فإن وقت وجوب إخراج زكاة الحبوب والثمار يكون إذا اشتد الحب وبدا إصلاح الثمر؛ بأن يحمر أو يصفر، فلو باعه صاحبه بعد ذلك وجبت زكاته على البائع لا على المشتري، وإذا مات المالك قبل وجوب الزكاة؛ أي قبل اشتداد الحب أو بدو صلاح الثمر فإن الزكاة لا تجب عليه بل تجب على ..
أما بعد: إن الزكاة هي أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، وقد تظاهرت بذلك الأدلة من الكتاب والسنة؛ حيث قرنها الله تعالى بالصلاة في كتباه في اثنين وثمانين موضعاً.
كما فرضت على الأمم السابقة، فمن قوله تعالى على لسان المسيح عيسى -عليه الصلاة والسلام-: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيَّاً) [مريم:31]، مما يدل على عظم شأنها، وكمال الاتصال بينها وبين الصلاة، كما قال -جل ذكره-: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ) [البقرة:43، 83، 110؛ النساء:77؛ النور:56؛ المزمل:20 ].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بني الإسلام على خمس"، وذكر منها: "وإيتاء الزكاة"، وقال أبو بكر الصديق – رضي الله عنه –: والله! لأقتلنَّ مَن فرَّقَ بين الصلاة والزكاة .
وأجمع المسلمون على فرضيتها، وأنها الركن الثالث من أركان الإسلام.
ولقد فرضت الزكاة -عباد الله- في السنة الثانية من الهجرة، وبَعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجباة لجبايتها، ومضت بذلك سنة الخلفاء الراشدين المهديين، ثم من بعدهم.
سُمِّيَت زكاة؛ لأنها تزكي النفس والمال، وهي تزيد المال نمواً من حيث لا يشعر الناس، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما نقص مالٌ من صدقة".
وهي تجب في الأموال التي تحتمل المواساة، ويكثر فيها النمو والربح، فهي تجب في أربع أصناف: النقدين: الذهب والفضة، وبهيمة الأنعام، والحبوب والثمار، وعروض التجارة.
معشر المسلمين: كل مسلم حر ملك نصاباً، ومضى عليه حَوْلٌ، وجبت عليه الزكاة، إلا الخارج من الأرض فتجب زكاته فور حصوله لقوله تعالى: (وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) [الأنعام:141].
وتُسيِّر الدولة -وفقها الله- حملات سنوية لجباية الزكاة، كما أصدرت أنظمة وتعليمات تنظم أعمال الجباية، وتصرف مكافآت مالية للعالمين عليها.
ومَن أخلص في عمله لله واستحضر النية من الجباة فإنه يؤجر بإذن الله -تعالى- وإن كان يتقاضى راتباً، أو ينال مكافأة؛ لأنه في عمله يقيم ركناً من أركان الإسلام.
معشر الفضلاء: تجب زكاة الحبوب والثمار في الحبوب كلها: كالقمح والشعير، والأرز، والدخن، والذرة، وسائر الحبوب.
كما تجب في الثمار كالتمر والزبيب ونحوها مما يُكال ويُدَّخر، إذا بلَغ النصاب، أما ما لا يكال ولا يدخر فلا تجب عليه كالتفاح والرمان، وكافة الخضار والفواكه كالفجل والبصل والجزر والبطيخ ونحوها؛ لحديث علي -رضي الله عنه- مرفوعاً: "ليس في الخضروات صدقة".
إلا أن ما وجبت فيه الزكاة يختلف فيه القدر الواجب إخراجه باختلاف وسيلة السقي، فما سقي بلا مؤونة كالذي يشرب من السيول أو السيوح أو العيون أو الأنهار، أو الذي يشرب بعروقه بالبعل، فهذا يجب إخراج العشر منه زكاة؛ لما في الصحيح من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: "فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر".
ولمسلم عن جابر -رضي الله عنهما-: "فيما سقت الأنهار والغيم العشر".
وأما إذا سقي بمؤنة من الآبار، أو باستخدام المكائن ونحوها، فيجب فيه نصف العشر، لحديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: "وما سقي بالنضح نصف العشر"، والنضح: السقي بالسواني، وفي حديث جابر: "وفيما سقي بالسانية نصف العشر".
ولكن؛ ما حكم الذي يسقي نصف السنة بمؤنة ونصفها الآخر بلا مؤنة؟! ذكر العلماء -رحمهم الله تعالى- أنه يجب فيه ثلاثة أرباع العشر.
فاتقوا الله عباد الله، ولا تغفلوا عما وجب عليكم، فإن الغفلة لا تزيل الحكم ولا تغيره، ولكن أعطوا أمر الدين اهتمامكم، فإنه جد ليس بالهزل، والميزان يوم القيامة لا يغادر صغيرة وكبيرة إلا أحصاها.
وفقنا الله لهداه، وجعل عملنا في رضاه، وأحيا قلوبنا لذكره، وأعاننا على شكره وحسن عبادته .
واستغفروا ربكم، إنه غفور رحيم.
الحمد لله لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، استقرض منا القليل -سبحانه- وهو الغني، ووعدنا بالجزيل وهو القوي، جل جلاله، وتباركت أسماؤه، وتقدست صفاته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده...
أما بعد: فإن وقت وجوب إخراج زكاة الحبوب والثمار يكون إذا اشتد الحب وبدا إصلاح الثمر؛ بأن يحمر أو يصفر، فلو باعه صاحبه بعد ذلك وجبت زكاته على البائع لا على المشتري، وإذا مات المالك قبل وجوب الزكاة؛ أي قبل اشتداد الحب أو بدو صلاح الثمر فإن الزكاة لا تجب عليه بل تجب على الوارث.
وإذا تلفت الحبوب والثمار قبل وجوب الزكاة، أي: قبل اشتداد الحب وقبل صلاح الثمر، فلا تجب الزكاة على المالك، أما إذا تلفت بعد وجوب الزكاة، أي: بعد صلاح الثمر، فإن كان التلف بسبب تفريط أو تعدٍّ من قبل المالك وجبت الزكاة عليه، وإن كان التلف حدث من غير تفريط أو تعدٍّ فلا زكاة على المالك.
أيها المسلمون: ويجب إخراج الحب المصفى من كل الشوائب، والتمر يابساً؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بخرص العنب زبيباً، وتؤخذ زكاته زبيباً، حتى ولو باعه عنباً، كما تؤخذ زكاة النخل تمراً ولو أخرجها بسراً فغنيه زكاة كالبرحي، ولا يسمى زبيباً ولا تمراً إلا اليابس.
أيها المسلمون: وإذا كانت الزروع والثمار ناتجة عن عقد مزارعة أو عقد مساقاة، وهي مشاركة بين صاحب أرض وعامل بأن يزرعها أو يسقيها بحصة من الناتج لكل من صاحب الأرض والعامل فيها، فإن كلاً منهما يخرج زكاة بقدر حصته من الناتج إذا بلغ النصاب، مع الأخذ بعين الاعتبار إلى أن الأصناف من الجنس الواحد من الزرع تُضَم إلى بعضها لتكميل النصاب، فمثلاً: التمور السكري والخلاص والبرحي تضم إلى بعضها.
ومن كان عنده بساتين فإنه يضم الجنس الواحد من الحبوب والثمار بعضها إلى بعض، خلافاً لحبوب وثمار العاملين فلا تضم إلى بعضها، أما إذا تفاوت زمن بدوّ صلاحها في نفس العام بوجود كل منها في بستان مستقل، فتضم الأصناف من الجنس الواحد إلى بعضها.
ولكن -عباد الله- هل يجوز لأحد دفع الزكاة نقداً؟ والجواب ما قررته هيئة كبار العلماء في المملكةِ من أن الأصل أن تدفع الزكاة من عين المال، وجواز دفع القيمة من الزكاة إذا شق على المالك إخراجها من عين المال، ولم يكن على الفقراء مضرة في ذلك.
هذا وصلوا وسلموا...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي