إن واقع الناس لا يخلو من أربع حالات: إحداها: أن يقوى الإيمان ويقوى السلطان، وهذه أكمل الأحوال وأحسنها، فبقوة الإيمان تحصل تقوى الله وخشيته في السر والعلانية، ويمتنع الناس من المعاصي عن رغبة في ثواب الآخرة وخوف من الله -عز وجل-، ولو قدر أن أحدًا سولت له نفسه بمعصية يومًا من الأيام لذكر ..
الحمد لله العليم الحكيم الرؤوف الرحيم، خلق العباد وقسمهم إلى طائع مثاب وعاص أثيم، وقدّر لعباده من الأسباب المعنوية والأسباب الحسية ما يمنعهم من ارتكاب المعاصي وهو القوي العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها النجاة من العذاب الأليم والفوز بالنعيم المقيم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وحبيبه وخليله، المبعوث بما يصلح الخلق في الدنيا والدين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم في هديهم القويم وسلم تسليمًا.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واعلموا أنه إنما (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41]، وأن (مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى: 30]. ففساد الأرض ومصائب الخلق هي حصائد أعمالهم وعواقب أفعالهم.
أيها المسلمون: إن الواجب علينا أن يأخذ علماؤنا على أيدي سفهائنا ويأطروهم على الحق أطرًا قبل أن يهلكوا جميعًا، فقد جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم في أعلاها وبعضهم في أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا -يعنون في أسفلها- خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم -يعني منعوهم من خرق أسفلها- نجوا ونجوا جميعًا".
أيها المسلمون: إن الناس بالنسبة إلى تغيير المنكر منهم من يستطيع تغييره بيده، ومنهم من لا يستطيع إلا بلسانه، ومنهم من لا يستطيع إلا بلقبه، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يجب على كل واحد من هؤلاء فقال: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
أيها المسلمون: إننا إذا قمنا بتغيير المنكر حسب استطاعتنا أفلحنا بأنفسنا وأصلحنا مجتمعنا، وحصلت لنا الرفعة في الدار الدنيا وفي الآخرة، أما إذا ضيعنا الواجب علينا في ذلك فستكون النتيجة وخيمة، تكثر المعاصي ويظهر الفسوق وتحل العقوبات، نعوذ بالله من ذلك.
أيها المسلمون: إن واقع الناس لا يخلو من أربع حالات:
إحداها: أن يقوى الإيمان ويقوى السلطان، وهذه أكمل الأحوال وأحسنها، فبقوة الإيمان تحصل تقوى الله وخشيته في السر والعلانية، ويمتنع الناس من المعاصي عن رغبة في ثواب الآخرة وخوف من الله -عز وجل-، ولو قدر أن أحدًا سولت له نفسه بمعصية يومًا من الأيام لذكر قوة السلطان فرجع عما هم به وارتدع.
الحال الثانية: أن يقوى الإيمان ويضعف السلطان، وهذه أقل درجة من الأولى وأضعف، فإنه ربما لا يرتدع عن المعصية من سولت له نفسه فعلها يومًا من الأيام إذا علم أن السلطان ضعيف، ولكن يحصل بهذه الحال خشية الله سرًّا وعلنًا ورجاء ثواب الآخرة، وهذه فائدة كبيرة.
الحال الثالثة: أن يضعف الإيمان ويقوى السلطان، وهذه أضعف بكثير مما قبلها، فإنها لا تمنع من فعل المعاصي سرًّا، ولكن تمنع من المجاهرة بالمعصية خوفًا من السلطان، فإن ضعيف الإيمان إذا علم أنه إذا عمل به أدب تأديبًا صارمًا يردعه فإنه يمتنع عن المجاهرة بالمعصية ويكون خائفًا.
الحال الرابعة: أن يضعف الإيمان ويضعف السلطان، فهذه أخطر الحالات على المجتمع وشرها، فلا إيمان يمنع عن المعاصي سرًّا، ولا سلطان يردع عن المعاصي جهرًا، وإذا كان الناس بهذه الحال -ضَعْف إيمان وضَعْف سلطان- كثرت المعاصي وانتشرت وأسرت وأعلنت، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ولقد كان من سياسة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه إذا رأى ضعف الإيمان في القلوب وكثرة ارتكاب الناس للمعصية زاد في تعزيرهم وعقوبتهم فيما ليس فيه عقوبة محدودة شرعًا، وهذا كمال السياسة لمصالح العباد.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يوماً لاَ يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شيئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان:33].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي