بينما إحدى ولاياتِ الأمة المغضوب عليها "أمريكا النصرانية"، والناس فيها ساكنون قارون هانئون مترفون، إذا بلحظةٍ يأمر من في السماء أن يزأر من في الأرض، بينا هم كذلك إذ استحال البحر اللطيف إلى كاسر عنيف، لتهيج المراكب، وتُفزَّعَ الكواكب، ويصيح الناس: إعصار إعصار، نار ونار، تنهدم البيوت ولا ..
الحمد لله، لك الحمد ربي تعز وتعلي، تمهل وتملي، الحمد لك:
كل شيء في الحياة بائد *** إلاك يا الله أنت الخالد
خسئت ملاحدة الجحود فما الذي *** جَحَدت وهذا الأفق فيه شاهد
تربت يدا روح تحاد إلهها *** والله رغم أنوفهم هو واحد
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الدائم ملكه، العظيم سلطانه، العميم بِرُّه وفضله وإحسانه، وأشهد أن محمدًا بن عبد الله، عبدُ الله ورسوله، بلغ رسالة الله، وجاهد في الله، حتى تفطرت قدماه!
هو أحمدُ البركاتِ ليس كمثله *** في الأنبياء وفي الخليقة ثانِ
صلى السهى صلى العلا صلى الضحى *** لك يا نبي الله والثقلانِ
عليه صلى الله وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) [البقرة:165]، في لحظات، والظلمة في سبات، والسكون يئد الأصوات، ولا حركات، إنما هي السكنات، إنما هي السكنات، إذا ببارئ البريات وخالق السماوات، يقول: (كن) فيكون الغضب، ثم يأمرُ أحد جنوده لينفذ كينونة السماء، (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) [الفتح:4] ، يا الله!! حين يستحيل اللطفُ إلى غضب، والسكونُ إلى حركة، والظلمةُ إلى نار، والأمنُ إلى فزع، والأنس إلى وحشة، والهدوءُ إلى عويل، والرجاءُ إلى خوف، والفرحُ إلى حزن، والكورُ إلى حور.
ماذا هناك وما الذي يجري *** ومن ذا أفزع الأطيار والأوكارَ
ماذا دهى المخلوق هذا هارب *** تلقاه ثمَّ وآخر يتوارى
ماذا دهاهم قاعد من خوفه *** ولو استطاع بأن يطير لطارَ
إنه أمر السماء حين ينفذ في الأرض، الأرض والأملاك والأفلاك والذرات ساجدةٌ خاضعةٌ، خاشعةٌ سامعةٌ، تنتظر حكم الله فيها ولا معقب لحكمه.
وإذا أراد الله شيئًا من علٍ *** نادى: أَلاَ يا شيء كن فيكون!
في لحظة مساء يكون الماء غضبة سماء، في طرفة عين يستحيل الماء المدرار إلى إعصار ونار، إنه قدر الجبار وحكم القهار، وكبرياء المؤمن المهيمن!
بينما إحدى ولاياتِ الأمة المغضوب عليها "أمريكا النصرانية"، والناس فيها ساكنون قارون هانئون مترفون، إذا بلحظةٍ يأمر من في السماء أن يزأر من في الأرض، بينا هم كذلك إذ استحال البحر اللطيف إلى كاسر عنيف، لتهيج المراكب، وتُفزَّعَ الكواكب، ويصيح الناس: إعصار إعصار، نار ونار، تنهدم البيوت ولا مبيت، وتخلو الديار، ويتتابع إعصار فيه نار، وتعلو الأمواج، وتعلو على الأثباج الأثباج، والمساكن تعوي من لظى النارِ، هاجت عليهم أنهار وبحار، والماء هذا أم ترى هو نار، المساكن خاوية، والديار عاوية، إن تسمع فلن تسمعَ غيرَ عويلٍ، وإن أبصرت فلن تُبصر غيرَ أحمر اللهب يشوي كلَّ ذي روح وجسد، ماذا جرى؟! أصار البر بحرًا؟! فحيتانٌ تسبح في الشوارع، وماءٌ يطوف في كل إناء، وزوابعٌ وزوابع، وكلٌّ يغدو فهارب بنفسه فمعتقها، ومُعَزٍّ ومُعزَّى، ألسنتهم وعيونهم وأفئدتهم: نفسي نفسي نفسي، ترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكنَّ قدرَ الله شديد.
وقضاء الله إن حُم على امرئ *** فليس له بر يقيه ولا بحر
ألا إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كانوا يعلمون.
ما أحقر الإنسان وأحقِر به، حين يُقدِّر ذات لحظة أن السماوات استعصت عليه، وأن الأرض ما هي إلا طوعُ ما يأمر، فإذا رب العزة يأمرُ ألطف مخلوق ليكون أعنفَ مخلوق، ما أحقره وأحقِر به حين يأمر الله نطفة الماء أن تكون غضبة لو أن أهل الأرض اجتمعوا في صعيد واحد أن يدفعوا قدرها ما فعلوا.
إنه الله يا من جحدت وأنكرت وما آمنت بعظيم حقه وعزه وجبروته وكبريائه!
ما أحقر الإنسان وأحقِر به، حين يظن في لحظة أن عنان الأرض طوعُ يمينه، فإذا رب العزة يأمر أن يُقطع ذاك العنانُ ليهويَ إلى واد سحيق.
ما أحقر الإنسان وأحقِر به، وهو لا يستطيع مع عزيز جبروته وغطرسته، أن يستبق قضاءً قضاه الله، وهو يعلم أنه إذا عَقَدَ القضاءُ عليه شيئًا، فليس يحله إلا القضاء!!
ما أحقره وأحقِر به وكلُّ ما خلف الإنسان من صناعة معاصرة حديثة لم تستطع بكل جبروتها وكبريائها وجرافاتها وطائراتها ومعداتها وخراطيم مياهها وأساطيلها وراجماتها وقاذفاتها ومجنزراتها ومقاتلاتها، وثروتها المعلوماتية والعلمية، وقدرتها العملية أن ترد (كُنْ) التي أتت من السماء، إنها ضحكة القدر، قتل الإنسان ما أكفره، ما أكفره قدَّرَ، ألا قُتل كيف قدَّر.
أنى لبني البشر كلُّ هذا الجبروتِ والكبرياءِ، وهم الذين عجزوا مع كل ما أوتوا أن يقولوا لغزاة السماء: كفى!
لقد جثت أمريكا وهي من هي، وما أدراك ما هي، أمام آية ربانية، خاضعة حائرة، ضاقت حيلها الواسعة، وخاب دهاؤها العريض أمام إعصار ليس فيه نار، وإنما حُمِّل شيئًا من ماء البحار، إنَّ كل ما استطاعت فعلَه إنما هو مجردُ متابعة تحركاته على تخوف في النشرات، وتحذيرِ الناس منه، والتحفزِ لإعلان حالة الطوارئ، ومناطق الكوارث.
ربَّ العزة: ما قدرنا عظمتك حق قدرها، وما قدرنا كبرياءك حق كبرياءه!
إنها رسالة السماء تقول لنا: وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا! إنها رسالة السماء تقول لنا: ارجعوا فإنا إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين!
إنها رسالة تقول: ضج هذا الفضاء مما دهاه من جحيم الآثام والمنكرات، ما أعظمك ربي يوم أن قلت: (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنقَذُونَ) [يس:43].
إن تدبُّر هذه الآية ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، حذار حذارِ من غضب الإله، فينتقمُ الله منه، وليس هذا خاصًا بالكفرة الفجرة، بل يجب أن يكونَ كلُّ من دخل في شريعة الله أول المجتنبين لغضب الله.
ما أعظمك ربي وأنت تُري عبادك أنّ أصغر وألطف مخلوق خلقته وهو الهواء صيرته بقدرتك إعصارًا يحمل نارًا، يكشف عن عظمتك حجابًا وستارًا، ما أعظمك ربي، وأنت تُرِي عبادك أن ألطف مخلوق خلقته وهو الماء، صيرته بقدرتك زمجرة غضب، وزمزمة رعود! وجبروتَ محيطات!
نيويورك تتحولُ إلى مدينة أشباح، وشلل تام للحركة، الإعصار يعزل الساحل الأمريكي عن العالم اقتصاديًّا، الظلام يغطي تسعين بالمائة من نيويورك، أسماكُ القرش تسبح في شوارع نيوجيرسي، إعصار ساندي يخلّف عشرات الهلكى ومئات الجرحى! إنها ليست عناوين إزجائية، إنها عناوين عجز البشر، يكتبها رب البشر!
يا أيها الإنسان مهلاً ما الذي *** بالله جل جلاله أغراكَ
يا أيها الإنسان:
إذا رأيت النار شب لهيبها *** فاسأل لهيب النار من أوراكَ
وإذا ترى صخرًا تفجر بالمياه *** فسله من بالماء شق صفاكَ
في كل يوم نرى أسرار عزته تقول لنا: أيها الضعاف المساكين العزل من كل قوة: من يرد قدر الله إذا جاء، فإنه لا يؤخر لو كنتم تعلمون!! ردوا إن استطعتم موج بحر، أو غضبة نهر، استبقوا إن شئتم انفجار صهريج، أو شعلة حريق! أو خروج روح لن تستطيعوا!
من ألف وأربعمائة سنة ونحن نتلو قول الله تعالى: (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً)، فما الذي غرك -أيها الإنسان- بربك الكريم.
يا أيها الإنسان مهلاً ما الذي *** بالله جل جلاله أغراكَ
إذا انطلقت السفينة بعيدًا في البحر اللجيّ، وهبّت الزوابع، وتسابقت الرياح، وتلبد الفضاء، واكفهر وجه السماء، وأرعد الرعد، وكانت ظلماتٌ بعضها فوق بعض، ولعب الأمواج بالسفينة، وبلغت القلوب الحناجر، وأشرفت على الغرق، وتربص الموت بالركّاب، لمن تجأر الأصوات لمن تتجه الأفئدة؟! لمن ترفع الأكف؟! إنه لله الواحد القهار.
يا أيها الإنسان مهلاً ما الذي *** بالله جل جلاله أغراكَ
إنه إذا حل الهم، وخيم الغم، واشتد الكرب، وعظم الخطب، وضاقت السبل وبارت الحيل. نادى المنادي: يا اللهُ يا الله: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم"، فيفرّج الهم، وينفّس الكرب، ويذلل الصعب: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء:88]، إنه الله سلوة وضياء في سماء العباد والعابدات، عد إلى ظله الظليل التماسًا للندى والرضا وحسن الصلاة، حيث يكسوك حلة من حنان وأمان من هجمة العاديات!
إذا اشتد المرض، وضعف الجسم، وشَحَب اللون، وقلّت الحيلة، وضعفت الوسيلة، وعجز الطبيب، وحار المداوي، وجزعت النفس، ورجفت اليد، ووجف القلب، وحار العليل، وسأل عن السبيل، لمن الملتجى اليوم؟! لله الواحد القهار، ينادي: يا الله يا الله، فيزول الداء، ويدب الشفاء، ويُسمع الدعاء!
ربي لك الحمد العظيم لذاتك *** حمدًا وليس لواحد إلاك
يا مدرك الأبصار والأبصار لا *** تدري له ولِكُنهه إدراكًا
إن لم تكن عيني تراك فإنني *** في كل شيء أستبين علاكَ
يا منبت الأزهار عاطرة الشذا *** ما خاب يومًا من دعا ورجاك
يا أيها الإنسان مهلاً ما الذي *** بالله جل جلاله أغراك
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [غافر:68] .
الحمد لله رب العالمين، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
نغدو في هذه الدنيا ونروح، ونحيا ونموت، وما أعطينا الله الذي له.
تقِفونَ، والفُلكُ المُسخَّرُ دائرٌ *** وتقدِّرونَ، فتَضحكُ الأقدار
ونُحاذرُ الأشياءَ، بعدَ يَقيننا *** أن لا يَردّ الكائناتِ حِذار
(قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ * كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ) [عبس17 :23]، (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) [القيامة:36].
ما لقلوبنا هلكى؟! أما توقظها الزواجر؟! في كل يوم يرينا ربُّ العزة دلائل من ربوبيته، وألوهيته، ما لهؤلاء البشر؟! يخلقهم ربهم ثم يشركون معه غيره، قال لهم: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، فإذا هم للدنيا يعبدون ولها يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون!
إن هذه الأعاصيرَ والانفجاراتِ والزلازلَ والبراكينَ، تحمل في فُوَّهتها رسالة تقول: أيها المغرور: دع عنك الغرور، فورب من خلقني إنه لو شاء لجعلها فيك فشوى بها وجهك، ثم تأتي له يوم القيامة ثم لا يبالي أن يشويَ وجهك بالنار!
إن هذه الأعاصير والانفجارات والزلازل والبراكين، تحدِّث أن لله في كل تسكينة، وتحريكة أبدًا شاهدًا!
إن هذه الأعاصير والانفجارات والزلازل والبراكين تحدثنا أن الظلم له عاقبةٌ تخشى وهي تنتظر، تحدّثنا أن يا أيها الظلمة: (أَمْ أَمِنتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِنْ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً) [الإسراء:69]
إنها تقول للظلمة: إن ربَّ هذا الإعصار ربُّ كل شيء ومليكه!
أما اعتبرتم بصيحةِ ثمود أو صرصرة عاد أو غرقِ فرعون أو طوفان نوح؟! فلن تكونوا أقرب له منهم، ولن تجدوا إذا نزل العذاب شافعًا لكم وكيلاً!
إنها رسالة للظالمين في الشام وفي بورما أنّ غضب الله عليكم آتٍ آتٍ! رغم الإشارات والنذارات، ألا إنه أمهلكم، وإنه وعد -ووعده الحق- أن يأخذكم فلا يفلتكم، يخطئ من يظن أن ذلك يحدث عبثًا أو غضبة طبيعة! أو حدثًا عابرًا، ألا فاعتبروا يا أولي الأبصار، قبل أن يسبقكم إلى الليل النهار!!
إن هذا الإعصار النيويوركي هو رسالة عجلى لمنتجي الفيلم المسيء للرسول -عليه الصلاة والسلام- في تلك البلدةِ نفسها، وبعد خمسين يومًا فحسب، تُرجف المدينة، ويقتل المئات، وتسيخ آلاف المنشآت.
الشانئون أيا رسول الله ما *** إن حركوها شعلة من ثار
إني لأرحم حاسديك لفرط ما *** ضمت صدورهم من الأوغار
نظروا صنيع الله فيك برغمهم *** فقلوبهم من حرها في نار
ولقد صدق الله وعده: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ) [الحجر95 :97]، (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) [التوبة:40]، (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) [فصلت:53].
اللهم صل وسلم على عبدك وحبيبك ونبيك محمد.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي