وأقف عند كلامه هذا الذي لا يوافقه عليه أمثاله فحسب، لا بل يوافقه فيه كثير من عوام الناس والمثقفين مع الأسف، يقول: "كلما حلّت كارثة غربية قيل: إن ذلك من غضب الله على الغرب لما يقع فيه أهله من الانحلال والموبقات"، وهي لا شك مبالغة منه، فمعظم كلام الدعاة في أجواء الكوارث الطبيعية يدور حول عظمة الله تعالى وحول قدرته وجبروته، وهذا هو الأصل، أما الترهيب من عقابه بشكل عام فيأتي ضمن الكلام وليس أساسًا له، الأساس هو الكلام عن عظمة الله تعالى، لا كما يدعي هذا المشاغب...
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لم أكن عازمًا على طرح موضوع اليوم حتى قرأت في صحيفة محلية صباح الأربعاء الماضي مقالاً لكاتب جاهل سفيه، فتح له المجال مع الأسف في الصفحة الخلفية من الصحيفة كما فتح لأمثاله ممن سخّروا أقلامهم للنيل من الدعاة وكل مظهر ديني وكل فكرة دينية، كأن هناك غلاًّ في صدورهم على التدين والمتدينين، نسأل الله السلامة والعافية.
فلا يصبحنا هذا كل يوم إلا بسخرية أو لمز أو اعتراض على ما له علاقة بالدين والتدين، هل يريد أن يشتهر؟! ربما؛ لأن الشهرة في إعلام زماننا اليوم محظوظة لكل من تخلّف عن القيم وخالف التيار العام، هذا الصنف هو الذي تُسلّط عليه الأضواء، وهو الذي تدعوه بعض الفضائيات ليبث من خلال إضاءتها أو من غير إضاءتها سُمَّه وفكره المنحرف ورأيه الأعوج.
لقد سكتُّ عنه مرات عديدة لعله يغير، لعل الله يهديه فيختار مواضيع أخرى مفيدة للمجتمع بعيدة عن حربه على قيم الدين والعفاف، ولكنه ظل مستمرًا، احتفظ برأيك لنفسك، أو أطلعه على جلسائك وخاصتك، ولكنه يأبى إلا أن يعلنه أمام جميع الناس.
هل يا ترى يعلن به أمام جميع الناس؟! هل يا ترى يصر إصرارًا على أن تنطبق عليه آيات من كتاب الله تعالى لم تنزل إلا لبيان المارقين؟! فمن عموم النص لا خصوص السبب ومن غير تكفير ولا يحزنون.
الآيات تصف فئة من الناس سواء أكانوا خارجين عن الملة فعلاً أم كانوا سفهاء لا يبالون بمغبة فعلهم وفداحة قولهم، يقول سبحانه: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ) [التوبة:65].
ويقول سبحانه: (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [الزمر:45]، ويقول -جل وعلا-: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا) [الحج:72]، يكادون يسطون أي يكادون يثبون عليهم ويبطشون بهم غيظًا وغضبًا.
نصحه الكثيرون عبر شبكة التواصل، بعضهم قسا عليه غضبًا لله، وبعضهم رق لعله ينتهي ويتوب، لكنه مُصرٌّ على جدال الفريقين بغير حق، يقول سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [غافر:56].
ولما حل إعصار ساندي بشرق أمريكا فإذا به ينتفض من جديد ويقول في مقاله الأخير: "كلما حلت كارثة غربية -ومن ذلك إعصار ساندي- قيل: إن ذلك من غضب الله على الغرب لما يقع فيها أهله من الانحلال والموبقات، بينما كلما حلّت كارثة عربية قيل: إن ذلك امتحان من الله لصبرنا وتحملنا، وأنا شخصيًا ربما يكون ذلك قصورًا مني لا أفهم الفرق بين الغضب والامتحان، ما أعرفه وأفهمه إذا كانت المقاييس في الكوارث أن ما وقع وما يقع في البلدان العربية بأيدي أهلها من القتل والتدمير وحرق الأخضر واليابس أشد وأنكى من عشرين ساندي".
كلام. وأقف عند كلامه هذا الذي لا يوافقه عليه أمثاله فحسب، لا بل يوافقه فيه كثير من عوام الناس والمثقفين مع الأسف، يقول: "كلما حلّت كارثة غربية قيل: إن ذلك من غضب الله على الغرب لما يقع فيه أهله من الانحلال والموبقات"، وهي لا شك مبالغة منه، فمعظم كلام الدعاة في أجواء الكوارث الطبيعية يدور حول عظمة الله تعالى وحول قدرته وجبروته، وهذا هو الأصل، أما الترهيب من عقابه بشكل عام فيأتي ضمن الكلام وليس أساسًا له، الأساس هو الكلام عن عظمة الله تعالى، لا كما يدعي هذا المشاغب، بل كثيرًا ما حلّت مصائب بالغرب ولم يتصدَّ لها الدعاة بهذا التحليل، وهذا لا يعني عدم صحته لأن القرآن أقره، فقد قال تعالى أكثر من مرة: (فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ) بهذا اللفظ بالتحديد، سبب الهلاك الذنوب، الهلاك في الدنيا، أما موعد الهلاك فمحفوظ عنده -جل وعلا- قد يؤجل عشرات بل مئات السنين لحكمة يعلمها ربي، حتى يأذن ربي -جل وعلا- إما بالهلاك التام وإما بأنواع أخرى من العقوبات، كما قال سبحانه: (وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا) [الكهف:59].
وكل شيء يجري في هذا الكون تابعًا لسنن الله تعالى الربانية الجارية وليس شيء يجري في الكون إلا بإذنه، كوارث أو غير كوارث، سواء كان مضبوطًا بزمن أو معلومًا بظاهرة طبيعية بحرية أو جوية لا فرق، وسواء كان مرصود برادار أو بتقارير أو غير مرصود لا يغير من الأمر شيئًا، فإن كل شيء يجري إنما يجري بإذنه وحكمته وعدله، علم الحكمة من علمها وجهلها من جهلها ولا ضير بالجهل، فقد قال تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [الإسراء:44].
فالفقه بهذا التسبيح فوق قدرة البشر وفوق طاقتهم، ولكن لا تفقهون تسبيحهم، وكذلك بأصل الأسباب التي تدعو مثل هذه الكوارث إلى الانبعاث، لا قدرة للبشر على معرفتها بالتحديد، وإنما يستدل المؤمن الذي يقرأ القرآن بفهم ووعي وتدبر فقط، وليس مثل صاحبنا الذي لا يظن به مثل ذلك أبدًا، الذي لو كان يقرأ القرآن فعلاً -فضلاً عن أن يتدبره- فما خطت يمينه هذا المقال.
أقول: يستدل المؤمن القارئ لكتاب الله العارف بسننه بأن الله تعالى يعاقب الظالمين في الدنيا بأنواع من العقوبات، ويخوف عباده بآياته الكونية، ويمتحن ويبتلي من يبتلي ويمحص من يمحص، وقد نصّ القرآن على العديد من هذه الأحوال، ومن أدلة العقوبة قوله تعالى: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) [الحاقة:7]، وقال تعالى في آل فرعون: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ) [الأعراف:133]، وكذلك أهلك قوم نوح -عليه السلام- بالطوفان عقوبة لهم، ومنها كذلك قوله تعالى على سبيل العموم: (وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأنعام:43]. والآيات في هذا الباب كثيرة.
وقد يبعث الله هذه الأحوال والكوارث ابتلاءً منه سبحانه وامتحانًا لعباده المؤمنين، كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:153]، ثم قال: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155 - 157].
وقد يرسل -جل وعلا- بالآيات والكوارث لأناس ما تخويفًا لأناس آخرين ممن لم يصابوا بها وهم يتابعون تلك الكوارث من بعيد، كقوله تعالى: (وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا) [الإسراء:59]، وقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) [العنكبوت:67].
وقوله -صلى الله عليه وسلم- لما خسفت الشمس بالتخويف: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد، ولكن الله تعالى يخوف بهما عباده".
فلا شيء في هذا الكون ينبعث منه شدة وخوف أو رخاء ويسر إلا بعلم الله وقدرته وعدله وحكمته، وقد قال تعالى: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [الأنعام:59].
أما التصنيف وحمل هذه الأحوال تحديدًا إما على العقوبة أو الابتلاء فليس بالتشهي كما يزعمه هذا الكاتب وهو يسخر ويستخف بالدعاة، وإنما هو مبني على الدليل، وهذا الحمل على سبيل الظن لا على سبيل الجزم، وما كان هذا الحمل ليكون لولا الأدلة من الكتاب والسنة، فالكوارث قد تكون عقوبة أو تخويفًا أو امتحانًا بحسب حال الفرد أو المستمع.
وهو في غالب الحال يكون عقوبة للظالمين بعد إهمال تلو إمهال، هذا هو الفرق بين العقوبة وليس الغضب كما ذكر في مقاله، هذا هو الفرق الذي لا يفهمه هذا وأمثاله بين العقوبة والامتحان، فلعله يفهم الفرق الآن، أما تهكمه على العالم العربي وما يجري به من مآسٍ بقوله: "ما أعرفه وأفهمه إذا كانت المقاييس بالكوارث أن ما وقع وما يقع على البلدان العربية من القتل والتدمير وحرق الأخضر واليابس أشد وأنكى من عشرين ساندي".
فإنه قد أتى بإعصار ساندي في مقابل الحروب والمذابح في العالم العربي، وهذا فيه فرق لا يفقهه هذا الجاهل، هناك فرق بين الكوارث الطبيعية التي لا شأن للبشر بها وبين المذابح والحروب التي هي بفعل البشر، فالله تعالى يبتلي البشر بعضهم ببعض كما في قوله تعالى: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ) [محمد:4، 5]، وفي قوله تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ)، فلا يمكن أن نقول مثلاً أن حرق أصحاب الأخدود المؤمنين الصابرين كان كارثة ربانية طبيعية، وإنما هو فعل طاغية جبار، والذين أحرقهم من المؤمنين في الأخدود هم شهداء عند ربهم، كما قال تعالى عن شهداء أحد: (وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [آل عمران:140].
ولذلك أتساءل: هل يريد بكلامه هذا أن ينسى النصوص القرآنية الواضحة والكثيرة في التفريق بين العقوبة والتمحيص؟! النصوص التي ذكرت طرفًا بسيطًا منها قبل قليل، أو ربما يقصد أن ما يجري من أحداث وكوارث إنما يجري بلا حكمة ربانية، بل هو مجرد ظاهرة طبيعية، ربما يقصد هذا!!
هكذا هم أهل الجهل والهوى يتخبطون بجهلهم تخبطًا خطيرًا ولا يفصحون عن حقيقة بعضهم، ويقحمون أنفسهم فيما لا علم لهم به، هناك العديد من الأنبياء قتلوا، فهل يعني أنها كانت عقوبة لهم أم رفعة إلى منزلة الشهداء، وهناك من الأنبياء من شردوا، فهل في ذلك تقريع لهم يا ترى أم مجرد ظاهرة طبيعية مثلما يقول، أو أصحاب عقوبة، هؤلاء أنبياء، عندما ننظر إلى أصحاب الكهف مثلاً، أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم هدى شردوا إلى الكهف، ولم يتمتعوا بشبابهم، فهل في هذا تنقيص من شأنهم يا ترى، والرسول -صلى الله عليه وسلم- أوذي سنوات عديدة، وعُذب العديد من أصحابه عذابًا شديدًا، وقتل العديد منهم وهم خير الناس عند الله في ذلك الزمان، وكاد هو أن يقتل وهو خير البشر، فما معنى هذا؟! عقوبة!! وهل يظن هذا بالأنبياء -عليهم السلام- وبسيد ولد آدم -صلى الله عليه وسلم- وبالحواريين والصالحين.
أسأل الله تعالى أن ينير بصائرنا، ويثبتنا على الحق، وأن يعيذنا من شر أهل الزيغ والفساد من ضلالهم وجهلهم، أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه إنه غفور رحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فيتابع هذا قائلاً: "ولعل من كمال العقل أن نذهب مذهبًا آخر كلما كنا بإزاء كارثة طبيعية تحدث في الغرب، وأن نتعلم من هؤلاء الأقوام بدلاً من أن نرسلهم إلى غضب الرب كيف يتفاعلون مع هذه الكوارث الهائلة!! وكيف يستعدون من رأس الدولة إلى أصغر مواطن ورجل إطفاء لمواجهاتها".
فأقول: وما الضرر إذا جمعنا بين المطالبة للإعداد للكارثة قبل وبعد وقوعها والتي ركز عليها هو واهتم بها، نجمع بين ذلك وبين التذكير بالله تعالى، ما الضرر؟! فالتذكير بأخبار الكوارث الطبيعية من هدي القرآن، بل إن التذكير بالله تعالى عند حدوثها هي سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، أم إن هذا ليس من كمال العقل أيضًا كما يزعم، وأجزم أن هذا وأمثاله لا يعرفون سنته -صلى الله عليه وسلم-، ففي صحيح البخاري من حديث عائشة -رضي الله عنها-: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضاحكًا حتى أرى منه لهواته، إنما كان يبتسم". قالت: "وكان إذا رأى غيمًا أو ريحًا عرف في وجهه"، قالت: "قلت: يا رسول الله: إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه مطر، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية"، فقال: "ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح، ورأى قوم العذاب فقالوا: (هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا)".
ثم قال في ختام مقاله هذا: "أما إذا اخترنا أن نهرب عبر موبقات الآخرين فإن موبقاتنا ستتسع أكثر مما هي عليه الآن، وسنظل نمارس تلك المكابرات الفجة التي تقول: إننا أفضل وأرقى، أعطوني أسباب فضلكم ورقيكم الحقيقية المقنعة أعطكم يدي، أما الكلام الفارغ فيبقى فارغًا".
يقول: "هذا كلام فارغ، موبقات، عقوبات". ويقبل رئيس التحرير أن يطبع مثل هذا المقال!!
فأقول: أما إن كان يقصد العلوم المادية والتقدم الصناعي فهم أفضل بلا شك، لا أحد ينكر ذلك، وهو موضوع يحتاج إلى تفصيل وليس هذا مقامه، وإما إن كان يقصد الموبقات فليس بعد الشرك ذنب، وليس في هذا مكابرة فجة كما يزعم، وإنما هو الحق الذي يجهله هو وأمثاله فقد قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) [البينة:6، 7]. رغمًا عنك وعن غيرك.
هذه أسباب أفضليتنا في الدين، وأتكلم بالعموم لا أتكلم عن تزكية فلان أو فلان أو عن الدعاة أو عن غيرهم، كل من آمن بالله وعمل صالحًا بنص القرآن (خَيْرُ الْبَرِيَّةِ).
أيها الإخوة: إذا كان هناك ضعف إيماني شديد وجهل مركب وقلب قاسٍ وغفلة مظلمة فسوف يجهر المسلم على مثل هذه الكتابات بلا خوف من الله واستحياء من الناس.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي