ختام شهر رمضان

عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري

عناصر الخطبة

  1. علامات قبول الأعمال الصالحة في رمضان
  2. اجعل عمرك كله عبادة
  3. أعمال مشروعة بعد رمضان
  4. بعض الأحكام المتعلقة بزكاة الفطر
  5. من سنن العيد وآدابه

الخطبة الأولى:

أما بعد:

فهذا شهر رمضان هذا الشهر الكريم الذي أظلنا بظله الوافر المبارك، قد آذن بالرحيل وأعلن الفراق، فسلوا الله -تعالى- أن يجعله فراقا إلى تلاقي، وأن يعيده علينا وعليكم باليمن والبركة، وأن يجعلنا من عتقاء رمضان، ومن المقبولين الفائزين عند توزيع الجوائز يوم الدين.

اللهم تقبل منا طاعتنا أجمعين، تقبل منا صلاتنا وقيامنا، وصيامنا وقراءتنا، يا كريم يا غفور يا رحيم.

ثم اعلموا -أيها الصائمون- أن من علامات القبول في هذا الشهر الكريم: أن تجد نفسك -أيها المسلم- بعد رمضان، وهمتك متواصلة بالطاعة، ورغبتك مستمرة في العبادة.

ومن علامات الخذلان -والعياذ بالله-: أن تفتر النفس بعد رمضان تفتر النفس عن الطاعة بعد رمضان، وتنصرف عن العبادة، وتعود إلى ما كانت تقترفه من أنواع المعاصي.

العمر ليس رمضان، والزمان أوسع من رمضان، والحساب مستمر في رمضان وغير رمضان، والثواب والعقاب على رمضان وشوال وشعبان، والسؤال آت عن عمرك كله، فيم أتممته؟ وكيف قضيته؟

عن أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لا تزول قدما عبد". وفي رواية: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه".

فيا أيها المسلم: لا يكن آخر عهدك بالصيام وقراءة القرآن وغيرهما من العبادات هو رمضان، واعلم أن سيدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قد ندبك إلى الاستمرار في الطاعة والعبادة.

اجعل عمرك كله عبادة وعبودية لله الواحد القهار -سبحانه وتعالى- ندبك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى صيام ست من شوال، يبدأ من اليوم التالي بعد العيد، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال فكأنما صام الدهر كله".

ثم بعد ذلك تخير لنفسك -أيها المسلم- ما تطيقه وتحتمله من صيام التطوع، فالخير كثير، وأبواب الخير كثيرة طوال العام، بل طوال عمرك كله، فهناك ثلاثة أيام من كل شهر، كان سيدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لا يدع صيامهن أبدًا، والأفضل أن يكن الأيام البيض من كل شهر الثالث عشر ويومان بعده.

وهناك يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع؛ فعن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس، فسُئل عن ذلك، فقال: "إن أعمال الناس تُعرض على الله يوم الاثنين ويوم الخميس، وأُحب أن يُعرض عملي على ربي وأنا صائم".

وأفضل صوم التطوع أن تصوم يومًا وتفطر يومًا إذا كنت تطيق ذلك، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "أفضل الصيام صيام داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا".

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه-: فأني أطيق أكثر من ذلك، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمرو: "لا أكثر من ذلك"[متفق عليه].

فأفضل الصيام إذا تطوعت هو هذا الصيام أن تصوم يومًا وتفطر يومًا، ويُكره بل يُقال: يحرم أن تواصل الصيام ولو كنت تطيق ذلك.

وحث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على صيام أيام معينة من السنة، كيوم عرفة حث غير الحاج على صيامه، وأخبر أن صيام يوم عرفة يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعدها.

ويوم التاسع والعاشر من محرم حث رسول الله –صلى الله عليه وسلم على صيامهما، وأخبرنا بأن صيامهما يكفر السنة التي قبله.

فهذه أيام معينة من السنة حثنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على صيامها، وأخبرنا بهذه المنقبة العظيمة في ذلك.

واعلم -أيها المسلم- أن صوم يومي العيدين محرم، يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى حرم الله صيامهما.

وحرم الله صيام يوم الشك وهو آخر يوم من شعبان، وحرم الله على المرأة أن تصوم إلا بإذن زوجها، وإذا لم يأذن زوجها لا يكون لها الصوم تطوعًا، أو إذا علمت أنه كاره لقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه"[متفق عليه].

ولا يصح صيام الحائض والنفساء فإن صامتا في رمضان فلم يجزئهما وعليهما القضاء، وكذلك المريض الذي يخشى على نفسه من الصيام يحرم عليه الصيام تطوعًا أو غير تطوع؛ لقول الله -تعالى-: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].

أيها المسلم: هذا القرآن الكريم كلام الله -تعالى- لا تتخذه طوال العام مهجورًا، ولا يكن آخر عهدك به رمضان، فأنت إذا تلوت القرآن الكريم فأنت تناجي ربك وتحادثه؛ لأن هذا القرآن كلام الله -تعالى-، فكيف تعرض عنه؟ وكيف تهجره؟ اقرأ هذا القرآن إن استطعت كل سبع ليالٍ مرة، وهذا هو الورد الأعظم والأفضل، ورد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن لم تستطع فاقرأه كل شهر مرة، فإن لم تستطع فاقرأ كل يوم ما تيسر لك من القرآن، واقرأ القرآن في بيتك واجهر به، وارفع به صوتك، فذلك طرد للشيطان من البيت.

ثم اعلموا -أيها المسلمون- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فرض زكاة الفطر على الناس على الذكر والأنثى، والصغير والكبير، صاعًا من طعام، أي صاعًا من قمح، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من زبيب، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من أقط، فهذه الزكاة مفروضة على كل قادر على إخراجها كل مسلم فضل عنه شيء من قوت يومه، أو قوت عياله، عليه أن يخرج هذه الزكاة عن نفسه، وعن من يعولهم، والصاع يساوي هذا اليوم ثلاثة آلاف وثمانمائة غرام، وقيل ألفين وسبعمائة وواحد وخمسين غرام.

فخذ الحيطة لدينك، وأخرج هذه الصدقة.

واعلم أن وقت خروجها يبدأ من غروب شمس ليلة العيد، وينتهي بانتهاء صلاة العيد، فمن أخرجها إلى ما بعد ذلك، فهي صدقة من الصدقات كما قال صلى الله عليه وسلم، ولكنها لا تسقط عنه ويلزمها إخراجها.

ويجوز تعجيل هذه الزكاة قبل يوم العيد بيوم أو يومين، ولكن لا يجوز تعجيلها أكثر من ذلك؛ لأن المقصود بها كما أخبرنا إغناء الفقراء عن المسألة يوم العيد، هذا هو المقصود من هذه الصدقة، أو من أهم مقاصد هذه الصدقة، قال عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: "فرض رسول الله –صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر، طهرة للصائم، من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين".

ثم اعلموا -أيها المسلمون- أن من سنن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يوم العيد: أن تخرج إلى صلاة العيد ماشيًا إن استطعت، وإن ذهبت راكبًا فلا حرج.

ومن سنته: أن تعود من غير الطريق التي سلكتها في الذهاب، وإن عدت من نفس الطريق فلا حرج.

ومن سنته: أن تفطر فجر يوم العيد قبل الصلاة، قبل أن تغدو إلى الصلاة تأكل ثلاث تمرات فأكثر، فقد كان لا يغدو يوم الفطر إلى صلاة العيد حتى يأكل تمرات وترًا.

ومن سنته يوم العيد: أن تغتسل قبل صلاة العيد وتتطيب، وتلبس أحسن ثيابك، وتذهب إلى صلاة العيد في أحسن هيئة، وتكثر من التكبير.

هذه هي سنن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في شأن يوم العيد أعاده الله علينا جميعًا باليمن والبركات، نسأله -تعالى- أن يحيينا أجمعين على طاعته.

اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

اللهم اجعلنا من المقبولين المرحومين، وفي هذا الشهر الكريم من الفائزين الغانمين أجمعين يا أرحم الراحمين.


تم تحميل المحتوى من موقع