فيا طالباً للخيرات هذه أوقاتها قد قربت، ويا منتظر المواسم والأرباح، هاهي قد دنت وأشرقت. وأفضلها شهر الصيام والقيام. فقد قرب من المسلمين شهر كريم، وموسم عظيم، وغنم عميم. شهر فضله الله على سائر الشهور بالتشريف والتكريم
الحمد لله الذي أوجد الخليقة من العدم وأنشأها، وقام بأرزاقها وكفاها، وأبان لها طريق رشدها، وحذرها من غيها وهواها، فمنهم من اختار الهدى فهو بطاعة ربه يتباهى، ومنهم من اختار الضلالة فهو بالشهوات يتلاهى.
وأشكره سبحانه على نعمه التي لا تحصى ولا تتناهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من عرف معناها، وعمل بمقتضاها.
وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الذي حقق كلمة التوحيد لفظها ومعناها، وترك أمته على المحجة البيضاء يبرق سناها. فيا سعادة من تمسك بها ويا شقاوة من أعرض عنها وسلك سواها. اللّهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه خير الأمة وأزكاها، وأبرها وأتقاها.
أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى.
ابن آدم ما هذا التفريط والإعراض وإطلاق النفس في متابعة هواها؟ إن ذكّركَ المذكر بآية استثقلتها وقلت: يا ليته ما تلاها، ولو كررها عليك وتلاها فأنت عن فعلك الذميم وإهمالك العظيم ما تتناهى.
فيا أيها العاقل المؤمن بربه الكريم، والمحب للخير العميم، انتهِ عن الفعل الذميم، وبادر بالتوبة إلى ربك الكريم، فإنّ أوقات الفضائل قد أضاء سناها. فهل من نفس قد ندمت على تفريطها في حياتها الماضية وفي صباها؟ وهل من نفس تائبة إلى الله من غيها وهواها؟
فيا طالباً للخيرات هذه أوقاتها قد قربت، ويا منتظر المواسم والأرباح هاهي قد دنت وأشرقت. وأفضلها شهر الصيام والقيام، فقد قربت نعمة الله وحصلت. فقد قرب من المسلمين شهر كريم، وموسم عظيم، وغنم عميم. شهر فضله الله على سائر الشهور بالتشريف والتكريم، أنزل فيه القرآن الكريم، وفرض فيه صيامه عليكم ربكم العظيم، وجعله أحد أركان الإسلام لا يقوم على غيرها ولا يستقيم. وشرع قيامه نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم ففي الحديث: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
وفيه أيضاً: من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه".
فيا عباد الله إنّ بلوغ رمضان وصيامه نعمة عظيمة، ولهذا كان السلف الصالح يسألون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يسألونه ستة أشهر أن يتقبله منهم، جعلنا الله وإياكم ممن صامه وقامه بإيمان واحتساب.
وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه كان يقول: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبارك لنا في رمضان".
وفي الحديث الآخر في قصة الرجل السابق لصاحبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أليس صلى بعدها كذا وكذا، وأدرك رمضان فصامه، إنّ بينهما أبعد مما بين المشرق والمغرب".
أيها المسلمون استقبلوا هذا الشهر العظيم بتوبة صادقة؛ لعل الله أن يمحو عنكم الذنوب اللاحقة، وأكثروا فيه من لا إله إلا الله والاستغفار وسؤال الله النجاة من النار، واحفظوا أوقاته من التفريط والإضاعة، وما يعود عليكم بأخسر بضاعة؛ فتندمون حين تقوم الساعة.
كان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: "قد أظلكم شهر عظيم مبارك، فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً. من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه...".
فهو شهر له عند الله مكانة. شهر تقال فيه العثرات، وتجاب فيه الدعوات، وتفتح فيه أبواب الجنات.
ولا يثبت دخوله إلا برؤية هلاله، أو مع الغيم تكمل عدة شعبان ثلاثين يوماً فلا صيام بالحساب فقط لقوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً".
ولا يجوز صيام يوم الشك، وهو يوم الثلاثين من شعبان قبل رؤية الهلال لأهل الإسلام ففي الحديث: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه".
وقال عمار بن ياسر رضي الله عنهما: "من صام اليوم الذي يشك فيه، فقد عصا أبا القاسم صلى الله عليه وسلم". وذلك لأنّ ديننا الحنيف قام على صحة العلم واليقين، لا على الشك والتخمين.
يقول الله في محكم التنزيل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 183-184].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي