إنَّ المجتمعات البشرية تسعى لتحقيق الأمن والاستقرار، فتضع القوانين والنظم لتحقيق ذلك، ولكن هذه القوانين والنظم مهما بلغت من قوة السلطان وشدته إلا أنها لا تستطيع أن تحقق الأمن الشامل للمجتمع، وإنما يحققه نظام الإسلام الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- عن رب العالمين، فإن الله -جل وعلا- وضع من التشريعات ما هو كفيل ..
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد:
فيا أيُّها النَّاس: اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.
عباد الله: إن لله علينا نعمًا عظيمة، وآلاءً جسيمة، لا نستطيع إحصاءها ولا عدها: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) [النحل:18]، إن هناك نعمةً لا يمكن الاستغناء عنها، لا يستغني عنها أي إنسان فردًا كان أم أسرةً أم بلدًا أم جماعة، ألا وهي نعمة الأمن والأمان.
فنعمة الأمن والأمان ضرورية لحياة الإنسان كحاجته إلى الطعام وصحة الأبدان؛ ولذا نجد في كتاب الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- الجمع بين القوت والأمن، قال الله –جل وعلا-: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش:3-4]، وفي الحديث يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح آمنًا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه وليلته، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها".
أيُّها المسلم: إنّ المجتمعات البشرية تسعى لتحقيق الأمن والاستقرار، فتضع القوانين والنظم لتحقيق ذلك، ولكن هذه القوانين والنظم مهما بلغت من قوة السلطان وشدته إلا أنها لا تستطيع أن تحقق الأمن الشامل للمجتمع، وإنما يحققه نظام الإسلام الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- عن رب العالمين، فإن الله -جل وعلا- وضع من التشريعات ما هو كفيل بتحقيق أمن الدين والنفوس والعرض والمال والعقل، فقد جعل الله للأمن مقومات وأسبابًا لتحفظ المجتمع من الانهيار والفساد.
فمن مقومات الأمن في الشريعة تحكيم كتاب الله، وإقامة حدود الله، فإن في تحكيم شرع الله الكمالَ والعدلَ والإنصاف، وإن في إقامة الحدود ردعًا للمجرمين والمفسدين، والأخذ على أيديهم؛ ولذا نجد في شريعة الإسلام المحافظة على هذا الدين، فجاء الأمر بقتل المرتد عن الإسلام عقوبةً له على ردته وانحرافه عن هذا الدين القويم، "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ".
وجاء في الشريعة المحافظة على النفوس البشرية وتأمينها من الاعتداء عليها؛ فقد حرم الله قتل النفس بغير حق وجعله كبيرة من كبائر الذنوب، ورتب عليه أشد العقوبة: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [النساء:93]، وفي الحديث عن السبع الموبقات: "وقتل النفس بغير الحق"؛ ولذا شرع الله القصاص ردعًا لمن تسول له نفسه الاستخفاف بدماء المسلمين مع ما ترتب عليه من العقوبات العظيمة، قال الله -جل وعلا-: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:179]، فإذا علم القاتل أن مآله أن يقتل ارتدع عن ذلك.
ولذا جعل الله عقوبة قتل النفس الواحدة كقتل المجتمع: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) [المائدة:32].
وحفِظ الأنساب وحرَّم الزنا وجعله جريمة عظيمة وكبيرة من كبائر الذنوب: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) [الإسراء:32]، (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) [النور:2].
وحفظ أموال الناس من التعدي عليها بالسرقة، فرتب على سرقة الأموال عقوبةً رادعه هي قطع اليد: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [المائدة: 38].
وحفظ الأعراض فحرّم قذف النفس بغير حق، ورتّب على القذف عقوبةً شديدة: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) [النور:25-27].
ورتب على القاذف الحكم بعدم الشهادة، والفسوق، قال الله -جل وعلا-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) [النور:4].
وحفظ العقول، فحرم المسكرات والمخدرات؛ لما فيها من إخلال بأمن الفرد والجماعة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) [المائدة:90-91]، وفي الحديث: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْر، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ".
أيُّها المسلم: ومن مقومات الأمن توحيد الله، وإخلاص الدين لله، فإن في توحيد الله أمْنًا من عذاب الله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82].
ومن مقومات الأمن في الشريعة الإسلامية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمن المجتمع على الدماء والأموال والأعراض، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينشر الفضيلة ويقضي على الرذيلة، ويؤمّن المجتمع من العقوبة في الدنيا والآخرة، وبتعطيله -والعياذ بالله- تشمل المجتمع عقوبة عظيمة: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة:78-79]، وفي الحديث: "إن الناس إذا رأوا منكرًا فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعذاب من عنده".
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلق أهل الإيمان، خلق أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110]، (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].
إنَّ المؤمن لا تكفيه استقامته في نفسه فقط؛ بل لا بد أن يكون مع صلاحه في نفسه مصلحًا لغيره، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) [التوبة:71].
ومن مقومات الأمن أن نشكر الله على هذه النعمة ونحمده عليها، ونعلم أن هذه نعمة تفضل الله بها علينا فنقابلها بشكر الله، فإن الله -جل وعلا- يقول: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].
ومن مقومات الأمن في المجتمع طاعة الله وطاعة رسوله بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، فإن طاعة الله حصن؛ مَن دخله كان من الآمنين، والمعاصي سبب لحلول العقوبات وزوال النعم: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الأنفال: 53].
ومن أسباب دعائم الأمن والمحافظة عليه: طاعة ولاة الأمر في طاعة الله، واجتماع الكلمة ووحدة الصف، والسمع والطاعة في المعروف، فإن في طاعة الولاة والاجتماع عليهم أمنًا للناس على دينهم وأموالهم ودمائهم وأعراضهم، وسلامة مجتمعهم من الفوضى والاضطراب، قال الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء:59].
وفي حديث عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأَثَرَةٍ علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله ما لم نر كفرًا بواحًا. وفي حديث ابن عمر -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "على المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا طاعة لمخلوق".
ومن مقومات الأمن خوف الله -جل وعلا- ومراقبته، فإن خوف الله في قلب المؤمن أعظم المقومات الذاتية لترك المنكرات وفعل الواجبات، فإن من خاف الله واتقاه كفّ عن معاصيه وأقبل على طاعته، قال الله -جل وعلا-: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) [الرحمن:46]، وقال: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات:40-41]، فما شيء يؤثر على نفسك أكثر من خوفك من الله ومن عقوبته.
الحدود الشرعية جاءت لتردع الإنسان عندما يضعف وتستولي عليه الشهوات ويعجز عن مقاومتها، لكن الخوف من الله في قلب المؤمن، وطمعه في ثواب الله، يجعلانه يترك المعاصي طاعة لله، هذا الذي ربى الإسلام أبناءه عليه، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم"، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يكذبه ولا يخذله ولا يحقره، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه".
فالخوف من الله من أقوى أسباب أمن المجتمع، فإذا فشا في المجتمع خوف الله ورُبي الناس تربية إسلامية على الأخلاق والفضائل والأعمال الصالحة، ونُشِّئوا على ذلك، ساد المجتمع أمن وطمأنينة والتحام وتعاون.
ومن أعظم مقومات الأمن: حفظ العقول من الأشياء الحسية كالمخدرات والمسكرات، وحفظ العقول من التصورات الخاطئة والأفكار الهدامة التي تملأ القلوب شرًّا وبلاءً، فمتى عُصمت العقول وتُخُلِّص من هذه المتاعب أقبلت النفس على ما ينفعها واشتغلت بما يفيدها ويقوي دينها، أما العقول إذا أصيبت بالمسكرات والمخدرات أو الأفكار الإلحادية والآراء الشاذة والأفكار السيئة فإنها تنصرف عن الخير، تنصرف عن الهدى والإسلام، وتقبل على الشر والفساد.
فلْنُطَهِّرْ قلوبنا من كل أدران الشرور الحسية والمعنوية؛ فإنَّ الله يقول: (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج:46].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولُ قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد:
فيا أيُّها النَّاس: اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.
عباد الله: إن مما يجب أن نهتم به الأمن الفكري، الأمن الفكري يجب أن نهتم به، وأن نقيم دعائمه، وأن نحرص على بثه في مجتمعنا؛ لأننا إذا أمَّنَّا عقول أبنائنا من الأفكار السيئة والآراء الضالة استطعنا -بتوفيق الله- أن نربيهم على الخير والاستقامة والأعمال الصالحة.
نحن في زمن كثرت فيه وسائل الاتصال من القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المختلفة التي تبث الآراء الشاذة، إن هناك من القنوات ما يبث الكفر والشرك والسحر والإرهاب والتكفير وأنواع الإجرام التي لا تخفى، فعلى المسلمين أن يحصنوا أبناءهم من آثارها المدمرة ونتائجها السيئة، وأن يربوهم على الخير والتقوى والصلاح، وأن يبادروا ببيان الحق لهم إذا شعروا أنهم تأثروا بتلك الأفكار، وأن يقوموا بتخليصهم من تلك البلايا.
وعلى مُلاَّكِ القنوات من المسلمين أن يتقوا الله، ويسخّروا هذه القنوات فيما ينفع الأمة ويجلب الخير لها ويقوي ارتباطها واستقامتها، وأن يحذروا من أن يبثوا فيها رأيًا فاسدًا أو فكرًا منحرفًا، أو أن يتركوا فيها مجالاً لشخصيات معروفة بعدائها للدين والأمة. وإن من واجب الأمة أن تشجع كل قنوات تدعو للخير، وتنشر الفضائل، وتكافح الإجرام.
أيُّها المسلمون، أيُّها المؤمنون، إخواني في الخليج العربي: إنكم أمام عدو يريد استئصال شأفتكم، والقضاء على دينكم، والقضاء على مصالحكم الدينية والمادية؛ عدو لكم، عدو لعقيدتكم، ولدينكم، ولمجتمعكم، ولبلادكم؛ عدو مشترك يريد أن ينقض عليكم، ويسلب نعم الله منكم.
فاتقوا الله في أنفسكم، واتقوا الله في مجتمعاتكم، واتقوا الله في بلادكم، تأملوا وتفكروا وتدبروا، وإياكم والانقياد إلى هذه الآراء الضالة! وإياكم أن يخدعكم العدو! فيملي لكم أن المعارضات والاضطرابات والتظاهرات والاعتصامات تحقق لكم مطلوبكم وغاياتكم؛ إنها دعوات ضالة، ودعوات مفسدة.
أيها المجتمع الخليجي: اتقوا الله في أنفسكم، واحفظوا نعيم الله فيكم، وتأملوا وتدبروا ما حولكم، ماذا تركت هذه المعارضات وهذه الانقلابات وهذه المصائب؟! تركت البلاد فرقًا، دمرت البلاد، شتّتت المواطنين، أهلكتهم وأبعدتهم عن بلادهم ودمرت اقتصادهم، خذوا عبرةً وعظة، اتقوا الله، تعاونوا فيما بينكم، وأي خلافات أو آراء اجعلوها في قنواتها السليمة، وتعاونوا مع قيادتكم فيما يخلصكم من هذه المشاكل.
أما الفوضويات والاضطرابات والاعتصامات والمسيرات الضالة، فكلها من أعدائكم، يملون عليكم ذلك لكي يضعفوا كيانكم، وينقضوا عليكم، ويسلبوا نعمة الله عليكم منكم، وتكونوا أنتم الخاسرين الهالكين.
فاتقوا الله في أنفسكم، وتأملوا في واقعكم، واحذوا أن تكونوا أوراقًا يُساوَم بها، ولْيَكُنْ أرباب المجتمع الخليجي على قلب واحد قادة وشعوبًا، فإن الأعداء يتربصون بنا، يساومون علينا، فلْنكن يدًا واحدة ومجتمعًا واحدًا مستمسكين بهذا الدين، ثابتين عليه، متعاونين فيما بيننا فيما ينفعنا وينفع شعوبنا في حاضرنا ومستقبلنا، ولنعلم أن الأعداء يريدون تفريق الشمل، وتدمير الأمة، والقضاء عليها وعلى كيانها وعلى ثرواتها وعلى خيراتها، فلْنُحَصِّنْ أنفسنا بالاجتماع والتآلف تحت قيادتنا، والتعاون معها فيما ينفع الأمة حاضرًا ومستقبلاً.
أسال الله أن يحفظ الجميع من كل سوء، إنه على كل شيء قدير.
واعلموا -رحمكم الله- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا -رحمكم الله- على نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- كما أمركم بذلك ربكم، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي