المسح على الخفين

ناصر بن محمد الأحمد

عناصر الخطبة

  1. المسح على الخفين مسألة عقدية
  2. شروط المسح على الخفين
  3. كيفية المسح على الخفين
  4. مدة المسح على الخفين
  5. أيهما أفضل المسح على الخف أم غسل الرجل؟
  6. حكم المسح على الجبيرة وشروط ذلك
  7. حكم المسح على العمامة
  8. فروق مهمة بين المسح على الجبيرة والمسح على الخف

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين الرحمن، والحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، وما جعل علينا في الدين من حرج، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وعلى أصحابه، وسلم تسليما كثيراً.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾[آل عمران: 102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء: 1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾[الأحزاب: 70- 71].

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- وتعلموا من أحكام دينكم ما تستقيم به عبادتكم، وتزكوا به أعمالكم، فإن الجهل داء قاتل، وشفاؤه بالتعلم والسؤال، يقول الله -تعالى-: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾[الأنبياء: 7].

وهناك بعض الناس من يعبد الله على جهل ويمنعه الخجل أو الكبر من السؤال، وقد قال بعض السلف: "إن هذا العلم لا يناله مستح ولا مستكبر".

وهناك -يا عباد الله- مسألة يحتاج منكم معرفتها، وخصوصاً وقد قرب دخول فصل الشتاء البارد، والذي يشق على كثير من الناس استعمال الماء البارد حال الوضوء، ألا وهي: "مسألة المسح على الخفين" أو "الجوربين".

ومسألة المسح على الخفين ليست مسألة فقهية فحسب، بل هي مسألة عقائدية، وقد ذكرها بعض علماء المسلمين في كتب العقائد، منهم: ابن أبى العز الحنفي في شرحه للعقيدة الطحاوية، وسبب ذكره لذلك أن هناك بعض الفرق التي تدعي الإسلام، وأنهم من المسلمين ينكرون سنية المسح على الخفين، ومنهم: الرافضة والمعتزلة، وغيرهم، وقد تواترت السنة الصحيحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمسح على الخفين، يقول الإمام أحمد – رحمه الله تعالى-: "ليس في قلبي من المسح على الخفين شيء فيه أربعون حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- في زاد المعاد: "صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه مسح في الحضر والسفر، ولم ينسخ ذلك، حتى توفى، ووقت للمقيم يوما وليله، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن في عدة أحاديث حسان وصحاح، وكان يمسح ظاهر الخفين، ولم يصح عنه مسح أسفلهما، ومسح على الجوربين والنعلين، ومسح على العمامة مقتصراً عليها ومع الناصية، وثبت عنه ذلك فعلاً وأمراً في عدة أحاديث، ولم يكن يتكلف ضد حاله التي عليها قدماه، بل إن كانتا في الخف مسح عليهما، ولم ينزعهما، وإن كانتا مكشوفتين غسل القدمين ولم يلبس الخف ليمسح عليه" انتهى نص كلامه.

عباد الله: وللمسح على الخفين شروط:

أولا: أن تكون الخفين أو الجوربين ساترين للرجلين من الكعب فأسفل، فإن كان نازلاً عن الكعب، فإنه لا يجوز المسح عليه.

ويشترط أيضاً: أن يلبسهما على طهارة كاملة؛ لحديث المغيرة بن شعبة عندما أراد أن يخلع خف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له عليه الصلاة والسلام: "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين".

فلو لبس الخفين أو الجوربين، وهو على غير وضوء، لم يجز له المسح عليهما.

ويشترط أيضاً: أن يكون المسح في المدة المحددة شرعاً، وهي يوم وليله للمقيم، وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر؛ لقولهصلى الله عليه وسلم: "للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليله"[رواه أحمد ومسلم].

عباد الله: وكيفية المسح: أن يبل يديه بالماء، ثم يمرّهما على ظهر الخفين من أطرافهما مما يلي الأصابع إلى الساق مرة واحدة.

ولو مسح اليمنى على اليمنى، واليسرى على اليسرى، فهذا حسن، ولو مسح كليهما بيده اليمنى، فلا حرج في ذلك.

عباد الله: ويبدأ مدة المسح من أول مسحة مسحها، وليس الابتداء من الحدث بعد اللبس، كما قال به البعض، فإذا لبس الإنسان الجورب لصلاة الفجر ولم يمسح عليهما أول مرة إلا لصلاة الظهر، فابتداء المدة من الوقت الذي مسح فيه لصلاة الظهر، فيمسح المقيم إلى مثل ذلك الوقت من الغد، وإذا تمت المدة وهو على طهارة فطهارته باقية حتى تنتقض، فإذا انتقضت بعد تمام المدة وجب عليه غسل رجليه إذا توضأ، ثم يلبس من جديد، ومن تمت مدته، فنسى ومسح بعد تمام المدة، فعليه أن يعيد الصلاة التي صلاها بالمسح الذي بعد تمام المدة.

عباد الله: قد يتساءل بعض الناس: هل الأفضل المسح على الخف أم غسل الرجل؟

فيقال: إذا كان الإنسان لابساً للجورب، فالأفضل في حقه المسح، ولا ينزع الجورب لغسل رجله؛ لأن ذلك خلافا للسنة، لما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لبس الخف على طهارة، فجاء المغيرة بن شعبة يريد نزع خف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال عليه الصلاة والسلام: "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين".

وأما إذا كان الإنسان خالعاً للجورب أو الخف، فالأفضل في حقه الغسل، ولا يلبس الخف للمسح عليه.

فاتقوا الله -عباد الله- وتعلموا أحكام دينكم ما تتمكنون به من أداء ما أوجب الله عليكم، خصوصاً أحكام الطهارة التي هي شرط من شروط الصلاة، وهي تتكرر عليكم في اليوم والليلة خمس مرات، فإن الطهور شطر الإيمان، والله -تعالى- يحب التوابين ويحب المتطهرين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[المائدة: 6].

بارك الله لي ولكم …

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لألوهيته وربوبيته وسلطانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى جنته ورضوانه، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وعلى أصحابه، وسلم تسليما كثيراً.

أما بعد:

عباد الله:هناك بعض الأحكام الأخرى المتعلقة والتي تقاس على المسح على الخفين، وهو: المسح على الجبيرة.

فلو وضع الإنسان ضماداً على جرح أو كسر في أحد أعضاء الوضوء، واحتاج إلى بقاء ذلك الضماد على الجرح أو موضع الألم، فإنه يكفيه أن يمسح عليه، وهذا من لطف الله -عز وجل- وتيسيره على هذه الأمة، حيث لم يكلفها حرجاً، فحكم المسح على الجبيرة: أنه جائز؛ لحديث جابر -رضي الله عنه- أنه لما بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرية فشج أحد الصحابة في رأسه، وأصابه جنابة، فسأل في ذلك، فأفتاه الصحابة أنه لابد له من الاغتسال، فاغتسل فدخل الماء من الشج إلى جوفه، فمات الرجل، فعندما علم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك، قال: "إنما كان يكفيه أن يعصبه بخرقه، ويمسح عليها".

عباد الله: وللمسح على الجبيرة شروطاً أيضاً: فلابد أن يكون محتاجاً إليها، فلو نزع الجبيرة، وغسل العضو لم يؤثر عليه، وجب عليه نزعها ولم يجز المسح عليه، وكذلك أن لا تتعدى الجبيرة موضع الحاجة، أي أن يربط الضماد بقدر موضع الألم أو الكسر، ولا يتعداه.

ومن الأحكام أيضا المتعلقة بهذا الموضوع: المسح على العمامة.

لكن هناك اختلاف في بعض الأحكام بالنسبة للعمامة منها بالنسبة للخف أو الجورب، فمنها: أنه لا يشترط أن يلبس العمامة على طهارة، فلو لبس العمامة على غير طهارة ثم أراد الوضوء جاز له أن يمسح عليها، كذلك فإن العمامة لم تحدد بوقت معين مثل الخف التي حددت بثلاث أيام بلياليهن للمسافر ويوم وليلة بالنسبة للمقيم، فلو بقي الإنسان طوال حياته لابسا للعمامة ولم ينزعها، جاز له المسح عليها.

ولكن يشترط في مسح العمامة أن يمسح الناصية معها.

عباد الله: هناك خمسة أوجه يفترق فيها مسح الجبيرة عن مسح الخف:

فأما الوجه الأول: أن مسح الجبيرة واجب، والخف جائز، فالخف أو الجورب يجوز أن يمسح عليه، ويجوز أن تغسل الرجل فهي رخصة، ولكن الجبيرة لو كانت على أحد أعضاء الوضوء، فيجب عليك مسحها.

الثاني: أنه يشترط في مسح الخف أن يكون لبسهما على طهارة، ولا يشترط الطهارة في وضع الجبيرة على العضو المصاب.

الثالث: أن المسح على الجبيرة يجوز في الطهارتين الصغرى والكبرى، بينما المسح على الخف لا يكون في حالة الطهارة الصغرى، فلو كان الإنسان جنبا وجب عليه نزع الخف، وغسل رجليه.

الرابع: أن الجبيرة ليس لها وقت محدد، فإنه ما دام محتاجاً إليها، فهو يمسح عليها، بينما الخف وقت بوقت محدد.

الخامس: أن الجبيرة يجب أن يستوعبها بالمسح كما يستوعب الجلد حال الغسل، أي يجب عليه أن يمسح الجبيرة كلها، بينما يكتفي في الخف في مسح ظاهره فقط.

اللهم فقهنا في ديننا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.


تم تحميل المحتوى من موقع