الهازئون من الضياء

عاصم محمد الخضيري
عناصر الخطبة
  1. جانب من عظمة النبي الكريم .
  2. حماية الله له من تطاول السفهاء المستهزئين .
  3. النصرة الحقيقية له صلى الله عليه وسلم .

اقتباس

إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يرضيَه أن نحبه ونحن نترك اتِّباعَ ما أمر، إنه لن يرضيَه أن نحبه ونحن نفعل ما نهى عنه وزجر، إنه لن يرضيه أن نسمع قول الله تعالى: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، ثم لا نأخذ ولا ننتهي. إن الحب الحقيقي لرسولنا الأعظم أن نأخذ ونتركَ من حيث أخذ وترك، إن الحب الحقيقي لرسولنا الأعظم ..

الحمد لله جعل للهدى أعلامًا، وجعل للمتقين إمامًا، أحمده -سبحانه- على سوابغ لطفه وخيره، وأشكره على سوالف بره، وأشهد ألا إله إلا الله الدائمُ ملكه، العزيزُ سلطانه، العميمُ فضله وإحسانه وبره، ما سبّح المسبحون له حقًّا وإجلالاً، وأشهد أن محمدَ بن عبد الله خيرُ البريةِ كلها جمعاءَ، وأجلّهم فيها سَنًا وسناءً، وإمامُ الأولين والآخرين، وغرة الغر المحجلين، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى أصحابه الميامين، كأن عليهم من شمس الضحى فلقًا، ومن ضوء الصباح عمودًا. وصلِّ اللهم وسلم على من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

ثم أما بعد:

إنَّ البـريةَ يـومَ مبْعَـثِ أحمدٍ *** نظَرَ الإلهُ لهـا فبـدَّل حالَـها
بل كرَّم الإنسانَ حين اختار مِن *** خير البـرية نجمـها وهـلالها
لبـِسَ المـرقَّعَ وهـو قائد أمةٍ *** جبَتِ الكنوز فكسَّرت أغلالها
لمـا رآهـا الله تمشـي نحـوه *** لا تبتـغي إلا رضاه سعى لها

ابنُ عبد الله محمد، رسول الله إلى الناس في قيظ الحياة، كان مترعًا بكل جلال، كان مفعمًا بكل عظمة، أيّ رجل كان؟! بل أيّ إنسان؟! أيّ سِرٍّ توفر فيه فجعل منه إنسانًا يشرِّف بني الإنسان؟! أي شرف ناله ليشرِّف اللهُ الناس إذ سواه إنسانًا؟! أية يد طولى وهبها الله له ليكون به النور الذي من أيِّ النواحي أتيته فكوكبه الأفلاك والشمس ناظره، لقد آتاه الله من نعمته عظمةً جعلت منه رجلاً يتحدث باسم الله، ومن ثمَّ كان فضل الله عليه عظيمًا! إنه رسول الله، وكفى.

ألا إن الذين بهرتهم عظمته لمعذورون، وإن الذين افتدوه بأرواحهم لهم الرابحون، ألا إن الذين قضوا أعمارهم في حبه وحب من يحبُّه لَهُمُ المنصورون، ألا إن الذين تمثلوا شرعته وهديه لَهُم المفلحون، كان:

بشْرَى مِن الغيبِ ألقَتْ في فَمِ الغارِ *** وَحْيًا وأفْضَتْ إلى الدنيا بأسرارِ
بشرى النبوّةِ طافَتْ كالشَّذَى سَحَرًا *** وأَعْلَنَتْ في الدُّنَا مِيـلادَ أَنْوَارِ

عاش -عليه الصلاة والسلام- ليكون أعظم رجل وطئت رجله الثرى، فضوعت الآفاقَ من عطرها الثَّرى! عاش -عليه الصلاة والسلام- بيننا لنكون به أعظم أمة تشرفت بالانتساب إليه.

ومما زادنا شرفًا وتيـهًا *** وكِدْنَا فيه أن نطأَ الثُّرَيَّا
بأنْ صيَّرْتَ أحمدَ يا إلهي *** لنـا شرَفًا وإجلالاً نَبِيًّا

إن القرائح -مهما تبارت- فعظمة محمد -عليه السلام- أعظم.

وكلّ ما قيل في تدوين عِلْيَتِهِ *** فلن يفيهِ ولا عُشْرًا من العُشُر

إذَا لم نكُنْ نُثْنِي عليهِ بصالحٍ *** فأيّ عظيمٍ بعد أحمدَ قد نُثْنِي

ليت الكواكبَ تدنو لي فأنظمَها *** عقودَ مَدْحٍ فما أرضَى له كَلِمِي

إن الحروف في سوى أحمدَ -عليه الصلاة والسلام- هراء.

جَلَّ عَنْ مذهبِ المديحِ فقَدْ كا *** دَ يكونُ المديحُ فيه هجاء

ما الذي جعل سادة قومه يسارعون إلى كلماته ودينه؟! أبو بكرٍ وطلحة والزبير وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، متخلين بهذه المسارعة المؤمنة عن كل ما كان يحيطهم به قومُهُم من مجد وجاه، مستقلين في نفس الوقت عن حياة تمور مورًا شديدًا بالأغبياء وبالصعاب وبالصراع! إلا لأنه:

رسولُ اللهِ في ملكُوتِ رَبِّي *** بذاكَ قَضَى بِرَغْمِ الْحَاسِدِينَا
***
فبالله ماذا يريد الحسودُ *** أمْ كيف يستبطل الحاقدُ

ما الذي جعل ضعفاءَ قومه يلوذون بحماه ويهرعون إلى رايته ودعوته، وهم يبصرونه أعزلَ من المال والسلاح، ينْزِل به الأذى ويطارده الشرُّ في تحدٍّ رهيب، دون أن يملك -عليه الصلاة والسلام- له دفعًا إلا لأنه:

رسولُ اللهِ في ملكُوتِ رَبِّي *** بذاكَ قَضَى بِرَغْمِ الْحَاسِدِينَا
***
فبالله ماذا يريد الحسودُ *** أمْ كيف يستبطل الحاقدُ

بل ما الذي جعل جبارَ الجاهلية عمرَ بنَ الخطاب وقد ذهب ليقطف رأسَه العظيمَ بسيفه يعود ليقطف بنفس السيف الذي زاده الإيمان مضاء رؤوسَ أعدائه ومضطهِديه إلا لأنه:

رسولُ اللهِ في ملكُوتِ رَبِّي *** بذاكَ قَضَى بِرَغْمِ الْحَاسِدِينَا
***
فبالله ماذا يريد الحسود *** أمْ كيف يستبطل الحاقدُ

ما الذي جعل صفوةَ رجالِ المدينة ووجهاءَها يغدون إليه ليبايعوه على أن يخوضوا معه بِرَك الدم وبحور الهيجاء، وهم يعلمون أن المعركة بينهم وبين قريش ستكون أكبر من الهول إلا لأنه

رسولُ اللهِ في ملكُوتِ رَبِّي *** بذاكَ قَضَى بِرَغْمِ الْحَاسِدِينَا
***
فبالله ماذا يريد الحسود *** أمْ كيف يستبطل الحاقدُ

ما الذي جعل المؤمنين به يزيدون ولاينقصون، وهو الذي يهتف فيهم صباح مساء: لا أملك لكم نفعًا ولا ضرًا، ولا أدري ما يفعل بي ولا بكم! إلا لأنه

رسولُ اللهِ في ملكُوتِ رَبِّي *** بذاكَ قَضَى بِرَغْمِ الْحَاسِدِينَا

ما الذي جعلهم يصدقون أن الدنيا ستفتح عليهم أقطارَها، وأن أقدامهم ستخوض خوضًا في ذهب العالم وتيجانه، وأن هذا القرآن الذي يتلونه في استخفاء، ستردده الآفاق، عالي الصدح، قوي الرنين، لا في جيلهم فحسب، ولا في جزيرتهم فحسب، بل عبر جميع الزمان، وجميع المكان، إلا لأنه

رسولُ اللهِ في ملكُوتِ رَبِّي *** بذاكَ قَضَى بِرَغْمِ الْحَاسِدِينَا
***
فبالله ماذا يريد الحسود *** أمْ كيف يستبطل الحاقدُ

ما الذي جعلهم يصدقون هذه النبوة يحدثهم بها يومًا وهم الذين يتلفتون فلا يجدون أمامهم وخلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، سوى القيظِ والسغبِ وحجارةٍ تلفظ فيح الحميم، وشجيراتٍ يابسة طلعها كأنه رؤوس الشياطين، إلا لأنه

رسولُ اللهِ في ملكُوتِ رَبِّي *** بذاكَ قَضَى بِرَغْمِ الْحَاسِدِينَا

ما الذي ملأ قلوبهم يقينًا وعزمًا به؟! إنه ابنُ عبدِ الله، ومَن لكل هذا سواه؟! لقد رأوا رأي العين كل فضائله ومزاياه، رأوا طهرًا يمشي على الثرى فتعبق ذراته والسهول، رأوا سموا وحنانًا يفيض عليهم من فيض ربي فتهتف باسمه السبع الطباق، رأوا الشمس تتألق تألق صِدقِه وعظمةَ نفسه:

فبالله ماذا يريد الحسود *** أمْ كيف يستبطل الحاقدُ

إن كل مهرجان تقام فيه شعائر الإساءة له -عليه الصلاة والسلام- سنجعل منه مهرجانًا للتغني فيه بسيرته وطهره وشمائله، إن كل كتابة أو فيلم أو رسم يسيء له سنجعل منه مهرجانًا نستلهم فيه عظمته وجلاله ورقيه، سنعيد سنته جذعةً بعدما أصابها ما أصابها، سنصلِّي عليه كلما ذكروه وذكرناه، فصلى الله عليه ما أوروا زنادهم لِيُشْعِلُوا شُعَلَ البغضاءِ والحسَدِ.

إنّ ألفَ كنّاسٍ لو اجتمعوا في موضعٍ يثيرون الغبارَ بمكانسهم ليحجبوا ضياء الشمس لمَا سقطَ الغبار إلا على رؤوسهم، ما المغرضون في حقه إلا كالنملةِ الحمقاءِ تظنّ أن صراخَها يوقفُ أقدام الفيل! إنما هم كمن يشتم الشمسَ والماءَ والهواءَ، ليس لشتمهم من معنى سوى الخرف المطبق، والهذيانِ المحدق، سيبقى النهرُ عذبًا وإن شتمه ألفُ لسانٍ بأنّه ملحٌ أجاجٌ، ستبقى الشمسُ مشرقةً وإنْ زعمَ ألفُ دجالٍ أنها قطعةٌ من سوادٍ حالكٍ، وسيظلُ المطرُ يبعثُ الحياةَ وإن ادّعى ألفُ دعيٍّ أنّه سمٌّ يتسلل إلى عروقِ النباتاتِ.

إنّ البحر الزاخرَ لا يضرُّهُ أن يلقيَ فيه الغلمان بحجارتهم:

وما ضَرَّ هذِي السماواتِ أنْ *** عَلَيْها استطالَ فمُ النَّابِحِينا

بل ما هم إلا:

كناطحٍ صخرةً يومًا لِيُوهِنَها *** فلم يَضِرْهَا وأوهى قرنَهُ الوعلُ

روى البيهقي وأصحاب السير أن أبا لهبٍ عمَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- وابنَه عتبة قد تجهّزا إلى الشام، فقال ابنه عتبة: والله، لأنطلقنّ إلى محمد ولأوذينّه في ربّه، فانطلق حتى أتى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فقال له: إنه يكفر بالذي دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "اللّهمّ سلّط عليه كلبًا من كلابك".

ثم انصرف عنه، فرجع إلى أبيه فقال: يا بنيّ: ما قلتَ له؟! فذكر له ما قاله، فقال: فما قال لك؟! قال: قال: "اللّهمّ سلط عليه كلبًا من كلابك"، قال: يا بني: والله ما آمن عليك دعاءه.

فساروا حتى نزلوا بالشّراةِ، وهي أرضٌ كثيرةُ الأُسْدِ، فقال أبو لهب: إنكم قد عرفتم كبر سني وحقي، وإنّ هذا الرجل قد دعا على ابني دعوةً والله ما آمنها عليه، فأجمعوا متاعكم إلى هذه الصومَعة وافرشوا لابني عليها ثم افرشوا حولها، ففعلنا، فجاء الأسَد فشمَّ وجوهَنا، فلما لم يجد ما يريد تقبّض فوثب وثبَة، فإذا هو فوق المتاع فشمَّ وجهه ثم هزمه هزمة ففسخ رأسه، فقال أبو لهب: قد عرفتُ أنه لا يتفلّت عن دعوة محمد.

ألم يقل اللهُ: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [الحجر:95]؟! ألم يقل (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [الكوثر:3]؟! فكان أبو لهبٍ أبترَ؛ إذ لم تكن له ذرية بعد نزول تلك الآية.

وإن التاريخ لَيُعيد نفسَهُ، مَن ذلك المأفون الذي يتطاول على رجل ما حملت ناقةٌ فوق كورها أبرّ وأوفى ذمة منه؟! مَن هؤلاء الأقزام الذين أرادوا أن يردُّوا ماء البحر بمساحيهم ومغارفهم فجرفهم معها؟! من هؤلاء الذين أرادوا البصق على ضياء الشمس، فلما رفعوا رؤسهم ارتد عليهم ما بصقوه في وجوههم؟! إنهم من

تعامَوْا عن سناك أيا حبيـبي *** كأنْ لم يبصروا بدرًا وضـيًّا
وقَدْ شَكُّوا بهدْيِ اللهِ جَـهْلاً *** كأنْ لم يُبْصِرُوا حَقًّا جَـلِيًّا
وها هُمْ يا رسـولَ اللهِ عادوا *** تفيضُ قلوبُهُمْ حقدًا وغـيًّا
تكادُ ترى بداخلِـهِمْ لَهـيبًا *** وتسمعُ مِن قلوبهمُ الـدَّوِيَّ
لقد لَمَزُوكَ في فيـلمٍ سَـفِيهٍ *** فَمِي في وصفه أضْحَى عَيِيًّا
أردتُّمْ حجْبَ نورِ الكونِ عَنَّا *** متى حجب الثرى نورَ الثُّرَيَّا
ضللتُمْ عن سبـيل اللهِ كِبْرًا *** وَلـَمْ يـكُ دِينُهُ عنْكُمْ خَفِيًّا
ومَن أعماه ربي فـي حياةٍ *** يَكُنْ نُورُ الغَـدَاةِ لـه عَشِيًّا

روى أصحاب السير أن حمزةَ بن عبد المطلب أسد الله وسيد الشهداء -رضي الله عنه- عاد من الصيد ذات يوم متوشحًا قوسه، فلقيته إحدى الجواري فأخبرته أن أبا جهل تعرض لابن أخيه محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- بالشتم والضرب، وكان -رضي الله عنه- من أعز أهل مكة وأشدِّهم شكيمة، ولم يكن أسلم يومئذ، فلقي أبا جهل وهو في مجمع من مجامع قريش، فذهب إليه فشتمه وشجه بقوسه وضربه، وقال: أتسب محمدًا وأنا على دينه؟! وكانت تلك الحادثة سببًا في إسلام حمزة -رضي الله عنه-.

بأبي وأمي أفتديك!
عرضي لعرضك هل يقيك؟!
أنا لو وهبتُكَ يا حبيبي كل روحي لن أفيك
يا سيد الثقلين عذرًا عن سفاهة جاهل قد شَكَّ فيك
لم يعرفوك يا رسول الله، فكأني فيك أنظر من بعيد
لك الثوب المرقع كان زيًّا
وتمضي تشتكي ظمأ وجوعًا
وينعم غيرُكم شبعًا وريًا
إذا ما قد مشيت بلا حذاءٍ وددتُّ بأنني كنت الحُذيَّا
وأنك إن وطأت الشوك كرهًا وطأت الشوك عنك بناظريا

لم يعرفوك يارسول الله، وإلا فإن الله قال عنك، وهو خير القائلين: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]، وقال عمَّن آذاك: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا) [الأحزاب:57].

أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليمًا.

أما بعد:

تعصي الرسولَ وأنت تزعُمُ حُبَّهُ *** هذا لَعَمْرِي فِي القِياسِ شنيعُ
لـو كـان حُبُّكَ صادقاً لأطَعْتَهُ *** إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ

إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لن يرضيَه أن نحبه ونحن نترك اتِّباعَ ما أمر، إنه لن يرضيَه أن نحبه ونحن نفعل ما نهى عنه وزجر، إنه لن يرضيه أن نسمع قول الله -تعالى-: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر:7]، ثم لا نأخذ ولا ننتهي.

إن الحب الحقيقي لرسولنا الأعظم أن نأخذ ونتركَ من حيث أخذ وترك، إن الحب الحقيقي لرسولنا الأعظم أن نتمثل شرعته وهديه.

يا مُدَّعِي حُبَّ طهَ لا تُخَالِفْهُ *** فالخُلْفُ يَحْرُمُ فِي دِينِ الْمُحِبِّينَا

إن رسول الله لا يرضيه أن يتكئ أحدنا على أريكته يسمع أحاديثه في شيء ثم تراه كأنه لم يسمع، إن رسول الله لا يرضيه أن نعلم أن من هديه أن لا يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله، ثم يُرى أحدنا وهو يرى المنكر متكئًا على أريكته لم ينعقد له جبين ولم تنكسر له قسمات، إن رسول الله لا يرضيه ما يُرى من أحدنا وهو يستنكف عن فعل ما أمر به وندب إليه، إن رسول الله لا يرضيه أن يسمع أحدنا داعي الصلاة وداعي التثويب ثم يمشي إليها مِشية المنافقين الذين يغدون إليها وهم كسالى، إن رسول الله لا يرضيه محادّة أوليائه، إن رسول الله لا يرضيه ذلك التشرذم في أمته وذلك التفرق، إن رسول الله لا يرضيه أن نرى أمته مزعًا، ثم لا ترتعش عروق، ويستكثر أحدنا أن يفعل لأمته شيئًا ثم هو لا يفعل.

وما لأمته كأنها لا تريد أن تعرف النصرة الحقيقية له -عليه الصلاة والسلام-؟! إن النصرة الحقيقية له هي حبه، وتمثلُ صراطه المستقيمِ، صراط الله الذي له ما في السماوات والأرض؛ إن النصرة الحقيقية له هي أن نحول كلَّ غضباتنا المضريةِ إلى مشاريع نخدم بها دينه، ونشِيع بها خلُقَه، حتى تعلم بنو الأصفر أن بني عمنا فيهم رجال، إن النصرة الحقيقية له إشاعة سماحته، ثم سماحته، ثم سماحته؛ ليعلموا أن نبينا ما أرسل إلا رحمة للعالمين.

اللهم صلّ وسلم على حبيبك وحبيبي، اللهم ارزقنا حب نبيك، ونصرته، وتمثلَ هديه، وتوقيره، وتعزيره، إنك سميع الدعاء.

اللهم حَبِّبْ إلينا الإيمان وزينه، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشدٍ...
 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي