إن الله وملائكته يصلون على النبي

إبراهيم بن صالح العجلان
عناصر الخطبة
  1. فضائل الصلاة على النبي .
  2. مواطنها .
  3. معناها .

اقتباس

إنَّ من المقرَّرِ في طبائعِ البشرِ أنَّ مَن أحبَّ شيئًا أكثر من ذكره، فإنْ كنتَ مُحبًا لنبيِّك -صلى الله عليه وسلم- فأَكْثِرْ من الصلاةِ والسلامِ عليه، وإكثارُكَ هذا سَيَزِيدُكَ بإذنِ اللهِ حُبًّا له، وتأسيًا به، وشوقًا إليه، وإجلالاً لسنَّتِه، وتعظيمًا لشريعتِه، وهذه مقامات من الهدى والإيمانِ يُحبُّها اللهُ ..

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُتَفَرِّدِ بِالْعَظَمَةِ وَالْكَمَالِ وَالْجَمَالِ، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، أَحْمَدُهُ -سُبْحَانَهُ- وَأَشْكُرُهُ عَلَى سَابِغِ النِّعَمِ، وَجَزِيلِ النَّوَالِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ، وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ مَنْ وَطِئَ الثَّرَى وَقَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الْمَآلِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- حَقَّ التَّقْوَى، فَأَعْمَارُكُمْ تَمْضِي، وَآجَالُكُمْ تَدْنُو (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون:11].

أَمَّا الْآمِرُ فَهُوَ اللَّهُ -جَلَّ جَلَالُهُ- وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، وَزَادَ أَمْرُهُ أَهَمِيَّةً وَتَشْرِيفًا أَنْ تَمَثَّلَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ.

وَأَمَّا الْمَأْمُورُونَ فَهُمْ أَفْضَلُ وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ، مَلَائِكَةُ الرَّحْمَنِ، وَهُمْ أَنْتُمْ يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

فَمَعَ وَاحَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَعِيشُ دَقَائِقَ مَعْدُودَةً، نُحَلِّقُ مَعَ فَضَائِلِهَا، وَمَوَاطِنِهَا، وَمَعَانِيهَا.

فَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى حَبِيبِ الرَّحْمَنِ، طَاعَةٌ لِلْمَلِكِ الدَّيَّانِ، هُوَ ذِكْرٌ عَظِيمٌ جَلِيلٌ قَدْ حَضَّنَا اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَرْشَدَنَا الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِ، فَالْخَيْرُ كُلُّ الْخَيْرِ فِي الِاسْتِجَابَةِ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَأَمْرِ رَسُولِهِ لَنَا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال:24].

يَا رَبِّ صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ *** يَا رَبِّ عَطِّرْ بِالصَّلَاةِ لِسَانِي

وَأَزِلْ بِهَا هَمِّي وَفَرِّجْ كُرْبَتِي *** حَرِّمْ بِهَا جَسَدِي عَنِ النِّيرَانِ

يَا أَحْبَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْمَرْءُ فِي دُنْيَاهُ يَنْزِعُ إِلَى الْمَدْحِ، وَيُحِبُّ أَنْ يُثْنَى عَلَيْهِ، وَيَزْدَادُ الْفَرَحُ إِنْ كَانَ الثَّنَاءُ مِنْ مَخْلُوقٍ لَهُ جَاهٌ أَوْ حُظْوَةٌ؛ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا ثَنَاءٌ، وَأَيُّ ثَنَاءٍ! ثَنَاءٌ لَيْسَ مِنْ وَزِيرٍ، وَلَا أَمِيرٍ؛ بَلْ ثَنَاءٌ مِنْ مَلِكِ الْمُلُوكِ الْغَنِيِّ الْعَظِيمِ الْكَبِيرِ، ثَنَاءٌ يَتَضَاعَفُ فَوْقَ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَصَلَّى، فَأَيُّ شَرَفٍ أَسْمَى؟! وَأَيُّ فَخْرٍ أَعْلَى مِنْ هَذَا الْوِسَامِ؟!

فَإِذَا صَلَّيْتَ عَلَى حَبِيبِ الرَّحْمَنِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَاةً وَاحِدَةً، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ بِهَا عَشْرًا، قَالَ مَنْ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَإِذَا عَجَّ لِسَانُ الْعَبْدِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَلَّتْ بِسَاحَتِهِ الْبَرَكَاتُ، وَانْهَالَتْ فِي مِيزَانِهِ الْحَسَنَاتُ، وَطَاشَتْ عَنْ صَحِيفَتِهِ السَّيِّئَاتُ، قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ" رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

إِذَا أَرَدْتَ -يَا عَبْدَ اللَّهِ- أَنْ يُدْعَى لَكَ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، فَأَكْثِرْ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَبِيبِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُدْعَى لَكَ، مِمَّنْ؟! مِنْ مَلَائِكَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ، قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "مَا صَلَّى عَلَيَّ أَحَدٌ صَلَاةً إِلَّا صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ مَا دَامَ يُصَلِّي عَلَيَّ، فَلْيُقِلَّ عَبْدٌ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ" رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.

فِي يَوْمِ الدِّينِ سَيَجْتَمِعُ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَسَيَرَوْنَ مِنْ أَهْوَالِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَا تَطِيشُ لَهُ الْعُقُولُ، وَتَشِيبُ مِنْهُ مَفَارِقُ الصِّبْيَانِ، وَأُمْنِيَّةُ كُلِّ مَخْلُوقٍ حِينَهَا إِدْرَاكُ شَفَاعَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالَّذِي سَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ بَعْدَ طُولِ انْتِظَارِ الْخَلَائِقِ: "يَا مُحَمَّدُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ".

وَأَهْلُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَتُدْرِكُهُمْ هَذِهِ الشَّفَاعَةُ الْمَنْشُودَةُ الْمَرْغُوبَةُ، قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ حِينَ يُصْبِحُ عَشْرًا وَحِينَ يُمْسِي عَشْرًا أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: هَذِهِ الْحَيَاةُ طُبِعَتْ عَلَى كَدَرٍ، وَلَا تَصْفُو لِأَحَدٍ، فَنَغَصُ الْعَيْشِ قَدَرُ الْإِنْسَانِ مَعَ هَذِهِ الْحَيَاةِ، فَإِنْ ضَاقَتْ بِكَ -يَا عَبْدَ اللَّهِ- هُمُومُكَ، وَالْتَفَّتْ عَلَيْكَ غُمُومُكَ؛ فَافْزَعْ إِلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْحَبِيبِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَطِّبْ لِسَانَكَ بِهِ، وَأَبْشِرْ بِمَاءِ الطُّمَأْنِينَةِ يُطْفِئُ حَرَارَةَ الْغَمِّ مِنْ صَدْرِكَ.

إِذَا كُنْتَ فِي هَمٍّ وَضِقْتَ بِحَمْلِهِ *** وَأَصْـبَحْتَ مَهْمُومًا وَقَلْبُكَ فِي حَرَجْ

فَصَلِّ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ *** كَـثِيرًا فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِيـكَ بِالْفَـرَجْ

هَذَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يُحَدِّثُنَا فَيَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ قَامَ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ: اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟! فَقَالَ: "مَا شِئْتَ" قُلْتُ: الرُّبُعَ؟! قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ" قُلْتُ: فَالنِّصْفَ؟! قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟! قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ" قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟! قَالَ: "إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

عِبَادَ اللَّهِ: أُمُورُ الْغَيْبِ لَا تَخْضَعُ لِإِدْرَاكِ الْعُقُولِ، وَلَا يَجُوزُ عَرْضُهَا عَلَى الْعُقُولِ، وَمَبْنَاهَا عَلَى التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ الْغَيْبَ غَائِبٌ عَنِ الْعَقْلِ، وَمِنْ نَبَأِ الْغَيْبِ الَّذِي حَدَّثَنَا بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ؟! أَيْ: بَلِيتَ، فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

يَا أَحْبَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مُرَافَقَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْآخِرَةِ أُمْنِيَّةٌ تَنْفَهِقُ لَهَا الْأَرْوَاحُ، وَتَطِيرُ لَهَا الْقُلُوبُ شَوْقًا، كَمْ دَعَا بِهَا الصَّالِحُونَ! وَكَمْ سَعَى لِأَجْلِهَا الْعَامِلُونَ!

ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ مَنْ كَانَ رَفِيقًا لِلنَّبِيِّ الْكَرِيمِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ مَنْ كَانَ جَلِيسُهُ صَفِيَّ اللَّهِ وَحَبِيبَهُ، وَنَبِيَّهُ وَخَلِيلَهُ، ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ مَنْ كَانَ نَدِيمُهُ سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ، أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَأَوَّلَ مَنْ تُفَتَّحُ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ.

وَأَوْلَى الْعَالَمِينَ يَوْمَ الدِّينِ بِصُحْبَةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ هُمْ أَهْلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ. قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ، أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً" أَخْرَجَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ: إِنَّ مِنَ الْمُقَرَّرِ فِي طَبَائِعِ الْبَشَرِ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ، فَإِنْ كُنْتَ مُحِبًّا لِنَبِيِّكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَكْثِرْ مِنَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ، وَإِكْثَارُكَ هَذَا سَيَزِيدُكَ بِإِذْنِ اللَّهِ حُبًّا لَهُ، وَتَأَسِّيًا بِهِ، وَشَوْقًا إِلَيْهِ، وَإِجْلَالًا لِسُنَّتِهِ، وَتَعْظِيمًا لِشَرِيعَتِهِ، وَهَذِهِ مَقَامَاتٌ مِنَ الْهُدَى وَالْإِيمَانِ يُحِبُّهَا اللَّهُ، وَيَجْزِي أَهْلَهَا الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) [النور:54].

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْحَمْدُ وَالْأَمْرُ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ الْمُجْتَبَى، وَرَسُولُهُ الْمُرْتَضَى، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اهْتَدَى.

أَمَّا بَعْدُ:

فَيَا أَحْبَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صَلَاةُ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هِيَ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ لَهُ، وَصَلَاةُ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا هِيَ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ، فَنَحْنُ نَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ الزِّيَادَةَ فِي ثَنَائِهِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ أَقْرَبُ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ التَّابِعِيِّ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ.

عِبَادَ اللَّهِ: وَتُشْرَعُ الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كُلِّ حِينٍ، بَيْدَ أَنَّ هُنَاكَ مَوَاطِنَ تَجِبُ فِيهَا الصَّلَاةُ، وَأُخْرَى تُسْتَحَبُّ.

فَتَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كُلِّ صَلَاةٍ، عِنْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ.

وَتَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا ذُكِرَ اسْمُهُ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ: "الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ" رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ.  وَكَمَا فِي خَبَرِ جِبْرِيلَ الصَّحِيحِ: "رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ! قُلْ: آمِينَ" فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: آمِينَ".

وَمِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ.

وَتُشْرَعُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ، وَهَوُ عَمَلٌ اشْتُهِرَ وَاسْتَفَاضَ عَنِ الصَّحَابَةِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: "وَأَمَّا وُجُوبُهَا فَيَعْتَمِدُ دَلِيلًا يَجِبُ الَمَصِيرُ إِلَيْهِ وَإِلَى مِثْلِهِ".

عِبَادَ اللَّهِ: وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَيْرِمَا حَدِيثٍ اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ: فَصَلِّ -يَا عَبْدَ اللَّهِ- عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتِهَا، وَوَاظِبْ -يَا عَبْدَ اللَّهِ- عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ فِي صُبْحِكَ وَمَسَائِكَ عَشْرًا عَشْرًا تُدْرِكْ شَفَاعَتَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَلِّ -يَا عَبْدَ اللَّهِ- عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ بَعْدَ مُتَابَعَةِ الْأَذَانِ، فَفِي الْحَدِيثِ: "إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَإِنْ دَخَلْتَ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ أَوْ خَرَجْتَ مِنْهُ فَصَلِّ عَلَى خَيْرِ خَلْقِ اللَّهِ.

وَإِنْ زُرْتَ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامَ، فَعِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَيْرِ الْأَنَامِ.

وَفِي كُلِّ مَجْلِسٍ تَجْلِسُ فِيهِ فَلَا تَنْسَ الصَّلَاةَ عَلَى سَيِّدِ الْبَشَرِ، حَتَّى يَكُونَ مَجْلِسُكَ ذَلِكَ لَكَ لَا عَلَيْكَ، فَفِي الْحَدِيثِ: "مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ". أَيْ: حَسْرَةً وَخَسَارَةً. رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

وَإِذَا قَرَعْتَ -يَا عَبْدَ اللَّهِ- أَبْوَابَ السَّمَاءِ، فَلَا تَعْجَلِ الْمَسْأَلَةَ، بَلِ ابْدَأْ بِالثَّنَاءِ عَلَى رَبِّكَ، ثُمَّ صَلِّ عَلَى نَبِيِّكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قَوْلِهِ: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ" رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

وَبَعْدُ:

يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ: فَحَقٌّ عَلَى مَنْ عَقِلَ عَنْ نَبِيِّهِ هَذَا الْفَضْلَ، أَنْ يَعِجَّ لِسَانُهُ بِالصَّلَاةِ عَلَى حَبِيبِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَطِّبْ -أَخِي الْمُبَارَكَ- بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِسَانَكَ، فِي صُبْحِكَ وَمَسَائِكَ، فِي مَمْشَاكَ وَقُعُودِكَ، فِي تَقَلُّبِكَ وَاضْطِجَاعِكَ، فَمَا طَابَتِ الدُّنْيَا إِلَّا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَمَا زَانَتِ الْحَيَاةُ إِلَّا بِسَمَاعِ سِيرَتِهِ، وَالِاهْتِدَاءِ بِسُنَّتِهِ.

يَا خَاتَمَ الرُّسْلِ الْكِرَامِ مُحَمَّدٌ *** بِالْوَحْيِ وَالْقُرَآنِ كُنْتَ مُطَهَّرَا

لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِدْقُ مَحَبَّةٍ *** وَبِفَيْضِهَا شَهِدَ اللِّسَانُ وَعَبَّرَا

لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِدْقُ مَحَبَّةٍ *** لَا تَنْتَـهِي أَبَـدًا وَلَنْ تَتَغَيَّرَا

لَكَ يَـا رَسُولَ اللَّهِ مِنَّا نُصْرَةٌ *** بِالْفِعْلِ وَالْأَقْوَالِ عَمَّا يُفْتَرَى

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي