معالم إيمانية 1

عبد الرحمن بن علي النهابي
عناصر الخطبة
  1. معالمُ إيمانيةٌ تحقُّق أشواق المسلمين في الدنيا والآخرة .
  2. المَعْلَمُ الأول: تنفيس كربة عن مؤمن .
  3. المَعلم الثاني: التيسير على معسر .
  4. المعلم الثالث: ستْر المسلمين .
  5. المعلم الرابع: إعانة الإخوة من المسلمين .

اقتباس

فتلكم -عباد الله- معالمُ إيمانيَّةٌ، وسبعٌ من الخصال، وعددٌ من الخلال تجعل الإنسان المؤمن في أسمى آيات السعادة والهناء في الدنيا، وتكسبه الرفعة والدرجات، وتنهيه إلى سعادة أبدية، وحياة سرمدية لا يشقى بعدها أبداً، ولعلنا نُلقي الضوء على تلك المعالم الإيمانية، التي نحن ..

الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور، بيده ملكوت كل شيء وإليه تصير الأمور، أحمده -سبحانه- على ما هدانا له من أسباب الخير الموفور. 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحليم الغفور، شهادة تقر بها العيون، وتنشرح بها الصدور، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المبعوث بالهدى والنور، المخصوص بالمقام المحمود، والحوض المورود، واللواء المنشور، صلى الله عليه وآله وأصحابه أولي الفضائل والأجور، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم النشور، وسلم تسليماً.

أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين، وبادروا بالأعمال؛ فإن المنايا كلّ آونة على الأنام تدور، وتزودوا؛ فإنكم لا تدرون أمسافرون في الرواح أم في البكور، وَمَهِّدوا لأنفسكم في مضاجع القبور؛ فإنها أوَّلُ منازلِ الآخِرة، والدنيا مَجازٌ وقنطرةٌ للعبور، وقدموا لأنفسكم من الأعمال ما ينفعكم يوم النشور.

ألا وإنكم في دنياكم تطلبون السعادة، وتتشوقون إلى الحسنى وزيادة، وتسعون جاهدين لتنقذوا أنفسكم من أهوال الجحيم والإبادة، وترجون من الله أن يرفعكم في هذه الدنيا، وتنعمون بالهناء والريادة، ثم تتوسلون إلى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم، ويغفر زلاتكم، ويجعلكم من الصالحين من عباده، ويحلكم دار كرامته، وتظفرون بالحسنى وزيادة.

تلكم -عباد الله- مطالب يتشوَّق إليها المؤمنون، وينشدها عباد الله الصالحون، ومَسْعى يَسعى إليه المشمِّرون، فأين يوجد ذلك؟ وأين تكون تلك المسالك؟ إنها -عباد الله- في أعمال عظيمة، وأخلاق كريمة، وخلال مستقيمة، ومعالم في الإيمان قويمة.

إنها أعمال جليلة، وأخلاق جميلة، ترقى بالمؤمن إلا مدارج الكمال، وتسمو به إلى العز والشرف والجلال، تلكم -عباد الله- أخلاق وآداب، وأنوار ونفائس، وأعمال فيها الخير والنفع والثواب.

تلكم -عباد الله- تلك الأوصاف لما سأذكره لكم من الأعمال المتعددة الأصناف، فاسمعوا -إخوة الإيمان- وأصغوا إلى ما فيه من بيان؛ لعلكم تغنمون ما فيه من ثمار وجنان، (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:138].

فقد حدَّث أبو هريرة عن الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَن نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومَن يسَّر على مُعسرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومَن سَلَكَ طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل اللهُ لَهُ به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قومٌ في بيتٍ مِن بُيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغَشِيَتْهُم الرحمة، وحفَّتْهُم الملائكة، وذَكَرَهُم الله فيمن عنده، ومَن بَطَّأَ به عملُه، لم يُسْرِعْ به نسبه" رواه الأمام مسلم.

فتلكم -عباد الله- معالمُ إيمانيَّةٌ، وسبعٌ من الخصال، وعددٌ من الخلال تجعل الإنسان المؤمن في أسمى آيات السعادة والهناء في الدنيا، وتكسبه الرفعة والدرجات، وتنهيه إلى سعادة أبدية، وحياة سرمدية لا يشقى بعدها أبداً، ولعلنا نُلقي الضوء على تلك المعالم الإيمانية، التي نحن بحاجة إلى تطبيقها، والعمل على تنفيذها، كلٌّ حسب استطاعته وجهده، لعلنا أن نكسب من الخيرات ما نظفر به في الدنيا والآخرة:

فأولها: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن نفَّس عن مؤمنٍ كُربةً من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة"، تنفيس الكربات، وإزالة الشدة عن المؤمن من الأعمال العظيمة، والتعاون على الخيرية والإنسانية الخيرة، فإذا أزلت عن أخيك شدة، أو سعيت في ذلك بجهدك أو بشفاعتك فأزلت عنه هذه الضائقة، وكشفت عنه هذه الكربة، أو خفَّفْتَها عنه، وجدت ذلك أمامك في دنياك، فيقيك الله -سبحانه- من كل مكروه، ويمنعك من كل سوء، وتكون في حياتك في اطمئنان وأمان، وتحصل لك الخيرية والأفضلية، فإن خير الناس أنفعهم للناس.

ألا وإن تفريج الكربات عن المسلمين علاج لما يعتري الصدور، وما ينوب النفوس من الكد والضيق، ثم بعد ذلك يحظى الإنسان بكرامة الله، وينقذه من أهوال يوم القيامة، ويفرِّج عنه شدائد وأهوال في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، فانظر -يا عبد الله- إلى هذا الأثر، وأمعن فيه النظر.

وأما المعْلَم الثاني فقوله: "مَن يسَّر على مُعْسِرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة"، ما أعظم هذا العمل! وهو: التيسير على المعسرين، والتوجه إليهم باللطف والصدق وحسن النية، فإن المعسر الذي لا يقدر على الوفاء، وليس عنده شيء لإبراء ذمته صدقاً لا مماطلة، وحقاً لا مماحلة؛ فإن المعسر قد أطبقت عليه الدنيا، ودارت عليه صروف الزمن، فأصبح فقيراً معدماً، وقد أخذ المال من غريمه لحاجاته ومتطلباته، وقد طرق الأبواب ولم يبقَ إلا باب الرحيم الغني القدير بأن ييسر الله عليه، فإذا قام أخوه؛ صاحب الحق بإمهاله وإنظاره، أو إسقاط بعض حقِّه، كان له من الخير والإعانة من الله، والمباركة في كماله ما لا يعلم، يسَّر الله أموره في الدنيا، وذلَّل مصاعبه، وحجزه من المكاره، وجعله في خير دائم.

وكذا في الآخرة، يحظى -عبدَ الله- بخيره الموعود، ورزقه الممدود، يسر الله حسابه، وثقل الله ميزانه وكتابه، وقد قال -سبحانه-: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:28].

عباد الله: إن الإعسار المقصود هو أن تكون موجودات الإنسان لا تفي بديونه، ولا يستطيع الوفاء؛ لعدم دخول عليه، أما الإعسار المزيف فإن الكثير من الناس يمتطونه، ويجعلونه سُلَّماً لأكل الحقوق، ويأخذون أموال الناس، ويفسدونها بما لا نفع فيه ولا فائدة، وربما يجترئون على الحرام، وربما يأخذونها عن طريق الربا والمكوس، فهذا كله من الإعسار المزيف، يجب على السلطات أن تحاكم مثل هؤلاء وتناقشهم، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أخذ أموال الناس ليؤديها أدَّ الله عنه، ومن أخذها ليتلفها أتلفه الله".

وأما المعْلَم الثالث: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ومَن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة"، ما أعظم التيسير على المسلم، وعدم كشف معايبه وفضحه أمام الخلق لزلة تكلم بها، أو هفوة وقع بها! فالستر من أعمال البر الخفية، التي تنبئ عن إيمان المؤمن، فينبغي للمؤمن أن يستر ما رآه من أخيه من بوادر غير مرضيه، فالإنسان ضعيف خطَّاء، وخير الخطائين التوابون، فلا يفضح المؤمن أخاه بعيب رآه، أو منكر خالف فيه، أو هفوة زل بها؛ بل عليه توجيهه، ونصحه، وستره فيما بينه وبين الله.

هذا إذا كانت المعصية أو الزلة لا يتعدى ضررها إلى الغير، فإن كان يتعدى ضررها إلى الغير وتكون آفة في المجتمع، فالمـــَصْلَحَة أن ينكر عليه، ويبلغ عنه؛ لتأديبه، وحجزه عن معصيته.

وأما المعْلَم الرابع: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه "، التعاون مطلوب، والخير فيه ظاهر، فالمؤمن ليس أنانياً ولا ذاتياً، يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فما دام الإنسان يلتمس حاجة أخيه، ويعينه على نوائبه، ويسهل له حاجته، يكون الله معه، ويسعد بعون الله له.

وما أعظم السند إذا كان من الله! فثماره مرجوَّة، ونتائجه محمودة، فعلى المؤمن أن يكون شعاره: التعاون مع كل ما فيه منفعة لأخيه، ومصلحةٌ لمجتمعه وجماعته، فكن -أيها المؤمن - على هذا النمط، واترك الأنانية والذاتية، والسَّمَط، وقد قال -سبحانه-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة:2]، فاتقوا الله عباد الله، وافعلوا الخير؛ لعلكم تفلحون.

وفقني الله وإياكم إلى هدي كتابه، وسلك بنا طريق أحبابه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي