اعلموا رحمكم الله أنَّ البعض من الناس, أُشربت قلوبهم بالتقليد, وبحب البدع, والضلالات بين أهل الإسلام, كاتخاذهم لعيد المولد, في ربيع الأول, وعيد الإسراء في رجب, من كل عام، فهذه بدعة وضلالة, ليس لها مستند من كتاب الله, ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ بل ..
الحمد لله المتعالي عن الشركاء والأنداد، والمتنزه عن الصاحبة والأولاد، وأشكره على نعمه الكثيرة العظيمة, وكلما شُكر زاد.
وأشهد أن لا إله إلا الله, وحده لا شريك له, وهو رب العباد، خالق كل شيء, ورازق كل حي, في الجبال, والفلوات, من متحرك وجماد.
وأشهد أنّ نبينا محمداً عبده ورسوله, الذي عمت رسالته جميع العباد, من عرب وعجم, من أهل البراري, والفساد، وقرر التوحيد, وأمر بالطاعات, ودعا إليها العباد، وأكمل الله به الدين, وأتمّ به النعمة على المسلمين, الحاضر منهم والباد. صلى الله وسلم عليه, صلاة وسلاماً دائمين, مستمرين إلى يوم التناد, وعلى آله, وأصحابه, أهل الصدق والجهاد.
أما بعد:
فيا أيها الناس, اتقوا الله تعالى حق تقواه، وسارعوا إلى مغفرته ورضاه، واحذروا ما يسخطه, وما لا يرضاه، واعلموا رحمكم الله أنَّ البعض من الناس, أُشربت قلوبهم بالتقليد, وبحب البدع, والضلالات بين أهل الإسلام, كاتخاذهم لعيد المولد, في ربيع الأول, وعيد الإسراء في رجب, من كل عام، فهذه بدعة وضلالة, ليس لها مستند من كتاب الله, ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ بل ولم يقرها الإسلام، ولو كانت خيراً؛ لفعلها الرسول الكريم, عليه الصلاة والسلام, وفعلها صحابته الكرام.
ولكن لم يفعلها إلا من قلد اليهود والنصارى, وغيرهم من الجهال، فصار ذلك التقليد ممن ضعفت بصيرتهم، وقل علمهم، وضعف إيمانهم، ودخل في أفكارهم، لما رأوا اليهود والنصارى يحتفلون بمواليدهم، وانتصاراتهم واستيلائهم على الناس.
وكذلك يحتفلون بمولد عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ويجعلونه مبدأ تاريخهم، فاستحسنوا البدع، وأحدثوا في الدين ما ليس منه، وسارعوا إلى التأريخ بمولد المسيح، وتركوا التاريخ الهجري، والبعض يجعله بعده، كأن تاريخ المولد، أهم من تاريخ هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فشاع في بلدان كثيرة.
وقد سلمت القرون المفضلة- ولله الحمد والمنة- من هذه البدع، وسلم منه أهل التوحيد, والإسلام الحقيقي, ولم يكن معروفاً لديهم, ولا يقرونه، لو سمعوا من يقول به؛ لأنه لم يكن معروفاً عند أهل الإسلام، بل لم تكن في القرن الأول, ولا في القرن الثاني، ولا في القرن الثالث، إنَّما وقعت في القرن الرابع, أو أول القرن الخامس, في زمن بني عبيد القداح اليهودي, الذين ملكوا المغرب, ومصر, والشام, وادعوا أنهم فاطميون من أهل البيت، وهم كذبة فجرة, ثم ادعوا الرفض, والتشيع، وزعموا أنهم يوالون أهل البيت، فتناقضوا حيث ادعوا أنّهم من أهل البيت, ليسوا من أهل البيت, بل هم يهود خبثاء, لكن خدعوا بعض الناس, وأظهروا لهم موالاة أهل البيت, وهم أعداء لأهل البيت.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " إنهم أظهروا الرفض, وباطنهم الكفر المحض, وانتشرت في زمنهم البدع والخرافات, والشرك والأوهام".
فجاء الله بصلاح الدين الأيوبي فقاتلهم, وقضى على بدعهم, وضلالاتهم -جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً-، لكن قام بعد موته وزيره, وهو أخو زوجته –وهو أبو سعيد الكوكبوري- فأحيا البدع, وأمات السنن, وأظهر الشرك, والخرافات- عامله الله بعدله- فانتشرت بدعهم مرة أخرى, من ذلك الوقت, في المغرب, ومصر, والشام, والعراق. وتسربت إلى بلدان أخرى, كالحجاز, واليمن, وآسيا, وأفريقيا, وغيرها من البلدان, يعملونها زعماً منهم, أنها تدل على محبتهم للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد كذبوا؛ فإنَّ محبته بإتباع ما جاءه من الهدى.
كما قال ربنا عز وجل: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) [آل عمران: 31]. ومحبته صلى الله عليه وسلم, إنَّما تحصل بنشر دعوته, وبإنكار البدع, لا بإقرارها.
وقد حصل في الموالد شرور كثيرة, من الفساد, والرقص والغناء, والمزامير وضرب الطبول, ودعوة الأموات, وفعل الفواحش. ويزعمون أن الرسول يأتيهم في ربيع أول, أو في رجب, ويسلم عليهم, ويصافحهم. وإنما يأتيهم الشيطان, ويتمثل لهم, أو بعض دعاتهم إلى جهنم، يطفئون الأنوار, ويقولون: جاء الرسول, قوموا فسلموا عليه.
وهذا من لعب الشيطان بعقول بني آدم؛ فإنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأتيهم, ولا يقوم من قبره, ولا يخرج منه أبداً,حتى تقوم الساعة، كما قال صلى الله عليه وسلم: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر يوم القيامة، وأول شافع وأول مشفع".
ومن ادعى غير ذلك، فقد جاء بالتشكيك، والأوهام.
نسأل الله العفو والعافية، في الدنيا والآخرة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا، ما ليس منه، فهو رد". وفي رواية: "من عمل عملاً, ليس عليه أمرنا, فهو رد". وقال: كل بدعة ضلالة.
وإذا دخلت البدع, والظنون, والاستحسانات, وانفتح باب الشر, ودخلت الشياطين, وانطمست السنن, ولعبت الشياطين بالعقول.
إنَّ شريعتنا السمحة الكريمة- ولله الحمد والمنة- سدت أبواب الشرك والبدع, وفتحت أبواب الخير, وقصرت المسلمين على أعيادهم الإسلامية, وعلى عيد الفطر, وعيد الأضحى, وأيام التشريق, ويوم الجمعة. كل هذه أعياد إسلامية, فيها بركة إن شاء الله، وما جاء به اليهود والنصارى وأشباههم, فأمور جاهلية وبدعية, وأحوال شيطانية، عافانا الله, وإياكم, والمسلمين منها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " عيد الفطر, وعيد الأضحى, عيدنا أهل الإسلام".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) [البقرة:120].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا, وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم, ولسائر المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه؛ إنّه هو الغفور الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي