، ونعى إليه رجال المسيحية والحامين ذمارها.

وعزّ على النجاشي أن يخبو ضوء الدين المسيحي في هذا البلد، فصمم على الثأر ممن أراق دماءهم واستباح أموالهم وأهلك زروعهم، وجهز جيشًا كثر عدده وعدته، وبعث به إلى اليمن يغزو ملكها وينتقم من أهلها.

ولما التقى الجيشان تتابعت الهزائم على ذي نواس وأصحابه، وانتقم الله منه، وأخيرًا أسلمت اليمن إلى النجاشي أمرها، وبذلك أصبحت ولاية تابعة للحبشة، ثم صار أبرهة واليًا لها على اليمن، فأراد أن يعيد إلى الدين المسيحي شأنه، ويرجع إليه قوته، ولما رأى الناس جميعًا يقصدون مكة، يحجون إلى بيتها الحرام والكعبة المشرفة، فكّر في أن ينصرف الناس عن مكة وبيتها، ويجذب قلوب الناس نحو بلاد،ه ويستميلهم إلى دينه، فبنى كنيسة بصنعاء في اليمن، وزينها بما يبهر الأبصار، وزخرفها بما يأخذ الألباب، وجلب لها كل ما يخيل إليه أنه يصرف العرب عن مكة، ولكنه رأى العرب لا تتجه إلا إلى البيت العتيق بمكة، بل ورأى أهل اليمن أنفسهم يدعون البيت الذي بناه وينصرفون إلى مكة، وحقروا بيته وحطوا من قدره، فغضب أبرهة من ذلك أشد الغضب، وأقسم ليهدمن الكعبة وليزيلن بيت إبراهيم وإسماعيل، وليثأرن لبيته من العرب حتى ينصرفوا عن كعبتهم ويولوا وجوههم نحو بيته.

فأعد جيشًا قويًا كثير العدد تتقدمه الأفيال، وسار نحو مكة ليهدم بيت العرب، ومع ما وجده من مقاومة من العرب إلا أنه غلبهم حتى وصل إلى مكة، فوصل إليها منتصرًا على كل من قاومه، فخضعت له قبائل العرب وأطاعوه، وكان له من يدله على الطريق إلى مكة حتى نزل بالمغمس بطريق الطائف.

ولما استقر به وجيشه المقام بعث أبرهة رجلاً من جنده، فساق إليه أموال أهل تهامة من قريش وغيرهم، واستاق من بينها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم جد النبي رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو يومئذٍ صاحب سقاية الكعبة المشرفة، وشريف قومه، وسيد عشيرته، فهمّت قريش ومن معهم من أهل مكة بقتال أبرهة، ولكنهم رأوا أنهم لا طاقة لهم به، فاستكانوا لما نالهم من أبرهة، واحتملوا الضيم الذي لحقهم منه.

وبينما هم في هذا الضيق والحزن وفد إليهم رجل من رجال أبرهة يسأل عن سيد مكة وسلطانها، فأتي به إلى عبد المطلب بن هاشم، فلما مثل بين يديه قال له: إن الملك يقول: إني لم آت لحربكم، وإنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا لنا دونه بحرب فلا حاجة لي في دمائكم، فإن هو لم يرد حربي فائتني به.

قال له عبد المطلب: والله ما نريد حربه، وما لنا به طاقة، وانطلق مع الرجل إلى أبرهة ومعه بعض أبنائه وغيرهم من كبراء مكة وأصحاب الرأي فيها، حتى وصلوا إلى معسكره، فلما دخل عليه عبد المطلب وكان رجلاً جسيمًا وسيمًا تعلوه الهيبة والوقار، فلما رآه أبرهة أكرم وفادته وأجلسه جنبه، ثم أقبل عليه يستفسر عن طلباته، فطلب منه رد ما اغتصب جيوشه من إبله.

فقال له أبرهة: قد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم زهدت فيك حين كلمتني، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك وتترك بيتًا هو دينك ودين أبائك قد جئت لأهدمه، لا تكلمني فيه؟! قال له عبد المطلب: إني رب الإبل -أي صاحبها- وإن للبيت ربًا سيمنعه، قال أبرهة: ما كان ليمتنع مني، قال عبد المطلب: أنت وذاك.

فرد أبرهة على عبد المطلب إبله، وعرض وفد مكة على أبرهة أن يرجع عن هدم الكعبة على أن ينزلوا له عن ثلث ثروة تهامة، ولكن أبرهة رفض أن يقبل أي فدية، فانصرفوا وقد أهمهم الأمر، وأفزعهم الخطب وعادوا إلى مكة يجرون أذيال الخيبة، ونصح عبد المطلب قريشًا بأن يخرجوا إلى شعاب الجبال، والإبقاء على نفوسهم وأرواحهم، ودعوا الله أن يحمي بيته من جوار الكعبة، ومكثوا ينتظرون ما يفعل هذا الطاغية بمكة إذا دخلها وخلت مكة من أهلها.

ولما تهيأ أبرهة لدخول مكة، جهز فيله، وجهز جيشه، أرسل الله -عز وجل- عليهم أسرابًا من الطير تحمل في مناقيرها حجارة رمتهم بها، فهشمت رؤوسهم، ومزقت لحومهم، وجعلتهم جثثًا هامدة، وأصاب أبرهة مثل ما أصاب جنده، وأهلكه الله مع جنده، وبذلك حفظ الله -عز وجل- بيته، وأبقى لعبد المطلب جد نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وقريش زعامتهم عليها، وزاد الله –عز وجل- مكة مكانة رفيعة، وكانت هذه الحادثة سنة 570 من ميلاد المسيح -عليه السلام- سنة ميلاد نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث أرّخ العرب هذا التاريخ بعد أن أهلك الله سبحانه جيش أبرهة الذي سمي (أصحاب الفيل)؛ قال الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ[الفيل1 :5].

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبهدي خاتم رسله، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله-، وتأملوا في هذه المعجزة العظيمة معجزة الطير الأبابيل؛ حيث أرسلها الله -عز وجل- لردع ذلك الطاغية الذي أراد تكبرًا وجبروتًا وطغيانًا أن يهدم بيت الله (الكعبة المشرفة)؛ حيث أتى بجيش قوي لا يقوى أحد في ذلك الزمان على مواجهته، إن في هذا لعبرة عظيمة، فتفكروا في قدرة الله وعظمته وبطشه بأعدائه، واحمدوا الله واشكروه أن حمى بيته وزاده عظمة ومهابة، وخذوا من ذلك أن العزة لله، فلا عز إلا بالله، ولا قوة تقف أمام قوته سبحانه.

وصلوا وسلموا -عباد الله- على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي كانت ولادته في عام الفيل كما ورد عنه -صلى الله عليه وسلم.
 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي