فإذا نظرنا في بعض المبايعات, والمداينات, والشركات, إذا هي متلطخة بالغش, والخيانة والربا, والكذب والإجرام, وقد قال صلى الله عليه وسلم لصاحب الطعام الذي لمس فيه البلل: " ما هذا يا صاحب الطعام؟" قال: أصابته السماء يا رسول الله ...
الحمد لله الذي عز في عظمته وقهر، وجل في كماله وسلطانه فحكم ونصر، جابر المنكسر, وناصر مَنْ لِدِينِه نصر، أحمده على ما قضى وقدر، وأشكره على فضله, فقد وعد بالمزيد لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله, وحده لا شريك له, على رغم أنف من طغى وكفر.
وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الطاهر المطهر الذي قام لله قياماً صحيحاً، حتى انتصر الحق وظهر، وانمحى الباطل، وزهق واندحر، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه أهل الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم العرض الأكبر.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واحذروا الإثم والفواحش، ما بطن منها وما ظهر، واتقوا الدنيا؛ فإنها والله لمن أخطر الخطر.
عباد الله, ما هذه التجرؤات؟ والوثوب على الحرام؛ لأجل اقتناص المادة- ولو بطريق حرام وضرر-.
فإذا نظرنا في بعض المبايعات, والمداينات, والشركات, إذا هي متلطخة بالغش, والخيانة والربا, والكذب والإجرام, وقد قال صلى الله عليه وسلم لصاحب الطعام الذي لمس فيه البلل: " ما هذا يا صاحب الطعام؟" قال: أصابته السماء يا رسول الله [يعني المطر]، قال: "أفلا جعلته فوق الطعام؛ حتى يراه الناس... من غشنا فليس منا".
فالغش والضرر والخداع والخيانة والكذب في البيع وغيره حرام، فمثلاً يبيع التاجر الأكياس من البر, أو السكر, أو نحو ذلك, على أنّ الواحد منها خمسون وزنة, أو سبعون كيلو، ولا يزنها للمشتري عند البيع، ثم يجدها المشتري ناقصة عن ما شرط وما قال. فهذا غش وضرر، إذا نقصه صاحبه، الغش والضرر حرام، ولا يجوز أخذ الكيس ونحوه برقمه؛ فإنَّه تدخله الخيانة من اللئام.
وقد جاء عن أفضل الخلق وسيد الأنام أنّه قال: " إذا سميت الكيل فكِل، وإذا سميت الوزن فزن". وهذا حفاظ على المسلم من أسباب الشر والخيانات والآثام.
أما بيعه جزافاً كأن يقول: هذا الكيس, أو الكومة, أو القطعة, أو نحو ذلك, من أي شيء كانت من المبيع الحلال, خذها بكذا جزافاً, بدون تحديد كيل أو وزن, فلا بأس بذلك إن شاء الله.
وما يجري مع بعض الناس في المداينات، كمن يبيع على الضعيف السلعة الحاضرة، بثمن مؤجل، ثم إذا حل الأجل، ولم يقدر الضعيف على دفع الثمن، زاد عليه في الثمن، ثمّ مدد عليه في الأجل، وهذا في الحقيقة ربا الجاهلية الأولى؛ لأنهم يعاملون المعسر هكذا, إذا حل عليه الأجل, قالوا له: إما أن تعطي, إما أن تربي، أي: تزيد. فيتراكم على الضعيف, أو على المقترض الدين، فنهى عنه الإسلام وأبطله, وجاء بالرفق بالمعسر وإنظاره, إذا حل عليه الدين, ولم يقدر على الوفاء, قال الرب جلّ وعلا: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:280].
فالواجب إنظار المعسر, ومماهلته، إمّا إعفاؤه وإبراؤه بالكلية، فيستحب وهو أفضل.
فعلى المسلم أن يخاف الله ويتقيه, ولا يتحايل في أكل الربا.
وعلى هؤلاء التجار, وأهل البنوك الذين يتعاملون بالربا صراحة, أن يخافوا الله, وأن يبتعدوا عن الربا. فإنّ منهم من يقرض المحتاج للدراهم, ويجعل عليه زيادة عشرين في المائة, أو نحو ذلك, أو يأخذون الدراهم من صاحبها, ويتجرون بها, سواء في البنك أو غيره, ويعطونه في المائة عشرة, فهو ربا صريح, وملعون صاحبه, كما لعن النبي صلى الله عليه وسلم: " آكل الربا, وموكله, وكاتبه ,وشاهديه"، والآخذ, والمعطي, كلهم قد حلت عليهم اللعنة، نعوذ بالله من ذلك.
وقد أجمعت الشرائع السماوية على تحريم الربا, وجاء النهي عنه صريحاً في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) [البقرة:279].
وبعض الناس يتحايل في تحصيل الربا, ويشتري السلعة التي باعها بثمن مؤجل على المستدين، يشتريها منه بثمن حاضر, أقل من المؤجل؛ لضرورة الضعيف, وحاجته إلى دراهم, ولجشع هذا البائع, تحايل وأخذ دراهم مؤجلة, أكثر بدراهم حاضرة أقل؛ تحايلاً في أكل الحرام، وهذا عين الربا.
والتحايل في أكل الحرام، حرفة اليهود، قال صلى الله عليه وسلم: " لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود, فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل"، وقد فعل بعض ذلك عيانا في هذه الأمة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أن الربا من السبع الموبقات، أي: المهلكات. قال صلى الله عليه وسلم: " اجتنبوا السبع الموبقات"، قالوا: يا رسول الله وما هي؟: قال عليه الصلاة والسلام: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات".
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا تبايعتم بالعينة –أي الربا- وأخذتم أذناب البقر, ورضيتم بالزرع, وتركتم الجهاد في سبيل الله؛ سلط الله عليكم ذلاً, لا ينزعه عنكم, حتى تراجعوا دينكم".
فيا عباد الله, اتركوا الفواحش, واحذروا المآثم والربا؛ فإنه ينزع البركات, ويوجب غضب رب الأرض و السموات، وغضبه يوجب اللعنة والعقوبات.
في الحديث: " الربا سبعون باباً, أهونها مثل أن ينكح الرجل أمه".
فاحذروا أيها المسلمون الربا في البنوك والمصارف, وأنواع التجارات والشركات؛ فإنه ينزع البركات ويوجب العقوبات، ولا تغتروا بمن يتعاطاه, وقد أمهله رب الأرض والسموات.
يقول الله تعالى في محكم الآيات: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة:276].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم, ولسائر المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي