فيا حسرة على العباد! كيف يخنع المسلمون لمثل هذا؟ وكيف يتسنى أن يُقروا مثل هذا؟ أفلا يعتزوا بدينهم؟ أفلا يكون لهم الشخصية والخصوصية في الإيمان والدين؟ إن الجهل والجهل المركب أدَّى إلى مثل التصدعات في ..
الحمد لله الذي خلق الإنسان من سلالة من طين، وركَّبه في أحسن تقويم، فتبارك الله أحسن الخالقين، أحمده سبحانه على ما خصنا به من وافر النعم، وأجلُّها نعمة الإيمان والدين، وأشكره وقد تأذن بالزيادة للشاكرين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى الأمين، صلى الله عليه وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، وأكثروا من ذكره، واشكروه على توابع الإنعام والإفضال، فبذكره تطمئن القلوب، وبشكره تتقيد النعم عن الزوال والخطوب، واعلموا أن الدنيا سريعة الذهاب والزوال، فاستقصروا أجلاً آخره الموت وإن طال إخوة الإيمان.
إننا اليوم في عالم يعج بالفتن والشهوات، ويغرق في المزالق والشبهات، ويطنطن فيها بالإصلاح والحريات، وقد علمتم المفهوم المعكوس لهذه النداءات، والغرض المشبوه من هذه الأصوات، وأنه من المؤسف أن تلاقى صداً من بعض الدخلاء والمحسوبين؛ للتفسخ من الفضيلة، واستبدالها بالتحلل والرذيلة.
لقد تصدرت قضية المرأة ودورها في المجتمع وحقوقها، ومساواتها مع الرجل، ومشاركتها في الأعمال الحياتية والنيابية، تصدرت هذه القضية زوايا الصحف والمجلات، وأُشبعت في المؤتمرات والمنتديات، وأثْرَتْها المحطات والقنوات، وحملت على الإسلام وتعاليمه وأتباعه أعظم الكذب، وأكبر الافتراءات، وأشنع الدسائس، وزيف الشبهات، يتصدر قضايا ومحاورات، وحوارات تنم عن دسائس مزعومة، وحقائد مدفونة على الإسلام وأهله، لا تكاد تسمع في الوسط الإعلامي العالمي.
بل -ومع الأسف!- في دخلاء العالم والإسلامي من أصحاب العلمنة من يكيلون الصاع بالصاعين، يتذعرون من وضع المرأة في الوسط الإسلامي، يزعمون أنها مهانة مظلومة، ليس لها تقدير ولا تدبير، لا تشارك في حياة الرجال، ولا تخرج إلى ميادين الأعمال، قد سلبت حقوقها، وتبنت المجتمعات عقوقها.
كلُّ هذه الحملات يقصد بها: استهداف المرأة المسلمة؛ لتخرج عن آدابها وسلوكها، وتزهد في تعاليمها وقيمها.
عباد الله: إنَّ هذا الزخم الإعلامي المكثف، والمناداة والدعوة إلى تحرير المرأة تبلورت فكرته في مجتمعات فقدت الوعي والتفكير السليم، وأدت في قاصرِ النظر من المسلمين إلى مراجعة حسابه، والتشكُّك، وإثارة الشبهات حول ما يُثار في قضايا المرأة في الإسلام.
عباد الله: إن ديننا الإسلامي جعل المرأة المسلمة في مكانة لا تساويها أي مكانة في دين من الأديان، أو قانون من القوانين، جعل المرأة مؤسسة تربوية، تحظى بالتقدير والإكرام، جعل لها الحرية والتملك في حدود وضوابط، جعل لها التميز والخصوصية في أعمال لا يستطيعها الرجال.
لقد ارتقت المرأة المسلمة في المجتمعات الإسلامية إلى شرف عظيم، ومكان كريم، فهي المؤمنة العابدة، وهي العالمة الفقيهة، وهي المربية، وهي أستاذة الأساتذة، وهي أم العظماء، وهي الحاضنة الفائقة، لها مجالات في الأعمال، ولها نُظم في الأحوال، لقد قال -صلى الله عليه وسلم-: " أنتُنَّ شقائق الرجال".
لو بحثت -أيها المبارك- في الكتاب، والسنة، وفي تعاليم الإسلام ما وجدت شيئاً مما ينعق به هؤلاء؛ بل إن الحقيقة مُعَمَّاة عليهم، (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج:46].
إن المجاراة لمثل هؤلاء مع الجهل الموجود في حقائق الإسلام وتعاليمه حول المرأة أثمر نتاجات مؤسفة، وصلت بالبعض من المسلمين إلى إخراج المرأة إلى سوق العمل، ومجاراة الرجال، وملاطفة المرأة المسلمة، وجعلها تتصدر القيادات التي ليست من طبيعتها وتكوينها، بل وليست من خصائصها؛ بدعوى: أن الإسلام لا يعارض المرأة في كل مجال.
وإنه من المضحك والمبكي في آنٍ واحد أن تسمعوا اليوم في الإذاعات والقنوات؛ بل وسيُنْقَل لاحقاً عبر الفضائيات أن امرأة مسلمة -ولأول مرة- تقوم بإمامة صلاة الجمعة اليوم في أمريكا في الرجال والنساء.
تلكم آفة المجاراة، لم يعهد في التاريخ أن امرأة تؤم الرجال، ولم ينقل ذلك؛ بل الذي نقل أن المرأة يجوز لها أن تؤم النساء، وتكون في وسطهن في إمامة الصلاة المفروضة غير الجمعة؛ كما ورد ذلك عن عائشة -رضي الله عنها-.
فيا حسرة على العباد! كيف يخنع المسلمون لمثل هذا؟ وكيف يتسنى أن يُقروا مثل هذا؟ أفلا يعتزوا بدينهم؟ أفلا يكون لهم الشخصية والخصوصية في الإيمان والدين؟ إن الجهل والجهل المركب أدَّى إلى مثل التصدعات في قيم الإسلام، والله المستعان.
فاتقوا الله عباد الله، وتحصنوا بدين الإسلام، وكونوا سياجاً متيناً أمام الأباطيل والافتراءات، والدعاوى والشبهات، (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ...) [آل عمران:7].
وفقني الله وإياكم إلى صلاح الأحوال، ونجاني وإياكم من شرور الفتن والأهوال، وصلوا على رسولكم الكريم؛ محمد -صلى الله عليه وسلم-، صاحب المنهج القويم، فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، وقد قال -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته، والوفاة على ملته، والحشر في زمرته، ونيل شفاعته، والارتواء من حوضه شربةً لا نظمأ بعدها أبدا.
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، والأئمة الحنفاء: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، قادة المسلمين، وعن بقية الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أيد الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واكتب العزة والنصر والتمكين للمجاهدين لإعلاء كلمة الدين.
اللهم انصر من نصَر الإسلام في كل مكان، وأيده بعونك ومددك ياذا الجلال والإكرام، اللهم وأيد حماة الدين في هذا البلد الأمين، وانصرهم على الطغاة والمنحرفين والمارقين.
اللهم وعليك باليهود والنصارى والملحدين، اللهم زلزل مقامهم، وأسقط أعلامهم، وسلط عليهم جندك ياذا الجلال والإكرام.
اللهم آمِنَّا في دُورنا، وأصلح ولاة أمورنا وأحوالنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك ياذا الجلال والإكرام.
اللهم ارفع عنا البلاء، والوباء، والزنا، والخنا، والربا، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين.
ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.
عباد الله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي