موعظة الرحيل للراعي والرعية

حسان أحمد العماري
عناصر الخطبة
  1. غفلتنا عن الآخرة .
  2. آثار هذه الغفلة .
  3. عقيدة المسلم في الموت .
  4. قيمة الدنيا .
  5. فوائد تذكّر الموت .
  6. صنفا الناس إزاء تذكر الموت .
  7. الاستعداد للموت .

اقتباس

في صخب هذه الحياة وكثرة مشاكلها وصراعاتها وأحداثها المتتالية والمتسارعة، ومخترعاتها، ووسائل الترفيه، وتقارب الزمان والمكان بين الدول والشعوب والحضارات بسبب تقنية العصر، أصبح الكثير من الناس مندهشًا بهذه الحياة، متعلقًا بها، منبهرًا بتقلباتها وتحولاتها وإغراءاتها، إلى درجة قد تفسد عندها القيم، ويضعف الدين، وتترك العبادات والطاعات، وينسى الإنسان ..

الحمد لله الذي قصم بالموت رقاب الجبابرة، وكسر به ظهور الأكاسرة، وقصر به آمال القياصرة، الذين لم تزل قلوبهم عن ذكر الموت نافرة، حتّى جاءهم الوعد الحقّ فأرداهم في الحافرة، فنُقلوا من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن التنعم بالطعام والشراب إلى التمرّغ بالتراب، ومن أنس العُشرة إلى وحشة الوحدة، ومن المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل، فانظر هل وجدوا من الموت حصنًا وعزًّا؟! وهل اتخذوا من دونه حجابًا وحرزًا؟! (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) [مريم:98].

هُوَ الموتُ ما مِنْهُ ملاذٌ ومَهْرَبُ *** متَّى حُطَّ ذا عن نَعْشِهِ ذاك يركَبُ
نؤمِّـلُ آمـالاً ونبغي نِتَاجـَهَا *** وعلَّ الـردى عمَّا نُرَجِّيهِ أقْرَب
إلى الله نَشْكُـو قسوةً في قُلُوبِنَا *** وفي كُلِّ يومٍ واعظُ الموتِ يندُب

وأشهد أن لا إله إلا الله؛ انفرد بالقهر والاستيلاء، واستأثر باستحقاق البقاء، وأذلّ أصناف الخلق بما كتب عليهم من الفناء.

والصلاة والسلام على نبيه محمّد ذي المعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة، وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

عباد الله: في صخب هذه الحياة وكثرة مشاكلها وصراعاتها وأحداثها المتتالية والمتسارعة، ومخترعاتها، ووسائل الترفيه، وتقارب الزمان والمكان بين الدول والشعوب والحضارات بسبب تقنية العصر، أصبح الكثير من الناس مندهشًا بهذه الحياة، متعلقًا بها، منبهرًا بتقلباتها وتحولاتها وإغراءاتها، إلى درجة قد تفسد عندها القيم، ويضعف الدين، وتترك العبادات والطاعات، وينسى الإنسان الهدفَ من خلقه ووجوده في هذه الحياة، ومصيرَه بعد ذلك، ولقاءه بربه، وهذا ما أصبح واقعًا في حياة الكثير من أبناء أمة الإسلام؛ وأصبحت المادة هي التي تتحكم في حياة البشر، وأصبح الدينار والدرهم والمصلحة الشخصية الضيقة غايتهم سواء كانوا أفرادًا، حكامًا ومحكومين، أم أحزابًا وجماعات، وحتى الدول.

عندها تضعف القيم، وتختفي المبادئ، وتفسد العلاقات، وتضيع الحقوق، وتهمل الواجبات، ويظهر الكبر، وينتشر الظلم، ويفتقد المعروف من حياة الناس، ويقل العظماء، ويزداد السفهاء؛ وعندها لن يكون إلا الشقاء في الدنيا والآخرة، ومقت الله وغضبه وسخطه، وهذه هي الغفلة التي حذّر الله منها، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ) [يونس: 7].

لذلك كان من وسائل الإسلام في تربية النفس، وتزكيتها، وتقويم اعوجاجها، ووعظها، وإصلاح الخلل الذي قد يعتريها تذكيرها بالموت والرحيل من الدنيا، ولقاء المولى سبحانه وتعالى، والاستعداد للحساب.

فالموت ما ذُكِرَ في قليلٍ إلا كثَّرَه، ولا في كثير إلا قلَّله، ولا في صغير إلا عظَّمه، ولا في عظيم إلا حقره؛ عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر بمجلس وهم يضحكون فقال: "أكْثِروا من ذكر هاذم اللذات"، أحسبه قال: "فإنه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه، ولا في سَعةٍ إلا ضيَّقَها عليه". حسن لغيره، صحيح الترغيب للألباني.

الموت سر الله في خلقه، يسلطه على جميع خلقة، (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران:185].

وعقيدة المسلم في الموت أنه أجَل الله، وسنته في خلقه، وقدره في أرضه وسمائه، وأنه لا يعلم موعده ومتى يأتي ويطرق أبواب العباد وينزع الروح من الأجساد إلا الله، وأن الموت بيد الله، وأنه لا يتدخل أحد في تعجيل موت امرئ أو تأخيره ما لم يأتِ أجله، قال تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف:34].

يروى أن ملِكًا من الملوك بنى قصرًا وشيده وزينه، ثم إنه دعا الناس لزيارته، وقال لجنوده: مَن عاب منه شيئًا فأصلحوه، وأعطوه درهمين، فكان الناس يطوفون في هذا القصر وينظرون إلى غرفاته وشرفاته فلم يجدوا عيبًا، فجاء رجل فقير ضعيف في آخر الناس، ولما هم بالخروج من ذلك القصر، سأله الجنود: هل وجدت فيه عيبًا؟! فقال: هذا القصر فيه عيبان. قالوا: ما هما؟! قال: إن هذا القصر لا بد وأن يأتي عليه يوم ويتهدم، وأن صاحبه سوف يموت.

فأتوا للملك وأخبروه، فبكى الملك، وذكر حاله، وخرج من هذه الدنيا وقال لهم: دلوني على قصر لا يهدم ولا يموت صاحبه؟! قالوا: إن هذا -أيها الملك- لا يكون إلا في الجنة.

وهذا هو حال الإنسان في هذه الحياة الدنيا مهما عمر وتجبر، مهما شيد من المباني، مهما ملك من الدور والقصور، مهما كان عنده من الذرية والأبناء والمنصب والجاه والسلطان، لا بد أن يأتي يوم يرحل فيه عن هذه الحياة الدنيا وينتقل إلى الحياة الآخرة، وهذا هو أمر الله ووعده من أول يوم عاش فيه الإنسان على هذه الأرض، فعندما أهبط الله أبانا آدم وأمنا حواء إلى الأرض قال لهما: (وَلَكُمْ في الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَـاعٌ إِلَى حِينٍ) [البقرة:36].

عباد الله: إن على المسلم أن يُكثر من ذكر الموت حتى تستقيم حياته، وحتى لا ينسى مصيره ومآبه، وحتى لا يطغى في الأرض وينسى لقاء ربه يوم العرض، والله -عز وجل- يقول: (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك:1-2].
 

لقد وقف نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- على شفير قبر فبكى حتى بل الثرى، ثم قال: "يا إخواني: لمثل هذا فأعِدُّوا". السلسلة الصحيحة.

وسأله -عليه الصلاة والسلام- رجل فقال: مَن أكيَس الناس يا رسول الله؟! فقال: "أكثرهم ذكرًا للموت، وأشدهم استعدادًا له، أولئك هم الأكياس، ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة". السلسلة الصحيحة.

وليحذر المسلم من طول الأمل، والتسويف في العمل في هذه الحياة، قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَـاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ) [الشعراء: 205-207].

وعلى المسلم أن يحسن الظن بالله وبرحمته، مع إحسانه بالقيام بالأعمال والتكاليف الشرعية؛ عند احتضار بلال بن رباح قالت زوجته: واحزناه! فكشف الغطاء عن وجهه وهو في سكرات الموت، وقال: لا تقولي: واحزناه! وقولي: وافرحتاه!

غدًا نلقى الأحبّهْ *** مُحمَّدًا وصحبَهْ

ودخل المزني على الإمام الشافعي في مرضه الذي توفي فيه فقال له: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟! فقال الشافعي: أصبحت من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقًا، ولسوء عملي ملاقيًا، ولكأس المنية شاربًا، وعلى الله واردًا؛ ولا أدري: أروحي تصير إلى الجنة فأهنئها، أم إلى النار فأعزيها؟! ثم أنشأ يقول:

ولمـا قسَـا قلبي وَضَاقَتْ مَذاهبي *** جعلتُ رجائي نحْوَ عَفْوِكَ سُلَّمًا
تَعَـاظَمَنِـي ذنبي فَـلَمَّا قَـرَنْتُهُ *** بعَفْوِكَ ربي كـان عفوُكَ أعظمَ
فما زلتَ ذا عفوٍ عن الذنْبِ لم تزَل *** تجـودُ وتعفـو مِنَّـةً وتَكَرُّمًا

عباد الله: إن المسلمين اليوم، من حيث الاستعداد للموت، صنفان: فالصنف الأول هم أهل الغفلة، وهم أكثر الناس، قال تعالى عنهم: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) [الانبياء:1-2]؛ فنتج عن ذلك فساد الحياة، وظهور الصراعات بين البشر، وضعفت القيم النبيلة، وساءت الأخلاق في النفوس، وارتكبت المحرمات، وسفكت الدماء، واستطال الإنسان في عرض أخيه وماله، وقلت المحبة، وحل محل ذلك التقاطع والهجران.

ورد في الصحيحين عن عمرو بن عوف الأنصاري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتي بمال من البحرين -جزية جاءته من البحرين- فعلم بذلك الأنصار، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما صلوا معه صلاة الفجر، جاؤوا فسلموا عليه، فتبسم النبي -صلى الله عليه وسلم- حين رآهم، وقال: "أظنكم سمعتم بالمال الذي قدم من البحرين؟!"، قالوا: نعم يا رسول الله، فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أبشِروا وأمِّلوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم! ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم".

إذًا؛ بسط الدنيا يتبعه غالبًا التنافس عليها، ثم الهلاك من أجلها، ويذهب الإنسان صريع الدنيا، وشهيد الهوى.

بل رأينا جرأة عجيبة على حدود الله، وسَيْرًا في طريق المعاصي والشهوات، وتهاونًا بالفرائض والواجبات، وظهر الاستكبار في الأرض والظلم والعدوان؛ فترى المسلم يظلم أخاه المسلم ويعتدي على ماله، والجار لا يأمن جاره، والمسؤول لا يؤدي واجبه، والمؤتمن يخون أمانته، وظهر الجبن والخوف والنفاق وموالاة الأعداء؛ ظنًّا من هؤلاء أن هذا العمل سيكون سببًا في نجاتهم وبقاء ملكهم وسلطانهم.

هارون الرشيد، الخليفة العباسي الذي يتحدى السحاب، أرأيت السحاب؟! يتحداه هارون من فوق شرفات قصره، يقول للسحابة: أمطري حيث شئتِ فإن خراجك سوف يأتيني!!

يُصرع في مصرع الموت وينظر إلى جيشه ويبكي وهو يقلب وجهه في التراب ويقول: "يا من لا يزول ملكه: ارحم من قد زال ملكه".

والله -عز وجل- يقول محذرًا: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون115-116].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية:

عباد الله: والصنف الثاني هم أناس أدركوا حقيقة الموت، وأنه قدر الله النافذ، فاستعدوا له بالعمل الصالح في الدين والدنيا، فما فرطوا في العبادات، وما تهاونوا في الواجبات، وما تجرؤوا على انتهاك المحرمات، وإن وقعوا في ذلك فلا ترى منهم إلا توبةً وندمًا واستغفارًا.

لم يرهبهم الموت لذاته، ولا لقسوته وكربته، ولا لمفارقة الأهل والأولاد والأموال؛ ولكنهم خافوا من التقصير والتفريط في حق الله، وفي واجباتهم ومسؤولياتهم.

ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق أن أبا مسلم الخولاني المشهور بورعه وزهده وعبادته قد انصرف يومًا إلى منزله فإذا بجاريته تبكي، فقال لها: يا بنيّة: ما يبكيك؟! فقالت: ضربني سيدي ابنك، فدعا ابنه فقال: كيف ضربكِ؟! قالت: لطمني، قال لابنه: اجلس فجلس، فقال لها: الطميه كما لطمكِ، فقالت: لا ألطم سيدي، فقال لها: عفوتِ عنه؟! قالت: نعم، قال: لا تطلبينه في الدنيا ولا في الآخرة؟! قالت: نعم، قال: اذهبي حتى تُشهدي على ما تقولين، فدعت رجالاً، فقال لهم أبو مسلم: إن ابني لطمها لطمة، فدعوتها لتقتصّ من ابني، فأبت أن تقتصّ، فزعمت أنها قد عفت عنه، لا تطلبه لا في الدنيا، ولا في الآخرة، فكذلك؟! قالت: نعم، قال: أشهدكم أنها حرة لوجه الله. فأقبل عليه بعض القوم، فقال: أعتقتها من أجل أن لطمها ابنك، وليس لك خادم غيرها؟! قال: دعونا منكم أيها القوم، ليتنا نفلت كفافًا، لا لنا ولا علينا.

ولم يلههم ذكر الموت والاستعداد له عن واجبهم ودَورهم في تعمير الأرض، وبناء الحضارات، والسعي وراء الرزق وطلب العلم، والبحث عن كل جديد، والتأليف والاختراعات وتربية الأبناء، والتمتع بنعم الله في هذه الحياة بالمباح، وبما شرع الله.

هذا عبد الله بن المبارك العالم العابد الزاهد المجاهد، حينما جاءته الوفاة اشتدت عليه سكرات الموت ثم أفاق ورفع الغطاء عن وجهه وابتسم قائلاً: "لمثل هذا فليعمل العاملون! لا إله إلا الله". ثم فاضت روحه.

وهذا عمر بن عبد العزيز الحاكم العادل الذي حكم دولة عظيمة امتدت من الصين شرقًا إلى بلاد الأندلس غربًا، نشر العدل والعلم وراسل ملوك الأرض وجيّش الجيوش، وامتلأت خزائنه بالأموال حتى لم يجدوا من يأخذها وينتفع بها لكثرتها، ومع ذلك ما غفل عن الموت لحظة، فقد كان غزير الدمع، خائفًا من تقصيره وتفريطه.

لما حضرته الوفاة قال لبنيه: "يا بني: إني قد تركت لكم خيرًا كثيرًا، لا تمرون بأحد من المسلمين وأهل ذمتهم إلا رأوا لكم حقًا. يا بني: إني قد خيرت بين أمرين: إما أن تستغنوا وأدخل النار، أو تفتقروا وأدخل الجنة؛ فأرى أن تفتقروا، ذلك أحب إليّ. قوموا؛ عصمكم الله! قوموا؛ رزقكم الله! قوموا عني؛ فإني أرى خلقًا ما يزدادون إلا كثرة، ما هم بجن ولا إنس".

قال مسلمة: فقمنا وتركناه، وتنحينا عنه، وسمعنا قائلاً يقول: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص:83]، ثم خفت الصوت، فقمنا فدخلنا، فإذا هو ميت مغمض مسجى.

لذلك ينبغي الاستعداد للموت بالعمل الصالح، وإقامة شرع الله، والاستخلاف في الأرض كما أمر الله: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج:41].

فأكثروا من ذكر الموت تستقم حياتكم، وتوبوا إلى الله توبة نصوحًا قبل نزول الأجل، وأحسنوا العمل، وزوروا المقابر، واعتبروا بحياة أهلها؛ فإنها تذكركم بالآخرة.

فاللهم ارحم في الدنيا غربتنا، وفي القبور وحشتنا، وارحم موقفنا غدًا بين يديك، واجعلنا من عبادك الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

هذا؛ وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].

والحمد لله رب العالمين.
 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي