حتى لا نعيش على هامش الحياة

حسان أحمد العماري
عناصر الخطبة
  1. صورٌ تاريخية لعظمة سلف المسلمين .
  2. تأثير سلفنا الإيجابي على البشرية .
  3. أسباب خروجنا إلى هامش الحياة .
  4. مسؤولياتنا لإعادة بناء الشخصية الإسلامية .

اقتباس

فما الذي حدث لهذه الأمة؟! كثرت أعدادنا وكثرت أموالنا، وتطورت المجتمعات وتنوعت الاختراعات وتقدم الطب وجميع العلوم، وتسابق الغرب والشرق لفرض الهيمنة ليس على الأرض وحسب، بل وحتى على الفضاء، وازدهرت البشرية، وكل يوم والعالم في سباق جديد؛ فأين دورنا كأمة وكأفراد؟! وماذا قدمنا لأنفسنا وللبشرية وللعالم من حولنا؟! وأين ثمرة أعمالنا؟! وهل تغني الكثرة عن النوعية وجودة الأداء؟! ولماذا ..

الأنفس ومسويها، وكاتب الأرزاق ومجريها، سبحانه مِن إلهٍ لا يماثَل ولا يضاهى ولا يرام له جناب! هو ربنا، عليه توكلنا وإليه المرجع والمتاب، يسمع جهر القول وخفيّ الخطاب.

رَبِّي لك الحمدُ العظيمُ لذاتِكَ *** حمدًا وليس لواحدٍ إلاَّكَ
يا مُدْرِكَ الأبصار والأبصارُ لا *** تدري له ولِكُنْهِهِ إدراكًا
ولعل ما في النَّفْسِ مِن آياتِهِ *** عجبٌ عجابٌ لو ترى عيناكَ
والكونُ مشحونٌ بأسرارٍ إذا *** حاولْتَ تفسيرًا لها أعياكَ
إنْ لم تكن عيني تَرَاكَ فإنَّني *** في كُلِّ شيءٍ أستبين عُلاكَ

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق النفس من العدم فأنطقها، وبث في الكون آثار وحدانيته فجلاها وأظهرها، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله خير البرية أجمعها وأزكاها وأطهرها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

عباد الله: تصل الأخبار سنة إحدى وعشرين من الهجرة إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن ملك الفرس يزدجرد قد جمع مائة وخمسين ألفًا من رجاله لغزو مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واستئصال شأفة الإسلام وأهله؛ فماذا سيفعل عمر وهو يسمع بهذا الجيش الجرار؟!

ذهب عمر -رضي الله عنه- إلى المسجد محراب العبادة وغرفة العمليات ليجري اتصالاً ربانيًّا عاجلاً بجبار الأرض والسماوات؛ لأنه عرف أن القوة بيد الله، وأن النصر يأتي من عنده، ومن يخذله الله فلا ناصر له.

وبعد الصلاة التفت عمر فوجد رجلاً من الصحابة يصلي بخشوع، فإذا هو النعمان بن مقرن -رضي الله عنه-، فلما أكمل قال له عمر: يا نعمان، إني أريد أن أوليك أمرًا عظيمًا. فقال له النعمان: يا أمير المؤمنين: إن كنت تريد أن توليني على أمر من أمور المال وجمع المال وحساب المال فلست لذلك الأمر، إني أخاف الله رب العالمين، فالمال فتنة، وأنا أخشى الوقوع فيها، وان كنت تريدني للقتال في سبيل الله فإنني أناشدك الله أن لا تحرمني الشهادة في سبيل الله. فقال عمر: أريدك أن تكون قائد جيش المسلمين لملاقاة الفرس بنهاوند.

وتولى القيادة، وسار بجيش المسلمين الذي بلغ عدده ثلاثين ألفًا إلى نهاوند، واصطف الجيشان، وحانت ساعة الصفر، وصمتت الألسنة، ونطقت السيوف، قال النعمان لجيشه: إني سأكبّر ثلاث مرات، وسأدعو الله ثلاث دعوات، فأمّنوا.

وخفقت القلوب، وخشعت الأصوات، وعنت الوجوه. قال النعمان: اللهم أعزّ دينك! ثم قال: اللهم انصر عبادك! ثم قال: اللهم اجعلني أول شهيد في هذه المعركة.

وأمير المؤمنين عمر هناك في عاصمة الخلافة لا ينام الليل ولا يهدأ له بال حتى تقرحت عيناه من طول السهر؛ ينتظر الأنباء في وقت لم يكن فيه إنترنت ولا فضائيات ولا اتصالات.

ودارت المعركة، وكان النعمان أول شهيد، وقُتل من الفرس ثمانون ألفًا، وجرح منهم أربعون ألفًا، وأُسر منهم مَن أُسر، وهرب منهم من هرب، ودخل المسلمون حصون نهاوند يدكونها ويغنمون ما فيها، وكان النصر حليفهم بإذن الله.

عباد الله: هذه صورة ناصعة من حياة هذه الأمة عندما كانت مرتبطة بالله وبدينه، وكان لها رسالة وهدف في هذه الحياة، عندما كانت أمة منتجة ومتقنة لجميع أعمالها، فكان كل فرد من أفرادها يقوم بدوره ويؤدي واجباته، لا يرضى أن يعيش على هامش الحياة ليس له دور أو هدف أو غاية سامية أو طموح نبيل.

كان الفرد الواحد منهم -رجلا كان أم امرأة- يوزن بألفٍ من بني جنسه اليوم، ولم يكن ذلك بسبب قوةٍ في أجسامهم، ولا كثرةٍ في أموالهم، إنما كانت هذه العظمة بقوة الإيمان بالله، وحسن العمل والسعي الجاد لتحرير البشرية وإنقاذها من الشرك والجهل والعبودية لغير الله، ونشر العدل وإرساء دعائم الأخلاق، محققين بذلك رسالة نبيهم محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الجمعة:2].

فكان لهذه الأمة أثر واضح في حياة المجتمعات والشعوب، ففي جانب الدين والأخلاق والقيم كم سعدت البشرية بدين الإسلام فدخل الناس في دين الله أفواجًا، وانتشر الإسلام في جميع قارات العالم.

وفي جانب الحياة وتعميرها لقد بلغ المسلمون ذروة العلم والإنتاج، في حين كان الغرب يعيش عصور الانحطاط والتخلف.

وفي جانب القوة والسلم العالمي كانت لهم كلمة تسمع، وأمر ينفذ، وكرامة إنسان تحترم ولو كان على غير ملتهم، فكانت هذه الأمة أمة عطاء وبذل وعمل، والعالم من حولها يخطب ودها ورضاها.

واسمعوا إلى هذه الرسالة التي بعثها جورج الثاني ملك إنجلترا والنرويج والسويد إلى الخليفة الأندلسي هشام الثالث، جاء فيها: إلى صاحب العظمةِ خليفةِ المسلمين هشام الثالث الجليل المقام، من جورج الثاني ملك إنجلترا والنرويج والسويد: بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرُّقِيِّ العظيم الذي تتمتع بفيضه الضافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج من هذه الفضائل لتكون بداية حسنة لاقتفاء أثركم، لنشر العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة.

وقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة "دوبانت" على رأس بعثة من بنات الأشراف الإنجليز، لتتشرف بلثم أهداب العرش، والتماس العطف، وتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم، وفي حماية الحاشية الكريمة.

وقد أرفقت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو التكرم بقبولها، مع التعظيم والحب الخالص. من خادمكم المطيع: جورج الثاني. اه.

أيها المؤمنون، عباد الله: لم تكن أمتنا أمة شعارات وأمنيات، ولم يكن أفرادها على هامش الحياة بلا هدف أو غاية، فحتى من كان مقصرًا في الالتزام ببعض أحكام الدين عندما تضعف النفوس كان يقوم بواجبه، ويعود عن تقصيره، ويسارع لخدمة دينه وأمته.

فهذا أبو محجن الثقفي قد خرج مع سعد بن أبي وقاص يوم القادسية وقد ابتلي بشرب الخمر، وكان سعد يجلده حد الخمر ثم يعود إليها، ويوم المعركة الفاصلة مع الفرس سجنه سعد وقيده بالسلاسل، فلما سمع قعقعة السيوف ووقع الرماح وصهيل الخيل تاقت نفسه إلى خدمة هذا الدين وجنة رب العالمين؛ لكنه مقيد! فأخذ ينادي بأعلى صوته! فأجابته امرأة سعد: ماذا تريد؟! فقال: فُكِّي قيدي وأعطيني البلقاء فرس سعد، فأقاتل، فإن رزقني الله الشهادة فهو ما أريد، وإن بقيت فلك عليَّ عهد الله وميثاقه أن أرجع حتى تضعي القيد في رجلي. وهي تمتنع، فما زال يناشدها الله ويقول:

كفى حَزَنًا أن تُطعَنَ الخيلُ بالقَنا *** وأُتْرَكَ مَشدودًا عليَّ وَثَاقيَ
إذا قُمتُ عَنّاني الحديدُ وأُغلِقَتْ *** مَصارعُ من دوني تُصِمُّ المُناديَ
وقد كنتُ ذا مالٍ كثيرٍ وإخوةٍ *** فأصبحتُ منهم واحدًا لا أخا ليَ
فإن مُتُّ كانت حاجةً قد قَضيتُها *** وخَلّفتُ سَعدًا وحدَه والأمانيَ
ولِلهِ عهدٌ لا أخيسُ بعهدِه *** لئن فُرِجَت أن لا أزور الحوانيَ

ففكّت القيد وأعطته البلقاء، فلبس درعه وغطى وجهه بالمغفر، وامتطى فرسه يزأر كالأسد، لم يفلح إبليس في تثبيطه عن خدمة هذا الدين.

أما سعد بن أبي وقاص فقد كانت به قروح في فخذيه فلم ينزل ساحة القتال، لكنه كان يرقب القتال من بعيد، فلما رأى هذا الفارس عجب من قوة قتاله وقال: الضرب ضرب أبي محجن! والكَرُّ كَرُّ البلقاء! وأبو محجن في القيد، والبلقاء في الحبس!!

فلما انتهى القتال عاد أبو محجن إلى سجنه ووضع رجله في القيد، ونزل سعد فوجد فرسه يعرق فقال: ما هذا؟! فذكروا له قصة أبي محجن، فأطلقه وقال: والله لا جلدتك في الخمر أبدًا! فقال أبو محجن: وأنا والله لا أشرب الخمر أبدًا!!

فما الذي حدث لهذه الأمة؟! كثرت أعدادنا وكثرت أموالنا، وتطورت المجتمعات وتنوعت الاختراعات وتقدم الطب وجميع العلوم، وتسابق الغرب والشرق لفرض الهيمنة ليس على الأرض وحسب، بل وحتى على الفضاء، وازدهرت البشرية، وكل يوم والعالم في سباق جديد.

فأين دورنا كأمة وكأفراد؟! وماذا قدمنا لأنفسنا وللبشرية وللعالم من حولنا؟! وأين ثمرة أعمالنا؟! وهل تغني الكثرة عن النوعية وجودة الأداء؟! ولماذا لم تعد أمم الأرض تعمل لآرائنا أو لحقوقنا أو حتى لمشاعرنا أي حساب؟!

لقد شخّص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الداء الذي نعيشه اليوم قبل أربعة عشر قرنًا، فقد روى أبو داود عَنْ ثَوْبَانَ -رضي الله عنه- قال: قال رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عليكم كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا". فَقَالَ قَائِلٌ: أوَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟! قَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ منكم، وليقذفن اللَّهُ في قُلُوبِكُمُ الْوَهنَ". فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا الْوَهنُ؟! قَالَ: "حُبُّ الدُّنْيَا، وكراهية الموت". صحيح أبي داود للألباني.

والغثاء ما يحمله السيل من رغوة، ومن فتات الأشياء التي على وجه الأرض، فليس له قيمة ولا ينتفع به، والأمواج تتلاطم به في جميع الاتجاهات!!

فالدنيا لم يخلقها الله تعالى لكي نبغضها، ولكن الحب المشار إليه في الحديث هو الاهتمام الذي يطغى على المبادئ والقيم والمثل، فتباع كل هذه الأمور في سبيل تحصيلها، وهنا يبدأ الضعف والغثائية.

وأما كراهية الموت فكل الناس يكرهون الموت، وهذه فطرة الله في خلقه؛ لكنها الكراهية تمنع صاحبها من الجهاد في سبيل الله والتضحية من أجل هذا الدين، وقد حذّر الله من ذلك فقال: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [الحديد:20].

وهذا يعني أن ذلك الفرد وذلك المجتمع وتلك الأمة التي ظهر هذا الداء في حياتها وسلوكها وتصرفاتها سيجعلها تركن إلى الدنيا وملذاتها وشهواتها على حساب دينها وقيمها ورسالتها، فحب الدنيا وعدم الاستعداد للقاء الله والدار الآخرة يؤثر على عقيدة الفرد؛ فيظهر الضعف في الإيمان بالله، والتوكل عليه، والثقة فيه، واللجوء إليه.

ويؤثر حبّ الدنيا على عبادة الفرد، وإخلاصه في عمله، واستجابته لأوامر دينه وشريعته؛ فيذهب الخشوع والإتقان وحلاوة الطاعة.

بل ويؤثر حب الدنيا على الإقدام والشجاعة والتضحية من أجل هذا الدين وهذه الأمة، وتختفي كلمة الحق، ويضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويحل محل ذلك الجبن والخوف والتنازل؛ إيثارًا للسلامة، وطلبًا للراحة، قال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ) [البقرة:243].

إن الأمة التي تخاف من الموت والمواجهة وإعلاء كلمة الحق أمة ميتة، وانظروا اليوم من حولكم في بلاد المسلمين إلى القتل والتشريد والاضطهاد يمارَس على المسلمين في عقر ديارهم، فهل نفعهم السكوت والخنوع والتبعية؟! كلا! لكنها "الغثائية" التي أوصلنا أنفسنا إليها دون أن يرغمنا أحد عليها: حب الدنيا، وكراهية الموت.

اللهم ردنا إلى دينك ردًّا جميلاً. قلتُ ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية:

عباد الله: إن من وسائل بناء الشخصية تقوية عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر في نفوسنا بعمل الصالحات، وكثرة الأذكار في الخلوات، وقراءة القرآن بتدبر، ومراقبة الله في كل حال؛ قال -تعالى-: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [الأنعام:59].

ومن ذلك أن يكون الفرد المسلم حسن الخلق في تعامله مع الخلق مِن حوله حتى يحدث التميز في شخصيته، ويكون قدوة لغيره، فعن أبي ذر ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتّقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالق الناس بخلق حسن". رواه الترمذي.

وحتى لا نكون من صانعي الغثائية في أمتنا ومجتمعاتنا علينا جميعًا أن نقوم بمسؤولياتنا، فيُحسن الأبوين تربية أبنائهما تربية صالحة راشدة، بغرس الإيمان والأخلاق وحب القرآن والاقتداء بالنبي المصطفى العدنان -صلى الله عليه وسلم- في نفوسهم، وتوجيه اهتماماتهم للنجاح في دراستهم وأعمالهم حتى يكون لهم دور مؤثر في هذه الحياة.

وعلى الموظف والعامل والمسؤول في أي مجال أن يتقن عمله، ويُدرك مسؤولياته، ويتحرى الحلال في لقمته، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". متفق عليه.

وليحذر المسلم أن يكون إمعة لا رأي له ولا إرادة، إنما يعيش حياة التبعية بالحق والباطل، فالله -سبحانه وتعالى- جعل للإنسان عقلاً يهتدي به، وأرسل له الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليقتدي به، وأنزل القرآن ليعمل وفق أحكامه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تكونوا إمعة، تقولون: إنْ أحسن الناس أحسَنَّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تُحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا". رواه الترمذي.

عباد الله: إن علينا -كذلك- كمسلمين أن ندرك دورنا الحضاري، فكما يجب أن نعمل للآخرة فإنه يجب أن نعمل لهذه الدنيا، فالإسلام لم يكن عقيدة بالله راسخة وحسب، أو عبادة صحيحة وحسب، أو أنه مجرد أذكار ومعانٍ وحسب؛ بل الإسلام -إلى جانب ذلك- علم وعمل، ونظام وتطوير ورقي في جميع مجالات الحياة.

ولا بد أن تسعى الأمة للوصول إلى ريادة هذه البشرية من جديد، وذلك يأتي بالعلم والعمل والهمة العالية، والتخطيط الدقيق، ومحاربة العبث والتسيب والاستهتار واللامبالاة في جميع أعمالنا.

وعلينا -كذلك- أن نحرّر عقولنا من الوهم والفهم المغلوط لأحكام الدين، حتى إنه قد استبيحت به الدماء، وانتهكت المحرمات؛ ولنحذر العصبية والطائفية والمذهبية البغيضة التي أوغرت الصدور وفرقت بين المسلمين، واتخذها كثير من الناس دينًا وآلهة تعبد من دون الله؛ فالمسلمون جميعهم إخوة، والله -عز وجل- سماهم بنفسه فقال -تعالى-: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) [الحج:78].

وأخيرًا؛ ليكن عندنا أملٌ وثقة بالله، فمهما كان الليل مظلمًا فبعده يأتي الفجر، ومهما كان العسر شديدًا يأتي بعده اليسر، وهذا ما يبشرنا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلْكًا عاضًا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبريًا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت". رواه أحمد والطبراني وصححه العراقي والألباني.

هذا؛ وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين. والحمد لله رب العالمين...
 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي